إطلاق مهرجان البندقية السينمائي الـ67

02-09-2010

إطلاق مهرجان البندقية السينمائي الـ67

أن يحالف الحظ مدير «مهرجان البندقية السينمائي الدولي» ماركو موللر هذا العام في «اصطياد» العناوين العالمية المميزة، فهذا فأل حسن في إدارة الرجل المقاتل ضد حفنة فاسدي نظام رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلوسكوني، الذين يناصبون هذه الاحتفالية الأقدم في مشهدية المهرجانات الأوروبية العداء، ولا يفتؤون يشددون مضايقتهم المالية لإدارته. في كل عام، يكون على موللر، المتفتّح على سينمات آسيا والعالم الثالث، أن يضمن جبهة عروضه، وفي احايين كثيرة لا تصيب سهامه العناوين الأمثل. ذلك أن شبح منافسه «كان» الفرنسي وقوته التنظيمية يجعلان مهمة إقناع منتجي الأفلام ومخرجيها، الذين يبدون كأنهم مرغمون على الرضوخ لسطلقطة من الفيلم الأميركي «مكان ما» لصوفيا كوبولاوة الـ«كروازيت»، عصيّة. وهي المعاناة نفسها التي يواجهها نظيره البرليني أيضاً.
دورة العام الجاري، المُقامة بين الأول والحادي عشر من أيلول الجاري، حسمت الظنون والمخاوف من كبوة أخرى، شبيهة بدورة العام الفائت، التي عانت حصيلة مسابقتها الرسمية شحّة الأفلام المفاجئة، وبات آنذاك على «سجناء جزيرة الليدو الموحشة»، من نقّاد وصحافيين، أن يلوكوا اللعنات والغمز بـ«موت البيناله» وتردي سمعتها. لم تُقنعهم الإعلانات الضخمة وبوادر البناء بأن قصر السينما الجديد وملحقاته ستجعل الدورات المقبلة أكثر شحناً وأوسع قاعات. ذلك أن أهل الإعلام لا تهمّهم الوعود، بل العروض وتمايزها. وهذه قضية، غالباً ما تهدر حماستهم، ما إن يُعلن موللر خياراته التي يتسابق المولعون بحسابات الغائبين من تعداد عناوين أفلامهم، والتبجّح بمعلومات سفيهة من قبيل «إسعاف الوقت» و«تفضيل مهرجان آخر». علّة البيناله الإيطالية أنها محاصرة بالتاريخ، باعتبارها خاتمة المهرجانات الكبرى في أوروبا، وصاحبة الجوائز المرموقة. فالاثنان الكبار («كان» و«برلين») يستقطبان الأمثل، وفي الوقت نفسه يتحتّم على أصحاب الأفلام المميّزة التريث حتى شباط التالي، لمعرفة حظوظهم مع الدورة الجديدة للـ«كروازيت». ويُصبح أمام ديتير كوسليك قيصر «البرليناله» وموللر أن يُجالدا في تأمين حصصهما. يمكن القول، في حالة الأخير، أنه اجتاز مع عناوين الدورة الحالية عتبة المراهنة، وضمن متنافسين متميّزين على أسده الذهبي، أجمعت غالبية العروض الصحافية العالمية المسبقة عن رضاها للقوائم.
فلسطين
من محاسن الصدف، أن يكون «ميرال»، جديد مخرج «الفراشة وبذلة الغطّاس» الفنان التشكيلي والمخرج السينمائي الأميركي جوليان شنايبل، في مقدّم المؤلّفين الكبار الذين يُتوقَّع أن تثير نصوصهم ضمن المسابقة الرسمية، التي يرأس لجنة تحكيمها المخرج الأميركي كوانتن تارانتينو، جدالاً مُعتبراً يُحرّك الأجواء الباهتة لـ«البيناله». اقتبس شانيبل حكاية المربية الفلسطينية هند الحسيني (1961 – 1994)، التي أسّست وأشرفت على «مؤسّسة دار الطفل العربي» في القدس في العام 1948، وجمعت فيها بمساعدة المحسن والوجه الاجتماعي عدنان التميمي 55 يتيماً ويتيمة من ضحايا مجزرة دير ياسين، ووضعتهم في غرفتين في سوق الحصر بالبلدة القديمة، قبل أن يرتفع العدد إلى ألفين، لتكون نواة المؤسّسة التي تعد من الواجهات التعليمية الإحسانية الفلسطينية المشهود لها عالمياً. استند عمل شانيبل (تجدر الإشارة إلى الفيلم الوثائقي «كان في جعبتي 138 جنيها» الذي أخرجته الفلسطينية ساهرة درباس في العام الجاري، عن الحسيني، بمساعدة باحثتين من الجامعة النروجية «بيرجن») على كتاب الإعلامية الفلسطينية المقيمة في إيطاليا رولا جبريل (1973) «طريق ميرال المزهر»، الذي أصدرته في ميلانو في العام 2004، وفيه مسند وثائقي عايشته جبريل باعتبارها إحدى متخرجات المؤسّسة، ووضعت فيه التكوين الأول لحياة بطلتها ميرال، التي تنضم إلى الدار في عامها السابع بعد مقتل والديها في الأيام الأولى للنكبة، وتواجه في سن السابعة عشرة فهمها صراع شعبها عندما تعمل مُدرِّسة في أحد المخيمات، قبل أن يمتحن الحب موقفها حيال حياتها الشخصية ونضالها اليومي. الفيلم من أداء الهندية فريدة بنتو (اشتهرت بفضل «سلامدوغ مليونير» لداني بويل) والفلسطينية هيام عباس والأميركي ويليم دافو والبريطانية فانيسا ريدغريف.
عربياً، وضمن خانة «آفاق»، هناك النص الوثائقي المشترك لماريان خوري ومصطفى الحسناوي «ضلال»: تسعون دقيقة من البحث عن معاني الجنون والحرية في مصحّين عقليين في مصر. ويقدّم اللبناني ماهر أبو سمرا وثائقياً جديداً بعنوان «شيوعيين كنّا» (85 دقيقة)، عن أربعة أشخاص يعيدون تشكيل حكايات الحرب الأهلية اللبنانية وساحات مواجهاتها وخيباتها السياسية واستحقاقاتها الإيديولوجية والاجتماعية. ويحضر العراق وحربه في فيلم الإيطالي أوريليانو آميديي «عشرون سيجارة» (94 دقيقة)، حول تجربة اليافع أوريليانو الذي يرافق مخرجاً يُصوِّر فيلماً عن الجنود الإيطاليين المعسكرين في مدينة الناصرية جنوب العراق، ويشهد المجزرة الدموية التي راح ضحيتها تسعة عشر عسكرياً في تشرين الثاني 2003، والتي نجا فيها من الموت، ليجد نفسه بطلاً في بلده، حيث يحتفي به الساسة والعسكر، ويطارده أهل الصحافة والإعلام.
في المقابل، يعود مخرج «الكُسكُس بالسمك» التونسي عبد اللطيف كشيش إلى الـ«ليدو» بعد حصوله على «الأسد الذهبي» في فئة الفيلم الأول في العام 2000، مع جديده «فينوس السوداء» (166 دقيقة)، الذي يقارب عبره «الانخطاف الأوروبي» المتمثّل بباريس العام 1817، بـ«العيب الأفريقي» المتمثّل بجسد الشابة الجنوب أفريقية سارتيجي بارتمان (1789 – 1815) وخلقتها التي شبّهها أحد أعضاء «الأكاديمية الملكية الطبية» بالقرود، والتي سُمِّيَت لاحقاً بـ«فينوس هوتنتوت»، التي استعبدها هولندي وشحنها إلى لندن لعرضها كحيوان نادر، قبل أن تنتهي في العاصمة الفرنسية عرضة لاختبارات بيولوجيّة، حتى وفاتها عن خمسة وعشرين عاماً بمرض غامض. والحظ سيُسعف القادمين إلى البندقية لمشاهدة جديد الأميركية ابنة مخرج «العرّاب» فرنسيس فورد كوبولا، صوفيا كوبولا، وهو بعنوان «مكان ما»، الذي نعته البعض بأنه «ضاع في الترجمة 2»، بسبب إعادته أجواء الفيلم السابق الأثير. هذه المرّة، تدور الحكاية حول انقلاب حياة الممثل الشاب الأرعن جوني ماركو (ستيفن دورف)، عندما تفد ابنته كليو (11 عاماً) إلى الفندق الفخم. وتحتفل الـ«ليدو» بعودة البولندي المخضرم جيرزي سكوليموفيسكي ونصّه «قتل أصولي»، عن الأفغاني محمد الذي يُنقل إلى معتقل أوروبي سرّي من أفغانستان، فيجد نفسه فجأة حرّاً وسط عالم غريب، إثر محنة الشكوك بانتمائه إلى «القاعدة». والفيلم من أداء فنسنت غالو (يشترك في المسابقة الرسمية بفيلم ثان بعنوان «وعود مكتوبة على صفحة الماء») والفرنسية إيمانويل سينييه. الفرنسيان كاترين دونوف وجيرار دوبارديو يؤدّيان دوري زوجين في جديد المخرج فرانسوا أوزون «بوتشيه». الرجل صاحب مصنع يُعامل مَن حوله بقسرية مفرطة، يتعرّض بسببها إلى الاختطاف من قِبَل العُمّال، قبل أن تتدخّل الزوجة وتعيد المصنع إلى عهده قبل الاضطرابات. ويُقدّم زميله أنتوني كورديير قصّة حب ناقصة، في «قلّة سعادة»، مع رشدي زيم وإيلودي بوشي.
تنويعات
إطلاق الدورة سيتمّ بعرض الفيلم الجديد «البجعة السوداء» للأميركي دارين آرنوفسكي، الحائز «الأسد الذهبي» قبل عامين: عن صراع بين راقصتين في باليه نيويورك. والختام للمخرجة المميّزة جوليان تايمور، واقتباسها نص شكسبير «العاصفة». بينهما، هناك عناوين عدّة في المسابقة الرسمية، كجديد مخرج «العطر» الألماني توم تويكر «دري»، عن ورطة الحب بين الشابين هانا وسيمون، قبل أن تقع الأولى في وله آدم الذي يعشق الثاني في برلين الحداثة. وهذا في الوقت الذي يشترك فيه كل من داستن هوفمان وبول جياماتي في كوميديا «نسخة بارني»، عن الحياة الغريبة لرجل مزواج. ويذهب فيلم الروسي ألكسي فيدورشينكو «أرواح صامتة» إلى قبيلة دارسة وسط روسيا، موجّهاً عبر احتفائه بطقوس الموت لدى أفرادها تحية إلى ثقافة مغيّبة. الفيلم الأميركي «طريق إلى اللامكان» لمونتي هيلمان يصوغ جرائم الشابين فيلما وراف عبر عين مخرج سينمائي يقع في غرام ممثلته؛ ويتّخذ مواطنه كيلي ريخارت في «قطع ميك» من عوالم العام 1845 ليعرض الرحلة المضنية لثلاث عائلات تسعى إلى اختراق جبال كاسكيد؛ ويُصوِّر الإسباني ألكس ديل لاغليسيا تاريخاً دموياً للحرب الأهلية وحكم فرانكو في «أنشودة البوق الحزين»، في أجواء غرائبية داخل سيرك. وعلى المنوال نفسه، يعرض التشيلي بابلو لاريان في «بعد الوفاة» محن انقلاب العام 1973 داخل مشرحة؛ ويبقى التاريخ وحروبه ساطِعة في فيلم الياباني المشاكس تاكاشي ميكي «13 قاتلاً»، مع مبارزات مقاتلي الساموراي وتكليفهم بتصفية أحد الزعماء؛ ويدور فيلم الصيني هارك تسوي «المفتش دي ولغز لهب الشبح» في عوالم سلالة تانغ، وصعود أول امبراطورة على العرش الصيني في العام 690 بعد الميلاد. إلى ذلك، يعرض المخرج الفيتنامي آنه هونغ تران، الذي ذاعت شهرته بفضل فيلمه الأخّاذ «عطر البابايا الخضراء» (1993)، عمله المدعوم يابانياً «الحديقة النروجية»، المقتبس عن رواية الكاتب هاروكي موراكامي، عن تهويمات الشاب واتنابي حول الموت والحب والجنس. بعد فيلمي «قد» (1994) و«العمل البطيء للذهاب» (2000)، ضمنت اليونانية الشابة أثينا راشيل تزنغاري مكانها في المسابقة الرسمية مع «أتنبره»، الذي يستعير اسم مقدِّم برامج الطبيعة البريطاني السير ديفيد أتنبره، شقيق المخرج ريتشارد (غاندي): يقارب الفيلم هوس بطلته الشابة مارينا بمحيطها، والأشخاص الثلاثة الذين يدورون في فلك اهتماماتها الغرائبية.
للسينما الإيطالية ستة أفلام في المسابقة الرسمية، أهمها «عزلة الأعداد الفردية» للمخرج الموهوب سافيريو كوستانزو، الذي قدّم سابقاً فيلمه الإشكالي «جندي» (2004)، حول احتلال جنود اسرائيليين بيتا فلسطينيا (محمد بكري).

زياد الخزاعي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...