المقاتل جواد: كان الطيران الإسرائيلي يقصف قواته ونحن نضحك
(حدث ذلك قبل صدور القرار 1701)
تفاقمت حالة الحاج جواد الصحيّة وازدادت خطورة. فها هو قد أصيب للمرّة الثالثة في المواجهات مع الإسرائيليّين. إصابته الثالثة هذه أجبرته على مغادرة الجبهة لتلقّي العلاج والمتابعة. في العادة، من يُصب على الجبهة (إصابة غير حرجة)، يُعالج في مكانه ليعود سريعاً إلى القتال. لكن حالة الحاج التي ساءت استلزمت عناية طبيّة متقدّمة.
الحاج جواد هو أحد المجاهدين القدامى. خبرته كبيرة وله قلب جبّار. كان يقاتل في مارون الراس، في حين كان ميسم في نقطة عيتا الشعب وكان صلاح في بنت جبيل.
ومواقع المقاومين تتبدّل بحسب المتطلّبات والاختصاصات. الحاج جواد من القوات الخاصة. أيّ تلك التي تلتحم في قتالها مع العدو. أما ميسم وصلاح فمن غير الضروري ذكر اختصاصيهما. وقد تمّت الإشارة إليهما لأنهما إبنا الحاج..
الحاج جواد على الجبهة، ابناه أيضاً. أما زوجته وبناته ففي مكان ما ينتظرن أيّ خبر ممكن عنه أو عن الشابين.
هناك، حيث يرقد، يحاول الحاج الابتسام على الرغم من الآلام. ويصرّ على الرواية. انهمرت الصواريخ وتضاعفت رشقات الرصاص مع تقدّم لواء غولاني باتّجاه مارون الراس. كنا قد استعددنا للانضمام إلى الأحبّاء في القتال مع ذلك اللواء. وما إن أعطي الأمر لنا، حتى رمينا بأنفسنا بينهم. زيّنا العسكري كزيّهم تماماً ، الأمر الذي جعل المهمّة سهلة.
تولّت مجموعة منا الفريق الأوّل من اللواء في حين أن أخرى اهتمّت بالثاني. بدأت المواجهة الملتحمة وبدأ الصراخ يعلو. من هنا قتلى وعويل ومن هناك جرحى وفرار.
أنجزنا ما علينا وانتهت مهمّتنا. انسحبنا. وما هي إلا دقائق حتى بدأت المقاتلات المعادية تقصف عليهم. فالفريق الأوّل من اللواء أبلغ عن هجوم وقد اعتبر الفريق الثاني من شباب المقاومة. والفريق الثاني أيضا أبلغ عن وجود مقاومين معتبرا أنهم الفريق الأول. ولم يتوقّف القصف الجوّي إلا حين تمّ استدراك الموقف. أما نحن فكنا عم نضحك. ويضحك الحاج على الرغم من جراحه. الموت يمرّ من أمامه وهو يضحك.
يضيف تخيّل أنه عندما يُصاب الجندي الإسرائيلي على أرض المعركة، تدبّ النخوة في أصدقائه الجنود فيسارعون إلى نجدته ونقله خارج المعركة. يكفي أن يُصاب بشكل طفيف حتى ينسحب أحياناً من دون سلاحه وكثيراً من الأوقات من دون حذائه. ويسكت قليلاً ليقول مهدي مثلاً أصيب على الجبهة بيده اليسرى. فتابع القتال بيد واحدة. ثم أصيب بقدمه وبقي هناك يقاتل حتى استشهد. تختفي الابتسامة عن وجه الحاج لدقائق. ثم يعود ليخبر كيف أنه حاول مراراً إقناع قاسم (صديقه المقرّب) بالعودة إلى بيروت للقيام بواجب العزاء تجاه أخيه الذي استشهد في بداية العدوان. لكن قاسم كان متمسكاً بموقفه الرافض: من يبقى على الجبهة إذا تركها كلّ واحد لسبب أو آخر؟ من يحمي لبنان؟ أخي يمكن أن ينتظر. لا تهتم.
تطول حكايات الحاج جواد عن الجبهة والشباب. ولا يتوقّف إلا لأخذ نفس عميق كأنه يحاول تأجيل الألم، أو انه يعمل على الانتصار عليه.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد