الكنيسة ورمضان في اللاذقية: تقاسم الرغيف في هذه البلاد الطيبة
تعمل جورجيت مع مجموعةٍ من النساء منذ انطلاق شهر رمضان على إعداد الطعام للصائمين ضمن مطبخ كنيسة البربارة في حارة «علي جمال» في اللاذقية، الذي يتكفل يومياً بطهو مئات الوجبات توزع مباشرة للمستحقين.
المطبخ هو واحدة من مجموعة مبادرات أطلقت في سوريا مع حلول شهر الصوم، حيث تبنته بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس بالتعاون مع المجتمع المحلي في المحافظة الساحلية التي تشهد نشاطاً مجتمعياً لافتاً مؤخراً.
ويقدم المطبخ يومياً مـئات الوجـبات السـاخنة قبل موعد الإفطار، حتى تكون على موائد الصائمين من الوافدين إلى اللاذقية أو من سكانها الأصليين، وهي وجبات متنوعة يومياً تتضمن أطباق الأرز والبرغل، والفريكة والمنسف، إلى جانب التمر واللبن، الغذاء المحبب في رمضان.
ويقوم نظام عمل المطـبخ على مبادئ ثابتة لا تحيج الصائم إلى أن يأتي ليأخـذ وجبـته، وإنـما يتـم إيصـالها إلى منـزله عبر مجمـوعة من المتطوعين يجولون على الأحياء المستهدفة، ويوزعـون بطـاقات على عائلات معـينة بالتـعاون مع وجهاء المناطـق وأئمـة المساجد، ويعودون في اليوم التالي حاملين الوجبات التي يتم تسليمها، ويستردون البطاقات لكي توزع على عائلات أخرى في اليوم التالي، بحيث يتبدل المستفيدون يوميا، وتتوسع جغرافياً شريحة الذين يصل إليهم الطعام.
وتحرص كاتيا خاشو، التي فقدت ابنها خلال الحرب السورية، أن تكون مع زميلاتها في المطبخ في ذكرى رحيله التي صادفت هذا العام في اليوم الثالث من شهر رمضان، وتطهو معهن الطعام وتوضبه وتوزعه بيديها. تقول خاشو إن «أفضل ما أقوم به لروح ولدي هو التطوع لخدمة السوريين، وبذل كل ما في وسعي من أجل راحة وسعادة أبناء بلدي، وهذا المطبخ الذي تقيمه البطريركية منحني فرصة القيام بهذا الدور بسعادة كاملة».
رسائل عديدة يحملها المطبخ الذي أطلق القائمون عليه اسم «صحن»، وأتبعوه بعبارة صغيرة تحمل الكثير من المعاني: «من خير هذه البلاد الطيبة». يقول مايك عو، أحد المتطوعين في هذه المبادرة، إن «هذه البلاد غنية بالخيرات الطبيعية والعطاء الإنساني، وما نقدمه في المطبخ لا نقدمه باسمنا ولا باسم البطريركية، بل نقدمه باسم سوريا والسوريين».
تحتضن هذه المبادرة متطوعين من جميع الديانات والطوائف، يتشاركون مع بعضهم البعض جهوداً تزداد قوةً بفضل المجتمع المحلي الذي يقدم الدعم. ولا يمنع الصيام المتطوعة نور مطرجي من المشاركة في هذا العمل الذي يعطيها «قدرة مضاعفة على الصبر والعمل».
مبادرة البطريركية ليست الوحيدة في محافظة اللاذقية، فقد نمت مبادرات عديدة مشابهة والمطابخ المفتوحة، لكن خصوصيتها تظل في أنها بمبادرة من الكنيسة، فيما الحرب تستعر ويتضاعف حجم التحريض.
ويؤكد الخوري جورج حوش أن «هذه هي ثقافتنا المشرقية، فالكنيسة الأرثوذكسية اليوم ليست للمسيحيين فقط، بل هي لكل السوريين الذين تعتبر أن وجعهم هو وجعها».
ويضيف حوش: «إن ما تفعله البطريركية هو جزء من ثقافة العيش المشترك للمشرقيين، ويعود بالتاريخ إلى البطريرك غريغوريوس الدمشقي الذي كان يوزع الخبز على المسلمين والمسيحيين في المرحلة التي حوصرت فيها دمشق من قبل الفرنسيين، وظل مصراً على هذا العمل رغم التهديد بانتهاء الطحين من مستودعات البطريركية، وكان شعاره آنذاك تقاسم الرغيف بين أبناء البلد الواحد والأرض الطيبة».
جدير بالذكر أن الموائد الخيرية في رمضان تعتبر تقليداً مجتمعياً واظب عليه السوريون منذ عقود. وعلى الرغم من صعوبة الظروف الحالية، إلا أن الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني والروحي في اللاذقية تقدم يومياً قرابة عشرة آلاف وجبة للصائمين.
بلال سليطين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد