الدور الإسرائيلي-الأميركي في الأزمة التايلندية

14-04-2010

الدور الإسرائيلي-الأميركي في الأزمة التايلندية

الجمل: تطرقت التقارير والأخبار الجارية إلى تطورات الصراع الدائر حاليا في تايلاند على أساس اعتبارات التنافس والمشاحنات العدائية بين الحكومة والمعارضة, ولكن على ما يبدو أن للأزمة التايلندية عمقها الذي يتجاوز نطاق تايلاند إلى منطقة الهند الصينية بما يدخل في علاقات منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الشرق الأقصى وجنوب شرق آسيا.
أهمية تايلاند:
تقع تايلاند في قلب منطقة الهند الصينية, وهي تجاور بورما من جهة الشمال والغرب, وتجاور لاوس من جهة الشرق وكمبوديا من جهة الجنوب الشرقي وماليزيا من جهة الجنوب, إضافة إلى أنها تطل ضمن شريط ساحلي طويل على منطقة خليج تايلاند الذي يمثل الجزء الشمالي الغربي من بحر الصين الجنوبي, هذا, وتشير الأرقام الكلية إلى أن مساحة تايلاند تبلغ 513120 كم مربع, ويبلغ عدد سكانها حوالي 64 مليون نسمة بكثافة سكانية تبلغ 132 شخصا للكيلو متر المربع الواحد, وإضافة لذلك يبلغ الناتج المحلي الإجمالي نصف تريليون "أي 500 مليار" دولار أميركي.القواعد العسكرية الجوية الأميركية في تايلاند
وفقا لهذه المعطيات تتميز تايلاند بقيمتها الفائقة الأهمية, بالنسبة لكل الحسابات الاستراتيجية الدولية, وعلى وجه الخصوص بالنسبة للحسابات الأميركية والصينية المتعلقة بفرض السيطرة والنفوذ على علاقات منطقة شرق وجنوب شرق آسيا مع الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا وشبه القارة الهندية.
القراءة في ملف الأزمة التايلندية:
تعتبر تايلاند مهد التاريخ والحضارة القديمة في منطقة جنوب شرق آسيا, وأهميتها التاريخية والحضارية بالنسبة لهذه المنطقة هي مثل أهمية سوريا التاريخية والحضارية لمنطقة الشرق الأوسط, وإذا كانت مقاربة التحليل المقارن تفترض أن سوريا هي تايلاند الشرق الأوسط, فإن نفس هذه المقاربة تقول بأن تايلاند هي سوريا جنوب شرق آسيا.
يتسم تاريخ تايلاند السياسي بالتعقيد الشديد فقد ظلت تحمل اسم مملكة سيام حتى عام 1932م, عندما اندلعت الثورة الديموقراطية والتي قادتها النخب البيروقراطية والعسكرية التايلندية ضد النظام الملكي, و كان من أبرز نتائجها اعتماد اسم تايلاند بدلا من سيام وإقامة نظام ديموقراطي تعددي يتولى فيه رئيس الوزراء منصب رئيس الحكومة, ويتولى فيه الملك منصب رئيس الدولة, وذلك على نحو شبيه بالنظام البريطاني الذي يتولى فيه رئيس الوزراء والبرلمان كافة الصلاحيات التنفيذية والتشريعية, وتتولى الملكة الصلاحيات السيادية الرمزية.
شهد تاريخ تايلاند خلال الفترة الممتدة من عام 1932م وحتى الآن المزيد من نماذج التبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة وبريطانيا وفي هذا الخصوص فقد ظلت تايلاند تلعب بشكل أساسي دورا هاما في تعزيز الاستراتيجية الأميركية في منطقة جنوب شرق آسيا, مثلها في ذلك مثل الفيليبين.
 أبرز الأزمات التي أحدثت الشروخ والاضطرابات في تاريخ تايلاند السياسي هي أزمة التحول الديموقراطي في عام 1932م, وأزمة عامي 2005-2006 السياسية عندما فاز في الانتخابات الزعيم زاكسين شينواترا ثم أزمة انقلاب عام 2006 العسكري ثم أزمة العصيان المدني في عام 2008 ثم أزمة اضطرابات عام 2009 وأخيرا أزمة عام 2010 الحالية.
بالنسبة للأزمة الحالية تقول المعلومات بأن جذور هذه الأزمة ترجع إلى أزمة عامي 2005-2006 والتي تفرعت عنها أزمات انتخابات عام 2005 و2006م وانقلاب 2006 العسكري ثم انتخابات 2007 العامة.
أدت انتخابات عام 2007 العامة إلى تشكيل حكومة ساماك سوندارافي زعيم حزب سلطة الشعب, والذي سعى بدوره إلى تمرير بعض التعديلات الدستورية بالتواطؤ مع جنرالات الجيش, وبالمقابل نظمت المعارضة بقيادة ساكسين شينواترا زعيم حزب التحالف الشعبي من أجل الديموقراطية المعارض المزيد من الاحتجاجات والمظاهرات, والتي امتدت من العاصمة بما شمل كل المراكز والمدن التايلندية.
أدت ضغوط حركات الاحتجاج الشعبية إلى المزيد من الاستقطابات في الساحة السياسية التالحراك الإقليمي والدولي العابر لمنطقة الهند الصينيايلندية, بما أسفر عن ظهور معسكرين:
• معسكر الحكومة: ويضم رئيس الوزراء ساماك سوندارافي وأنصار حزب سلطة الشعب, إضافة إلى مساندة جنرالات المؤسسة العسكرية والأمنية التايلندية.
• معسكر المعارضة: ويضم الزعيم ساكسين شينواترا زعيم حزب التحالف الشعبي من أجل الديموقراطية المعارض إضافة إلى منظمات المجتمع المدني.
أشارت التقارير والمعلومات والتسريبات إلى أن معسكر المعارضة أصبح أكبر حجما وتأثيرا بسبب التأييد والدعم الشعبي, الأمر الذي ترتب عليه تزايد الضغوط الشعبية المعارضة ضد الحكومة التايلندية الحالية, وفي مجرى تطورات الأزمة السياسية التايلندية نلاحظ أن حركة المعارضة أصبحت تتميز بنقاط التفوق الآتية:
• حسن التنظيم, فهي تقوم بتسيير المواكب والمظاهرات اليومية في كافة المدن والمراكز الحضرية التايلندية إضافة إلى تميزها بالشعارات المنظمة ضمن ما ظلت أجهزة الإعلام تطلق عليه تسمية أصحاب القمصان الحمر.
• الإمساك بزمام المبادرة, بحيث أصبحت المواكب الشعبية تقوم بعملية الهجوم الجماهيري السياسي ضد الحكومة التايلندية والتي أصبحت رموزها في موقف الدفاع.
• ردع التدخلات الخارجية: ظلت أميركا أكثر اهتماما بدعم الحكومات والزعماء التايلنديين المواليين لها, وأكثر سعيا لجهة عمليات قمع المعارضة الشعبية ورموزها المطالبين بإنهاء سيطرة أميركا على تايلاند والآن وبسبب الدعم الشعبي الهائل الذي تجده المعارضة التايلندية فإن أميركا أصبحت أكثر ترددا إزاء القيام بدعم حلفائها التايلنديين وذلك حتى لا يستشري العداء الشعبي ضد أميركا في أوساط الرأي العام التايلندي.
تشير بعض التسريبات إلى أن إسرائيل ظلت ضالعة في تحريض مفاعيل الأزمة التايلندية, وفي تايلاند توجد واحدة من أكبر محطات جهاز الموساد الإسرائيلي, وهي المحطة التي تقوم بتنظيم منظومة عمليات سرية تشمل شبكات تحريض المخدرات وسرقة التكنولوجيا وتجنيد العملاء وتهريب الأسلحة, وغسل الأموال, وإضافة لذلك, فإن وكالة المخابرات المركزية الأميركية تملك واحدا من أكبر محطاتها الخارجية في تايلاند, وبكلمات أخرى فإن تايلاند تمثل نقطة الارتكاز التي تستند عليها شراكة الموساد الإسرائيلي-وكالة المخابرات المركزية الأميركية في تنفيذ العمليات السرية في مناطق جنوب شرق آسيا.
تأثيرات الأزمة السياسية التايلندية:حركة العسكرية الأميركية بين تايلاند ودول جوارها في الهند الصينية
لم تصل الأزمة السياسية التايلندية حتى الآن إلى نقطة مستقرة, وما هو جاري حاليا يتمثل في حراك الضغوط المتزايدة والتي سوف تلقي بتداعياتها السالبة على استقرار النظام السياسي التايلندي وأيضا على الاستقرار الإقليمي في منطقة جنوب شرق آسيا, وفي هذا الخصوص نشير إلى مسارات الصدمات التي يمكن أن تحدث بفعل الأزمة التايلندية على النحو الآتي:
• سياسيا: انهيار الحكومة الحالية وصعود المعارضة سوف يؤدي إلى المزيد من احتمالات تحييد تايلاند في ملفات الصراع الصيني الأميركي وملفات الصراع في شبه القارة الهندية إضافة إلى تحجيم دور الأيادي الخفية الأميركية الإسرائيلية في المنطقة وهو أمر سوف يلحق ضررا بالغا بالدور الإسرائيلي في منطقة جنوب شرق آسيا.
• اقتصاديا: من الصعب حتى الآن القول بأن الاقتصاد التايلندي سوف يواجه أي انهيار ولكن, إذا طال أمد الأزمة فسوف يكون الانهيار الاقتصادي خيارا لا مفر منه وكما نعلم فإن حدوث الانهيارات في اقتصاد تايلاند البالغ ناتجه المحلي الإجمالي نصف تريليون دولار بمثابة ما يحدث في بركة بعد سقوط حجر كبير عليها, وبكلمات أخرى, فإن العالم سوف يشهد أزمة عصيان أخرى جديدة أكثر عنفا من الأزمة السابقة, وسوف تمتد أضرارها بالتأكيد إلى مناطق الخليج العربي والشرق الأوسط.
هذا, وما لم تتحدث عنه التقارير والتحليلات حتى الآن يتمثل في تأثير الأزمة التايلندية المحتمل على مخططات الأمن العسكري الأميركي العالمية, فتايلاند تقع في المنطقة التي يمكن وصفها بطرف الخط الرأسي الفاصل بين المحيط الهندي ومنطقة بحر الصين الجنوبي, وإذا كانت واشنطن تسعى إلى إقامة تحالف عسكري واسع النطاق يسيطر على الأمن البحري الخاص بالمحيط الهندي، أطلق عليه الخبراء " حلف الناتو الآسيوي الجديد"، فإن واشنطن تسعى أيضا إلى السيطرة على منطقة بحر الصين الجنوبي وتحويله إلى بحيرة عسكرية أميركية تتبع القيادة الباسيفيكية الأميركية, وهذا هو السبب الذي جعل أميركا تسعى إلى عدم الإعلان عن دعمها للحكومة التايلندية الحالية في مواجهة معارضة مظاهرات أصحاب القمصان الحمر. وبكلمات أخرى, فإن واشنطن تسعى إلى أن تمارس نفس لعبة الاحتفاظ بالعلاقات مع الطرفين على غرار ما تفعل حاليا مع الهند والباكستان. فهل يا ترى سوف تنجح أميركا في تحقيق ذلك خاصة وأن إدارة التحالفات في منطقة الهند الصينية شكلت لأميركا تجارب مريرة فيها.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...