مقتل العميد فرانسوا الحاج وتغير اتجاه سيناريو الاغتيالات اللبنانية

12-12-2007

مقتل العميد فرانسوا الحاج وتغير اتجاه سيناريو الاغتيالات اللبنانية

الجمل: تناقلت وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة الأخبار والمعلومات حول اغتيال العميد فرانسوا الحاج قائد العمليات في الجيش اللبناني، وتقول رواية حادثة الاغتيال بأن الانفجار قد حدث في منطقة بعبدا عندما انفجرت سيارة مفخخة كانت تقف بالقرب من مقر البلدية في منطقة قريبة من القصر الرئاسي. وكان أبرز ضحايا الانفجار بالإضافة إلى العميد فرانسوا الحاج، سائقه وبعض المواطنين اللبنانيين –تقول المعلومات بان أغلبهم من العسكريين- إضافة إلى عدد كبير من الجرحى.
* الجديد في سيناريو الاغتيالات اللبنانية:
منذ لحظة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري والاغتيالات التي أعقبته كان سيناريو الاغتيالات اللبنانية يتضمن المشاهد الآتية:
• المشهد الأول: انفجار عبوة ناسفة.
• المشهد الثاني: التعرف على الضحية من السياسيين المعارضين لسوريا.
• المشهد الثالث: قيام زعماء قوى 14 آذار (جعجع وجنبلاط والحريري) بتوجيه الاتهامات، إضافة إلى قيام المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض والمتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية بتوجيه الاتهامات والتهديدات لسوريا.
• المشهد الرابع: قيام الصحف والقنوات الفضائية اللبنانية التابعة لقوى 14 آذار، وأيضاً صحف وإعلام جماعة المحافظين الجدد بتسويق حملة العداء ضد سوريا مع ملاحظة أن الصحافة الإسرائيلية كانت "تحترم نفسها" ولا تتسرع في إطلاق الاتهامات ضد سوريا، طالما أن هناك أطرافاً لبنانية تكرس نفسها للقيام بهذه المهمة نيابة عن إسرائيل، وتجدر الإشارة إلى أن الصحف الإسرائيلية كانت دائماً عند نشرها للاتهامات ضد سوريا تشير إلى "المصدر" اللبناني الذي صدرت عنه.
الآن، وبرغم مرور ما يقرب من 10 ساعة على اكتمال تنفيذ المشهد الأول (انفجار السيارة المفخخة) والمشهد الثاني (التعرف على الضحية) فإنه حتى الآن:
• لم يتبرع أي طرف من قوى 14 آذار لاتهام سوريا برغم أن العادة التي كانت متبعة هي استغلال ظروف الاغتيالات في تسويق العداء لسوريا باعتباره البضاعة الرائجة والأكثر ربحية لقوى 14 آذار.
• لم يتبرع أي متحدث رسمي باسم البيت الأبيض الأمريكي ولا باسم وزارة الخارجية الأمريكية ولا السيد جورج بوش لا السيدة كوندوليزا رايس لا غيرهم بتوجيه الاتهامات ضد سوريا، فما السبب يا ترى؟
إن سوريا لم تتحالف لا مع قوى 14 آذار ولا مع حكومة السنيورة إضافة إلى أنها -بشهادة الإسرائيليين أنفسهم- لم تكن راغبة في حضور مؤتمر أنابوليس، وحتى عندما حضرت شاركت بأدنى ما يمكن، على النحو الذي ينقل إشارة واضحة إلى إسرائيل وأمريكا بأن سوريا ليست مستعدة للانصياع لابتزاز إدارة بوش وحكومة أولمرت.
* الاغتيالات "التعبوية" في لبنان وإستراتيجية تغيير الاتجاه:
من المعلوم حتى للبنانيين أنفسهم أن الاغتيالات السابقة كانت تهدف إلى تسويق العداء وتصعيد حملة بناء الذرائع ضد سوريا، ولكن ما أربك الأطراف اللبنانية و"عقد ألسنتها" بالدهشة يتمثل في أن ضحية عملية الاغتيال اليوم هو ضابط برتبة عميد في الجيش اللبناني، وأن هذا العميد هو المسؤول عن العمليات العسكرية، إضافة إلى أنه الأكثر قرباً من قائد الجيش العماد ميشيل سليمان والذي أصبح مرشحاً متوافقاً عليه من الأطراف اللبنانية التي طال أمد خلافاتها. كذلك، فإن العميد فرانسوا الحاج كان الأكثر قرباً من تولي منصب قيادة الجيش اللبناني في حال وصول العماد سليمان إلى قصر بعبدا.
إذاً، لقد تغير اتجاه سيناريو الاغتيالات اللبنانية وبدلاً من تسويق العداء ضد سوريا أصبح الهدف هو قطع الطريق ولكن على من:
• على العماد ميشيل سليمان من الوصول إلى سدة الرئاسة!!
• على العميد فرانسوا الحاج من الوصول إلى قيادة الجيش!!
* السيناريو "غير المعلن" في اغتيال العميد فرانسوا الحاج، البحث عن العامل الإسرائيلي:
أصبح لبنان في الفترة التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وخروج القوات السورية منه ساحة للحرب السرية والعمليات السرية العسكرية – النفسية، وقد تورط "زعماء الأغلبية" في الحرب السرية اللبنانية وعملياتها السياسية التي استهدفت الساسة والزعماء اللبنانيين، بما في ذلك زعماء الصف الثاني من قوى 14 آذار والذين تم إجبارهم ليقوموا بدور "كبش الفداء" الذي يتم نحره عن طريق انفجار العبوات الناسفة، ثم استغلال وتوظيف دمه في عملية تسويق العداء وبناء الذرائع ضد سوريا.
النظام السياسي اللبناني يقوم على أساس فرضيتين رئيسيتين هما:
• استقرار العلاقات الطائفية البينية اللبنانية.
• استقرار العلاقات المدنية – العسكرية اللبنانية.
وعلى أساس اعتبارات هاتين الفرضيتين كانت عملية توازن القوى داخل لبنان تقوم على الآتي:
• الالتزام بصيغة المحاصصة الطائفية الموجودة في الدستور.
• حياد الجيش اللبناني وقوى الأمن إزاء الصراع السياسي.
ولكن، وبسبب مغالاة قوى 14 آذار وتماديها في:
• التحالف مع إدارة بوش علناً ومع إسرائيل سراً.
• تسويق العداء والانخراط في حملة بناء الذرائع ضد سوريا.
• استهداف القوى الوطنية اللبنانية.
• رفع سقف المطالب إزاء كافة اعتبارات المصالحة الوطنية اللبنانية.
وقد كانت النتيجة المزيد من التدهور في ميزان القوى الداخلي اللبناني، وترتب على ذلك استغلال الأيادي الخفية للفرصة والعمل أكثر فأكثر على تقويض ميزان القوى ليس من أجل تصعيد الصراعات المدنية اللبنانية البينية (السياسية والطائفية)، وإنما من أجل "جر" الجيش اللبناني نفسه وجعله ينخرط في الصراع الداخلي. بكلمات أخرى، فإن "المولود الجديد" الذي تحاول "القابلة" الخفية الإشراف على توليده في الساحة اللبنانية الحبلى بشتى أنواع العنف السياسي الظاهر والباطن (المدني – العسكري إضافة إلى الصراع المدني - المدني) هذا المولود سيولد ميتاً.
عموماً، تتمثل أبرز التساؤلات حول الاحتمالات القادمة في الآتي:
• ما هو تأثير عملية الاغتيال على التوافق الجاري حالياً حول ترشيح العماد ميشيل سليمان للرئاسة؟
• ما هو تأثير الاغتيال على المؤسسة العسكرية اللبنانية؟
• عارض زعماء قوى 14 آذار ترشيح العماد سليمان بشدة في البداية ولكنهم عادوا ووافقوا على ذلك فجأة، فهل موافقتهم الفجائية هذه تستبطن احتمالات وقوع حدث مفاجئ يؤدي لإعادة خلط الأوراق الرئاسية؟
عموماً، يقولون بأن فؤاد السنيورة رئيس وزراء حكومة قوى 14 آذار لم يكن راضياً عن ترشيح العماد سليمان، وبالضرورة فإن لم يكن راضياً عن تعيين العميد فرانسوا الحاج قائداً للجيش، فهل كانت عملية الاغتيال تهدف إلى التخلص من قائد الجيش القادم؟ خاصة وأن حكومة السنيورة وقوى 14 آذار تحتاج الجيش والمؤسسة العسكرية اللبنانية في إكمال مسيرة مخطط تحالفاتها واتفاقياتها العسكرية والأمنية مع أمريكا وصولاً إلى العلاقات مع إسرائيل، مع ملاحظة أن ملف قاعدة القليعات سوف سكون الأكثر أهمية في أجندة التعاون العسكري بين إدارة بوش وحكومة السنيورة في المرحلة القادمة، وعلى وجه الخصوص بعد إعلان حلف الناتو رسمياً عدم وجود أي علاقة بينه وبين هذه القاعدة، وذلك بعكس ما كانت تتحدث عنه حكومة السنيورة وقوى 14 آذار، الأمر الذي ألقى بالمزيد من الشكوك حتى في أوساط العسكريين اللبنانيين أنفسهم حول طبيعة هذه القاعدة ومدى تأثيرها على الأمن العسكري والسياسي اللبناني والشرق أوسطي في المستقبل!!
هذا، وعلى خلفية عملية اغتيال العميد فرانسوا الحاج أشار موقع ديكة الاستخباري الإلكتروني الإسرائيلي إلى الآتي:
• إن عملية الاغتيال سوف تضر كثيراً التفاهم السوري – الإيراني – الأمريكي حول لبنان والمنطقة.
• استدعت الإدارة الأمريكية سفيرها في لبنان فيلتمان من أجل التشاور معه حول التطورات الجديدة.
وقوع انفجار بعبدا واغتيال العميد فرانسوا الحاج سوف يؤثران سلباً على عملية اختيار العماد ميشيل سليمان لمنصب الرئاسة، وأيضاً على عملية استبدال رئيس الوزراء فؤاد السنيورة وتخصيص حقائب وزارات الخارجية والعدل والأمن الداخلي لحزب الله.
الآن، على غرار القول السائد "إذا عرف السبب بطل العجب"، فإن العجب والدهشة التي تملكت الجميع إزاء صمت زعماء قوى 14 آذار وامتناعهم عن التعليق على عملية الاغتيال هو صمت مخطط له مسبقاً، وربما بواسطة السفير الأمريكي فيلتمان الذي سوف يشير إلى واشنطن بضرورة إلغاء التوافق اللبناني وفرض صيغة "النصف + 1" وبعد ذلك، سوف يتلقى زعماء قوى 14 آذار الإشارة وتفاصيل المخطط الجديد، وبعدها سوف تنطلق تصريحاتهم على وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...