بريطانيا وفرنسا تعلنان الحرب ضد سورية بالوكالة بتسليح المتمردين
«اوتوستراد» توريد الأسلحة للمعارضة السورية صار سالكا تماما أمام بريطانيا وفرنسا. جميع العناصر القانونية لذلك اكتملت فجر أمس، مع رفع حظر الأسلحة الأوروبي لصالح «الائتلاف الوطني» المعارض. تعقيد التسوية جعل خلاصتها ملتبسة، لكن بعيدا عن أية مواربات: التسليح ممكن ابتداء من أول حزيران المقبل. مع هذا، اعتبر معارضو التسليح أن الشروع به الآن «سيقلب قارب» عملية الحل السياسي.
خرجت بريطانيا وفرنسا بما تريدانه. ليس للاشيء طلب وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي إغلاق الأبواب والبقاء بمفردهم. غادر الديبلوماسيون، وتركوهم بعد ساعات تفاوض طويلة شهدت صدامات. كل الخيارات التي وضعت أمامهم سقطت تباعا. المفاوضات كانت مهددة بالانهيار. بريطانيا رفضت تماما صرف النظر عن إمكانية تسليح المعارضة، وأصبح واضحا أن الأمر لم يعد مجرد تهديد.
لاح بالفعل خيار عدم التوصل لاتفاق أوروبي، وترك العقوبات على سوريا تنتهي صلاحيتها نهاية أيار الحالي دونما تمديد. البريطانيون قالوا «إذا كان هذا الخيار الأخير فليكن». هذا الاحتمال يهدد سمعة الاتحاد الأوروبي، فالعقوبات الأوروبية ستسقط، وكل دولة عندها تفعل ما تراه مناسبا. لماذا الاتحاد إذا كان منفصلا على مسألة بهذه الأهمية.
مصدر ديبلوماسي أوروبي حضر النقاشات قال إن «مبادرة ألمانية هي التي أنقذت الموقف». وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيله ضغط بقوة للتسوية. بدلا من إدراج موضوع حظر الأسلحة في قرارات الاجتماع، اقترح إصدار «إعلان سياسي» في ورقة منفصلة، وهو ما حصل.
الإعلان يجدد كامل العقوبات على سوريا لمدة سنة باستثناء حظر الأسلحة. بهذا تم ضمان «إمكانية» تصدير الأسلحة وإطلاق يد من يريد ذلك. الإعلان أخرج موضوع التسليح من كونه موضوعا يخضع لمعايير أوروبية مشتركة، إذ وضعه في عهدة كل دولة تريد الشروع به وفق سياساتها الوطنية. الأمر الوحيد أن الدولة الراغبة بالتسليح أن تضمن ثلاثة شروط: أولا، أن تذهب الأسلحة فقط إلى «الائتلاف الوطني» المعارض ولغرض حماية المدنيين. ثانيا، الحصول على «ضمانات دقيقة» ضد سوء استخدام التراخيص الممنوحة لتصدير الأسلحة، وخصوصا المعلومات المتعلقة بالمستخدم النهائي لها ووجهتها الأخيرة. ثالثا، إجراء تقييم منتظم لتطبيقات تراخيص التصدير «حالة بحالة»، مع الأخذ بكامل الاعتبار القواعد المشتركة لسياسة تصدير المعدات والتكنولوجيا العسكرية، المفصلة في قانون أوروبي أقرّ في العام 2008.
هنا عند من يريد التسليح حل مشكلة مستلم الأسلحة، فهو جهة «شرعية» بما يكفي لتسليحها. الأوروبيون يعترفون بـ«الائتلاف» على أنهم «ممثلون شرعيون للشعب السوري»، حتى لو كانوا في مناطق صراع.
يمكن وضع نقطة، فالأمر ينتهي هنا. هكذا يكون التشريع الأوروبي فتح الباب أمام من يريد التسليح. أما ما أثار الالتباس هو إلحاق هذا «الضوء الأخضر» بموقف سياسي، يقول إن الدول الأوروبية «لن تشرع في هذه المرحلة» بتوريد الأسلحة. يضاف إليه أن هذا الموقف الأوروبي المشترك، بمعنى إعطاء «الضوء الأخضر»، سيراجع قبل بداية آب المقبل، بناء على تقرير من وزيرة خارجية الاتحاد كاثرين اشتون، وبعد التشاور مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ووفقا للتطورات المرتبطة بالمبادرة الأميركية ـ الروسية ولانخراط الأطراف السورية بها.
تجب قراءة ما سبق في سياق كونه «إعلانا سياسيا» تم تضمينه تسوية معقدة. البعض ترجمه بأن أول آب الموعد الذي ينبغي قبله رؤية إذا كان المضي بتشريع التسليح أم لا. لكن، يمكن ان يكون الأمر بالعكس: إذا حصل تقدم جدي في جنيف، عندها يمكن للدول الأوروبية المعترضة القول إن الحل السياسي يعمل ولم يعد من داع لإبقاء باب التسليح مفتوحا للمعارضة.
القرار اتخذ، ولا يغير شيئا قول البريطانيين والفرنسيين إنه ليس لديهم «النية» للتسليح «في هذه المرحلة». هذا تعبير سياسي من الصنف «متعدد الاستخدام»، فيمكن لتطور «ما» أن يعتبرانه يمثل «مرحلة جديدة». لهذا، لم يكن مستغربا أن ترد عليه روسيا في اليوم التالي بتعبير أقل مواربة: سنزود النظام السوري بصواريخ «إس ـ 300»، وهي من أحدث منظومات الدفاع الجوي تطورا في العالم.
طبعا، رفع حظر توريد الأسلحة إلى المعارضة، حصرا، لا يغير شيئا في إبقائه مشددا على النظام. ستبقى الموانئ والمطارات الأوروبية عرضة لعمليات تفتيش على الشبهة.
وزير خارجية بريطانيا وليم هيغ قال، بعد انتهاء اجتماعهم بعد منتصف ليل أمس، إنه مع اتخاذ هذا القرار ستكون الرسالة وصلت للنظام السوري، مؤكدا «إنها إشارة واضحة لنظام (الرئيس بشار) الأسد»، مضيفا «إذا لم يذهبوا للتفاوض، وإذا لم يوقفوا القتل والاعتداء على الناس، فلدينا مرونة أكبر في سياستنا للرد، وهذا يدعم حلا سياسيا».
ما التبس على ورقة «الإعلان السياسي» لم يكن كذلك أبدا على لسان من سألناهم. خلال حديث قال الوزير البلجيكي ديدييه ريندرز أن قرارهم يعني أن توريد الأسلحة «يقع تحت طائلة القرار الوطني»، مشددا على أهمية توفير «الضمانات» التي تراقب تطبيق المعايير الأوروبية كضوابط لتوريد «هكذا كمية كبيرة من الأسلحة».
لا مجال للالتباس بحسب ريندرز، فهو يؤكد أن التسليح بذاته لم يعد قرارا أوروبيا مشتركا. يقول «إنه قرار وطني أن تفعل شيئا أو لا تفعل»، قبل أن يعلق «لنكن دقيقين بالنسبة لبريطانيا وفرنسا، سيكون من المهم أن تأخذا قراراتهما بالتماشي مع التزام اليوم هذا».
ينفعل وزير خارجية هولندا فرانس تمرمانس عندما يسمع كلمة «فوضى». كنا نسأله توضيح هذه المعمعة التي جعلت العناوين تتفاوت وهي تخبر عن فحوى قرارهم. قال محتجا «الاتحاد الأوروبي ليس فوضى»، قبل أن يضيف «أنا شخصيا سعيد أن لدينا هامشا كبيرا، مستوى كبير للإجماع الأوروبي حول قضية لم أكن في الصباح مقتنعا بأننا سنصل إلى هذا الاتفاق حولها».
تمرمانس كان يساند الجهود الألمانية لانجاز التسوية. وأكد أن قراءتها باعتبارها تمنع توريد الأسلحة قبل آب «ليست استنتاجا صحيحا». وأكد أنه «إذا ما كان هناك دول أعضاء لديها النية لتصدير أسلحة (للمعارضة قبل آب) فهذا يعود تماما إليها»، مستدركا بالقول «هناك فقط بلدان يفكران في هذا، ولكن البلدين قالا اليوم أنهما لا ينويان ذلك حاليا».
كان وزير خارجية النمسا مايكل شبيندلغر غادر للتو، ولم يكن يستطيع إخفاء خيبة أمله الشديدة. فشلت كل محاولاته لمنع قرار التسليح. وفي حالة يائسة حاول الضغط خلال الاستراحة بعدما طالت المفاوضات، وصرح بأنه يأسف «للفشل» الأوروبي في اتخاذ قرار مشترك، ولاستحالة «التسوية» مع بريطانيا وفرنسا. ليس معروفا كيف ستتصرف النمسا الخائفة على جنودها الذين يشكلون أكثر من ثلث قوة الأمم المتحدة على حدود الجولان السوري المحتل.
وضعه استحق تعاطف نظيره السويدي كارل بيلدت الذي سانده في مقاومة رفع الحظر. ردا على سؤال طرحته «السفير» قال «لديهم وضع خاص أحترمه جدا، ولا أعرف كيف سيتعاملون معه. لأنهم يفكرون في حماية مواطنيهم في مرتفعات الجولان»، مضيفا أن «ثمة مخاطرة أن بعثة الأمم المتحدة هناك ستنهار، وهذا يقلقهم كثيرا».
الوزير البريطاني قال لنا إنه يتفهم خيبة نظيره، معتبرا أن رفع حظر الأسلحة للمعارضة ينتمي لفئة «القرارات الصعبة، وعلينا أن نحترم أنها صعبة لدول أخرى»، قبل أن يضيف «لكنني متأكد من أننا اتخذنا القرار الصحيح».
الحكم البريطاني يعني أن أوثق حلفائهم، الولايات المتحدة، دعم القرار ودفع إليه. على الأقل، سيكون ورقة أميركية للضغط في الطريق إلى مفاوضات جنيف وخلالها.
مع ذلك، عندما سألنا وزير خارجية السويد كارل بيلدت رأى أن القرار لن يحمل «تأثيرا كبيرا» على «جنيف 2». بيلدت يعتبر «مؤتمر السلام» نتيجة لـ «تغير حقيقي» في المناخ الدولي ويمثل «أول إمكانية» لعملية سياسية في سوريا. يؤكد أن «هناك تغيرا واضحا في الجو بين الأميركيين والروس، وأعتقد أن هذا واضح تماما». لكنه شدد على أن ما سيؤثر هو الشروع بتنفيذ القرار الأوروبي: «اعتقد أنه مهم للغاية ألا نفعل شيئا يقلب القارب، وإن بدأنا الآن بتوريد الأسلحة فهذا سيقلب القارب، ولا أحد ينوي القيام بذلك».
وفي واشنطن، قال مساعد المتحدث باسم الخارجية الأميركية باتريك فنتريل «رغم أن القرار يعود في النهاية إلى الاتحاد الأوروبي، فإننا ندعم تخفيف حظر الاتحاد الأوروبي على الأسلحة كجزء من جهود المجتمع الدولي لإظهار دعمه الكامل للمعارضة السورية».
وأعلنت وزارة الخارجية السورية أن القرار «يعرقل» الجهود الهادفة إلى وضع حد للنزاع في سوريا. وذكرت، في بيان، أن «قرار الاتحاد الأوروبي الأخير يعرقل الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق تسوية سياسية للأزمة في سوريا». واتهمت الاتحاد الأوروبي «بدعم وتشجيع الإرهابيين عبر تزويدهم بالسلاح في خرق واضح للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة».
وسيم إبراهيم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد