وثائق سورية:البيان الذي أذاعته القيادة العامة لجيوش الثورة عام 1925
تناولنا اليوم دعوتكم الكريمة إلى السلم مع القنابل المتفجرة من الطيارات، فلم يزدنا هذا التناقض الغريب علماً بالوضعية الحاضرة. إن ما جاء فيها من التهديد المشرب بروح العطف يلفت الأنظار، لأن الجيش الذي اقتحم به سورية هو كطياراتكم، من عاداته عند سنوح الفرصة أن ينفذ صامتاً خطط الفتح، من غير التفات إلى عويل الأطفال وبكاء الأمهات.
تقولون قد اقتربت الساعة التي نعرف فيها قوى جيشكم، ونتحمل فيها نتائج الثورة. إن انكسار بسالة الجيش الفرنسوي حينما كان يدافع في الحرب العامة عن كيان فرنسا وحريتها، هو إنكار الشمس في رائعة النهار. ولكن الجيش القادم إلى جبل الدروز لتأمير الكابتن "كاربيه" ومن حذا حذوه، وتأييد الاستعمار بأفظع معانيه في أمة آمنة كأمتنا، هو غير الجيش الفرنسوي. ومن انقض على خصومه، في الكفر والمزرعة كما انقضضنا، لا يأبى أن يتحمل نتائج الثورة.
تذكرون مضاء سلاحكم في معركة المسيفرة ولم تذكروا مضاء العزائم التي اغتنمت هذا السلاح في عقر استحكاماتكم، وسحبت الخيول من أيدي أصحابها المقتولين في سبيل الفتح والاستعمار، وإذا كانت فرنسا، كما تقولون، لا تقاتل مدفوعة بعامل البغض، بل تعاقب المجرمين بحسب جرمهم، فثقوا أننا لا نقاتل إلا دفاعاً عن الشرف القومي الذي عبث به موظفوكم، الحرية التي مات تحت أقدامها رجال ثورتكم الباهرة. أما مسألة المجرمين –الذين سودوا وجه الإنسانية بسيرتهم الخصوصية والعمومية، وجعلوا اسم الانتداب عاراً وشناراً- فالأجدر أن نتركها إلى يوم الحساب.
تقولون إن الأشخاص من ذوي البصيرة الذين يتركون منذ الآن السلاح يكونون في مأمن على حياتهم. إن بين البصيرة وترك السلاح تناقضاً ما كنا لندركه، لو لم يكن له سابقة على عهد الحكومة الوطنية السورية، لما آمنت بمواعيد أسلافكم، فحلت جيشها في أواخر تموز سنة 1920، وحكم على زعمائها بالموت في أوائل آب.
إن المؤمن لا يلدغ من حجر مرتين، وقبل الوقوع، في مثل هذا الفخ عليكم أن تبيضوا الصفحات السود وتعيدوا إلى الشرق حسن السمعة التي كنتم تتمتعون بها قبل أن تطأ أقدامكم هذا الوطن المقدس.
تدعوننا إلى إلقاء السلاح، وأن نتقلد بدلاً منه المحراث. إننا ما حملنا السلاح إلا دفاعاً عن هذا المحراث الذي هو فخرنا. إننا نريد أن نحمل المحراث لنحصد من الخير لنا ولأولادنا، ولكن إذا كانت ثمرة أتعابه تذهب إلى بطون رجال أمثال غرمونا آلاف القرش لفقد هرّة في السويداء، وصفعوا أشرافنا وخيارنا لاستنزاف أموالهم، فإن السلاح يكون خير ضامن لهذا المحراث.
إننا نرغب في السلم من صميم الفؤاد، وإذا آنسنا في خصومنا اليوم هذه الرغبة الأكيدة، فإننا نمد إليهم أيدينا، نمدها ولكن الشروط التي أذعناها للملأ في منشوراتنا السابقة.
سلطان باشا الأطرش
قائد جيوش الثورة الوطنية السورية العام
المصدر: أحداث الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش،دار طلاس، ص 396.
الجمل- إعداد: د. سليمان عبد النبي
إضافة تعليق جديد