إسرائيل: قادة الأمن ينصحون بمفاوضة سوريا فوراً
لا تزال تدوي في إسرائيل أقوال رئيس وحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية العميد يوسي بايدتس أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست حول أن «نموذج حزب الله 2006 يختلف عن نموذج حزب الله 2010 من ناحية القدرات العسكرية التي تطوّرت جداً». لكن ما لم ينتبه إليه كثيرون هو ما أضافه بايدتس في ذلك الاستعراض الأسبوع الماضي، أمام اللجنة حول أن «الاستخبارات تلحظ رغبة من جانب سوريا للتوصل إلى تسوية ولكن بشروطها، أي: استعادة هضبة الجولان ومشاركة أميركية». وكان التعليق الأولي لعدد من المعلقين العسكريين الإسرائيليين أن بايدتس اجتاز بشكل حذر الخط الذي يفصل بين التقدير العسكري والتقدير السياسي ووضع الحكومة الإسرائيلية أمام حقيقة مرة. إذ أضاف أن سوريا مقابل تسوية بشروطها، على استعداد لتغيير موقعها في المحور الراديكالي ولكن الرئيس السوري بشار الأسد يؤمن بأنه لا يمكن التقدم نحو ذلك مع الحكومة الحالية، ولذلك يتجنب تقديم أية خطوات لبناء الثقة.
ويوم أمس ذهبت «معاريف» بعيداً وعنونت صفحتها الرئيسية بـ«قادة المؤسسة الأمنية: مفاوضات مع الأسد فوراً». وأشارت إلى أن رئيس الموساد ورئيس الأركان وكل القيادة العسكرية العليا على قناعة بوجوب محاولة إخراج سوريا من «محور الشر». وتؤكد أن خلفية ذلك تقدير الاستخبارات بأن سوريا إذا لم تبرم تسوية قد تختار سبيل التصعيد.
وتحت عنوان «من الشمال ستبدأ» كتب المراسل السياسي للصحيفة، بن كسبيت، ما اعتبره قراءة في أقوال العميد بايدتس حول سوريا، بأن ثمة في سوريا مساران متوازيان. الأول ايجابي: فقد اخترقت سوريا العزلة، وتتحسس طريقها نحو الغرب، وتحسن جداً علاقاتها بتركيا والسعودية. والمسار الثاني إشكالي: سوريا تخاف اسرائيل جداً. خوفاً حقيقياً ثقيلاً لشخص ما يعيش تحت ظل «أزعر الحي» (هذا ما يشعرون به). وهي معنية بالسلام مع اسرائيل، بشروطها (اعادة الجولان كله مع دعم اميركي كثيف لتجديد النمو في سوريا)، لكن اذا لم يتحقق هذا، فإنها ستزيد من عمق مشاركتها في المحور المتطرف، بحسب كسبيت.
وهنا يكشف كسبيت جانباً خطيراً في أقوال بايدتس أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست. من أصغى هذا الاسبوع الى بايدتس سمع كلاماً أوقعه عن الكرسي: وحسب ما يقول رئيس وحدة البحث في شعبة استخبارات الجيش الاسرائيلي، المحور المتطرف في منطقتنا هو الآن المحور الوحيد. المحور المعتدل لم يعد موجوداً، في حقيقة الأمر انه يتفكك. وقد تم تعيين حارس قضائي له. العلاقة بين ايران وسوريا و«حزب الله» وحماس تلقي بظلها على المحيط كله. وتركيا على الجدار ودول الخليج (ولا سيما قطر) أيضاً، أما الاردن فهو مذعور، والسعودية كذلك، ومصر تتأرجح. وسياسة ادارة اوباما تشجع هذا الاتجاه المقلق: ففي القريب سيخرج الاميركيون من العراق، الذي سيقع مثل ثمرة ناضجة في يدي ايران وينضم الى المحور المتطرف. لم يعد أحد مستعداً لأن يناصر علناً أي محور معتدل. الجميع على الجدار ينظرون ما يأتي بخوف، بحسب كسبيت.
ولهذا فإن «نقل سوريا من المحور المتطرف الى الجانب الثاني من الأهمية بحيث تحدث تغييراً في المنطقة من أجل إحياء المحور المعتدل وعزل «حزب الله». وإعادة تركيا. انها خطوة حاسمة لا مثيل لها في الأهمية التاريخية. لكن لا يوجد من يخطوها. لا في القدس ولا في واشنطن ايضاً في هذه المرحلة».
يرى بايدتس أن السوريين يريدون السلام مع إسرائيل حقاً. وهم مستعدون لدفع الثمن أيضاً. إن النموذج المصري لسلام بارد مع اسرائيل عوض أن تصبح تابعة لاميركا (مع جميع المكاسب وعدة مليارات في السنة) يستهوي الأسد. فهو يعرف معرفة ممتازة الطلب الاسرائيلي عوض الجولان وهو طرد قيادات «الارهاب»، ووقف نقل السلاح الى «حزب الله» وتبريد العلاقات بطهران. ويرى بايدتس ان الاسد مستعد لدفع هذا الثمن اذا حصل على البضاعة. لكن اذا لم يحدث، هذا فإنه يمضي بقوته كلها الى الجانب الثاني. نحن نرى هذا كل يوم. في الاستخبارات وصور الأقمار الصناعية والزيارات الرسمية وشحنات السلاح والتصريحات. بحيث انه لا يوجد وضع راهن في الحقيقة. ان تفاخر اسرائيل بـ «الحدود الأهدأ في الأربعين سنة الأخيرة» يمكن أن يتحطّم ذات يوم من دون إشعار سابق. والتقويم لذلك تحذير سابق واضح، يسمعه متخذو القرارات كل يوم تقريباً.
وتبدي شعبة الاستخبارات العسكرية تقديرها بوجود خوف من أنه اذا لم تسر سوريا في طريق الى السلام فقد تمضي في مسار الى الحرب. إن ايران هي الداعم للأسد ورده على «التهديد الاسرائيلي». هكذا يرى هو الأمور. اذا لم يمض الى الغرب فسيجري الى الشرق وقد أصبح يجري. وسيكون متأخراً جداً في وقت ما إعادته.
ومضى كسبيت في قراءته: وهكذا فإن المسار الحالي ليس مساراً دائرياً لا يتغير في نهايته اي شيء، بل هو اتجاه واضح ذو تشعبات مقلقة. أصبحت سوريا غارقة غرقاً عميقاً في حضن ايران. وبعد قليل ستبتلع فيه. لا يريد الاسد حقاً ان يحدث هذا وهو لا يزال متردداً، وينظر الى الخلف في أمل، لكن لا أحد يشير اليه. النظرية العسكرية السورية في مواجهة اسرائيل دفاعية في أساسها وهي نظام صاروخي منحني المسار قوي، ووحدات مضادة للدبابات والطائرات مكثفة، وكتائب صاعقة مرنة ومدربة و«حزب الله». يعلم الأسد انه لا يستطيع ان يغلب اسرائيل لكنه يستطيع بيقين أن يحدث إضراراً شديداً بها. بحيث ان الحرب ايضاً آخر الامر لن تجدي على أي واحد من الطرفين. والاتجاه في هذه المرحلة الى الحرب.
ويخلص كسبيت إلى أنه «لا شيء في جانبنا. إن المؤسسة الأمنية بأسرها تحث المستوى السياسي على مفاوضة الاسد. على عقد سلام مع سوريا وإخراجها من محور الشر. وعزل حزب الله. وانقاذ لبنان أيضاً بالمناسبة».
المشكلة كما يرى كسبيت هي أن كل القيادة الأمنية في جهة ومستشار الأمن القومي عوزي أراد في جهة أخرى ونتنياهو لا يفعل شيئاً. ويفضل أراد تسوية مرحلية مع السوريين وأن القصة معهم لن تنتهي بمفاوضة اسرائيل بل عن طريق ايران. فاذا فازت ايران على الغرب وأصبحت قوة ذرية، فلن يستطيع أحد أن يخلص سوريا من براثنها والعكس صحيح. لهذا لا سبب يدعو الى أن تتحلل اسرائيل الآن من ذخر استراتيجي كالجولان.
الجميع في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يعتقدون ان سوريا تستأهل المحاولة. يقولون إن إخراج سوريا من محور الشر الآن يزيد احتمالات نجاح مساعي كبح المشروع النووي الايراني. لكن أراد هو أكثر الاشخاص تأثيراً في نتنياهو وليس هم.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد