السعودية تطارد شياطين التغريد
بالنسبة لـ«هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، فإنّ من يستخدم «تويتر»، «خسر الدنيا والآخرة». لكنّ ذلك لم يثنِ السعوديين عن تصدّر قائمة الشعوب الأكثر نشاطاً على «تويتر» خلال العام الحالي. نشاطٌ بدأ يثير قلقاً جدياً في صفوف العائلة الحاكمة، بحسب تقرير حديث صادر عن «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى». وبذلك، تكون حرب السعوديّة على «جرثومة تويتر»، الظاهرة الأبرز في فضاء الإعلام الجديد العربي، في العام 2013.
يبدو أنّ الإقبال المتزايد وغير المسبوق للسعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً «تويتر»، بدأ يشكلّ استفزازاً متصاعداً للحكومة والسلطة الدينية في البلاد. وتؤكّد تصريحات السلطة الدينية قلقها الدائم من الإعلام الجديد «الذي بات يشكّل تهديداً على الوحدة الوطنية». تبيّن عدّة دراسات صادرة حديثاً، أنّ السعودية تتصدّر عالم التغريد بمعدل نموّ مرتفع لمستخدمي «تويتر»، وصل في العام 2013 إلى 4,8 مليون مستخدم. وبهذا، تكون معدلات استخدام «تويتر» في المملكة هي الأعلى بين جميع دول العالم، قياساً بعدد السكان. وأمام هذا التضخّم اللافت، بدأت السلطة الدينية النافذة في البلاد تطارد شياطين التغريد، من خلال إصدارها فتاوى تبدأ باعتبار «تويتر»، «مكاناً لتجمّع كل مهرّج وفاسد» ولا تنتهي عند حدّ التحريم والتهديد. لكنّ الحقيقة أن بعض أشهر المغرّدين في المملكة هم من علماء الدين، في مواجهة جمهور واسع من المغرّدين الناشطين للتعبير عن السخط الشعبي من أداء الحكومة في معالجة المشاكل الداخلية، وحتى الخارجية. وبالنتيجة، فإنّ المؤسسات والهيئات الحكومية ذات الصلة، تتعامل مع «تويتر» باعتباره تهديداً يجب كبحه ومراقبته واستخدامه كوسيلة لاتخاذ إجراءات ضد «المنشقين».. ما ترسّخ بوصفه الظاهرة الأبرز في الإعلام الجديد عربياً، خلال العام 2013.
الاهتمام غير المسبوق من قبل المواطنين السعوديين بموقع التدوينات القصيرة، يعزّز احتمال أن تسهل وسائل التواصل الاجتماعي من التعبئة السياسية في المملكة. وذلك رغم فشل جهود بعض الناشطين السعوديين على مواقع التواصل، في حشد مواطنيهم للعمل من أجل «الإصلاح». إذ أنّ تلك الجهود لم تتُرجم إلى عمل واسع النطاق حتى الآن.
تشير دراسة أجرتها «غلوبال ويب اندكس»، إلى أنّ 41 في المئة من مستخدمي الانترنت في السعودية ينشطون على «تويتر». وتلفت دراسة أخرى لـ«بير ريتش» إلى أنّ 4 في المئة من إجمالي مستخدمي «تويتر» حول العالم سعوديون. والدراستان صدرتا في تشرين الثاني من العام الحالي.
ارتفاع معدلات استخدام «تويتر» هو جزء من صورة أوسع، لإقبال الشباب على وسائل التواصل في المملكة، وفي عموم دول مجلس التعاون الخليجي. والمعروف أنّ الحياة العامة في تلك الدول تخضع لقوانين مقيّدة للإعلام، والتجمّع العام، وتكوين مجموعات مدنية، والمشاركة السياسية.
يأتي ردّ السلطات الدينية على استخدام «تويتر» في السعوديّة، من خلال إدانة كل من يستخدمها بهدف التغيير. وبرزت في هذا الصدد تصريحات لكبار علماء الدين تدعو إلى تضافر الجهود للحدّ من استخدام تلك «الجرثومة» الجديدة. وفي ثلاث مناسبات منفصلة خلال العامين الماضيين، أشارت المرجعيّة الدينية والقانونيّة الأعلى والأكثر نفوذاً في البلاد المتمثّلة بشخصية المفتي عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، إلى «تويتر»، كـ«مصدر للأمراض الاجتماعية». فموقع الزقزقات هو بحسب آل شيخ، «منصة لتبادل الاتهامات وترويج الأكاذيب»، و«مكان لتجمع كلّ مهرّج وفاسد ينشر تغريدات غير مشروعة وزائفة وخاطئة». كما أنّ المفتي لقّب مستخدمي «تويتر» بـ«المغفلين الذين يفتقرون إلى الاحتشام والإيمان». كما أنّه لم يتوقّف عند هذا الحدّ، إذ أدان خدمات التواصل على كلّ أشكالها، معتبراً أنّها «منصّات للخبث تروِّج لعقائد ضالة». وراح يذكِّر «إنه واجب (إسلامي) على المواطنين أن يطيعوا من في السلطة». وكان لـ«هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» رأيها الخاص أيضاً، إذ أعلنت في تصريح رسمي إلى أنّ من يستخدم «تويتر» «خسر الدنيا والآخرة».
وبالرغم من عجز الحكومة عن تطبيق إجراءات رقابيّة صارمة، بسبب كثافة عدد المستخدمين، إلا أنّها تنجح باستهداف نشطاء سياسيين ومدنيين، من خلال دعاوى قضائية.. كلّ ذلك بحجة وجود تغريدات تعتبر «غير قانونية» أو «مسيئة». يشكلّ العمل على قمع تلك الأصوات على «تويتر»، جزءاً من حملة سياسيّة أوسع ضدّها. ففي آذار الماضي، حُكم بالسجن على الناشطين محمد القحطاني وعبد الله الحامد، بتهمة تأسيس «جمعية الحقوق المدنية والسياسية» السعودية. ومن التهم التي وجّهت لهما، ما صنّف في خانة «جرائم الإنترنت»، وذلك لأنهما استخدما «تويتر» وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لقضيتهم.
يخلص تقرير أعده «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، إلى أن العائلة الحاكمة في السعودية باتت أكثر قلقاً من تداعيات «السخط العام»، إثر موجة «الربيع العربي». ذلك لأنّ انتشار وسائل التواصل بأساليب يستحيل تقييدها، جعل العائلة المالكة وشركاءها من الإسلاميين، يشعرون بالضغط، خصوصاً أنّ بعض الرسائل المتداولة تعكس استياءً عاماً كبيراً تجاه الوضع الراهن، بحسب التقرير.
تسير عقارب السعودية على توقيت النووي الإيراني، والحرب السورية، والتوجّه الأميركي في المنطقة، وغيرها من الملفات الساخنة.. لكنّها لا تتوقف هنا ولا تستقرّ. الحرب الافتراضيّة تأخذ شكلاً مختلفاً على «تويتر»، إذ أنّها تدور في فلك داخلي، وتشنّ على أفراد وليس على دول. أنت مغرِّد في السعودية؟ إذن عليك بالطاعة.
ملاك حمود
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد