لماذا فشلت الوحدة السورية المصرية
أهلا يا برنسيسة.. نوّرت مصر يا باشا: كذلك كان سماسرة السياحة المصريين يعترضون طريقنا في سوق شرم الشيخ لبيعنا مالا نحتاجه بفهلوية الشطار.. وقد وافقتني زوجتي أن نلعب لعبة المغفلين معهم لكي نتسلى ونضحك ونفهم لعبة السياحة المصرية التي لا يتقنها الجالسون في القاعدة العسكرية لوزارة السياحة السورية.. أهلا بالعرسان, اتفضلوا على ألف ليلة وليلة.. نستسلم ونجلس.. حاجة سائعة .. سُخنة.. شيشة.. لأ شكرا نحنا عم نطبق عقوبة منع التدخين في الشام.. الله دنتو سوريين.. نورتو بلدكو التانية مصر أم الدنيا.. نسمع ونندهش من قدرتهم على تزويق الكلام.. حفلة بدوية.. رحلة بحرية.. ندفع لهم ديبوزيت معتبرين أن خسارته تعادل الضيافة التي تقدم لنا.. يشترينا سمسار ويبيعنا لآخر والآخر لمطعم أو منتجع أو صاحب بوت.. وفي إحدى المرات باعونا أسبوع سياحة سنوي مدى العمر في "ريزورت" مقابل دفعة أولى 100جنيه!! غير أن التسلية الكبرى كانت في اليوم الرابع لسياحتنا عندما لبست دشداشة سعودية ونزلت إلى السوق، وشوف الدلال.. المهم أننا تسلينا وضحكنا أكثر مما دفعنا.. وفي اليوم الأخير ونحن بطائرة العودة قلت لشريكتي: الآن فهمت أسباب فشل الوحدة السورية المصرية: لقد تعامل ضباط الوحدة المصريون الذين أرسلهم المشير عامر مع السوريين كما تعامل سماسرة شرم الشيخ معنا باعتبارنا مصدرا للاستثمار بدلا من مفهوم الشراكة والتكامل .. قالت زوجتي التي التي كان والدها اللاذقاني المرافق الشخصي للرئيس ناصر أيام الوحدة: لقد كانت وحدة ارتجالية فرضتها محبة السوريين على عبد الناصر واضطر إلى قبولها بحذر.. قلت: ولكنهم صدروا إلينا النظام الأمني العسكري بمساعدة عبد الحميد السراج الذي وضع البطة السورية على مائدة الضباط المصرية وأطلق اللبنانيون المتخوفون من خطر الوحدة آنذاك أغنية (آكلك منين يا بطة) الساخرة باعتبار أن خريطة سورية تشبه رسم البطة.. وحسب أصدقائي المجايلين لزمن الوحدة فإن الضباط السوريين أنفسهم الذين سعوا إلى الوحدة قد شارك أغلبهم في الانفصال بعد عامين من الأخطاء، والتي منها أن المصريين لم يحترموا مبدأ فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية الذي كان سائداً في سورية, وألغوا المؤسسات الديموقراطية من إدارة الدولة كديوان المحاسبات وهيئة تفتيش الدولة، وشكلوا مؤسسات أمنية جديدة (إدارة أمن الدولة)، كما حولوا الإدارة المدنية إلى سلطة أمنية وصار تعيين مدراء النواحي ومدراء المنطقة والمحافظين من سلك الشرطة حصرا، وأخيرا ألغوا مبدأ تكافؤ الفرص في التعيين بوظائف الدولة .. غير أن الأذى الأكبر جاء بعد الانفصال، إذ بالغ الانفصاليون السوريون في عداء عبد الناصر إلى درجة أنهم استقبلوا على أرض الشام أعضاء الجهاز العسكري للإخوان المسلمين المصريين بعد محاولتهم اغتيال ناصر، وكان هذا أول الوهن وبداية عسكرة التيار الإسلامي الشامي الذي أوصل البلد إلى الهاوية في نهاية السبعينات.. وما تقدم قليل من كثير كان يمكن لعبد الكريم النحلاوي أن يرد به على أحمد منصور الذي لم يساعده ذكاءه في التخلص من كراهيته للجميع - بما فيهم السوريين - منذ أول حلقة في برنامجه الذي سماه السوريون مؤخرا (شاهد زور)..
هامش: أول خلاف نشب بين المصريين والسوريين كان حول شعار الجمهورية العربية المتحدة، إذ اختار المصريون شعار النسر بينما اختار السوريون الصقر شعارا لأن النسر يأكل الجيف المحرمة في الإسلام بينما الصقر يأكل فريسته في الجو.. وقد فرض المصريون رأيهم باعتبارهم ينتمون إلى أم الدنيا، مع أن غالبية ضباط الثورة كانوا صعايدة وهم بذكاء الحماصنة عندنا !؟
نبيل صالح
إضافة تعليق جديد