خواطر مشاهدة.. واقع المأساة!
"زمن العار" أحد المسلسلات السورية التي عرضت على عدة قنوات في رمضان. المخرجة رشا هشام شربتجي تألقت في تصويرها للبيئة الدمشقية وعاداتها، والقصة عالجت حيرة أبناء المجتمع من الطبقة المتوسطة الذين يحاولون رفع مستوى معيشتهم ماديا قبل أن تطحنهم الحياة وتحولهم إلى فقراء، فيتضح أن الطريق الوحيد لذلك يمر عبر التخلي عن الأخلاق والنبل والشهامة، ولأن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، تجد الأسر اللاهثة وراء المال نفسها وقد تفككت وانزرع الكره والحقد والشر والنفاق في قلوب أفرادها.
ضم المسلسل مجموعة من أفضل الممثلين السوريين، سلافة معمار أبدعت في تصوير شخصية صعبة ومركّبة تبحث عن ذاتها، وبسام كوسا عملاق كعادته وكذلك نضال سيجري وتيم حسن.
لكن، ومرة أخرى، يتعثر السيناريو بمطب التطويل، وقد مرت مشاهد كثيرة لم تكن القصة لتتأثر بوجودها من عدمه، وكان علينا أن نستمع إلى حوارات مكررة المرة تلو الأخرى حول قصة الخلاف على سعر بيع منزل أبو منذر وحول قصة بثينة وحول غضب زوجة جميل وإلى معارك علا فيها صوت الجميع، إضافة إلى استخدام الكثير من الألفاظ النابية بين الإخوة وبين الأب والأبناء، واللافت في المسلسل هو لهفة الفتيات غير المبررة على الشبان لدرجة تناسين فيها الكرامة والكبرياء والعزة على رغم المعاملة القاسية والسيئة التي كن يلقينها، وحتى على افتراض أن بعض أفراد المجتمع صاروا هكذا في سوريا لكن المبالغة في تصوير هذه المواقف تعطي انطباعا بأن الجميع يتصرفون بنفس الطريقة وهو أمر غير صحيح لأن فتيات كثيرات تمنعهن الأخلاق عن التصرف كما تصرفت بطلات المسلسل.
هنا تبرز أهمية المقارنة بين صور الشخصيات في زمن العار وشخصيات باب الحارة، الفرق بين القصتين سبعون عاما انقلب فيها الفكر والأخلاق والمفاهيم والعادات والأعراف والنخوة ونظافة ذات اليد والكرامة والحياء من النقيض إلى النقيض، هذه القصة وتلك، كلتاهما من مجتمع في نفس المدينة وشتان بينهما.
اللافت أن موسم رمضان هذا العام قدم مسلسلات سورية كثيرة تصور مشكلات وتعقيدات الزمن الحالي وكلها تشابهت في تصوير الفساد وانعدام الأخلاق واللهاث وراء المال بوسائل غير مشروعة والقتل والمخدرات وقدمت نماذج غارقة في الشر والانحطاط لدرجة مؤلمة جدا ليس للمواطن السوري فقط بل لأي مواطن عربي قد تتشابه ظروف مجتمعه مع ما تقدمه هذه المسلسلات مثل "تحت المداس" و"عن الخوف والعزلة" و"قاع المدينة" و"شتاء ساخن" إضافة إلى "زمن العار". لم أتمكن بالطبع من مشاهدة جميع حلقات هذه الأعمال، لكن اللقطات والمشاهد التي مررت بها كانت تقدم بشكل أو بآخر لوحة من ألوان التخلف وسوء النوايا والأخلاق السيئة في التعامل بين البشر، ليجد المشاهد نفسه يتساءل منطقيا عن نهاية الطريق التي تسير فيه مجتمعات كهذه.
وهناك خياران للتعامل مع قصص هذه المسلسلات السورية، إما الافتراض أنها متخيلة ومبالغ فيها جدا وهو أمر لا يحتسب في صالح القيمة التي تقدمها لأن المبالغة في السوداوية تدفع للكآبة وتشجع من لم يجرفه تيار الفساد على الانخراط فيه.
والخيار الثاني هو أن تكون هذه القصص واقعية جدا وتصور حكايات حقيقية تعيشها شخصيات شبيهة تمتلئ بها البيئة السورية، وهنا الطامة الكبرى لأن تقديم هذه الصورة تجاوز مرحلة النقد الإيجابي الدافع إلى تصحيح الخطأ والعودة إلى المسار الصحي، ودخل في مرحلة المأساة التي تزيد في يأس المواطنين وتضاعف خشية المغترب من العودة إلى بلاده ومواجهة هذه النماذج التي لا حيلة لأحد في إصلاحها أو تغييرها.
وإذا كان أغلب السوريين وربما العرب يحرصون على متابعة أحداث مسلسل باب الحارة بسبب افتقادهم لتلك الأخلاق والتكاتف وقوة الحق، وبسبب تمنياتهم أن يعود الزمن بهذه القيم، فلماذا والحال كذلك لا يبدأون بتنظيف عائلاتهم من الصدأ الذي تراكم على تفكيرهم؟ سؤال لا أستطيع للأسف أن أعثر على جوابه، وستظل معضلة من الذي جاء أولا البيضة أم الدجاجة تلاحق جميع من يفتح نقاشا في هذا المجال، سيبقى البعض يلوم أفراد الشعب على فساد نفوسهم واستعدادهم للسقوط والبعض الآخر يؤكد أن طريق السقوط كان ممنهجا ومرتبا على مدى عشرات السنين.
ميساء آق بيق
المصدر: العربية نت
إضافة تعليق جديد