أمريكيون وسوريون على خطوط التماس في حوار إيمائي
الجمل ـ الحسكة ـ باسل الرفاعي : حوار أمريكي ـ سوري لكنه من نوع مختلف ذلك الذي يمتد عبر خط التماس على الحدود السورية – العراقية ، أبطاله لا يتمكنون من العبور والتلاقي طلقاء، ليبقى التراشق من بعيد وبالإشارة والتلميح في أحيان كثيرة، حيث تتباعد اللغات كما الأفكار والثقافات، بين جندي أمريكي يرتدي عدة الميدان الكاملة يحتل الجانب العراقي من الحدود ويراقب الجانب الأخر، وبين جندي سوري أخفى سلاحه ، متمترساً في الجانب الذي يثير هواجس الأمريكي متوقعاً مفاجآت سيئة في أية لحظة.
جنديان تفصل بينهما أمتار قليلة، هي خط التماس والفصل في حوار نشب بينهما ومازال مستمراً، حتى مع تبدل الجنود حسب المناوبات، حوار يأتي مستنسخاً من تجاذب الساسة ولغط الحكومات.
حيث يقف الجنود الأمريكيون بلباس الميدان الكامل يراقبون الأجهزة الإلكترونية التي ترصد المنطقة وتستكشفها، فالبندقية الرشاشة منكسة إلى أسفل أو موجهة إلى أعلى حسب الحالة النفسية للجندي ، بينما يقف أفراد الشرطة السورية في أماكنهم دون سلاح، حسب تعليمات مشددة تحظر عليهم الخروج مسلحين إلى الحاجز الحدودي خشية حدوث مشاكل لا يمكن تلافيها لكنها تبقي الأسلحة قريبة منهم في المكان.
تنتصب وراء الجندي الأمريكي آثار صورة كبيرة مهشمة لصدام حسين ينظر إليها الأمريكيون شذراً أحياناً أخرى باستغراب كيف استطاع هذا الرجل ترويض العراق، مع أنهم أكثر دموية منه بكثير.
في المقابل على الجانب السوري تبرز صورة كبيرة للرئيس الراحل حافظ الأسد وأخرى للرئيس بشار الأسد ، بين صور أخرى صغيرة كثيرة يراقبها الأمريكيون بصمت لكن بعضهم يبادر بالسؤال لماذا ترفعون صور حافظ الأسد ؟ فيجيب شرطي سوري يقف على مقربة منه: لأنه رئيسنا . فيتابع أمريكي السؤال لكنه مات منذ زمن ؟ يرد السوري مشيراً إلى قلبه: لكنه حي هنا.
تنتهي هذه الحوارية بانصراف الجندي في عجب ويمضي الشرطي السوري منتشياً فقد أخرسهم مرة أخرى، لكن كم من المرات أفحمه فيها هؤلاء ... هذا ما لم نتمكن من معرفته...
كثيراً ما يعيد الأمريكيون إثارة سؤال لم يفهموا جوابه رغم عناية المترجمين بالشرح والتوضيح والمترجمون غالباً هم جنود أمريكيون ولكن من أصل عربي أو من المتعاقدين العراقيين.
من تلك الأسئلة : لماذا تسمحون لهؤلاء الناس بالمرور ؟ ويقصد سكان المنطقة فيرد أحد الواقفين بجواب مكرور حفظه عن ظهر قلب إنهم هنا منذ آلاف السنين ولا يمكن أن يوقف هذا المسير اليوم .
مرة جديدة لا يفهم الأمريكي الجواب فيعيد صياغة سؤاله ثانية ليتلقى إجابات سيظل يفكر بها حتى يلاقي حتفه. من تلك الإجابات : "أوقفوا تدفق دجلة والفرات إن استطعتم فنحن لا نستطيع" الحوارية ذاتها تتكرر مع كل نوبة جديدة في يوم جديد.
يمل الأمريكي من أجوبة لن يفهمها وحوار لم يعتد عليه فينصرف إلى الصراخ بلا وعي: "يمكن أن نأتيكم في أية لحظة".
فيرد السوري وكأنه ينتبه للمرة الأولى أنه لا يحمل في يده سلاحاًَ يشير به إلى عدوه فيرفع يده إلى عنقه مشيراً إلى طريقة الذبح صائحاً : "ستندمون على ذلك".
يردد الأمريكيون الأسئلة الأمريكية ذاتها بينما يعيد السوريون الأجوبة السورية مع شيء من الإبداع أحياناً يرفع الأمريكي فوهة بندقيته عالياً وينكسها أحياناً حسب الحال أو المزاج بينما يظهر السوري بمظهر المسالم دائماً وعينيه على بندقيته المخفية في المحرس القريب.
سوريون وأمريكيون على خط التماس وكثيراً ما تحفل خطوط التماس بالحوارات الساخنة سخونة الدماء المسالة في العراق والمنطقة.
مشهد يبدو للناظر البصير مستنسخاً لأن المقدمات المتماثلة لا بد وأن تؤدي إلى نتائج متماثلة.
الجمل
إضافة تعليق جديد