ممتاز البحرة الفنان الذي شكلت رسومه ذائقة جيل

18-01-2022

ممتاز البحرة الفنان الذي شكلت رسومه ذائقة جيل

Image

لا يعد الراحل"ممتاز البحرة" من أهم رسامي أدب الأطفال في الوطن العربي وحسب، بل يعد من أهم فناني خيال الطفولة المدرسية، ومن أهم صانعي شخصيات لذاكرة وذكريات الأجيال، مثل شنتير والسندباد وأسامة وماجد وباسم ورباب وغيرهم .. عبر قصص وحكايات رائعة ذات معان انسانية واخلاقية واهداف تربوية.. والبحرة الأب الروحي لمجلة «أسامة» أسسها عام 1969 مع الكاتب المسرحي سعد اللـه ونوس والقاص زكريا تامر، كما وأسس مجلة «الطفل العربي»، الصادرتين عن وزارة الثقافة في دمشق… وأمتع الأطفال وطور ذاقتهم الفنية والجمالية مع كتاب متميزين مثل ميشيل كيلو وأسامة دعبول وخيري الذهبي وعادل أبوشنب ورشاد أبوشاور وغيرهم من الأدباء..
كما ورسم للكتب المدرسية التابعة لـوزارة التربية السورية التي تناقلها الأطفال في السنوات المدرسية الأولى فأحب الأطفال شخصياته باسم ورباب.. ولعل أكثر ما كان ذا تأثير جلي على الأطفال في سوريا والعالم العربي رسومه للمسلسلات المصورة (الكوميكس) التي أبدع فيها. وأُعتبر البحرة أول مَن فتح الطريق بريشته المُبدعة إلى الكوميكس السوري في القرن الماضي، الأمر الذي حدا بالنقاد لاعتباره إحدى القامات التي أثّرت في الملايين من الأطفال.

رواد الجيل الثاني
يعتبر البحرة من  أحد رواد الجيل الثاني في الحركة التشكيلية السورية، وكان عضواً بارزاً في مجلس نقابة "الفنون الجميلة" في دمشق وعمل أيضاً مدرساً في معاهد ومدارس سورية.
وقام برسم العديد من اللوحات الزيتية إلا أنه مقل بذلك عموماً ومن أهم لوحاته لوحة ميسلون المعروضة في بانوراما الجندي المجهول على سفح جبل قاسيون ومساحتها 25 متر مربع.
وشارك في جميع المعارض الرسمية في مختلف المحافظات السورية، خارجياً شارك في معرض "ملامح من الفن العربي السوري" في المهرجان العالمي في كوبا في العام 1978 وفي معرض شخصي في مدينة يريفان في أرمينيا ومن أعماله البارزة العمل البانورامي الضخم لوحة "ميسلون" المعروضة في متحف نصب الجندي المجهول في سفح جبل قاسيون.

نشأته وحياته
ولد محمد ممتاز البحرة التشكيلي ورسام الكاريكاتير الدمشقي 9 أيار 1938 في مدينة حلب، كون والده الرياضي والمربي الأستاذ محمود البحرة آنذاك كان يعمل كمفتش لمادة التربية الرياضية في مدينة حلب. وتربى ممتاز البحرة في بيئة دمشقية أرستقراطية محافظة وهو أكبر أخوته، وقد عاشت العائلة أغلب الوقت في منطقة شعبية من مدينة دمشق لتنتقل فيما بعد إلى حي المهاجرين الحديث نسبياً في ذلك الوقت.
كان له من العمر خمسة وعشرون عاماً عندما توفي والده عن عمر لا يتجاوز الواحد وخمسين عاماً فتولى رعاية أخويه، أما وفاة أخيه الأوسط مخلص عن عمر 24 سنة فقد تركت جرحاً عميقاً في نفسه.
وتزوج من السيدة فردوس البحرة وله ثلاثة أولاد.
بدأ دراسة الفنون في مصر بالقاهرة إبان الوحدة بين سوريا ومصر مع زملاء سوريون له مثل نذير نبعة وغازي الخالدي ومصريون مثل محمد اللباد لكن وفاة والده في السنة الدراسية الرابعة والانفصال بين الإقليمين السوري والمصري حالا بينه وبين إنهاء دراسته في مصر فبوفاة والده عاد إلى سوريا الأمر الذي اضطره للبدء من السنة الثانية لإكمال دراسته بجامعة دمشق في كلية الفنون الناشئة بعد أن كان قد كاد ينهي دراسته في مصر فتخرج مع دفعة الخريجين الأولى لكلية الفنون اختصاص تصوير فني (رسم فني) حاصلاً على بكالوريوس الفنون الجميلة وكان من المتميزين بدفعته ومن مدرسيه محمود حماد وحسين إسماعيل ومحمود جلال، وسعيد تحسين.

حياته المهنية
بعد التخرج عمل كمدرس للفنون الجميلة لمدة 23 سنة فبدأ في مدينة الحسكة في شمال سوريا لمدة سنتين في معهد إعداد المدرسين ليعود فيما بعد للتدريس في مدينة دمشق في عدة ثانويات ومعهد إعداد المدرسين لكنه وجد أن من الصعب الجمع بين التدريس وعمله الفني فاستقال مبكراً.
بدأ حياته الفنية في العام 1955 بممارسة الرسم الصحفي والكاريكاتيري، لذلك يعتبر أحد مؤسسي الرسم الصحفي والكاريكاتيري في "سورية" محاولاً إدخال مفاهيم الفن التشكيلي إليه، وهو أيضاً من أوائل فناني الرسم التعليمي المدرسي في "سورية" حيث قدم عدة رسوم توضيحية لمرحلة التعليم الأولى.
وقد كان أول رسام كاريكاتير يعتقل بسبب رسومه في سوريا حيث صدر حكم ميداني عسكري تعسفي بلا محاكمة باعدامه مع عدد من المعتقلين السياسيين الآخرين مثل الصحافي نصر الدين البحرة وعباس الصوص وغيرهم وقد ألغي حكم الإعدام قبل تنفيذه بساعات إثر تغلب المجموعة البعثية على الناصريين آنئذٍ في انقلاب 8 آذار.
من الصحف والجرائد التي عمل بها جريدة الصرخة السورية التي كان يصدرها أحمد علوش وجريدة الرأي العام، وجريدة صدى الشام، وصحيفة الطليعي، وجريدة الثورة وفيما بعد جريدة تشرين كذلك عمل بمجلات عدة مثل مجلة المعلمين ومجلة الجندي ومجلة التلفزيون العربي السوري.
وعمل  في مجلة الأطفال اللبنانية البيروتية «مجلة سامر» حيث قدم عدة مسلسلات من نصوص عادل أبوشنب كما عمل ببعض الصحف المحلية والمجلات العربية .

ومات وحيداً
في بداية الثمانينات كان قد اعتزل رسم الكاريكاتير بعد أن تعرض لعدة مضايقات وتهديدات من مجهولين طالت عائلته وشخصه بالإضافة لتدخلات من مدراء التحرير لتعديل حدة الكاريكاتيرات إلا أن أحداث الانتفاضة في الأرض المحتلة قد دفعته للعودة مجدداً لعالم الكاريكاتير فقام بتنفيذ معرض كاريكاتيري في دمشق عن الانتفاضة ومعاناة أهلنا في فلسطين والأراضي المحتلة زار عدة مدن عربية وأجنبية.
وتوفي وحيداً في دمشق صباح يوم الاثنين 16 كانون الثاني 2017، عن عمر ناهز الـ79 عاماً، بعد عزلة اختيارية في «دار السعادة» للمسنين لأسباب طبيعية.

ويقال إنه اختار العزلة لمدة 12 عاماً في دار "السعادة" للمسنين في حي المزة الدمشقي، بالاتفاق مع أمّ الأولاد، مُكتفياً بغرفة من أربعة جدران، ضيّقة المساحة، بعيداً من "الصخب والنفاق والكذب والعقلية التي تحارب الطموح والنجاح" كما يقول، حتى ضاقت به الألوان، وانهكه الجهد والتعب، فمات  وحيداً تاركاً  وصيته التالية : "على الجيل الجديد أن يؤمن بأن دمشق هي منبع للمحبة وليس اليأس ...".
إعداد: محمود أبوحامد

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...