تقرير سنوي إسرائيلي للمخاطر الاستراتيجية: التهديدات تتعاظم
كشف المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل، أمس، النقاب عن محتويات التقرير السنوي الاستراتيجي الجديد الذي يعده مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، ويتناول المخاطر التي تواجه إسرائيل. ولخص المراسل فحوى تقرير «التقدير الاستراتيجي لإسرائيل عام 2010» الذي سيصدر قريباً، قائلاً إنّ المخاطر التي تحيط بإسرائيل تتعاظم.
وبالرغم من أن التقرير قدّم للطباعة في نهاية تموز، إلا أن مقدمته تشكك في قدرة إدارة أوباما على إجراء مفاوضات مباشرة. ويوضح هارئيل أن هذا التغيير التكتيكي لا يبشر بالضرورة بتغيير استراتيجي. فخبراء مركز دراسات الأمن القومي يرون أن الفوارق بين مواقف الطرفين لا تزال كبيرة، وأن مقدار التزام الزعيمين الإسرائيلي والفلسطيني بتحقيق السلام تبقى في وضعية المجهول.
وشدد رئيس المركز عوديد عيران على أنه يتعذر عليه رؤية نجاح الإسرائيليين والفلسطينيين في ردم الفجوات بينهما في قضايا الحل النهائي: القدس، الحدود، واللاجئين. وبحسب رأيه فإنه «إذا لم يفلح الطرفان في التوصل إلى تسوية متفق عليها ويعلنان فيها أنهما لاحقاً يسعيان لحل الدولتين فمن المتوقع أن يتدهور الوضع. وهناك من يتحدث عن أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قطع الجسر في موقفه من التسوية مع الفلسطينيين. وأنا لست واثقاً من أن قطع الجسر يعني أن نتنياهو مستعد أن يعرض ما سبق وعرضه أولمرت. أنا أشك. لم يصل أي رئيس حكومة آخر في إسرائيل لما وصل إليه أولمرت. والنتيجة الأهم من اللقاء، هي اتفاق الطرفين على أنه في حال عدم الاتفاق لا يتركون المفاوضات كما جرى في كامب ديفيد قبل عقد من الزمن، وإنما يواصلون الاتصالات».
ويشدد العميد شلومو بروم، وهو من محرري التقرير، على أن «المفاوضات مع الفلسطينيين ليست بالأمر السهل، حتى إذا كنت راغباً في التوصل إلى اتفاق. في كامب ديفيد إيهود باراك أراد ولم يحصل على اتفاق».
أما المحررة الثانية للتقرير عنات كورتس فهي غير مقتنعة بتصريحات نتنياهو حول السلام، ولا حتى من خطابه في جامعة بار إيلان. وشددت على أنها «تتوقع أن يقدم رئيس الحكومة لذلك تعبيراً لفظياً مع ترجمة عملية. وعند فحص احتمالات التسوية، فإن الضعف الداخلي في كلا الجانبين مقلق جداً».
وتشير مقدمة التقرير إلى أنه «في العام الماضي لم يطرأ اختراق يسمح لإسرائيل بمواجهة أفضل مع التحديات في محيطها الاستراتيجي. وفضلاً عن ذلك، فإن الميول المهددة تعاظمت. فالعملية السياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية تقف أمام طريق مسدود... والحصار على غزة لم يحقق الأمل بإضعاف حماس بقدر يسهل على السلطة الفلسطينية إدارة مفاوضات ملموسة مع إسرائيل. وغدا مركز انتقاد دولي فظ ضد إسرائيل يخلق جواً من الحصار الدبلوماسي».
وجاء في التقرير أن «حزب الله» يواصل التسلح والتعاظم سياسياً في لبنان. ويوضح أنه «على خلفية الجمود في العملية السياسية بين إسرائيل وسوريا وتعاظم قوة حزب الله، يبدو أنه في شمالي إسرائيل تتبلور جبهة مهددة أكثر مما كان الوضع في السنوات السابقة».
أما إيران فهي تعيش ذروة عملية إكمال مشروعها النووي العسكري، وترسيخ نفسها كرأس حربة المعسكر الإقليمي المعادي لإسرائيل. و«قد انجرت لهذا المعسكر بشكل ما تركيا أيضاً... وفي خلفية منظومة التهديدات هذه تحوم ظلال عملية متسارعة لنزع الشرعية عن إسرائيل».
ويتعامل التقرير بنوع من الريبة مع نتائج الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ويقول: «صحيح أن إسرائيل برهنت في السنوات الأخيرة عن قدرة مثيرة للانطباع في إيصال رسالة عسكرية رادعة، إلا أنه كان لهذا الإنجاز ثمن سياسي باهظ. إذ ينتظر أن تردع الانتقادات الدولية لشدة الرد إسرائيل عن الإقدام على خطوات حازمة لتجديد الردع, عندما تنتهي صلاحيته».
ويجمل محررو التقرير هذه الوثيقة بمقالة إجمالية تحت عنوان «غيوم تتكدر في الأفق». والحديث يدور هنا عن أفق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية من جهة، وأفق المشروع النووي الإيراني. ويعتبر مدير المركز عيران أن «العملية السلمية، حتى لو لم توصل إلى حل، فإنها تشير إلى أفق سياسي. وهذا حيوي لاستقرار ائتلاف غير رسمي, معتدل، قائم في المنطقة. وتحديداً فإن الانسحاب الأميركي من العراق يمنح فرصة لذلك. فتعرض الولايات المتحدة للإصابة يتقلص مع إخلاء القوات. وهذه مسألة أساسية. وليس معقولاً أن تعمل إسرائيل ضد إيران من دون ضوء أصفر أو حتى أخضر أميركي».
ويكشف رئيس المركز النقاب عن أنه قبل اللقاء الأول بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ونتنياهو في البيت الأبيض في أيار عام 2009 «سلمنا نتنياهو وثيقة. اقترحنا عليه فيها الربط بين القضيتين: أعط لأوباما وعداً ببذل الحد الأقصى من الجهد لحل المشكلة مع الفلسطينيين وسوريا. وإذا أزيح خطر إيران، بما في ذلك تآمرها الإقليمي والوكلاء الذين تستخدمهم، يمكن لإسرائيل أن تتقدم».
وفي المقابل فإن شلومو بروم يرى أنه «لا يخطر ببالي أن يعد أوباما نتنياهو رسمياً بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية إذا أخفقت العقوبات. ولكن الأجواء الأفضل في المسار السوري تساعد الولايات المتحدة على اتخاذ خطوات أكثر فعالية ضد إيران. فالنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني يضع ضواغط ثقيلة على قدرة الأطراف على اتخاذ الخطوات المطلوبة في السياق الإيراني بسبب الرأي العام العربي. وإذا ضعفت هذه الضغوط فإن هامش الفعل يتسع».
وترى الدكتورة أميلي لانداو أن «كل النقاش في الشأن النووي الإيراني يجري تحت فرضية أن هناك حلاً بين الأيادي لم يتحقق، ولكني قلقة من عجز الأسرة الدولية. فاستخدام القوة العسكرية ليس حلا للمشكلة. كما أن فعالية العقوبات ضد إيران تقاس بمقدار تركيز الطرفين على مفاوضات جدية وحازمة. والخيار العسكري هو أشبه باعتراف بالفشل. وفي أحسن الأحوال فإن بوسعه تأجيل تنفيذ المشروع الإيراني. وإدارة أوباما منشغلة أقل من اللازم بالخيار الدبلوماسي. وهي لم تجر مفاوضات متشددة مع إيران. واستنتاجي بأن الإدارة على ما يبدو سلمت بتحول إيران إلى دولة على حافة امتلاك القدرة النووية، وعلى مسافة أشهر من امتلاك القنبلة».
ويلحظ بروم «مشكلة تنسيق بين التوقيتات المختلفة في الشأن الإيراني. فتوقيت العقوبات بطيء بطبيعته. وفي جنوب أفريقيا أخذت المسألة عشرات السنين إلى أن أفلحت العقوبات في تحطيم نظام التفرقة العنصرية. وبالنسبة لإيران فإن العقوبات الأكثر جدية بدأت متأخرة عندما كان المشروع النووي في مرحلة متقدمة».
وتقريباً، كما في كل عام، يتحدث الباحثون في مركز دراسات الأمن القومي عن عام الحسم أو «عامي الحسم». وبحسب الدكتور عيران فإن «العامين المقبلين بالغا الحرج في كل ما يتعلق بمعالجة الشأن الإيراني، وعملية السلام وتغيير الزعامات في المنطقة لأسباب عمرية. والصورة العامة غير مشجعة». أما كام فيقول إن «مكانة الولايات المتحدة الاستراتيجية في المنطقة دخلت مرحلة امتحان. وهناك عدة تطورات متوازية: العملية السلمية، الخروج الأميركي من العراق، زيادة التدخل الأميركي العسكري في أفغانستان، وفي مقابل ذلك تزايد النفوذ الإيراني وتقدم المشروع النووي. وفي الخلفية تواجه إسرائيل عدة قنابل موقوتة في الشمال (حزب الله) وفي الجنوب (حماس). وينبغي الأخذ بالحسبان أن الفشل في المفاوضات السياسية قد يسرع الانفجار».
وتخشى الدكتورة كورتس من أن «ضعف الولايات المتحدة وافتقارها للقدرة على إظهار منجزات واضحة يزيد من المطالبة الأميركية بالدفع بالعملية الإسرائيلية، في محاولة لاختراق الطريق المسدود الإقليمي. وفي المقابل إذا ما وجدت فرصة لبلورة اتفاق أدراج إسرائيلي - فلسطيني، فمن المحتمل حدوث موجة عمليات واستفزازات من جانب حماس لمنع ذلك».
ويشدد شلومو بروم على استمرار التشاؤم ولكن من الوجهة المعاكسة: «الخطر الأساسي في الوضع الراهن هو في الوهم بالاستقرار النابع من النجاحات النسبية من الزاوية الاستراتيجية التي حققتها المعركتان الأخيرتان في لبنان وغزة وأدتا إلى تجديد الردع الإسرائيلي. فهذا يصلح حتى اليوم الذي يتبدد فيه. والاستقرار لا يبنى فقط على الردع. والوقت الذي يمر من دون استغلال لمعالجة المشاكل الجذرية والافتراض بأن القوى الإقليمية وسياسة اللاعبين ستبقى كما هي يمكن أن يهتز».
وثمة نوع من التناقض الداخلي في الزعم بأن إسرائيل بحاجة لعملية سياسية لفك الطوق حولها، وفي الوقت ذاته التقدير بأن فرص نجاح ذلك متدنية جداً. وهنا يعيد عوديد عيران التأكيد على «أهمية وجود عملية جدية تخلق أفقاً سياسياً. واتفاقات أوسلو كانت برهاناً جيداًَ على ذلك. إنها لم تحل المشاكل الأساسية، لكنها خلقت استعداداً دولياً للنظر بشكل مغاير للشرق الأوسط والقفز إلى الأعلى بالعلاقات الإسرائيلية مع الاتحاد الأوروبي، مع حلف الناتو وتركيا والعديد من الدول المجاورة».
ولكن ماذا عن المسار السوري؟
يشدد بروم على أن «هذا الموضوع استنفد. والأفضليات الاستراتيجية لاتفاق سلام مع سوريا واضحة تماماً. غير أن الذهاب إلى هذا المسار هو محصلة قرار يجب أن يتخذ عندنا. وشروط الصفقة معروفة. والسجال الذي بقي مع سوريا هو في الهوامش. إسرائيل هي من ينبغي أن تقرر إذا كانت الصفقة جديرة بأن تبرم. ومن المهم أن أضيف هنا أن المطلب الإسرائيلي من سوريا بقطع العلاقات مع إيران وحزب الله ليس واقعياً. وإذا حدث اتفاق مع سوريا، فإن المكسب الإسرائيلي سيكون بالقدرة على تغيير طابع علاقات سوريا مع حزب الله ونفوذها الكابح له, وليس قطع العلاقات معه».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد