اعرف شخصيتك من رنة موبايلك
الجمل ـ خلود حدق : ضحكت مليا وكاد أن يغشى عليها من شدة الضحك عندما سمعت مني هذه العبارة المحرفة عن المثل المعروف قل لي من تصاحب أقول لك من أنت محاولة في استعادة دور الكتاب كصديق لدى الكثيرين و تعبيرا عن دور الكتاب في بناء شخصية الإنسان توجيه أفكاره
وما إن التقطت أنفاسها حتى أجابتني : فكيف حال من لا يقرأ أبدا ؟؟
رؤى طالبة في كلية الصحافة في جامعة دمشق التعليم المفتوح عادت إلى الإجابة على النقاش الجاد الذي دار بيننا بقولها : ( أحب أن أقرأ لكن لا أعرف ماذا أقرأ وكيف أقرأ و من أين أبدأ ولم يوجد شخص في حياتي ليرسم لي خارطة ثقافية كما يفعل المثقفون مع أولادهم وذويهم وعلى كل الأحوال ليس لدي وقت )
تعددت الأسباب والنتيجة واحدة عزوف عن القراءة عند نسبة كبيرة من شريحة الشباب السوري
بناء على ذلك فقد غدت محلات بيع الكتب في دمشق والمحافظات الأخرى تتقلص رويدا رويدا وتحل محلها مقاهي انترنت أو محلات لبيع أجهزة الخليوي وتركت الجمل بما حمل للبساطات عسى أن تفي بالغرض حيث أنها تنوع قدر الإمكان في عرضها للكتب بحيث يختلط الصالح مع الطالح فمن غير المستهجن أن تجد كتاب عن أغاني هاني شاكر يجاوره كتاب مصير إسرائيل ذلك فضلا عن مجاورة الكتب لصور نانسي و هيفاء وعيشة و طويشة و عاصي وراغب و أيمن وسامي و علي وجاسم و خلف و في نهاية البسطة نجد لوحة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"
هل احتلت الفضائيات وشبكة الاتصالات العالمية في هذا العصر مكان الكتاب الذي وصفه المتنبي بأنه خير جليس ؟؟؟
علي طالب في كلية الاقتصاد يعترف بأنه ليس من هواة أي نوع من الفضائيات ولا مواقع الإنترنت ومع ذلك لا يقرأ أي نوع من الكتب فيقول : ( ربما لعبت ثورة الاتصالات دورا في تقليص دور الكتاب عند هذا الجيل لكن عندما يناقش مثل هذا الموضوع لماذا يفصلون الثقافة عن الإنترنت وتحصر دائما بالكتاب فهناك مواقع ثقافية فكرية لمن يريد القراءة لكن المسالة أن هذا الجيل نصفه يائس قد وجد من قرأ الفكر والفلسفة من قبلهم بأنه لم يحرك ساكنا والنصف الآخر ضائع في ملكوت الفراغ )
يرى البعض كما علي أن الثقافة هي ثقافة سواء كانت إلكترونية أم مكتوبة إنما المشكلة في الشباب أنفسهم فمنهم من يعلق الأمر على الحالة المادية التي قد لا تسمح بشراء الكتب
جعفر صاحب إحدى المحلات المتخصصة ببيع الكتب يقول : جميعهم هكذا ... جميعهم يقولون لا نملك النقود لشراء كتب بينما تصدر فاتورة البعض حوالي ثلاثة آلاف ليرة سورية بين مكالمات ورسائل لكنهم غير مستعدين لتوفير مئة ليرة شهريا لشراء كتاب
ينعت بعض الشباب ومن طبقات مختلفة التعليم الجامعي وغيره الكتب بأنها (معتة) سواء كانت روايات أو سير ذاتية أو فكرية أو سياسية أو تاريخية وغيرها وعندما يناقش أحدهم عن هذا الأمر يرد قائلا : لماذا نقرأ ؟؟
البعض يعني بهذا السؤال لماذا يتثقف مادام يدرس بالجامعة وهي محاولة لفصل الثقافة عن المرحلة التعليمية ومنهم من يعني به أن الثقافة لا تطعم خبزا كما هو شائع حيث أننا جيل لا يطمح للخبز فقط بل للخبز واللحم والسيارة والمنزل والملابس الفاخرة و المبايلات في آن معا وبين ليلة وضحاها ومنهم من رأى كيف أن المثقف في بلادنا يصل إلى حد الجنون لأنه يشعر أن الجميع يمشي بعكس التيار مما دعاهم إلى الفرار هربا من الثقافة بقولهم ( بلا ثقافة بلا بطيخ )
أما مصطلح نصف مثقف فقد سمعته للمرة الأولى من أحمد 27 طالب في كلية الإعلام عندما سألته عن وضعه الثقافي والفكري فشرح لي الأمر قائلا : بسبب تدني ثقافة من حولي ألجأ إلى إنشاء صداقات من طبقات مثقفة وجميعهم يكبرونني سننا وأنا في بداية بنائي الثقافي فعندما أسأل عن أحد الشعراء وأجاوب بأني لم اسمع به من قبل أحس بالخجل من نفسي وأذهب واشتري كتب وأقرأ حتى أصل للمستوى الثقافي الذي اطمح إليه لكنني بالمقابل لا أستطيع التخلي عن صداقات أبناء جيلي وأحاول أن أجرهم إلى القراءة فمثلا أقول لصديقتي هل تعرفين جبران خليل جبران فتسألني وهي تقلب أوراق جهازها الخليوي هل هو مطرب جديد لم أسمع له بعد ؟
منذ حوالي خمس سنوات خلت والشيء الذي يدعى المبايل قد سرق الأنظار في أماكن تجمعات الشباب فلم يعد للحديث عن آخر ما قرأ أحدهم أو آخر التطورات على الساحات السياسية بل غدت أنواع المبايل و أحدث الصور والرنات هي حديث تلك التجمعات ففي إحدى مقاهي دمشق القديمة دخلت لأستريح واشرب العصير بعد رحلة قضيتها في أحضان تلك المدينة الساحرة جلست على الطاولة وأخرجت كراسي لأكتب مذكرات اليوم فإذ بالمكان يعبق بكثافة من ضغط دخان النراجيل والأحاديث تختلف من طاولة لأخرى والجميع صخب يتكلم بصوت مرتفع لفت نظري حشد كان ورائي وأقول حشد لأنه أكثر من واحد وعشرين شاب وفتاة يجلسون ويدخنون ويسرحون ويمرحون ويلعبون الورق وما إن انتهوا نادى أحدهم : ألم تباركوا ليارا يا شباب اشترت مبايل جديد بثلاثين ألف
صاح الجميع مبروك يارا مبروك
وعاد ليقول : بهذه المناسبة سوف نشغل البلوتوث لكي نرسل لبعضنا نغمات
الجميع استلوا مبايلاتهم من الجيوب والحقائب ومن على الطاولة و بدءوا ابعث لي لأبعث لك صوت رنين الرسائل صدحت في المكان بعد قليل رن مبايل يارا الذي عكر عليهم صفو حملة البلوتوث فعاتب أحدهم يارا قائلا : ما هذه الرنة التي تضعينها ألم تجدي أفضل منها
فأجابت بتواضع : قرأت تحقيقا في إحدى المجلات يقول اعرف شخصيتك من رنة مبايلك كتب فيه أن اللذين يضعون نغمات موسيقى فقط فهم أشخاص حساسين و متواضعين
لم أعرف كيف أعبر عن مدى إعجابي بذاك المستوى الذي وصل إليه شباب اليوم من خلال ما قرأت يارا أفادتني في الرجوع إلى الوراء وإعادة ترتيب أفكاري وحساباتي إلى أن ظهرت باستنتاج لمقولة جديدة وهي : اسمعني رنة مبايلك أقول لك من أنت
الجمل
التعليقات
كل زمن وإلو
اوافقك الراي
لا أعرف بصراحة
إضافة تعليق جديد