ماذا تحمل توصيات تقرير بيكر- هاميلتون حول المنطقة
الجمل: أصبح في حكم المؤكد أن لجنة بيكر- هاميلتون (مجموعة دراسة العراق) سوف تقدم بعد غدٍ الأربعاء الساعة 11 صباحاً، التقرير النهائي الذي يحمل توصياتها بشأن الأزمة العراقية للرئيس جورج دبليو بوش.
الصراع حول الملف العراقي أصبح أكثر تعقيداً، وذلك بسبب أنه أصبح مؤثراً على الصراع السياسي الداخلي، فقد كان البيت الأبيض ينفرد بإدارة الأزمة العراقية مسنوداً بالدعم الهائل من أجهزة السلطة التشريعية الأمريكية، التي كانت قبل انتخابات السابع من تشرين الثاني تحت قبضة الجمهوريين، ولكن بعد الانتخابات تغيرت قواعد لعبة إدارة ملف الأزمة العراقية، وأصبح هناك المزيد من اللاعبين البارزين الجدد:
• مجموعة المحافظين الجدد بقيادة ديك تشيني، وتسيطر حالياً على:
- البيت الأبيض الأمريكي (مؤسسة الرئاسة).
- البنتاغون (وزارة الدفاع).
- وزارة الخارجية الأمريكية.
- مجلس الأمن القومي.
• لجنة بيكر- هاميلتون: وبرغم أنها لجنة تطوعية، غير مسنودة بأي مركز قانوني أو دستوري، وبرغم أن تقريرها النهائي هو مجرد توصيات غير ملزمة، إلا أن هذه اللجنة، اكتسبت عمقاً شعبياً كبيراً، وبالتالي فإن توصياتها تنال قدراً كبيراً من احترام الرأي العام الأمريكي، وبالتالي فإن تقرير اللجنة النهائي سوف يكون واحداً من أبرز عوامل الضغط على الإدارة الأمريكية.
• أعضاء الكونغرس الأمريكي المعارضين للحرب، ويتمثلون –من الناحية النظرية- في الأغلبية الديمقراطية التي سيطرت على مجلس النواب والشيوخ، والتي نالت ثقة الناخبين الأمريكيين بسبب الأجندة الانتخابية المعارضة للحرب.
• الرأي العام الأمريكي: وتقول استطلاعات الرأي أن الأغلبية العظمى من الأمريكيين تفضل الانسحاب من العراق.
• منظمات اللوبي الإسرائيلي: وتقوم بدور هام في الحشد والتبعية داخل أجهزة ومؤسسات الدولة الأمريكية التشريعية والتنفيذية والقضائية، وأيضاً على الصعيد الإعلامي، من أجل مواصلة الحرب الأمريكية ضد العراق، وتصعيدها ضد إيران.
• المجتمع الصناعي- العسكري: ويتمثل في الشركات الصناعية وشركات صنع السلاح الكبرى، والتي تريد استمرار الحرب من أجل تسويق منتجاتها.
• شركات النفط الأمريكية: وتمارس المزيد من الضغوط الهادفة للدفع باتجاه تصعيد الحرب ضد العراق، وإيران، وآسيا الوسطى، بحيث تستطيع السيطرة والهيمنة على مخزونات النفط العالمي الرئيسية.
المتابعة والملاحظة، والتحليل للأداء السلوكي داخل الإدارة الأمريكية تشير إلى الآتي:
- بجانب لجنة بيكر هاميلتون فقد كونت الإدارة الأمريكية لجنة أخرى موازية لهذه اللجنة في البنتاغون، مهمتها أيضاً إيجاد المخرج من العراق.
- تم عقد قمة الناتو الموسعة في لاتفيا وتطرقت لدعم أجندة الشرق الأوسط الجديد وأمن الطاقة النفطية، توسيع الناتو شرقاً وجنوباً.
- تزايدت تحركات الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط، وكان أبرزها:
* زيارة ديك تشيني المعلنة للسعودية، وغير المعلنة للعراق.
* زيارة كوندوليزا رايس لإسرائيل.
* زيارة بوش للعاصمة الأردنية عمان
وقد ترتب على هذه الزيارة تحول كبير في مضمون تصريحات عدد من اللاعبين الإقليميين في شرق المتوسط:
- أعلنت السعودية أنها سوف تتدخل في العراق إذا خرجت القوات الأمريكية من العراق، ومن ثم فهناك موقف سعودي واضح يطالب ببقاء القوات الأمريكية في العراق.
- أعلنت إسرائيل عن هدنة مع حركة حماس، وعن عرض تسوية سلمية جديدة للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
- طالب رئيس الوزراء العراقي أمريكا ببقاء القوات الأمريكية في العراق.
- طالب رئيس الجمهورية العراقي جلال الطالباني ببقاء القوات الأمريكية في العراق.
- قام رئيس الوزراء التركي أردوغان بزيارة العراق.
- أعلنت إسرائيل مخاوفها من سقوط حكومة السنيورة.
- أعلن الرئيس بوش ثناءه على نوري المالكي، وأضاف قائلاً: إن القوات الأمريكية سوف تظل موجودة في العراق طالما كانت الحكومة العراقية تطلب ذلك.
كل هذه التحركات والتصريحات، تشير بوضوح مؤكدة إلى أن الإدارة الأمريكية تقوم بتنفيذ (خارطة طريق) خاصة بها. ويمكن التقاط المؤشرات الدالة على ذلك من المصادر الآتية:
• صحيفة الواشنطن بوست الصادرة اليوم الاثنين 4 كانون الأول 200م:
كتب شارلز بابينغتون تقريراً اخبارياً حمل عنوان (بوش يوازن بين الخيارات من أجل استراتجية في العراق) وقد ركز التحليل بشكل رئيسي على تصريحات ستيفان هادلي مستشار الأمن القومي الأمريكي والتي أبرزت النقاط الآتية:
- الأفكار التي تم رفضها في الماضي، حول العراق سوف تكون مدرجة أيضاً على طاولة الخيارات.
- هناك مذكرة قدمها دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الامريكي السابق، في يوم 6 تشرين الأول 2006م، (أي قبل انتخابات الكونغرس بيوم واحد، وقبل استقالته بيومين)، حملت عنوان: قائمة غسل وتنقية الأفكار، واقترحت إعادة انتشار القوات الأمريكية وتركيز وجودها الكبير في المناطق المواجهة للحدود السورية والحدود الإيرانية، مع ضرورة أن يتم سحب بعض القوات الأمريكية، وبالذات مناطق الانكشاف المحفوفة بالخطر، مع مراعاة أن تقوم القوات الأمريكية المنسحبة ضمن عملية إعادة الانتشار بإعطاء قوات الأمن العراقية دوراً أكبر من أجل الاعتماد على النفس. وقد أكد هادلي أن خيار رامسفيلد هذا سوف يكون مطروحاً على الطاولة أيضاً.
- أفكار وآراء واقتراحات نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي، سوف يتم أخذها بين الخيارات.
- آراء وأفكار واقتراحات الفصائل والقوى العراقية الأخرى، سوف يتم تقييمها من بين الاقتراحات.
- آراء وخيارات أعضاء الكونغرس الديمقراطيين.
- آراء وخيارات أعضاء الكونغرس الجمهوريين.
- آراء وخيارات حلفاء أمريكا الرئيسيين في العراق.
• صحيفة هيرالد تريبيون الدولية الصادرة اليوم 4 كانون الأول 2006م.
كتب كنولتون تقريراً حمل عنوان (مجموعة دراسة العراق سوف تقدم تقريرها لبوش)، ذكر بأن بوش قد أبدى بوضوح أنه في الوقت الذي يحرص فيه على دراسة توصيات اللجنة، فإنه أيضاً سوف يعطي اعتباراً واهتماماً لموازنة ومواجهة المراجعات ووجهات النظر التي توصلت إليها هيئة الأركان المشتركة ومجلس الأمن القومي.
وأضاف هادلي قائلاً: إن توصيات لجنة بيكر- هاميلتون سوف تمثل فقط واحداً من الحلول أو الخيارات المطروحة أمام الرئيس بوش. وفي تقرير آخر أيضاً في الصحيفة نفسها، حمل عنوان: (لجنة العراق سوف تمثل فقط مجرد واحد من المدخلات في سياسة بوش)، ويقول التقرير: إن تقرير اللجنة سوف يشكل أحد الخيارات المتاحة أمام الرئيس بوش الساعي من أجل العثور على طريق جديد لإحراز التقدم في العراق.
• مجلة النيوزويك- عدد هذا الأسبوع:
كتب المحلل السياسي إيفان توماس تحليلاً مطولاً، قال فيه: إن الرئيس بوش قد فعل خلال الفترة القليلة الماضية كل ما لا يجب القيام به، ونعتقد أن الكاتب قصد من هذه العبارة أن الرئيس بوش قد كان مضطراً لكي يثني على المالكي، وأن يقبل بضرورة التفاوض والتفاهم مع سوريا وإيران، وأن يجر نفسه عاجزاً عن ضرب إيران، وأن يبتلع حجر كوريا الشمالية النووية، وأن يذهب للملك عبد الله بحثاً عن الحل.... وغير ذلك. وما كان لافتاً هو عنوان المقال: (دراسة العراق: هل سيستمع بوش إلى النصيحة؟).
• صحيفة نيويورك تايمز:
كتب المحلل ستيفن أر وايزمان، تقريراً حمل عنوان (أحد المساعدين يقول بأن بوش يخطط لمقاربة عراقية جديدة)، وقد أشار التحليل بوضوح إلى أن الرئيس بوش يخطط من أجل إحداث (تغييرات هامة بارزة) في مقاربته للعراق بعد أن –يكمل- استعراض الخيارات المعدة بواسطة لجنة الخبراء والاقتراحات الأخرى المقدمة إليه بواسطة الأطراف الأخرى في الإدارة الامريكية والكونغرس.
كذلك أشارت الصحيفة إلى تعليق هادلي الذي قال فيه: إن الغاية والهدف الرئيسي يتمثلان في العمل من أجل مساعدة العراق من أجل أن يصبح بلداً يحكم نفسه بنفسه، بحيث يستطيع الدفاع عن نفسه بشكل دائم، ومن ثم فإن انسحاب القوات الأمريكية بغض النظر عما يحدث –حالياً- على الأرض –ميدانياً في العراق- هو –خيار- لن يتم انتهاجه وتطبيقه.
عندما قام جورج دبليو بوش بتعيين لجنة بيكر- هاميلتون اعتقد الجميع بأن هدف هذه اللجنة هو إيجاد المخرج للإدارة الأمريكية من ورطة الأزمة العراقية، ويبدو أن الأمر كذلك، ولكن ما لم يكن كذلك، يتمثل في معرفة الطبيعة المزدوجة التي ظلت تتعامل بها جماعة المحافظين الجدد وإسرائيل ومن ورائهم الرئيس جورج دبليو بوش، فالمخرج من الورطة العراقية، يفهم منه المخرج للقوات الأمريكية المتورطة حالياً في العراق، ولكن ما لم يلاحظه الجميع هو المعنى الثاني المخفي بين السطور: المخرج للإدارة الأمريكية من الورطة العراقية التي علقت فيها أمام الرأي العام الأمريكي في فترة ما قبل انتخابات السابع من تشرين الثاني الماضين ولما كان الجمهوريون على مشارف الانتخابات، فإن المطلوب هو مخرج من هذه الورطة، وليكن تشكيل لجنة لتضليل الرأي العام الأمريكي بأن الجمهوريين يعملون من أجل الخروج من العراق، وبالتالي لا داعي للتصويت لمصلحة الديمقراطيين.. ولكن ما يحدث حالياً هو تنفيذ المشاهد الفرعية لسيناريو التخلص من لجنة بيكر، دون أن يؤثر ذلك سلباً على الرأي العام الأمريكية، ودون أن يؤدي إلى إعطاء ورقة جديدة للديمقراطيين يستندون عليها في إدانة الحزب الجمهوري وإدارة بوش.
وفيما يتعلق بالموقف إزاء سوريا وإيران، الآن يمكن القول بوضوح بأن الإدارة الأمريكية تعمل على تنفيذ المخطط الذي يهدف إلى الآتي:
- استمرار الوجود العسكري الأمريكي الذي يمثل العراق.
- عدم استخدام القوات الأمريكية أو البريطانية في التصدي للمقاومة العراقية.
- الضغط على دور الجوار الإقليمي للعراق لكي تقوم بعمليات قمع المقاومة العراقية ومواجهتها عسكريا وسياسياً، ويتضمن ذلك جملة من السيناريوهات الفرعية:
* تهديد إيران بالعقوبات الدولية والضربة العسكرية من جهة، والتلويح لها من الجهة الأخرى بالمزيد من التعاون والدعم إذا وافقت على مساعدة أمريكا.
* تهديد سوريا بالعقوبات تحت ذريعة دعم الإرهاب، وبالملف اللبناني، وبالضربة العسكرية- الإسرائيلية الجديدة ضد حزب الله، وربما ضد سوريا وإيران من جهة، والتلويح لها من الجهة الأخرى بإمكانية إعادة فتح مفاوضات السلام وبإغلاق الملف اللبناني.. مع الإغراء بتعزيز ودعم اتفاق الشراكة الأوروبية.
أما بالنسبة لدول (تحالف المعتدلين) فهناك احتمالات كبيرة أن تقوم أمريكا (بجرجرة) زعماء السعودية والأردن ومصر، رغماً عن أنفهم إلى المحرقة العراقية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
ملاحظة: يحظر على المحرر السياسي في جريدة الثورة سرقة المادة، ونسمح للمحرر السياسي في جريدة البعث بأخذها دون ذكر المصدر....
إضافة تعليق جديد