تداعيات ظاهرة اللجوء العراقي المكثف إلى سوريا

الجمل:     أعلن الاتحاد الأوروبي التزامه بتقديم المساعدات إلى سوريا من أجل معالجة قضايا تدفقات اللاجئين العراقيين إلى سوريا. وكان لويس ميشيل مسؤول المعونات بالاتحاد الأوروبي، قد التقى الرئيس السوري بشار الأسد، عقب مطالبة دمشق للمجتمع الدولي بتقديم المساعدات لحل قضايا أكثر من مليون عراقي لجؤوا إلى سوريا.

تعتبر ظاهرة اللاجئين من الظواهر الاجتماعية المصاحبة للأزمات والصراعات والكوارث الطبيعية، وهي ظاهرة عرفتها المجتمعات البشرية منذ القدم، وقد ترتبت عليها الكثير من التأثيرات والتداعيات الإيجابية والسلبية على السواء.

·       ظاهرة اللاجئين- معطيات الوقائع:

تعرف المواثيق الدولية اللاجئ، باعتباره الشخص الذي تحرك من مكان إقامته داخل بلده وعبر الحدود إلى بلد آخر، وأقام فيه لأكثر من عام، وبالتالي لا يعتبر لاجئاً من أقام لأقل من فترة عام. وأما من تحرّك داخل وطنه من مكان إلى آخر، فلا يعتبر لاجئاً وإنما يعتبر نازحاً.

وفقاً لهذا التعريف، تعتبر سوريا أكبر بلدان منطقة شرق المتوسط استقبالاً للاجئين العراقيين. وتعود ظاهرة التواجد الكبير للاجئين العراقيين في سوريا إلى جملة من الأسباب والعوامل يمكن استعراضها على النحو الآتي:

-         عوامل تتعلق بطبيعة الجوار السوري- العراقي:

تتميز منطقة الحدود السورية- العراقية بالانفتاح والتداخل السكاني والقبلي منذ آلاف السنين، ففي الجهة الشمالية يرتبط اكراد العراق وتركيا بأكراد سوريا، وفي الجزء الأوسط والجنوبي يرتبط سكان غرب ووسط العراق بقبائل وسكان منطقة وسط وشرق سوريا.. وهذه الارتباطات ليست تجارية اقتصادية وحسب، بل وتكتسب عمقها من طبيعة الانسجام الاجتماعي الذي يشمل: اللغة العربية، الانتماء الديني والمذهبي والروابط العشائرية.

-         عوامل تتعلق بطبيعة الموقف السياسي في بلدان الجوار العراقي:

يجاور العراق ست دول، منها أربع دول عربية: سوريا، الأردن، السعودية، الكويت.. ودولتان غير عربيتان هما: تركيا وإيران.

المناطق الأكثر استقراراً داخل العراق خلال الفترة الماضية هي المناطق الشيعية في جنوب العراق، والمناطق الكردية في شمال العراق، لذلك فإن معدلات خروج اللاجئين العراقيين منها أقل نسبياً من مناطق وسط العراق السنية والعاصمة بغداد، وذلك بسبب تزايد حدة الصراع والعفن العراقي- الأمريكي، والعراقي- العراقي، واستناداً إلى خارطة التوزيع الاثني والمذهبي الطائفي، فإن سكان وسط العراق يجدون صعوبة في عبور المناطق الشمالية والمناطق الجنوبية، وبالتالي يكون المتاح أمامهم الانتقال إلى السعودية، أو الأردن، أو سوريا.. وبالنسبة للسعودية توجد الكثير من العراقيل، منها رفض السلطات السعودية استقبال اللاجئين العراقيين، إضافة إلى أن الطريق بين السعودية والعراق هو طريق صحراوي طويل يصعب على اللاجئين التسلل عبره واختراق الحدود، أما بالنسبة للأردن، فتقول الاحصاءات الرسمية بأنها تستضيف حالياً حوالي 700ألف عراقي، وكان يمكن أن يتزايد العدد، ولكن السلطات الأردنية أصبحت تفرض الكثير من العراقيل المتشددة أمام حركة عبور اللاجئين العراقيين. وبالنسبة لسوريا فهناك عدة أسباب أدت إلى تزايد أعداد اللاجئين العراقيين، منها: سهولة العبور إلى الأراضي السورية، والتداخل السكاني، إضافة إلى توافر المواصلات وعدم تشدد السلطات السورية في معاملة اللاجئين العراقيين، أما العامل الأكثر أهمية فيتمثل في أن اختيار سوريا مكاناً للجوء يأتي في المركز الأول بين تفضيلات اللاجئين العراقيين، وذلك بسبب التشابه الكبير بين نمط الحياة في دمشق وبغداد، والخلفيات التاريخية الموجودة منذ فترة بلاد ما بين النهرين.

أما بالنسبة لإيران وتركيا، فهما لا تدخلان ضمن تفضيلات طالبي اللجوء العراقيين الحاليين لأنهم من المناطق السنية، ولكن في حالة تزايد معدلات العنف في جنوب العراق، فمن الممكن أن تحدث موجة نزوح باتجاه إيران، وبالنسبة لتركيا فمن الصعب أن يتحرك اللاجئون الأكراد إلى داخلها، لأن الجيش التركي سوف يكون طرفاً رئيسياً في الصراع والمكان الذي سوف ينتقل إليه الأكراد سوف يكون سوريا وذلك بسبب الاستقرار الذي تتمتع به المناطق الكردية السورية، إضافة إلى أن أكراد العراق وأكراد تركيا ظلوا يلوذون دائماً بالأراضي السورية عند تزايد حدة النزاع في مناطقهم.

·       ظاهرة اللاجئين- الحجم والتوزيع:

تقول المعلومات الرسمية بأن عدد اللاجئين العراقيين الموجودين حالياً في سوريا يبلغ 1،2 مليون لاجئ، ولكن العدد الحقيقي يفوق ذلك بقدر كبير، وذلك لأن الـ 1،2 مليون هؤلاء، هم الذين يقيمون بشكل دائم يفوق العام في سوريا، لذلك ينطبق عليهم تعريف القانون الدولي لصفة اللاجئ. ولكن هناك أضعاف هذا العدد تقيم بشكل شبه مستمر، وذلك عن طريق البقاء في سوريا لبضعة أشهر، وعند انتهاء فترة تأشيرة الدخول المحددة، يدخل هؤلاء الأشخاص إلى الحدود العراقية بحيث يقضون بضعة أيام ثم يعودون مرة أخرى إلى داخل الأراضي السورية مرة أخرى، وبتكرار الأمر، يكون الشخص العراقي قد قضى داخل الأراضي السورية بضعة سنوات لم يعود فيها إلى العراق سوى بضعة أيام في العام الواحد.. وعلى هذا النحو يمكن القول بأن أكثر من 2 مليون عراقي على الأقل يقيمون في سوريا بهذه الطريقة على نحو (شبه دائم).

بالنسبة للتوزيع نجد أن المناطق السورية المستقبلة للاجئين تتفاوت، وتأتي في مقدمتها مدينة دمشق، حلب، حمص، اللاذقية، ديرالزور، والحسكة... أما المناطق الريفية السورية التي تستقبل اللاجئين العراقيين، فتتمثل في الأرياف المتاخمة للحدود السورية- العراقية، وحصراً في المنطقة الوسطى والشمالية من الشريط الحدودي، وذلك بسبب التداخل والتقارب العشائري والقبلي.

·       ظاهرة اللاجئين- التأثيرت والتداعيات:

كل مجتمع يتميز بأساليبه المعيشية ونسق القيم الخاصة به، وإذا كان المجتمع السوري والمجتمع العراقي يتفقان في العموميات فإنهما يختلفان في الخصوصيات التي تميز المجتمع السوري عن العراقي، وبالنسبة لطبيعة ظاهرة اللجوء، فإن العلم الاجتماعي يقول بأن اللجوء هو حراك سكاني من منطقة المصدر (Source country) إلى منطقة الاستقبال الحاضنة (host country)، وكما كان بلد المصدر يختلف عن بلد الاستقبال، فإن اللاجئين القادمين من العراق (بلد المصدر) إلى سوريا (بلد الاستقبال) هم لاجئون يحملون معهم كل خصوصيات بلد المصدر، وبالتالي فإن تواجدهم وإقامتهم في بلد الاستقبال يجعلهم يواجهون خصوصيات البلد المضيف، فإنهم يواجهون خصوصيات القادم الذي لجأ إلى بلدهم، والاستمرار يتوقف على خيارين هما:

-         أن يتكيف اللاجئون العراقيون مع خصوصيات (سوريا)، وفي حالة عدم التكيف فسوف يكون أمام بلد الاستقبال اللاجئ أحد أمرين هما: العودة أو اللجوء إلى مكان آخر، أو الاصطدام مع الواقع الاجتماعي القائم.

-         أن يكيف سكان بلد الاستقبال (سوريا) مع خصوصيات اللاجئين العراقيين، وهو أمر غير ممكن، وذلك لأن المجتمعات لا يمكن أن تتنازل عن نسقها القيمي الخاص بها أمام القادمين من الخارج.

وبرغم وطأة المعاناة الموجودة في سوريا بسبب نزاعات وصراعات الآخرين في منطقة شرق المتوسط، والعقوبات الدولية وسلبية الكثير من الأطراف العربية إزاء قضايا سوريا، فقد استمرت سوريا في تقديم العون والسند للاجئين العراقيين، ولكن بمرور الوقت وتزايد العدد تزايدت أيضاً وطأة المعاناة داخل سوريا، وذلك بسبب تداعيات وتأثيرات ظاهرة اللجوء العراقي المكثف إلى سوريا، ومن أبرز ذلك نجد الآتي:

-         التأثيرات الاقتصادية: ارتفعت أسعار السكن والسلع الأساسية أضعافاً مضاعفة، بحيث أصبحت أسعار الإيجارات وتكاليف شراء السلع الضرورية الاستهلاكية ضمن مستويات تفوق القدرة الشرائية لأصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة، وهي شريحة تنتمي إليها الأغلبية العظمى من السوريين.

كذلك، اكتظت حركة النقل والمواصلات داخل المدن السورية وأصبح الشخص ينتظر لفترة  طويلة حتى يجد وسيلة المواصلات أو النقل التي يتحرك بها بين مكان سكنه ومقر عمله.

بالنسبة لقطاع الخدمات السوري، والذي كان يتميز بالاستقرار والكفاءة، وبالذات قطاعات التعليم والصحة، فقد أصبحت تعاني من الضغوط المتزايدة بسبب الطلب المتزايد على خدماتها، ولما كانت خدمات التعليم والصحة مجانية في سوريا، فقد أصبحت الميزانية العامة مطالبة بتوفير المزيد من المخصصات المالية والنقدية والبشرية لكي تحافظ على مستوى الخدمات التعليمية والصحية أمام شبح التدهور الذي أصبح يهدد هذه المرافق.

-         التأثيرات الاجتماعية: التباين في خصوصية نسق القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية أدى إلى بعض التوترات بين بعض اللاجئين العراقيين وبعض السكان السوريين، وبالذات في المناطق والأحياء السكنية التي تتواجد فيها أعداد كبيرة من العراقيين.

-         التأثيرات السياسية: عملية اللجوء أياً كانت، تنطوي على موقف سياسي، وبالتالي فإن ظاهرة اللجوء العراقي المكثف في سوريا تنطوي على الكثير من المواقف السياسية، الرئيسية والفرعية، وحالياً يمكن القول بأن اللاجئين العراقيين الموجودين في سورية –وفي كافة أنحاء العالم- بالضرورة يحملون معهم خلفياتهم السياسية إزاء الواقع السياسي القائم حالياً في العراق، وتتزايد المخاوف إزاء احتمالات انتقال عدوى الصراعات العراقية الداخلية إلى سوريا بواسطة اللاجئين العراقيين، خاصة وأن كل تجمعات اللاجئين في العالم ظلت دائماً تتعرض للتوترات في العلاقات البيئية، سواء بين اللاجئين أنفسهم، أو بين اللاجئين والبلد المضيف، وفي هذه الحالة يمكن القول افتراضاً بأن العلاقات بين شرائح اللاجئين العراقيين: السنة، الشيعة، الأكراد، داخل سوريا سوف لن تكون بمعزل عن الحساسيات القائمة بين هذه الأطراف داخل العراق، لذلك فإن ارتفاع التوترات والعنف داخل العراق سوف يترتب عليه بالضرورة ارتفاع التوترات بين اللاجئين العراقيين، ولحماية الموقف من الاحتقانات والانفجار، ولدرء الخطر عن التداعيات السالبة المدمرة، فإن السلطات السورية تجد نفسها أمام بذل الكثير من الجهود، وتحمل كماً هائلاً من الضغوط الإدارية والأمنية من أجل ضبط الكم والأعداد الهائلة من اللاجئين العراقيين سواء الموجودة أو التي تتدفق عبر الحدود يوماً بعد يوم.

وعموماً، لقد تحملت سوريا برباطة جأش عالية تدفقات اللاجئين العراقيين الكبيرة، وإلى الحد الذي أصبحت فيه كل قطاعات الشعب السوري تقسم تداعيات المعاناة اليومية لحرب العراق، سواء الدائرة بين العراقيين وقوات الاحتلال، أو بين العراقيين بعضهم البعض.. ولكن من الصعب أن يتم تحمل هذه الضغوط لفترة طويلة وبكميات وضغوط أكبر، ولما كان المجتمع الدولي قد بدأ بتقديم بعض الاستجابات الضئيلة لتخفيف المعاناة، فإن الحل الشامل هو الأفضل، ومن الممكن أن تتم الدعوة لعقد قمة عربية خاصة بموضوع اللاجئين العراقيين، وذلك لأن الالتزام تجاه معاناة العراقيين ليس هو التزام سوري، بل هو التزام عربي شامل، يجب أن تتحمل كل الأطراف العربية بعضاً منه.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة