الغارة الصاروخية الإسرائيلي على سوريا أمس هي الأخيرة.. والسبب؟
لا نستبعد أن يكون القصف الصاروخي الإسرائيلي الذي استهدف ليلة الثلاثاء مخزنا عسكريا غرب دمشق، وأدى إلى إصابة ثلاثة اشخاص آخر الغارات الإسرائيلية على سوريا بالنظر إلى ردود الفعل الروسية والسورية تجاهه، وما تتضمنه من ايحاءات بتعاطي مختلف في المرة المقبلة.
قبل أن نتعمق في شرح وجهة نظرنا هذه، لا بد من الاشارة الى ان طائرات “اف 16” التي اطلقت هذه الصواريخ اثناء تحليقها في الأجواء اللبنانية، ودون أن تجرؤ على اختراق المجال الجوي السوري، مثلما كانت تفعل في الماضي، وبالتحديد قبل حصول الجيش العربي السوري على صواريخ “اس 300” الروسية، وربما تكون الخطوة المقبلة هو التصدي لهذه الطائرات حتى في الأجواء اللبنانية نفسها، في اطار سياسية الدفاع عن النفس.
هناك ثلاثة تطورات مهمة يمكن رصدها من خلال القاء نظرة أولية تحليلية على المعلومات المتوفرة حتى الآن في هذا الصدد:
الأول: حالة الغضب الروسي التي عبر عنها المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية ايغور كوناشينكوف، تجاه هذا “الاختراق الاستفزازي” للسيادة السورية، وهذا التعبير ورد على لسانه، وكشف أن الطائرات الإسرائيلية اطلقت 16 صاروخا جرى اعتراض 14 منها، وأصاب الاثنان الآخران مخزنا عسكريا، وأكد كوناشينكوف، وهذا هو المهم، أن هذا القصف تزامن مع هبوط ست طائرات مدنية في مطار بيروت الدولي، وهدد سلامة اثنتين منها.
الثاني: اعتراف السلطات العسكرية الإسرائيلية بسقوط صاروخ سوري قرب مدينة حيفا، مما يعني فشل القبب الحديدية الإسرائيلية التي كلف بناؤها عشرات المليارات من الدولارات بدعم امريكي في اعتراضه.
الثالث: حدوث تقدم كبير في فاعلية ودقة الصواريخ الدفاعية الجوية السورية من خلال تأكيد المتحدث العسكري الروسي على اسقاط 14 منها، وليس من بينها صواريخ “اس 300” الأكثر دقة وتطورا.
نتنياهو الذي واجه هزيمة كبرى في قطاع غزة قبل شهر، ويواجه انتخابات برلمانية في نيسان (ابريل) المقبل، ويقترب حبل مشنقة الفساد من عنقه، يريد ترميم صورته، وإعادة تقديم نفسه للناخب الإسرائيلي كرجل “إسرائيل” القوي القادر على تحقيق الامن، ولهذا اقدم، وبصفته وزيرا للدفاع، على هذه الغارة الصاروخية على سوريا التي لا تشكل استفزازا للقيادة السورية، وانما للرئيس فلاديمير بوتين شخصيا.
صحيح أن هذا الانتهاك الاسرائيلي للأجواء اللبنانية، وتهديده للملاحة الجوية في مطار بيروت لم يسبب أي اضرار لاي طائرة روسية او غير روسية، ولكنه يمكن أن يكون ورقة سياسية ودبلوماسية قوية في يد الحكومة اللبنانية، ورئيسها المكلف سعد الحريري للذهاب الى مجلس الامن الدولي لبحث هذا الاعتداء الإسرائيلي الخطير.. فهل يفعل؟
تسببت الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مخازن أسلحة في منطقة اللاذقية قرب قواعد حميميم الجوية في اسقاط طائرة تجسس روسية ومقتل 11 من الخبراء الأمنيين كانوا على ظهرها، دفع الرئيس بوتين الى اتخاذ قرار فوري بتسليم الدفاع الجوي السوري صواريخ “اس 300″، ورفض استقبال نتنياهو رغم استجداءاته المهينة، ولهذا فان السؤال الذي يطرح نفسه هو عن القرار المتوقع للقيادة الروسية على هذا الاستفزاز الإسرائيلي لهيبتها في سوريا؟ فهل سيتمثل في إعطاء الضوء الأخضر لاستخدام صواريخ “اس 300” للتصدي للطائرات الإسرائيلية المعتدية ليس في الأجواء السورية فقط، وإنما اللبنانية أيضا، وربما في العمق الفلسطيني المحتل أيضا؟
لا نملك أي إجابات عن هذه الأسئلة في الوقت الراهن، ولكن ردود الفعل الروسية الغاضبة وطريقة التعبير عنها، ربما تشي بالكثير الذي سنتعرف على بعض ملامحه في العام الجديد، وربما في حال حدوث غارة إسرائيلية صاروخية أخرى.
لا نبالغ إذا قلنا أن هذه الغارة ربما تكون الطلقة الأخيرة في جراب نتنياهو قبل انتقاله إلى المكان الذي يليق به خلف القضبان اسوة بسلفه ايهود أولمرت، وحتى لو تأخر هذا المصير، فان فرصه في الفوز في الانتخابات البرلمانية القادمة تبدو محدودة، ان لم تكن معدومة، فهل سينتخب الإسرائيليون قائدا هّزم في قطاع غزة، وانفضحت مسرحية انفاق “حزب الله” التي افتعلها في جنوب لبنان، ولم يصدر حتى “عتب” أو بيان صحافي من مجلس الأمن الدولي تجاهها، وخسر بتهور الدعم الروسي لـ”لدولة العبرية”؟
أيام نتنياهو باتت معدودة، ولا نعتقد أن أيام من سيخلفه ستكون أفضل فالزمن الذي كانت تعربد فيه الغطرسة العسكرية الإسرائيلية ولي وإلى غير رجعة، والعام الجديد سيكون شاهدا على ما نقول.. والأيام بيننا.
عبد الباري عطوان – رأي اليوم
إضافة تعليق جديد