دمشق تدعم «جنيف 2» والمعارضة تنسق مع فورد
ميخائيل بوغدانوف ومايكل بيرنز إلى جنيف الأسبوع المقبل. نائب وزير الخارجية الروسي ومساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط مع فريقي عمل مشترك روسي ـ أميركي للتحضير للمؤتمر الدولي حول سوريا.
الاتصالات العملية لتنظيم المؤتمر بدأت على الأرض، عبر الأمم المتحدة في نيويورك وعبر البعثة الروسية في الأمم المتحدة في جنيف. التصريحات التي صدرت عن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في روما، عن «عدم قبول الرئيس بشار الأسد في الحكومة الانتقالية» لا تمس جوهر الاتفاق الأميركي - الروسي بالمضي قدما في إطلاق العملية السياسية.
وقال كيري انه تحدث إلى وزراء خارجية معظم الدول المعنية و«هناك رد ايجابي جدا ورغبة قوية جدا في التحرك باتجاه هذا المؤتمر، لمحاولة إيجاد حل سياسي، أو على الأقل استنفاد كل الإمكانيات للوصول إلى ذلك»، مشيرا إلى أن السفير الأميركي لدى سوريا روبرت فورد التقى المعارضة السورية. واعتبر كيري أن قيام روسيا بتسليم صواريخ إلى سوريا سيؤدي «إلى زعزعة الاستقرار»، وذلك تعليقا على معلومات إسرائيلية أشارت إلى احتمال تسليم موسكو صواريخ «اس 300» إلى سوريا.
ومن نافل القول إن الأميركيين يقدمون صياغة لفظية مبتكرة لإرضاء المعارضة السورية من دون التراجع عن الاتفاق مع الروس ببقاء الأسد في منصبه خلال العملية الانتقالية. ذلك أن الإدارة الأميركية كفت عن المطالبة صراحة بتنحية الرئيس السوري مسبقا، قبل ولوج «جنيف الثانية» نهاية أيار الحالي. كما أن التصريحات التي توالت في واشنطن عن ضيق العملية الانتقالية بمكان يفسح للرئيس السوري كانت مشفوعة على الدوام «بان القرار يعود في النهاية إلى الشعب السوري» كما ينص على ذلك الاتفاق الروسي ــ الأميركي.
ومن المبكر الحديث عن طبيعة الوفود التي ستدعى إلى جنيف، لكن توقعات ديبلوماسية، عربية وغربية، متقاطعة تذهب إلى اعتبار وزير المصالحة الوطنية علي حيدر المرشح الأوفر حظا لترؤس الوفد الرسمي السوري. ومن المتوقع أن يأتي المعارضون بصفتهم الشخصية وليس كممثلين لكتل وأحزاب وتجمعات معارضة لتفادي عقبة التوافق المستحيلة داخل المعارضة السورية، على وفد يمثلها وفي الوقت القصير
المتاح، وفي الانقسامات التي تشق المعارضات السورية داخلا وخارجا عسكريين وسياسيين. ويجري الحديث عن وفد مركب يضم 15 شخصية معارضة من آفاق الانتماءات التي تقبل بالحل التفاوضي.
ومن المنتظر أن يعمل الجميع في بداية المؤتمر على غربلة الأفكار التي سيتقدم بها المفاوضون، فيما يتقدم رعاة المؤتمر من روس وأميركيين بورقة مشتركة. وتقليديا، تخرج وثيقة مشتركة من الأوراق المقدمة تصبح ورقة النقاش التي ستدور حول بنودها المفاوضات الأولية في جنيف.
وبموازاة المفاوضات، سيكون على مجلس الأمن الدولي أن يتخذ قرارا وفق الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، بناء على خطة كوفي انان، الذي سبق له أن أيدها بإعلان رئاسي، تفرض وقف إطلاق النار، وإرسال مراقبين دوليين للإشراف عليه. وكانت دائرة الشؤون السياسية في الأمم المتحدة التي يديرها جيفري فيلتمان قد سبرت نيات دول كثيرة في الأشهر الماضية للمساهمة بتشكيل تلك القوات. وتملك دائرة حفظ السلام الدولية في الأمم المتحدة خطة انتشار جاهزة في حال اتخاذ مثل ذلك القرار، على أن تعطى الأفضلية المشاركة فيها لدول إسلامية، غير منحازة.
وفي حين يتوقع العمل على توسيع «مجموعة العمل الدولية حول سوريا» لتضم إيران والسعودية، أعلن نائب الأمين العام للأمم المتحدة يان الياسون أن الأمين العام بان كي مون اقنع المبعوث الأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي بالبقاء في منصبه وسيطا في الأزمة السورية، بعد المبادرة الأميركية الروسية بشأن سوريا. وأوضح انه إضافة إلى الإبراهيمي «فان هناك فريقا كبيرا داخل الأمم المتحدة سيعمل على إعطاء دفع» باتجاه التوصل إلى تسوية سلمية.
ويقول ديبلوماسي غربي إنه من المنتظر أن يقتصر البحث في المرحلة الأولى على تدابير بناء الثقة بين الأطراف، كتسمية أعضاء الحكومة الانتقالية والاتفاق على تنفيذ ما تضمنه «بيان جنيف» وما حظي بموافقة الجميع، وخصوصا عملية نقل الصلاحيات الرئاسية إلى الهيئة التنفيذية. أما القضايا الخلافية كمصير الأسد وحقه بالترشح إلى الانتخابات الرئاسية منتصف العام المقبل، وتعديل عمل الأجهزة الأمنية والقيادات العسكرية، فكلها مسائل لن يكون بوسع المتفاوضين طرحها في المراحل الأولى من المفاوضات، تجنبا لتعقيدات لا يمكن تجاوزها قبل الاتفاق على تسمية الحكومة الانتقالية.
ومن غير الواضح حتى الآن ما هي الضمانات التي منحتها روسيا إلى حليفها الأسد، كي تعلن الخارجية السورية تأييدها الفوري للاتفاق. وأعلنت الخارجية ان دمشق «مقتنعة بثبات الموقف الروسي المستند إلى ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي، ولاسيما مبدأ عدم التدخل بالشؤون الداخلية، ومبدأ عدم التهديد بالقوة أو استعمالها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة».
ومن غير الواضح أيضا ما إذا كانت هذه الضمانات ستصمد خلال العملية السياسية، أو أن الروس سيتمسكون بها، لا سيما أنهم كانوا يجيبون على سؤال بقاء أو تنحية الأسد بان العملية السياسية هي التي تقرر. والسؤال سيطرح بقوة، عندما تبدأ عملية نقل الصلاحيات وتتطور المفاوضات نحو القضايا الخلافية التي تتطلب قوة تمثيل وشرعية صلبة لحسمها، وتتبين الأوزان الجديدة التي سيكسبها المتفاوضون واللاعبون الكبار في الداخل السوري.
ويحتل الجيش السوري الموقع الأول، وهو الذي استطاع قلب ميزان القوى العسكري لمصلحة النظام، والذي من دونه لم يكن ممكنا الحديث عن جنيف أو عن أي عملية تفاوضية يخوضها النظام السوري من موقع أفضل بكثير مما كان عليه عندما صدر «بيان جنيف» الأول قبل حوالى العام. وتتجه رهانات كثيرة إلى الجيش الذي يعرفه الروس عن قرب، بعد أن عاينوه نصف قرن تدريبا وتجهيزا وإعدادا. لكن أحدا من قادته أو نخبه، التي لعبت دورا في تعويم النظام والمؤسسات في قتال العامين الماضيين، لم تطفُ على السطح حتى الآن.
ومن جهة ثانية بدأ الغربيون بمحاولة اللحاق بالقطار الروسي - الأميركي. وهكذا وعد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس «بدفع الأميركيين إلى العمل من اجل حل سياسي، والتشاور مع الروس، ذلك أننا نقترح منذ زمن طويل جنيف ثانية». وزير الخارجية الفرنسية، العائد بقوة إلى حل سياسي، وعد أيضا بالعمل على وضع «جبهة النصرة» على لائحة المنظمات الإرهابية، «لكي لا يكون بعد اليوم التباس في موقفنا» بعد أشهر طويلة من رفض وجود «النصرة» جديا في سوريا أو تشكيلها قوة فعالة في أوساط المقاتلين، إلى أن بادر الأميركيون إلى وضعها أولا على لائحة الإرهاب.
ويصل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى سوتشي الروسية اليوم لمتابعة الملف السوري، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من بين قضايا أخرى، فيما كانت صحيفة «دايلي تلغراف» تسرب ورقة بريطانية قدمت إلى دول الاتحاد الأوروبي، زعمت أنها اطلعت عليها، تشير إلى أن لندن ستعيد طلب رفع حظر الأسلحة على المعارضة السورية خلال اجتماع الإتحاد في 27 الشهر الحالي.
والأرجح أنه لن يكون للورقة أي حظ بأن تبصر النور، ذلك أن ما تقترحه بريطانيا من اتخاذ قرار بتسليح «الائتلاف» مباشرة لتجاوز الحظر ليس ممكنا. المعارضة الألمانية التي منعت، وهي ليست وحدها بأي حال، التصديق على مثل ذلك القرار لم تتغير، بل إن الألمان أصبحوا اشد اعتراضا من ذي قبل، لاشتراكهم في العملية السياسية والوساطة التي أدت إلى تسهيلها، وهم يعملون على فتح قنوات مع النظام السوري للتوصل إلى حل سياسي وللتعاون في مكافحة الإرهاب وليس مؤكدا أن يقوموا بإطلاق الرصاص على أرجلهم من اجل ورقة التسليح.
كما أن اجتماع جنيف قد يصادف مع اجتماع الإتحاد الأوروبي، وسيكون مستغربا أن يقدم الأوروبيون على خطوة حربية تصعيدية في بروكسل المجاورة لجنيف حيث يجري البحث فيها عن حل سياسي.
الى ذلك، اعلن نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في مقابلة مع وكالة «فرانس برس»، انه «تم إعطاء تعليمات للرد فورا على أي هجوم إسرائيلي جديد من دون طلب تعليمات من السلطات العليا» في البلاد، موضحا «ردنا على إسرائيل سيكون قاسيا ومؤلما. على إسرائيل أن تعرف ذلك. سوريا لن تسمح بأي حال من الأحوال، بان يتكرر ذلك».
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد