... والذين يراهن الغرب عليهم

14-10-2011

... والذين يراهن الغرب عليهم

السؤال الاستنكاري عن الذين يراهنون على الغرب سؤال مشروع من جوانبه المختلفة.
فالذين يراهنون على الغرب في هذه المنطقة معروفون وأهدافهم معروفة من جانبيها الذاتي والغيري. ورهانهم على الغرب من البداية لا يخفي دلالته، وهي دلالة تقول إنهم لا يثقون بأنفسهم من حيث القدرة على المواجهة ضد خصومهم او من حيث الحصول على التعاطف الشعبي داخلياً أو خارجياً. والذين يراهنون على الغرب يعرفون ان الغرب يتلاقى معهم في الاهداف القصيرة المدى والبعيدة المدى. وهم في الوقت نفسه يدركون، او بالأحرى يتصورون، ان للغرب سيادة كاملة غير منقوصة على الوضع الدولي. يؤمنون بأن أحداً لا يمكن ان يتحدى الغرب اذا لبى رهانهم عليه. انهم يشعرون انهم يعيشون في عالم غربي لا مجال فيه لتحدي الغرب. وهم ايضا يدركون ان الغرب لا يمكن ان يرفض او يحبط رهانهم عليه، لأن قوة اخرى «لا غربية» في هذا العالم تستطيع ان تقف في وجه الغرب او تعرقل الرهان عليه.
وصحيح ان روسيا والصين تتصديان حتى الآن لمحاولة الغرب تفعيل الرهان عليه من جانب قوى المعارضة في سوريا داخل مجـلس الامن الدولي، الا ان رهان «الثوار» في ليبيا على الغرب أضاء من البداية طريق التدخـل امام حلــف الاطــلسي، بما فيه الولايات المتــحدة وارتدى مسوحاً موالية لمجرد اتخاذ قرار من مجلس الامن مبرراً للتدخل العسكري في ليبيا.
والملاحظ حتى الآن أن أياً من القوى العربية التي يمكن ان تراهن على الخارج لم تفكر ابدا ولا للحظة واحدة في الرهان على روسيا او الصين للتدخل الى جانبها ضد النظام المطلوب اسقاطه. هل هذا احتمال وارد؟ نعم على الاقل نظرياً. فما الذي يمكن ان يمنع التجاء اي من القوى الجديدة في موجات الربيع العربي من ان تلجأ الى روسيا او الى الصين للتدخل في صفها. ان كلا من روسيا والصين تملك من القوة العسكرية من تمكينها من كسب رهان «الثوار» عليها. ولكن الامر المؤكد ان الذين يراهنون على الغرب انما يفعلون ذلك إيماناً منهم بأن للغرب اهدافاً محددة في المنطقة يريد ان يحميها سواء كانت اهدافاً اقتصادية (النفط) او عسكرية (القواعد) او سياسية (النظم الموالية للغرب) لكن مثل هذه الاهداف لا وجود لها في حالتي روسيا والصين. ويمكن ان نضيف هنا ان الذين يراهنون على الغرب انما يراهنون على قوة لا يحتمل ابداً ان يلجأ اليها النظام المطلوب اسقاطه.
نستطيع اذن ان نتفق على ان السؤال عن الذين يراهنون على الغرب مشروع من نواحيه المختلفة.
ولكن ثمة سؤالا اكثر مشروعية من جوانب متعددة ولا بد من طرحه ليس فقط على انفسنا - نحن المعلقين السياسيين ـ انما على اولئك الذين يراهنون على الغرب، ايا كانت مبرراته للتدخل او ايا كانت مبرراته لتأجيل التدخل، كما هو واضح في حالة سوريا. اذ ان من المؤكد ان الغرب يؤجل التدخل لاعتبارات دولية تتمثل في انتظاره لقرار من مجلس الامن يشبه القرار الذي اتخذه المجلس بكل العجلة اللازمة في حالة ليبيا، وأيضاً لاعتبارات غربية بحتة، اولها ان الغرب لا يريد ان يبدو وكيلا جاهزاً لـ«الثوار» في المنطقة العربية ثم ان الغرب لا يملك استعدادا استراتيجيا ـ عسكريا ـ للتدخل في اكثر من بلد شرق اوسطي واحد في وقت لا يزال فيه مشغولا بحرب لا تبدو لها نهاية في افغانستان وفي باكستان وكذلك في ليبيا.
يضاف الى هذه العوامل كلها عدم وجود وفاق واتفاق كاملين بين دول الغرب (والغرب هنا تعريف مرادف لحلف الاطلسي) حول ما هو ممكن وما هو غير ممكن في التدخل لحساب المراهنين على الغرب. إن الولايات المتحدة ـ تواجه بين الحين والآخر خلافات مع حلفائها لا يكاد يكون بالامكان إخفاؤها فضلا عن معالجتها. وحتى في حالة النجاح النسبي في ليبيا بدأت تظهر في الافق علامات على خلافات اوروبية ـ اميركية بشأن العجز المشترك عن تحقيق انتصار نهائي حاسم وبشأن نتائج وفوائد التدخل في هذا البلد النفطي المتميز. لمن يكون النصيب الأكبر ومن يرضى بنصيب اقل مما يتوقع؟
على ان الخلاف الاكبر بين الحلفاء الاطلسيين يتمثل في السياسة النووية للولايات المتحدة من ناحية وأوروبا من ناحية اخرى. والامر الذي لا شك فيه، طبقاً لما يذهب إليه الباحثون الاميركيون الجادون في الآونة الاخيرة، هو ان الولايات المتحدة اصبحت في حالة تحفز للجوء الى اسلحتها النووية باعتبارها اسلحة قادرة فوق كل قدرة عسكرية اخرى على تحقيق انتصار حاسم على العدو المباشر وإدخال اقصى درجات الرعب على عدو بعيد محتمل. وبينما تبدي اوروبا تردداً وميلاً للابتعاد عن السلاح النووي وحتى عن التلويح به فإن القيادات الحالية في البنتاغون (وزارة الدفاع الاميركية) تبدي استعداداً حقيقياً للجوء الى السلاح النووي. ويقول الباحث الاميركي ميتشل شوسودوفسكي في كتاب له نشره مؤخرا «مركز بحوث العولمة» ان لدى البنتاغون قائمة بالدول التي يمكن للولايات المتحدة ان تستخدم في اي منها او في مجموعة منها مؤلفة من سبع دول في وقت واحد الاسلحة النووية الاميركية، وهذه القائمة متحركة اذ يضاف اليها ويحذف منها من وقت لآخر. وهي تضم في الوقت الحاضر كلا من ايران وكوبا وكوريا الشمالية وسوريا وليبيا وكذلك روسيا و الصين.
ويذهب شوسودوفسكي في هذا الكتاب الى ان وزارة الدفاع الاميركية تملك منذ سنوات طويلة «سيناريو» مكتمل النواحي لشن حرب عالمية نووية، وان هذا السيناريو قد اكتسب اهمية كبيرة بعد احداث ثورات الربيع العربي وبصفة اخص بعد احداث ليبيا.
ويطلق البنتاغون على هذا السيناريو الجاهز لحرب عالمية نووية اسم «هجوم دفاعي وقائي نووي». وعلى اي الاحوال فان ربيع الثورات العربية الذي تفجر في ثلاث من دول الشمال الافريقي (تونس ومصر وليبيا) قد اوجد بالنسبة للمخططين الاستراتيجيين الاميركيين مبرراً جديداً لوجود وتطوير سيناريو الحرب الوقائية الدفاعية النووية.
وفي كل الاحوال فإن المخططين للحرب النووية في البنتاغون لا يفصلون بين هذا السيناريو النووي وبين «الحرب العالمية على الارهاب» وهي تسمية اطلقت في عهد الرئيس الاميركي السابق جورج بوش على اثر الهجوم على برجي التجارة العالمية في نيويورك وعلى مبنى البنتاغون في ارلنغتون بولاية فيرجينيا الذي لا يفصله عن العاصمة واشنطن سوى نهر «بوتوماك». ومعنى هذا ان الولايات المتحدة ستكون مستعدة في اي وقت لوضع هذا السيناريو النووي موضع التنفيذ، رداً على اي عمل ارهابي تعتبره كبيرا او خطيرا عليها، او على اهم حلفائها، وفي المقدمة منهم اسرائيل. واسرائيل قوة نووية تحتاج الى حماية قوتها النووية بتدخل نووي اميركي.
هنا ان الولايات المتحــدة تصف تنظـيم القاعـدة الذي نفذ عملـيات ايلول/سبتمبر عام 2001 بأنه «قوة نووية» قادمة. وقد اعلنت ادارة الرئيس اوباما ان تنظيم القاعدة يسعى للحصول على اسلحة للدمار الشامل من بينها اسلحة نووية. وأعلنت ان «الارهابيين الاسلاميين يستـعدون لشن هجوم على المدن الاميركية». وأعلنت بعد ذلك ان اي تناول لموضوع انتشار الاسلحة النووية لا بد ان يشمل المنظمات الارهابية. وأضافت الى ذلك لاحقاً انها لا توافق على طرح موضوع القوة النووية الاسرائيلية للبحث بسبب احتمال الارهاب النووي، امتلاك الارهابيين هذا النوع من الاسلحة (...)
يعيدنا هذا التناول للاستراتيجية النووية الاميركية الى السؤال الذي طرحناه في البداية: على ماذا يراهن الغرب بالنسبة لتدخله الفعلي والمحتمل على السواء في المنطقة العربية وإقليم الشرق الاوسط؟
وعند هذا الحد نتبين ان الغرب لا يراهن على اي شيء سوى قوته العسكرية، بما فيها السلاح النووي.
ولا بد ان نؤكد في هذا السياق بالذات ان الغرب ـ وبالاخص الولايات المتحدة ـ لا يثق في «الثوار» بمن فيهم اولئك الذي يسارعون الى الكشف علنا عن انهم يضعون رهانهم عليه .. على الغرب، وبصفة خاصة الولايات المتحدة.
نحن اذن بصدد طرفين، طرف يثق ثقة عمياء بقوة الغرب خاصة عندما يتمثل في اميركا، وطرف لا يثق بتوجهات «الثوار». بل ان ثقته بهم تسجل تراجعا مستمرا كلما تبين ان الاسلامويين منهم هم اصحاب الكلمة العليا، وان الاختلافات العقائدية والسياسية بين هؤلاء «الثوار» تسحب من تحت ارجلهم بساط التأييد الغربي وتجعل رهانهم على الغرب موضع الشك من الطرفين .. الطرف الذي بدأ بطلب التدخل الغربي والطرف الغربي نفسه الذي ما كان يمكن الا ان يلبي هذا الرهان لانه يمثل فرصة بقيمة كنز استراتيجي وسياسي.
وفي انتظار تطور يمكن اعتباره انتصارا حاسما لهذين الطرفين فإن الآتي سيكون اصعب كثيرا على كل منهما. وستزيد صعوبته اذا وجد الغرب نفسه امام اختيار عسير بين الاستجابة لطلب تدخل آخر من جانب اصحاب التوجه الاسلاموي او الامتناع عن الاستجابة، الامر الذي يتركه امام هوة سحيقة لا يعرف كيف يمكن تخطيها.
ان جعبة التطورات مليئة بالمفاجآت للطرفين .. بل للجميع.

سمير كرم

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...