التقنين وأزمة المازوت في مواجهة المواطن
(هذا ما كان ينقصنا..) عبارة يرددها السوري في ظلمة باردة منذ أن بدأ التقنين الكهربائي، ولكن هذه المرة بشكل غير معلن. الشتاء بدأ بعد هبات غيم احتملها السوريون، واكتفوا بمحاولة الاصطفاف في طابورهم الاعتيادي أمام الكازيات، والاكتفاء بدفء كهربائي لوقت قصير في ساعات المساء والصباح الباكر، ولكن هذه الخطة لا تصلح لشتاء حقيقي بارد وعاصف.
أما الحكومة كعادتها، فقد تحدثت عن آليات جديدة لتقديم الدعم للمواطنين، واكتفت من مكاتبها المكيفة والساخنة بنقد آليات الحكومة السابقة، وإظهار فساد الدارسين والمقترحين لخطط الدعم السابقة، دون أن يتكرموا وهم «الأوادم» بذكر ما يمكن أن يطال الفاسدين، والمقصرين من الحكومة السابقة وموظفيها الذين ما زالوا في مكاتبهم الساخنة موظفين في الحكومة الحالية.
مجلس الشعب يناقش بردنا
اليوم هو الأربعاء 16/11/2011، وجلسة مجلس الشعب مخصصة لمناقشة معضلة: لماذا ترتجف أوصال أبنائنا بعد أن دعا في جلسة الثلاثاء الحكومة لحل الأزمة.
اعترف رئيس مجلس الشعب بدوره بالأزمة، وأن على وزراء الحكومة المعنيين بها حضور الجلسة بهدف بحث هذا الموضوع من أجل إيجاد الحلول الجذرية والفاعلة لهذه المشكلة، وضرورة تسهيل حصول المواطنين على المازوت.
أما السادة أعضاء مجلس الشعب فتركزت مداخلاتهم حول معاناة المواطنين في الحصول على مادة المازوت وضرورة معالجة هذه المشكلة بمختلف أبعادها.
وهنا ما يدفع للتساؤل: هل تنتظر الحكومة انتهاء الشتاء، وموتنا برداً أو مرضاً لتقرر آليات دعمها الجديدة، هل يحتاج مجلس الشعب إلى استنفار إعلامي ليدعو الحكومة لمعالجة الأزمة، أم أن من واجب ممثلي الشعب أن يدعوا الحكومة لمساءلتها عن أسباب تقصيرها في تأمين المازوت للمواطنين، وعن مبررات تأخرها في تنفيذ وعود الدعم.
التقنين همساً
في السنوات الماضية أخرجت الحكومة برامج التقنين الكهربائي للنشر في كل وسائل الإعلام، وعممت أوقاتاً محددة لقطع الكهرباء.. وإن ظلمت مناطق ودللت أخرى إلا أنها كانت أقل غموضاً. هذه المرة يبدأ التقنين دون برامج بل تعليمات شفهية للمراكز بتنفيذ تقنين يومي وبأوقات ليست طويلة، ويبدو أنها تستحي إعلان التقنين لأنها لم تقدم لمواطنيها الدعم الذي وعدت به ولو بشكله القديم على طريقة حكومة العطري.
وأما على الأرض حيث يعيش المواطن السوري على أمل أن يصل إليه دور المازوت في الكازية، أو في دور المختار، أو في قوائم سادكوب... فللحديث وجه آخر ومعان خاصة جداً..
المواطن (مطاع. ر): سجلت في سادكوب منذ أكثر من شهر، ومنذ يومين سألت ماذا حصل ألم يصل دوري بعد، فأجابني الموظف: (يالله مو مطول)، وهذه هي المرة الثالثة التي أتصل بها.
مواطن آخر من ريف دمشق، والذي تتولى مديريات المناطق تنظيم أدوار التوزيع عبر الصهاريج الخاصة، فيؤكد أن المسؤول في المنطقة قال له: «اذهب وسجّل عند المختار».
يعلق المواطن ساخراً: في هذا الشهر عرفت المختار عن قرب، وسمعت منه كل بطولاته وقصة وصوله إلى كرسي (المخترة)، وكيف انتصر على عائلة (س) التي نافسته، وتآمرت عليه، ودفعت الرشاوى لإزاحته.
بالنتيجة كانت كل قصص المختار لا تملأ عشرين لتراً من المازوت، ولا تشعل سخّان الحمام في هذا الشتاء البارد.
المصيبة كما يصفها أبو خالد أن لا يتوفر لديك المازوت، وأن تنقطع الكهرباء، وأن يكون آخر أخبار الأزمة التي تمر بها سورية هو تهديد الأتراك بقطع الإمدادات الكهربائية عن سورية، أي أن ساعات التقنين ستزداد، والبرد سيأكل عظام الأولاد إذا لم تجد الحكومة حلاً سريعاً لأزمة المازوت.
في ريف دمشق وبعض ضواحي المدينة بدأ التقنين الكهربائي بتوزيع قطع الكهرباء من ساعة إلى ساعة ونصف على أحياء المدن، وهذا يتبعه أعطال في إعادة التيار.
يعزو مدير مركز الطوارئ في إحدى مدن ريف دمشق السبب في أعطال كبيرة تتعرض لها الشبكة بسبب الضغط الناتج عن استخدام الكهرباء في التدفئة، والذي يعود لعدم توافر مادة المازوت، ففي مثل هذه الأيام في السنوات السابقة كان التقنين يمر بشكل سلس ودون أعطال لأنه لا يوجد تحميل شديد على الشبكة، فالناس تستخدم المكيفات ومدافئ الكهرباء.
أزمة حطب!
البدائل هي ما يفكر به المواطن، وبالنتيجة سيفعل ما يمكن لكي لا ينام وأسرته في البرد، ومن هذا المنطلق بدأ الناس بصناعة وشراء مدافئ الحطب.
أحد معلمي الحدادة يقول: هذه السنة الطلب على مدافئ الحطب غير عادي، والمواطنون يقبلون على طلب تصنيع مدافئ حديد بسبب تكلفتها الباهظة في المحال، ولكننا هنا نصنعها بأسعار أرخص وجودة عالية.
أما بالنسبة لأسعار الحطب فوصل سعر الطن إلى 8000 ليرة سورية، وهو يرتفع تدريجياً مع ازدياد أزمة الوقود، وشدة البرد.
تاجر حطب يأتي بالحطب من قرى الغوطة إلى أحياء دمشق الفقيرة وأطرافها يقول: إن هذا موسم استثنائي، ويبدو أن المواطنين في الأرياف اتخذوا قراراً بالعودة إلى الحطب كوسيلة تدفئة بسبب الصعوبة في الحصول على المازوت، وعدم قدرتهم على تأمين ثمنه.
مواطن يقول: الحطب أرخص وصحي أكثر من المازوت، فعلى سبيل المثال أنا أعيش في منطقة جبل الشيخ ويلزمني في الشتاء أكثر من خمسة براميل مازوت، ولو افترضنا أن الموزع يوصل البرميل بسعر 3500 ليرة، فهذا يعني أنني أحتاج إلى 17500 ليرة.
أزمات.. تصنعها الأزمة
أزمة المازوت التي تنتظر حلولاً عاجلة ستخلق إذا لم يتم تداركها أزمات للحكومة وللمواطن، ففاقد الشبكة الكهربائية التي طالما شكت منه الحكومة، والاعتداء عليها سيزداد، والتقنين سيأخذ المواطن إلى البحث عن وسائل أخرى غير الحطب والمازوت، والغاز من المواد التي ستتعرض لاختناقات في توزيعها وتأمينها.
المواطن الذي كان يكتفي باسطوانة غاز في مطبخه يسعى الآن لتأمين أخرى من أجل التدفئة، وهذا ما سيقود إلى احتكارات وأسعار سوق سوداء.. الخ.
بعض المواطنين يرى أن توزيع التدفئة بشكل ذكي يكون عبر توزيع وسائلها أي أنه يمكن استخدام كل وسائل التدفئة في اليوم الشتوي الواحد، وحسب الظرف، فأثناء انقطاع الكهرباء يستخدم الغاز، وفي السهرة مدفأة الحطب صالحة لاستقبال الضيوف وهي قادرة على تدفئة غرفة كبيرة، وفي الصباح يمكن استخدام مدفأة المازوت قبل أن يذهب الأولاد إلى المدرسة.... السؤال ترى من هو المسؤول عن ابتكار نظريات الدفء في سورية؟
محتكرو الأزمة.. صامدون
يعتقد السوريون من خلال تجاربهم في الحصار والقلة أن لا أزمة تدوم، وأن الحل دائماً موجود، والسر عدا عن قدرتهم على التحمل، يأتي من باب أن هناك دوماً من يعمل على حلها، والمقصود هنا ليس الحكومة بل المعتاشين على الثغرات الحكومية، والعجز والتباطؤ الذي تبديه في مواجهتها.
هؤلاء دائماً موجودون، ولم تهزمهم الأزمات الكبرى، بل هم يحتاجونها ليزدادوا انتفاخاً وسيولة، فعلى الرغم من وصول أزمة المازوت إلى اجتماعات الحكومة، وأروقة مجلس الشعب إلا أن هناك من يقول لك: (بدك) مازوت.. نعم هناك من لديه مازوت ولكن بسعر أعلى.
هؤلاء هم موزعون، وموظفون، وأصحاب محطات وقود، ويصرخ مواطن: موزع مازوت يسير في النهار مع المختار ومع عنصر المنطقة ويوزع بالدور على البيوت، وعندما توقفه في النهار وتقول له فقط أريد 20 ليتراً يحلف بأنبياء الله أنه لا يستطيع، وأما في الليل فقد رأيته يملأ خزاناً لجاري سعة خمسة براميل.
أمام الكازية، وحيث يزداد الطابور في كل ثانية، من الممكن أن تأتي أخيراً وتملأ ما تحمله سيارة تتسع لعشرين كالوناً أمام نظر المنتظرين منذ الصباح الباكر، وأما كيف ببساطة يهمس الرجل بأذن الشرطي: بيسلم عليك الـ..؟
أما (جرة) الغاز سيصل سعرها إلى 350 ليرة سورية ومع أجرة التوصيل إلى 400 ليرة وفي عز فقدانها، وسيحلف لك الموزع وموظف المركز أن السبب في الأزمة يعود إلى الجرد السنوي ومواسم الأعياد.
كهربائيات صينية جديدة
تخلق الأزمة طلباً على البدائل الأخرى، وتعج السوق الصينية التي تتوزع في كل مناطقنا على شواحن جديدة صالحة للتقنين، وكذلك تبدأ العروض على المكيفات بأنواعها وماركاتها، وأسعارها الموزعة بحسب القدرة الشرائية، فمن مكيف صغير بـ1200 ليرة ينفث الهواء الساخن لرجل واحد، إلى مكيفات بـ 35 ألفاً.
سوق الكهربائيات من وسائط إنارة وتدفئة تساعده على الصعود أزمتي التقنين والمازوت، ومن ملحقاتها مولدات كهربائية تعمل على الديزل والبنزين، وحصائر كهربائية توضع تحت الأغطية وبقياسات مختلفة.
اجتماعات وزارية.. وواقع
تحاول الحكومة تكثيف اجتماعاتها لتبدو أمام الناس على أنها على قدر الأزمة، وأنها تتعامل معها بجدية منقطعة النظير بالرغم من تأخرها في حلها واكتفائها بالحديث عنها.
وزارة النفط تعقد اجتماعاً طارئاً بناء على دعوة وزيرها الذي نفى قبل أيام وجود الأزمة وقال إن المازوت متوفر، وعزت تصريحات سادكوب الأزمة إلى أنه لا يعود لعدم توفر المازوت بل إلى زيادة الطلب عليه، وأنه ارتفع إلى %1200.
في الوقت نفسه الذي تستنفر فيه الحكومة ومجلسـ(نا) (مجلس الشعب!!) ينتظر المواطن السوري في الصباح والمساء، ومشغولاً فقط بالسؤال عن صهريج المازوت هل وصل، وأحاديثه مع جاره وزوجته وزملائه فقط عن المازوت.
في الوقت نفسه يعتقد أغلبنا ومن تجاربنا مع الحكومة وفي الأزمات أن الأزمة ستطول، وأن الحكومة وإن اتخذت قرارات حاسمة لن يصل المازوت إلى حجرة النار في مدافئنا سريعاً.
عبد الرزاق دياب
المصدر: قاسيون
إضافة تعليق جديد