وليد إخلاصي في حوار مستعاد مع "الجمل"
خاص: الجمل - مهند عبد الرحمن - 2007
طالب الأديب والكاتب المسرحي وليد إخلاصي الحكومة السورية بالتنقيب عن الإبداع في سورية كما يتم التنقيب عن البترول، وأشار إلى أنَّ بناء ثقافة الإبداع هو مشروع وطني على الحكومات العربية تبنيّه وانجازه، وأشار في سياق حديثه بأنَّ لديه شيئاً يسمح له بأن يكون قريباً من المثقف الكوني.
وعبّرَ إخلاصي عن خشيته من تحول الإنتاج الأدبي إلى إنتاج إنشائي لغوي لأنَّ ذلك يعرّض المجتمع والكاتب للسقوط، وأعتبر بأنَّ كل الأعمال التي أنتجها عبارة عن بروفات لعمل مستقبلي ضخم، وأكدَّ إخلاصي في حديث خاص أنَّ الأسباب التي جعلته يتوقف عن الكتابة هي الوضع السياسي المأزوم في المنطقة إضافةً إلى وقوعه في فخ متابعة الأخبار التلفزيونية في المنطقة.
وانتقد إخلاصي الدراما العربية بشكل عام واعتبرها دراما ضائعة في بحيرة الكلام السياحي والترفيهي، وقال بأنَّ النهَم لم يقتل السياسيين فقط بل قتل الكتّاب أيضاً، كما اعتبر القيم النبيلة هي الديانة الحقيقية للجنس البشري.
إخلاصي الذي ابتعد عن السياسة والتنظيمات المحلية من نادي رياضي إلى حزب سياسي أشار في سياق حديثه إلى أنَّ هذا الابتعاد يزيده تعلقاً بالمجموع تحت اسم الوطن، وأوضح بأنَّ الأجواء مازالت مفتوحة لإعادة تنظيم المجتمعات الأهلية والمدنية في سورية .. وفيما يلي نص الحديث ....
س- لا يستطيع من يكتب تاريخ سوريا في العصر الحديث أن يؤرخ دون أن يذكر دور الكتّاب والأدباء والمثقفين فيها، وهناك بعض المثقفين لا يحتاجون إلى تقديم أمثال محمد الماغوط وعبد السلام العجيلي ونزار قباني وغيرهم كثير.... ومن بينهم الكاتب المسرحي والأديب وليد إخلاصي، كيف يا ترى يقدم لنا الأســتاذ وليد نفسه بعد كل هذا المشوار الأدبي الطويل؟...
وليد إخلاصي مواطن كان من حسن حظه أنه ولد في فترة ما بين الحربين العالميتين، شاهد فترة الاستقلال السوري وعاصر المأساة العربية الأولى بضياع فلسطين عام 1948م ، وعاصر فترة مهمة في الوطن العربي وهي تأميم قناة السويس ومن ثم الوحدة بين سوريا ومصر ومرحلة الانفصال وبعدها حرب الخامس من حزيران التي كانت السبب الرئيسي في النكسة الحقيقية للروح العربية الإسلامية والعودة إلى الماضي دون تدقيق.
في هذه الأثناء تحول القمع إلى أصولي دون دراية من الناس ما صنع ردة فعل هائلة في التخطيط للمستقبل وكان الناس ليس بالمعنى ضد الأصولية وإنما بالمعنى الموضوعي العكسي للأصولية والذي كان وليد إخلاصي واحداً منهم، متمسكين بالتراث من أجل تحقيق المستقبل، وأعتز بتراثي العربي والسوري ولكن اعتزازي الأساسي هو لقدرتي على الانفتاح على العالم الثقافي وعالم الفكر الإنساني الواسع، وكنت واحداً من الذين منحوا نعمة الانفتاح الذي أرجو أن تظل مع تقدمي في السن بفرصة للانفتاح الأكبر على الفكر الإنساني.
وأنا أبن عائلة دينية حلبية معظمها من رجال الدين ولكن والدي هو أحد المنابع الذي غرفت منه الفكر الديمقراطي على الرغم من كونه رجل دين، وكان هو مفتاحي لفهم الآخر، فلم يردعني ذات يوم إذا كان لدي أفكار متطرفة وكان لديه رأي سليم ومهم وهو أنَّ الحقيقة لا تكتشف إلا من نقيضها ومن ممارستها، وقد حافظت على استقلالي من خلال عدم انتسابي لأي حزب سياسي.
س- الأســتاذ وليد إخلاصي يحمل إجازة في الهندسة الزراعية، برأيك هل هناك ثمة علاقة بين الهندسة الزراعية والكتابة الأدبية؟!
كان والدي يتمنى أن أكون طبيباً فلما أخذت شهادة البكالوريا في الخمسينات كنت مقبولاً في كلية الطب، ولكن حصلت عدة أسباب جعلتني أرفض أن أكون في كلية الطب ولعلَّ من أهمها المشرحة والموت، فكان عندي نية أن أدرس دراسات مثلاً أدبية وفلسفية، فانتسبت إلى كلية الهندسة الزراعية في مصر لأجل ألا أكمل فيها لأن هذا الموضوع رافضه أنا، إلا أنني نجحت وأكملت ونلت البكالوريوس وأكملت الدراسات العليا وعندما عدت إلى سوريا درّست الهندسة الزراعية في جامعة حلب، ولو قُدر لي أن عدت إلى الحياة مجدداً ( أي بعد وفاتي ) لما درست إلا كلية الزراعة وذلك لسبب بسيط وله شقان أما الشق الأول فلأنَّ الهندسة الزراعية هي مثل الميكروسكوب الذي فتح عيني على الحقيقة الفنية والحقيقة الكونية.
أما الشق الثاني فهو المختبر الكيميائي الذي عملت فيه عدة سنوات عندما كنت طالباً كشف لي وسائل للتفكير بالمشاركة مع الميكروسكوب أهم من كل الكتب التي قرأتها.
س- المثقف عند البروفيسور المرحوم إدوارد سعيد نوعان وهما مثقف عضوي محترف ومثقف هاوٍ، ضمن هذا التصنيف إلى أي نوع ينتمي الأديب وليد إخلاصي؟
أصنف نفسي كأحد هواة المعرفة، وإذا كانت المعرفة التي اكتسبتها في عمري أعطتني جزءاً من صفات الثقافة التي لم تكتمل بعد، فلدي طموح كبير وبالذات قدرتي على اكتساب المعرفة من أجل أن أكتسب صفة المثقف الحقيقي، وأعتقد أن هذه الصفة لم يكتسبها إلا عدد قليل من البشر حتى الآن، وأي حرفة فيها ثقافة فالطبيب مثلاً مثقف في مهنته وكذلك المحامي وو... الخ
في مكنوناتي شيء يسمح لي أن أكون قريباً من المثقف الكوني الذي هو فوق السحاب ولكن مازالت قدماه على الأرض، وهو واقعي جداً ولكن دائماً ينظر إلى رموز المجهول كي يساعد على فهمها وقد يساعد في تفكيك مجاهيل معينة، وهذا الموضوع أحد أهم أسباب القلق عندي، وأحياناً أحسّ بأني عاجز عن الوصول إلى ما أصبو إليه.
أنا متعب من الهرولة لكي أكتسب شيئاً جديداً وليس من الركض، فكثير من الأشياء تقترب منها فتبتعد عنك، ويبدو أنَّ هناك مسيرة من القلق هي أحد أسباب تفجّر الطاقات الروحية التي يسميها بعض الناس " الموهبة " والبعض الآخر يسميها الإمكانيات الكتابية وهذه التي جعلتني معظم سنوات عمري مهتماً بالثقافة ولم أتوصل إلى ما أصبو إليه بعد.
وما أخشاه أن يتحول الإنتاج الأدبي إلى إنتاج إنشائي لغوي عندها سيسقط الكاتب ويسقط معه المجتمع، لأنني أعتبر أنَّ تحوّل الكتابة الفنية إلى كتابة معرفية هي مقياس أن الإنسان والمجتمع بحالة جيدة.
س- هل تسـتقي أغلب كتاباتك الأدبية من وحي الواقع أم من وحي الخيال ؟!
هناك إشكالية ما بين الخيال والواقع، فما من عمل أدبي يستند إلى الخيال إلا وله جذور في الواقع، فالخيال والتخييل والقدرة على ابتداع الصور لا تنمو إلا في وسط واقعي، والأدب العظيم هو الأدب الواقعي سواء كان خيالاً علمياً sansfaction أو كان تصويراً مباشراً.
أعتمد على الخيال وكما ذكرت الخيال هو جزء من الواقع لدرجة أن أعلى درجات التخييل هي التي تقربك من الواقع والتخييل الإنشائي يبعدك عن الواقع، فالخيال الحقيقي مهما جنح يقترب قوسه الذي هو ليس مستقيماً للأمام وإنما دائري يعود إلى نقطة الواقع، أي في الأخير يعود الإنسان لأرضه وإلى الخضار التي ينتجها وإلى البستان المحلي والفاكهة التي ينتجها وإلى العادات السيئة السائدة والعادات الجيدة وهذا هو جوهر الكتابة، حتى إذا أخذت الكوميديا الإلهية لدانتي وهي كلها خيال ولكن كلها تصوير للواقع بشكل ما، وإلا لما كان وصل إلى النتائج التي وصلها دانتي أو وصلها كتّاب الخيال العلمي المعاصرين، ومازلت لهذه اللحظة أنسج على منوال البروفة وأعتبر كل الأعمال التي أنتجتها عبارة عن بروفات كوني صانع بروفات جيداً أكثر من كوني كاتباً جيداً، وبالتالي هذه بروفات كي اكتب شيئاً جديداً في المستقبل.
س- هل هذا يعني بأنك لا تضع خطة معينة لكتابة نص أدبي مثلاً، وما ســبب توقفك عن الكتابة في الفترة الأخيرة؟
أنا لا أملك خطة ما ولكن أملك طموحاً في أن أفعل شيئاً ما ولا أعلم متى، وعندما توقفت نهائياً عن الكتابة منذ أشهر وذلك لعجزي تماماً عن إمساك القلم ولكني سأعود حتماً، أما عن أسباب توقفي عن الكتابة فقد تكون الأسباب السياسية في المنطقة ووقوعي في فخ متابعة الأخبار في العراق ولبنان وفلسطين.. وهذه المآسي التي نشاهدها وهذا العهر السياسي السائد في المنطقة ، وهذا شيء غير معقول أبداً
وهناك شيء يخيفني جداً وهو الخشية من أنَّ الكتابة أصبح لها مردود مادي، وبذلك أخشى أنَّ المردود المادي يشجعني على الوقوع في فخ الكتابة الإنشائية والجمل المرصوفة.
وأؤكد لك بأنَّ هناك هدفاً للكتابة ليس مرسوماً مسبقاً ولم يدرسوني إياه في الكتب أو حتى في التعاليم السياسية أو الدينية، وهذا ينبثق من الداخل مثل الحب فعندما يقع الإنسان في الحب ... فمتى وكيف ولماذا ؟.. بالفعل لا يعرف الإنسان الإجابة.
س- طالما أنَّ الأســـتاذ وليد يخشى من المردود المالي للكتابة من أن يحول قلمه إلى الكتابة الإنشائية والجمل المرصوفة، هل يمكننا أن نعتبر أنَّ هذا هو السبب الرئيسي لعدم كتابته للتلفزيون؟!
في التلفزيون هناك مشكلة خطيرة جداً وأخص بالذات التلفزيون العربي بكل قنواته الذي أصبح لديه همّ أساسي وأعتقد بأنه وهم إنتاج مسلسل من ثلاثين حلقة وتبعا لذلك رفض أي كتابة لعشرين حلقة أو سبعة حلقات أو حتى سهرة تلفزيونية وذلك لأنها لا تأتي بدخل كبير وبذلك يكون تسويقها صعباً، وهذا الشيء هو عبارة عن جزء من المجتمع الاستهلاكي الجديد.
و بالنسبة لي إذا لم يتوفر جوهر الدراما الأساسي لا أستطيع أن أكتب، وجوهر المسرح هو الدراما فالذي ينتج تراجيديا ينتج كوميديا، وأسأل ما هي الدراما ؟!
الدراما أشبه ما تكون بملعقة سكر في كأس شاي صغيرة فيصبح طعم الشاي حلواً ولو وضعت ملعقة السكر هذه في قِدرٍ كبير من الشاي فلا يصبح أي طعم أو مذاق حلواً له، والدراما في معظم المسلسلات هي الدراما الضائعة في بحيرة الكلام السياحي أو الترفيهي أو الجمالي، ويوجد بعض المسلسلات الجيدة حيث توجد حلقتان فيهما حمى الدراما والبقية مجانية ومع ذلك يشاهدها الناس، وذلك بسبب وجود تفصيلات يومية تشبه مثلاً التفصيلات الصغيرة في المسلسل، وبالطبع أنا لست ضد كتّاب المسلسلات ولكني حريص جداً ألا أقع في هذا الفخ رغم أن كتابة مسلسل تلفزيوني ما أصبح مصدراً أساسياً للدعم المالي للكاتب دون أي شيء آخر، فلا المقالة أو تأليف كتاب يعطيك أجراً مقارباً لأجر كتابة مسلسل.
وبالتالي أصبح الأمر مخيفاً ومرعباً نتيجة لتسليع الثقافة، وأحمد الله لأنني لم أقع في النهم الذي لم يقتل فقط السياسيين بل قتل أيضاً الكتّاب.
س- النقاد والمهتمين في الحقل الثقافي يقولون بأنَّ واقع المسرح العربي لا يطمئن، وبأن دوره الثقافي قد تقلص كثيراً عمّا كان عليه، برأيك ما أسباب تقلص دوره الثقافي على المستوى المحلي والمستوى العربي؟
ينسحب هذا على أشياء كثيرة فموتزارت الموسيقي العظيم وتشكوفيسكي وبيتهوفن وغيرهم من العمالقة لا يوجد في الوقت الحاضر أناس معادلين لهم، وحتى في الموسيقى الشرقية حيث أنَّ سيد درويش مازال متفوقاً على عدد من المؤلفين الموسيقيين، ويوجد انحدار في الثقافة ككل وليس فقط في المسرح وقد يكون سببه ازدياد السكان وما يرافقه من ازدياد الميول الاستهلاكية وإرضاء الغرائز فقط، فاليوم إذا كتبت قصة تشبه قصة قيس وليلى ستصبح مجالاً لضحك الناس ويقول الناس من الذي يفقد عقله لأجل حبيبته، طبعاً أنا لا أنادي بعودة السلوك لزمن قيس وليلى، فهذا النقاء لم يعد له معادل في حياتنا اليومية ولن يعود أبداً، ولكن يجب أن تكون هناك أساليب أخرى لنقيم الحد الأدنى لكي لا تموت العلاقات الإنسانية.
فمثلاً يُقال أنَّ العلاقات الاقتصادية إذا ماتت تأتي بدلاً عنها علاقات اقتصادية أخرى ولكن العلاقات الإنسانية يجب ألا تموت بل يجب أن تتجدد تلقائياً مع التطور الذي يجري، والصدق والصداقة والإيثار وحتى حب الوطن مفاهيم قديمة فهل يجب أن تموت لأننا نعيش حالة تطور؟!... ونسحب الأمر نفسه على احترام النظام العام وحب الجار لأنَّ القيم الجميلة يجب أن تظل قائمة لأن هذه القيم النبيلة هي الديانة الحقيقية للجنس البشري، والتطور الشكلي الحاصل اليوم وتسلل المفاهيم الغريبة عن مجتمعاتنا مثل حب التملك وحب الذات وو... تلعب دوراً كبيراً في تقلص دور الثقافة العربية.
س- ذكرت في سياق الحديث أنك لم تنتمِ لتيار أو حزب سياسي محدد، ما سبب عدم انضمامك لأي حزب سياسي، وهل أثرَّ هذا على مشوارك الأدبي الطويل؟
في الحقيقة أنا بالصدفة اكتشفت أني مستقل بشكل مرضي، فلا أستطيع أن أتلقى الأوامر في تنظيم حزبي ما على الرغم من أن مبادئ الحزب قد تكون جيدة ولكن هذا الحزب يضم عدداً من اكبر الناس الإرهابيين بمعنى الإرهاب من خلال الأفكار ( أي إرهاب فكري ).
فكنت أخشى الانتساب لأي حزب لأني سوف أصطدم بعد مرور سنة على أكثر تقدير مع القيادات في هذا الحزب، ولكني حريص على أن أكون ودوداً مع الكل فلماذا أدخل معركة أنا الخاسر الوحيد فيها.
وأريد أن أضيف أن عداوة الحزبي لعضو آخر من حزبه أشدّ قسوة من عداوة الأجنبي للعضو الآخر،كل هذا بالإضافة إلى عوامل عديدة تبدأ من العائلة والوالد بالذات وتنتهي بالمعرفة التي كنت قد بدأت باكتسابها في ذلك الوقت التي تجعلك تكتشف أنَّ معظم الأحزاب على حق، فلا يوجد حزب سيء ولكن يوجد حزبيين سيئين، وأريد أن أقول أني أعتبر نفسي كلما ابتعدت عن التنظيمات المحلية أو الداخلية من نادي رياضي إلى حزب سياسي ازددت تعلقاً بالمجموع تحت اسم الوطن وبصراحة شديدة أعتزُّ بأني حافظت على استقلاليتي وأشجع الإتقان والمهارة وأحترم خصمي لو كانت لديه المهارة والإتقان بالعمل.
س- من المعروف أنَّ المنتديات الثقافية في سوريا قليلة جداً ويمكن القول بأنها معدومة بالنسبة لفترة الخمسينات،برأيك ما سبب تقلص دور هذه المنتديات في الحياة الثقافية السورية؟
باعتقادي هذا سؤال سياسي، ولكن أقول بموضوعية لأنه أصبح هناك تنظيم أعاد النظر بالجمعيات ومنع منها جزءاً وهذا ليس خطأً تاريخياً بل خطأً مرحلياً، والأجواء مازالت مفتوحة لإعادة تنظيم المجتمعات الأهلية والمدنية بشكل أفضل من السابق فعلى سبيل المثال الجرائد الخاصة مُنعت وبقيت الجرائد التي هي ملك الدولة لسنوات طويلة وكان لها دور فاعل، وبالطبع الجرائد التي بقيت ظهرت فيها بعض السيئات والآن بدأت تظهر الصحافة الوطنية الأهلية.
وبرأيي أنَّ فرص الصحافة الأهلية الحالية بالتقدم والنجاح أفضل من فرص الصحافة السابقة والسبب الرئيسي أنها تعلمت من أخطاء الصحافة الرسمية واحتفظت بمزايا الصحافة الرسمية أي استفادت من الحسنات في الصحافة الرسمية وتعلمت من أخطائها.
عملياً بنيتنا العامة ليست ديمقراطية فالآن لنفرض أنت في حزب سياسي ما ليكن (س ) وأخوك في حزب سياسي وليكن (ع ) فإذا كان الحزبان متخاصمين فينسحب هذا الخصام عليك وعلى أخوك بشكل كلي وهذا خطأ كبير، يجب أن تكون لدينا قاعدة احترام الرأي الآخر ، فحتى البوذي يجب أن نحترمه ونحترم كل الديانات السماوية وغير السماوية والفلسفات وو ... الخ.
فالآن لو أخذنا الهند كمثال حيث يوجد فيها أكثر من (200) ديانة وأكثر من (200) لغة والسؤال ما الذي يجمع الهند ؟!..
ما يجمع الهند هو نظام ديمقراطي من المحتمل أنه يفرض اللغة الأوردية واللغة الإنكليزية كلغات رسمية ولكن لا يلغي اللغات الأخرى بالتعامل مع اللغتين، فإذا أردت أن تغني بلغتك وتصلي بلغتك فهذا من حقك الطبيعي، وهذا ما نسميه قبول الآخر أما نحن فوضعنا غريب جداً ولا أعرف لماذا؟!
س- يُقال وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة، وهناك مثل فرنسي يقول " ابحث عن المرأة " وأيضاً هناك قول: المرأة التي تهزُّ العالم بيسراها تهزُّ العالم بيمناها، أستاذ وليد ما دور المرأة على حياتك ونتاجاتك الأدبية وكيف تنظر إلى المرأة بشكل عام؟
أنا واحد من المحظوظين في الحب والمرأة فقد أصبح لي ( 44 ) سنة متزوج وجزء من العلاقة الجيدة والتفاهم عند زوجتي لعب دوراً مهماً في حياتي واستقراري الروحي والنفسي، وفي هذا التعاطف القائم والعناية المتبادلة وهذا الشيء فوق الحب الجسدي الذي هو سبب البقاء وسره وهو الذي ينجب الاطمئنان.
أنا أحترم المرأة بشكل عام لدرجة أني لا أتكلم عن المساواة بينها وبين الرجل بل أتكلم عن التفوق عند المرأة، وليس التفوق هو بناء السيمفونية أو بناء اللوحة بل تفوقها بالحفاظ على معنى الحياة، والمرأة من وجهة نظري كأنما كلفت في بناء الكون لأنها أكثر أمانة وهذا تشهده في المجتمع الريفي حيث يتعلق الجزء الاقتصادي بيد المرأة، والمجتمع المدني في المدينة أكثر تخلفاً من المجتمع الريفي بسبب فوقية الرجل ودخل عليه تعدد الزوجات واضطهاد المرأة .
قد يكون لوالدي دور كبير في قضية نظرتي للمرأة لأني عندما كنت طفلاً كنت أشاهد والدي وهو رجل الدين الأزهري كيف كان يقدم ( يعرِّف) والدتي لأحد فيقدمها على أنها رفيقته ولا يقول زوجتي أو أم الأولاد، فالرفقة هي درجة من درجات التقدم البشري.
أحترم المرأة بما فيها المرأة السيئة أما الموقف الأخلاقي فهذا أمر آخر، ولا تستطيع أن تعرِّف الرجل إلا بالمرأة والعكس صحيح، وعملية التقسيم هي عملية ضد الطبيعة فالطبيعة هي الازدواجية التي تبدأ من الرجل والمرأة مروراً بازدواجية الليل والنهار والخير والشر، وليس الموضوع الخير والشر وهل المرأة خير أم شر؟
وفي داخل تناقض هذه الثنائية وفي داخل هذا الحب الذي ينجب التناسل بالمعنى البيولوجي، وهنَّ الذين بداخلهن الذي تبنى الحضارة الإنسانية، مثلاً الحضارة الصينية أو حضارة ما بين النهرين أو ..... الخ
فالثنائية هذه لها وظائف متعددة.
س- يطل علينا منظرون في الثقافة ودعنا نسميهم بالسفسطائيين الجدد ( الذين يقلبون الحقائق رأساً على عقب ) ويبشرون ويسوقون الثقافة الاستهلاكية ويقومون بتحويل الفكر النوعي إلى الفكر الاستهلاكي ( تسليع الثقافة )، كيف يمكن الوقوف في وجه مخططاتهم ومشاريعهم، وما سبب انتشار هذه الثقافة؟
سؤال كبير جداً، لنأخذ البيئة في البلاد العربية سواء في سورية أو في البلدان المجاورة حيث توجد فيها مجتمعات عريقة وفرصة تقدمها أكبر لأنَّ هذا التراث هائل ولكن على ما يبدو لحقها التفسخ أكثر من التقدم، واستهلكت من قبل استلاب الآخر لها، ولكن إذا الآخر استلبنا ولم يكن هناك تبادل متساوٍ هنا تكمن المشكلة.
فلنبحث عن عيب الصهيونية .... أليس عيبها الرئيسي هو دعايتهم بأنهم شعب الله المختار، ولكن هناك عدد من المسلمين يتعاملون أيضاً على أساس أنهم شعب الله المختار !
هذا شيء خطير وأعتقد أنه ضد فكرة الوحدانية فالله خلق البشر ولو أراد أن يخلقهم كلهم مسلمين كان خلقهم وانتهت القصة...!
وهذا التنوع هو عبقرية التاريخ الإنساني والاختلاف الشديد هو الذي يؤدي إلى الغنى الشديد، ولذلك إذا أخذنا بعض العائلات فلأسباب اقتصادية أو مادية لا تزوج أولادها إلا من بعض العائلات وبعد جيلين او ثلاثة ينتج جيل فيه المتخلفين عقلياً، والعائلات التي تزوج أولادها من عائلات بعيدة ينتج جيل بعد عدة أجيال نسبة الذكاء عنده عالية نسبياً بالنسبة للجيل الأول.
فكل هذه الميزات من تقدم وتفجّر المواهب تظهر في الزيجات المتباعدة وهذا أمر في غاية الأهمية ولو أدركه الإنسان فسوف يفهم الكثير من الحقائق الكونية، وبالتالي أمور ظهور السفسطائيين وغيرهم أمر طبيعي جداً من أجل التنوع والتناقض وكما قلت سابقاً إنَّ الحقيقة لا تكتشف إلا من نقيضها.
وبصراحة أستغرب كيف أنَّ معظم القانونيين العرب وخصوصاً السوريين واللبنانيين تعلموا القانون في فرنسا وأصبحوا ينادون بالوحدة عن طريق بسمارك وغيره، وعندهم أمريكا المتنوعة بشكل هائل ولم يدرس أحد فيها القانون ولو كانوا درسوا فيها القانون لكانوا استفادوا منها في بناء دولتهم مثل ما بنيت الدولة في الولايات المتحدة الأمريكية وبالطبع ليس على طريقة بناء الدولة العدوانية، ولكن بنيانها الاجتماعي على تعدده بناء جميل فالاسباني بالقرب من الهولندي والكاثوليكي بالقرب من البروتستانتي، والمسلم بالقرب من المسيحي، فأمريكا عالم متحضر في البنيان الاجتماعي.
والسياسة مرحلة متغيرة تتغير كل فترة زمنية معينة ولا أعتقد كل الشباب الجديد يأخذ من الثقافة الاستهلاكية وبالتالي هناك التنوع الذي تكلمنا عنه.
س- يطل عام 2008 وفيه ستحتفل سورية والوطن العربي بدمشق عاصمة الثقافة العربية، وكونكم كنتم بلجنة التنسيق لفعاليات حلب عاصمة الثقافة الإسلامية، هل انتم في لجنة تنسيق دمشق عاصمة الثقافة العربية، وماذا أعددتم لمثل هذه الفعالية الضخمة من إنتاج أدبي ومن تحضيرات؟
قد دعيت منذ سنة تقريباً إلى لجنة ساهمت في دراسة مستقبل دمشق عاصمة الثقافة العربية، وانتهى دور هذه اللجنة بعد عدة اجتماعات كان قد حضرها مع أعضاء اللجنة مسؤولون مهمون في الدولة، ومن ثم جاءت لجنة تنفيذية مؤلفة من أشخاص آخرين وبدأوا العمل، وأنا على استعداد للمساهمة في أي عمل سواءً كان بشكل عاطفي أو مادي، وليس فقط في موضوع دمشق عاصمة الثقافة العربية بل حتى لو كانت دير الزور عاصمة الثقافة البدوية، فهذا البلد في النهاية هو سورية وتستحق سورية مساعدة الجميع بأي مشروع تقوم به سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً ومع الاحتفاظ بحق النقد لأي خطأ يقع في جهة ما.
س- إلى ما تعزو ظاهرة التطرف الديني والسياسي في المجتمعات العربية وما هي أسباب انتشار الفكر التكفيري، وهل التطرف صناعة محلية أم خارجية؟..
هناك عشرات الأسباب لظاهرة التطرف ولعلَّ ما وقع من ظلم واستبداد وتعدٍ على مجتمعاتنا العربية سببَّ نوعاً من الرفض وبالتالي إما أخذ شكل جماعات وتنظيمات متطرفة أو اخذ ظاهرة تطرف فردي أي مواقف فردية، وما حدث من اضطهاد من قبل الحكومات المحلية على أفراد شعبها يهيئ لظهور تطرف وأيضاً ما حصل من اختلاف في القوانين الاقتصادية وعدم العدالة وزيادة السرقة والاستغلال المادي وو .. الخ، كل هذه الأمور تستدعي ظهور التطرف بالإضافة إلى النظام العائلي الاستبدادي الذي ينتج أحد أفراد العائلة شاذاً فكرياً وأحياناً بالمعنى الذي تأخذه على سبيل المثال.
فبقدر تعقّد القضية بقدر ما يرافقه تعقيدات في العلاج، والمأساة أنَّ العلاج أصبح في أيدي الآخر أكثر من أن يكون بأيدينا !
والسؤال هل يحق لأمريكا أن تتكلم عن التطرف وهي أكثر دولة في العالم متطرفة سياسياً، وهل هي عادلة ؟!.. وهل منظورها للأمم متساوٍ وما المعنى من تفضيل شيء على شيء وهي دولة عظمى؟!
أما عن التطرف فهل هو صناعة محلية أم خارجية فأعتقد أنه قد ساهم الطرفان بذلك، ولنعطِ مثالاً على ذلك ما يحدث في العراق الآن حيث أنَّ جزءاً منه مقاومة وطنية بدون أي شك أو جدل ولا أعرف صراحةً من هو الوطني ومن هو غير وطني ولكن أتحدث عن منطق الأمور، فأي دولة محتلة لا يكون فيها ردة فعل للناس؟؟؟؟
وهناك تطرف خارجي ليس له علاقة بالحالة الوطنية لأنه أصبحت هناك أرض خصبة لاستقبال الحالات المرضية والتطرف هو حالة مرضية وإلا فكيف يقتلون الناس ؟
وربما تكتشف بعد سنوات بأنَّ أمريكا غذّت بعض الجهات المتطرفة في العراق وبالتالي هل هذا السبب محلي أم خارجي؟.
ولنأخذ أفغانستان كمثال آخر فقد جاءت مقاومة مساندة للمقاومة الأفغانية ضد الاتحاد السوفيتي ومن ثم انقلبت تلك الحركات التي لعبت دوراً وطنياً في فترة ما ولعبت دوراً تخريبياً في العالم وفي الدين الإسلامي وهنا نتكلم عن منطق الأمور وتحليل الوضع الراهن ونتساءل هل ما يجري الآن هو من اجل تخليص أفغانستان من اضطهاد ما أم هو من اجل خطة بترولية مستقبلية في قزوين مثلاً، فالأمور متشابكة وأريد ان أقول كلمة حق ولكن لا أعرف كيف أقولها فالتيارات السياسية تلعب دوراً حتى في تغيير المفهوم الشعري وتجيره لحسابها، فالأمور في تعقيد وهذا لعب دوراً في انعزالي منذ أشهر عن القلم والورقة.
س- الثقافة الاستهلاكية أنتجت ثقافة الفيديو كليب الخلاعي وغيره من أشكال أخرى، برأيك إلى أين هذه الثقافة تتوجه وهل هي من الفكر العربي أم هي ثقافة دخيلة؟
بدايةً ليس هناك فكر عربي صافٍ لأنَّ هناك شيئاً يتطور مع الأزمان، وبالطبع ليس المقصود أن كل فكر عربي قد نبت في الجزيرة العربية بل هناك فكر عربي موجود في أماكن أخرى لذلك أصبح هناك تطور هائل نتيجة التزاوج الهائل مع الثقافات الأخرى وهذا التزاوج بشكل عام مفيد وليس ضار أبداً، وسورية على سبيل المثال قبل أن تكون دولة مسيحية كانت دولة مؤلفة من سريان وفينيقيين وو.. الخ ومن ثم أتى الفكر المسيحي وتزاوج مع الفكر السائد في كل منطقة من سورية وأتى بعده الفكر والثقافة الإسلامية التي كانت أخلاقية ومقنعة لدرجة أن عدداً كبيراً من الناس انتسبوا لها ودخلوا الإسلام بدون قمع أو إكراه، وذلك لامتلاكها مقومات جيدة وأصبح هناك تزاوج لغوي في اللهجات فاللهجة الحلبية جزء منها سرياني أكثر من دمشق ومن محافظات الساحل، وهذا التزاوج بين الثقافات أنتج فكراً عربياً بدون جدل ولكنه فكر عربي بخصائص تختلف عن المصريين، وللتأكيد على ذلك نسأل هل الإسلام الموجود في مصر هو نفسه الإسلام الموجود في أفغانستان؟
ولو كنّا عرقاً صافياً لاندثرنا منذ زمن بعيد والشعب الوحيد الذي يتحدث عن نقاوة العرق مكروهون في العالم وهم اليهود لأنه لا يوجد شيء اسمه عرق صافٍ.
والثقافة الاستهلاكية هي حالة كونية وليست مقتصرة على المجتمع العربي ولكن لضعفنا السياسي وتمزق الكيانات المختلفة ساهم في قبول هذا الشيء أكثر من غيرنا، فمثلاً المجتمع الأوربي هو مجتمع استهلاكي ولكن نسبة الثقافة الاستهلاكية لم تؤثر كثيراً على منهجه السياسي او الثقافي، أما نحن فقد أثرت فينا أكثر.
ويجب ان تأتي المناهج الحكومية وتنظر باستقلالية في وضع البرامج ولا تستبعد ما يحصل في العالم ولا تهمل ما هو قائم وبالتالي تعمل تزاوجاً حيوياً حراً ينتج عنه أمور عظيمة.
س- بعض الكتّاب والمفكرين يطرقون مسامعنا بمصطلحات مثل الدعارة الثقافية والعهر الثقافي وو..، برأيك ما هو تعريف مصطلح الدعارة الفكرية وكيف يمكن الحد من تأثيراته على الثقافة والمثقفين؟
هذه مصطلحات في الفلكلور الثقافي وهي ليست مصطلحات علمية ولكنها في كثير من الأحيان تكون واقعية، وهي تقترب من عدم الموضوعية لشخص ما عندما يتحدث بأمر سواء كان سياسياً أم ثقافياً أم دينياً.... الخ، ومثال على ذلك عندما يقال أنَّ الشعر الحديث أو الحداثة الشعرية هي صناعة استعمارية فبرأيي هذا القول هو عهر فكري لأنه ليس موضوعياً ولكن هل هو خطأ فكري ؟!.. ولكن الخطا يذهب بعيداً عن العهر، ومثال آخر عندما تقول عن امرأة غير محجبة أنها كافرة فهذا اسمه عهر ديني لأنه لا يصح لأي شخص أن يكفّرَ أحداً ولا يحق له أن يقول عن سياسي أنه عميل لإسرائيل وهذا أسمه عهر سياسي لأنه غير موضوعي ولا يستند على أدلة وعلى مفاهيم مدروسة، ويجب أن يكون هناك احترام للرأي كي يصبح هناك تفاعل وتنتج أفكار وفي التاريخ البشري لا يوجد شيء ثابت.
س- أغلب مسرحياتك تتطرق فيها إلى حالة التناقض التي يعيشها الكاتب الذي يقدم السعادة للآخرين بواسطة أدبه وفنه، بينما هو في الواقع يعاني مأساة كبيرة تدمى لها القلوب، هل أنت تعيش هذه الحالة؟
المحرك الرئيسي للكتابة هي المتعة الشخصية التي تختلف عن المتعة الجنسية وعن متعة الأكل وهي متعة المشاركة مع الآخرين، فأستمتع لأني أنتجت رواية أمتعت الآخرين وقدمت لهم المعرفة وإذا قيل لي أنها لم تمتع الناس فأعيد النظر وأسأل نفسي والآخرين لماذا؟
وأعتقد أن هذه طريقة للتفاهم مع الآخر سلباً أو ايجابياً فأعظم الكتّاب مثل شكسبير أثناء حياته قال عنه بعض الناس أنه قد سرق من شخص آخر، وهذه أمور ضمن الأخلاقيات الإنسانية اليومية ولا تبقى قواعد للتاريخ ولكن بعد 400 سنة نجد أن شكسبير هو الرقم واحد في المسرح وبعض الناس يقولون بل إنّ سوفوكليس هو الرقم واحد بالنسبة للمسرح، وآخرون يقولون بل موليير هو الرقم واحد والمهم أنَّ هؤلاء بقوا في الذاكرة الإنسانية رغم كل الخلاف الذي صار عليهم ولكن أصبحوا الآن الأرضية التي يعتمد عليها المسرح العالمي وهذا يجب أن يحدث مع الأديان في العالم فعلى سبيل المثال مؤتمر حوار الأديان يعني أن نأخذ منكم وتأخذوا منّا أي كلانا صحيح وليس احدنا صح والآخر هو الخطأ ويجب أن ينتهي الخلاف بين الأديان بتداول الآراء، وفي كل الأديان هناك شخصية بغيضة وهي إبليس الذي وقف ضد إرادة الله، وإبليس على الرغم من أنه مكروه هو جزء من التكوين البشري لأنه دخل في الذاكرة الجمعية كلها ودخل في الثنائية ( الله – إبليس ) والله سبحانه وتعالى يستطيع أن يسحق إبليس ولكن قيمة الدين في هذه الثنائية ويخرج من هذه القيمة معادلات هائلة تفيد البشرية.
س- الأديب وليد إخلاصي نال وسام الاستحقاق الرئاسي السوري عام 2005 ونال جائزة مهرجان المسرح التجريدي في مصر عام 1992 ، ماذا يعني التكريم للأديب وليد إخلاصي ؟.
أخاف التكريم وبنفس الوقت أكون سعيداً وذلك لأن جهةً ما عبرت عن شكرها لي عن أعمالي وقدمت لي ورقة صغيرة أو وساماً وأخاف التكريم لأنه يذكرني بحالات التأبين عندما يختمون على الإنسان ولم يعد ينتج شيئاً لأنه يكون قد توفي، وبصراحة أكون سعيداً جداً لو كتب مقال او دراسة نقدية لكتاباتي لأنها تكشف عيوبي وتحرضني بنفس الوقت على الاستمرار، أما الوسام فقد كان يحمل فيه الشيء الكثير حيث أن السلطة السياسية المتمثلة بالرئيس قد نظروا لي من خلال أدبي دون النظر لاتجاهي السياسي وأعطيت الوسام كجائزة تكريمية حقيقية على الرغم من أني لم أكن في يوم من الأيام تابعاً لجهة حزبية حتى الجهة الحزبية الحالية، على الرغم من وجود المحبة الشخصية لبعض الرموز التي مرت على تاريخ سورية لأسباب من العطاء الجيد، وعندما أرى أخطاء مسؤول ما أحاول أن أوصلها له لأني أحبه وعندما تكلمت عن الأوساخ في حلب فلأني أحبّ حلب كثيراً ولم يكن في نيتي مهاجمة حلب، وحلب بالنسبة لي تمثل الوطن ككل، وأعني بذلك الوطن هو كل التناقضات والأشياء وهذا هو الجمال فيه، ولم يوقفني وسام الاستحقاق عن العمل وقد عملت بعد نيله العديد من الأعمال.
س- هناك قانون أحزاب منتظر ويتطلع له السوريون بفارغ الصبر، هل أنتم كشخصية أدبية واجتماعية مع الترخيص لأحزاب دينية أم ماذا ؟
ليس المهم ان أكون مع أو ضد لأنّ هذا الشيء المنطقي في التاريخ، وأعتقد أنه سيصبح لدينا في سوريا عدد كبير من الأحزاب لدرجة أنَّ الإنسان سيكره الديمقراطية ولكن هذا يمهد لغربلة الأحزاب في المستقبل لتبقى الأحزاب التي تشكل الحياة الطبيعية لسورية، أي سورية ستمر في مرحلة تعددية الأحزاب واعتقد ستقع أحزاب كثيرة في أخطاء شديدة وستنتهي إلى حالة أساسية وإلى اتجاهين أو ثلاثة يبني عليها الناس وتبقى الحياة طبيعية وتحقق ديمقراطية حقيقية، والديمقراطية ليست موجودة لا في أمريكا ولا في اليابان ولا حتى في كل أنحاء العالم.
وبالحد الأدنى أنا مع الأحزاب وأتمنى ألا نقع في أخطاء التعددية الهائلة وأن يكون هناك ضبط أكبر وقوانين رادعة تحرِّم على بعض الناس من أن يكون لهم منافذ يتعاملوا مع الخارج لأنَّ هذا الأمر خطير جداً وسيحدث ولكن يجب ان يكون حدوثه بنسبة أقل.
س- قد تكون أنظار بعض المراقبين السياسيين لمؤتمر السلام في الخريف الذي سترعاه واشنطن، برأيك هل هناك بوادر لنجاح مثل هكذا مؤتمر، ولماذا تقوم أمريكا برعايته وقد كان الأفضل لها أن تحل مشاكل العراق وأفغانستان وو.. ، أم أنه يعتبر كمبادرة خادعة لتبييض صورة أمريكا الدموية وغسيلها بالبراءة الخادعة وبالتالي تجميل هذه الصورة القبيحة للنظام الأمريكي؟
لا أعرف عن أي سلام يتحدثون عنه، فإسرائيل لا تريد سلاماً مع أحد ولو قُدم لها أي شيء، وذلك لأنَّ لديها مشروعاً وتريد أن تحققه وتنجزه، وفي هذا المشروع ستستغل فيه كل الجهات المعنية من عملاء لها في الوطن العربي إلى شراكتها العضوية مع أمريكا، وشخصياً لا أثق بأي خطوة تقوم بها أمريكا الإسرائيلية مع إسرائيل الأمريكية، ومع ذلك أتمنى أن يحل السلام في المنطقة وإذا شاركت سورية أو لم تشارك فأنا لست ضدها على الحالتين، لأنَّ هذا الأمر موضوع بأيدي أناس يعرفون الوضع أكثر من المواطنين لأنهم يعرفون دقائق الأمور، أما عدم ثقتي بأي مبادرة أو خطوة او حتى مؤتمر فلأن التاريخ بحد ذاته شاهد على هذه الدول وأعتقد أن جزءاً من حياتي يكفي للشهادة على أمريكا وإسرائيل.
س- برأيك المنطقة الآن إلى أين تسير ؟
أخاف أن تكون في طريقها للخراب وأدعو الله أن يكون هناك دعم ومساندة للموقف السوري من أي جهة لأنه كما يقال ( لم يبقِ سوى حديدان في الميدان ) وهذه قناعتي سواء كان كلامي مديحاً للسلطة السورية أم لم يكن لأن هذه قناعتي، وما يحدث في لبنان الآن ينعكس على الحياة السورية وشخصياً لم أكن يوماً مع الأحزاب الدينية ولكن بعد موقف حزب الله من إسرائيل ووقوفه في وجه ترسانتها استثنيت حزب الله من الأحزاب الدينية، والآن تتهم سورية بأنها تدعم حزب الله والحالة الوحيدة التي كنت سأهاجم فيها الحكومة السورية إذا لم تدعم حزب الله وذلك لأنَّ هذه القضية الوحيدة والنظيفة التي بقيت لنا على المائدة القذرة فقط لا غير، ويكفي أنه جاء الإسرائيليون لهدف وفشلوا في تحقيقه وهذا هو النصر الحقيقي، ولم يستطع الإسرائيليون أن يحطموا شوكة حزب الله، ولكن كل ما أخشاه ان تحدث أخطاء تودي بالمنطقة إلى الخراب.
وأرجح ان حزب الله هي حالة روح عامة وليس فقط بسبب وجود السيد حسن نصر الله، وتشي غيفارا ذهب إلى بوليفيا ويعلم أنه سيموت وعندما مات أصبح رمزاً عظيماً للعالم كله وبالتالي هناك شخصيات على ما يبدو تلعب دوراً مهماً في استمرارية وإذكاء الروح البشرية وهي السبب في استمرارية البشرية في التقدم، فمثلاً سبارتاكوس كان عبداً وكان يصارع الأسود ومن ثم كوّنَ جيشاً وأخاف الإمبراطورية الرومانية وعلى الرغم من أنه في النهاية صُلب إلا أنه بقي رمزاً، وهذا أذكى الروح لدى الجماعة والثقة بالمستقبل وأعطى للفن والأدب.
س- يقول " بول بالتا " وهو أحد المفكرين الغربيين من خلال تلخيص نظرة مواطنيه الغرب عن العرب : ( إنهم بلا ماضٍ ولا تقاليد ولا تاريخ، وكأنه ليست لهم حياة يمارسونها ولا مستقبل يعيشون لتحقيقه ) ، برأيك كيف يمكن للعرب أن يغيروا هذه الصورة النمطية الموجودة عنهم في أوربا ؟
عندما خرج ابن رشد في الأندلس وأثرَ على جماعة من الغرب وأصبح هناك جماعة الرشدية مثل الماركسية الآن، فأبن رشد أثرَّ على مجتمع كامل في الغرب، وظهرت في الغرب شخصيات إرهابية بمعنى القسوة فنفر منها الغرب كله ومن هذه الشخصيات هتلر وموسوليني وستالين، على الرغم من أنّ بعضاً من هذه الشخصيات كان نافعاً وله ايجابيات ولكن بنفس الوقت كان لها سلبيات ولكن نحن ضدهم بمعنى ما ، وفي المقابل خرجت عندهم شخصيات مثل فولتير وجان جاك روسو وفلاسفة ومفكرين وأدباء ونكن لهم الاحترام مثل ما نكن لكنفوشيوس تلك الشخصية العظيمة وأيضاً تشيخوف وموتزارت وكل هؤلاء يشكلون جزءاً من ثقافتنا حتى لو لم نعترف بذلك.
ادوارد سعيد كان اللوبي الصهيوني كله ضده في أمريكا ويصنف ادوارد سعيد كواحد من أهم المفكرين الأمريكان وهو عربي بل أكثر من ذلك فادوارد سعيد قدّم للثقافة الإسلامية أكثر بكثير من المسلمين أنفسهم.
س- ذكرت في إحدى مقالاتك الصحفية قصة الإمبراطور الياباني الذي أعدم الدفعة الأولى من الطلاب الذين أوفدهم لأوربا ليتعلموا العلوم التطبيقية ولكنهم عادوا بالعلوم النظرية، هل أنت مع أي رئيس أو حاكم عربي يفعل مثل ما فعل الإمبراطور الياباني أم هناك أساليب أخرى، أم هي تبقى أمنية من أمنيات الأديب وخيالاته؟
هذه أمثولة في التاريخ يستذكرها الإنسان من أجل إعادة إنتاجها وينبه الناس كيف أن َّ اليابان بنت دولتها، هذا الإمبراطور قام بهذا التصرف وفي الوقت الحالي من المؤكد أن هناك تدابير وتصرفات أخرى، والهدف هو نهضة البلد فلنأخذ مثالاً محمد علي الكبير كان قد جاء من البلقان أيام الإمبراطورية العثمانية وبعث طلابه وضباطه ليتعلموا في فرنسا وأعتقد أنه وضع أول لبنة في البناء العصري للدولة، وفي عام 1905م بنيت الجامعة السورية واستمرت في ظل الاحتلال الفرنسي وبقيت بعدد محدد من الكليات وبدأت بعد ذلك تمر بمرحلة نهضة وتوسعت وأحدثت جامعات جديدة حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، وأذكر في فترة الخمسينات كنت في مرحلة الشهادة الثانوية وسمعت اسمي ناجحاً عن طريق الراديو وكان عدد الناجحين في محافظة حلب وقتها 64 طالباً، أما الآن فالأعداد ضخمة جداً وعملياً هذا شكل من أشكال التقدم أما التقدم المنشود فيتطلب أساتذة وهيئات لتطوير المناهج وهذا شيء طبيعي.
س- هناك حالة ركود ثقافية مخيفة ، برأيك كيف يمكن أن نبني حالة ثقافية راقية من خلال رعاية ثقافة الإبداع؟..
بعض المفكرين يقول الثقافة تبدأ من المنزل ومن العادات والتقاليد وبعضهم الآخر يقول من خلال بناء الديمقراطية ، وأيضاً هناك من يقول من خلال الحريات العامة وبالحقيقة هذا الكلام كله صحيح.
والثقافة في مفهومنا تعني الإبداع وقد لخصت موضوع رعاية ثقافة الإبداع وكتبت عنه من وجهة نظري في مشروع ثقافي وطني يجب أن يتحقق ولخصته بثلاثة نقاط وقلت بأنَّ هذا المشروع الوطني يجب أن تتبناه الحكومات العربية وليس فقط الهيئات الشعبية لأنه مشروع مهم يشبه المشروع التصنيعي وله أركان ثلاثة وهي :
1- الكشف عن أهمية ثقافة العمل بمعنى أن يصبح العمل معادلاً للعبادة أي يصبح مقدساً في حياة الأمة، ولا يجب أن يجلس المرء بلا عمل بسبب أن لديه المال الكافي فهذا الشخص خارج المجتمع، ويجب على الإنسان أن يتفانى في عمله.
2- الإتقان في العمل وهذا مذكور في الدين حيث إنَّ الله يحب العبد إذا عمل أن يتقن عمله، وبالتالي يجب أن يكون هناك ترسيخ لمفهوم الإتقان في المجتمع، أي أن ينهي العامل عمله بطريقة سليمة تماماً.
3- الكشف عن قمة الإبداع في الفرد السوري مثلما يكتشفون البترول ويقومون بالتنقيب عنه وبالتالي يجب أن ينقبوا عن المواهب والإبداع عند الفرد.
ونسأل كم من المواهب والإبداعات موجودة عند الناس وتموت دون أن يكشف عنها أو يرعاها أحد، والذي يتوج هذه النقاط الثلاثة هي أن تكون وسائل توصيل الأفكار للآخر عن طريق وسائل الإعلام ( تلفزيون ، إذاعة ، صحف ).
وأعتقد أنها خطوة جيدة في بناء ثقافة الإبداع التي هي مشروع وطني وليس فردي وعلى الدولة أن تقوم به كما تقوم وزارة النفط بالتنقيب عن البترول وتستثمره وهو ثروة قومية، فهل النفط أهم أم الإبداع الذي يموت داخل الناس ؟.. فالإبداع ترعة تنعكس على المجتمع.
الجمل
إضافة تعليق جديد