55% من التراسات في مشروع دمرتعدت على الاملاك العامة
إن احد أبرز اسباب تقدم المجتمعات ، هو أن يتوافر لدى أفراد هذه المجتمعات رادع ضميري يلزمهم احترام القانون والتقيد بالانظمة. والتنظيم العمراني هو أحد دلائل تقدم مجتمع ما ، وهو المرآة التي تعكس مدى تطور وتنظيم ذلك المجتمع.
يكاد مجتمعنا أن يخلو من كل ما ذكر ، فلا النظم الادارية والعمرانية الموضوعة واضحة وكافية لاقناع الافراد بالتقيد بها ، ولا الافراد أنفسهم ملتزمين بإطاعة النظم الموضوعة رغم تعددها وتشددها . ونذكر منها:
1) القانون /44/ لعام 1960.
2) قانون الادارة المحلية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /15/ لعام 1971 وتعديلاته.
3) القرار رقم /1029/ الصادر بتاريخ 1969.
4) نظام ضابطة البناء الصادر بالقرار رقم /350/م تاريخ 1987 ، والمصدق من وزير الاسكان والمرافق برقم /723/ تاريخ 26/6/1997.
5) القانون رقم /1/ لعام 2003 تاريخ 5/4/2003.
ومع أن العقوبات المتعلقة بمخالفات البناء وصلت إلى حد السجن والغرامات المالية الباهظة، لكنها مع الاسف لم تنجح بإلغاء المخالفات ولم تنجح بالزام الافراد بالتقيد بتلك القوانين وتطبيقها على أنفسهم ، واقتصر تنفيذ تلك القوانين وتطبيق العقوبات على من تنطبق عليه كلمة المواطن العادي أو محدود الدخل.
حين ننظر إلى الشوارع في مدننا وإلى الابنية المبنية على جانبيها،واحيانا عليها، وخاصة في مدينة دمشق وضواحيها ، نتعجب للفوضى المعمارية والتنظيمية الحاصلة ، كما نتعجب لما نراه من أشكال أبنية خالية من الذوق ، نتيجة ما حصل عليها من تعديلات ومخالفات منذ بنائها، حتى كاد أن لا يبقى هناك مبنى واحد خال من المخالفات معمارية كانت أم انشائية أم تنظيمية.
التشويه المعماري والتنظيمي الحاصل لايوصف ،فالعمارات طال التعديل المخالف معظم اجزائها ،حتى لم يبق من شكلها الاصلي سوى المدخل وبيت الدرج والذي أتت عليه بالتشويه المصاعد التي سمحت المحافظة بانشائها دون ان يكون هناك شرط اعادة الدراسة المعمارية لواجهة البناءوتوحيدها من حيث الشكل وبحيث يكون المصعد المضاف جزء متناغم مع شكل البناء المعماري الجديد.
هكذا دائما قرارات ناقصة تؤخذ ،دون ان تستكمل الصورة والابعاد.
ان تكلمنا عن نظام ضابطة البناء ،فهو قديم ولايتناسب مع التطور الذي حصل ويحصل لمدينة دمشق وضواحيها ،كما ان اسلوب العمل في الادارات المحلية والمحافظات بطئ ويحتاج تصديق مخطط تنظيمي لمنطقة ما عشرات السنين، كما يحتاج عشرات سنين اخرى للافراز والتسجيل في السجل العقاري، وهناك مئات المنازل مازال قيدها مؤقتا مع أنها مسكونة منذ أكثر من ثلاثون عاما.
ذهبنا الى عدة بلديات وسالناهم اسئلة تتعلق بالنظم العمرانية في منطقتهم، واختلفت الاجابات ، ولما طلبنا الاطلاع على النص القانوني المتعلق بسؤالنا، كان الجواب ان ليس لديهم نسخة عن القوانين ، وعلينا مراجعة المحافظة . وحين تعجبنا لعدم وجود نسخة من قوانين نظم البناء لديهم، اتت الاجوبة متعددة، فمنهم من لم يحدد سببآ،ومنهم من ادعي بان هناك تعديلات وقرارات وتغيرات دائمة لتلك النظم، وتختلف تطبيقاتها من منطقة الى اخرى ،وليس هناك مجال للحصول على نسخة شاملة لكل هذه التعديلات .
مع كل محافظ جديد ،هناك تعديلات وقرارات ، واستثناءات.......
فما كان منا الا ان راجعنا المحافظة، وكلما سألنا موظفآ سؤالا ضمن موقع المسؤولية اجابنا بجواب غير قاطع وكلما حاولنا الاستيضاح ارشدنا الى موظف آخر اجابنا بجواب مختلف لنفس السؤال. كل هذا دلنا على ضعف استيعاب موظفي المحافظات والادارات المحلية للقوانين والانظمة التي تقع ضمن مسؤولياتهم. والسبب بسيط الاوهو عدم وجود مرجعية شاملة للنظم والقوانين العمرانية والتنظيمية تلزم الجميع مواطنين كانوا ام موظفين مسؤولين عن تطبيق تلك القوانين.ان عدم وجود نظام ضابطة بناء واضح، وعدم وجود نسخ جديدة تطبع في كل عام وتوزع الى البلديات والمكاتب العامة لبيعها للمواطنين، يفتح العديد من القنوات التي تشجع المواطن على المخالفة.
الزام المواطنين بجزء من المسؤولية يخفف العبء عن الادارات المحلية بمتابعة المخالفات ،فاذا اعطينا للجوار الحق بالاطلاع ومناقشة التراخيص التي سوف تمنح لاحد القاطين بجوارهم تضعف احتمالية حصول المخالفات.
في معظم البلدان التي تعرف بانها متقدمة ،يكون احد شروط الحصول على رخصة ما، بناء او اكساء، هو ان يقوم المالك باعلام الجوار ضمن دائرة محددة بعزمه الحصول على الترخيص المطلوب. مع دعوة عامة للحضور بتاريخ محدد إلى مبنى البلدية للاطلاع على مصورات الترخيص المطلوب ومناقشة مدى توافقها معماريا وانشائيا مع نظام ضابطة البناء ،وايضا مناقشة توافقها مع الاسلوب المعماري العام للمنطقة او الحي او الشارع الذي ستبنى عليه.
كما ان للجوار الحق قي مراقبة مراحل البناء او الاكساء والاعتراض لدى الجهات الرسمية في حال اخل المالك بتلك المصورات خلال مراحل الانشاء ،وارغامه على التقيد بتفاصيل ومصورات الرخصة الممنوحة.
اما هنا ،فالامر عشوائي ،ويرجع فقط لارادة العاملين في البلديات ،واما الشكاوي التي تقدم الى البلديات فهي عقيمة لاتجدي نفعا ، فلا المواطن يعلم ان كانت شكواه شرعية، ولا البلديات تكترث اذا لم يتفرغ المواطن كليا لمتابعة شكواه.
والنتيجة هي تفاقم العشوائية واقتصار تطبيق القانون على من لايجد وسيلة لتدبير امره.
فاحيانا يتم هدم عامود صغير بارتفاع 50 سم ، بينما وبنفس الوقت يتم تجاهل عدة غرف مخالفة تبنى في الجوار.واذا اعترض المواطن بالقول :لماذا تهدون هنا ولاتهدون لجاري؟ يكون الجواب بان الشكوى كانت عليه فقط، ولايوجد شكوى على جاره وان عليه أن يهتم بامره فقط ولايخالف. وكما قلنا النتيجة النهائية هي فوضى عارمة في البناء ، والخاسر هنا هو المحتمع ككل .
اذا اردنا تقييم مجتمعنا الذي نعيش فيه ،فالاسس والمقاييس اصبحت واضحة وما علينا الا السير في الطرقات وتحصيل المعلومات. ولنتخذ مثلا احد شوارع دمشق وليكن شارع مرشد خاطر او ما يسمى بشارع بغداد، فمن خلال السير فيه من اوله لاخره نستطيع ان نستخلص بدقة الحكم على مدى تطور مجتمعنا ،ومدى رقي الافراد الذين يعيشون فيه.
اشكال الابنية تصيب الناظر بالغشاوة، اكثر مما يصاب به جراء استنشاقه لدخان السيارات المارة.
احد مالكي الشقق في الابنية المطلة على جانبي الطريق اكسا جدران منزله بالسيراميك، بينما جاره استخدم صفائح الالمنيوم الفضي، وبعضهم ضم الشرفات باستخدام البلوك دون اكساء ، والبعض الاخر ضمها باستخدام واجهات الالمنيوم والزجاج .ناهيك عن اصحاب المشافي (ونقول مشافي مجازا) التي بنت مداخل خاصة لاتمت الى الشكل المعماري للبناء بصلة، وعن الطوابق المحولة الى محلات تجارية مختلفة الاكساء والديكور، وعن الاسطحة المخالفة، والغرف المبنية بالحدائق، ولافتات الاطباء والمهن الاخرى، ولافتات الشركات، والمكيفات، التي شوهت منظر البناء ...... والامثلة كثيرة. ومثلها باقي احياء وشواع مدينة دمشق.
ان ما تعكسه مدننا من تخلف اداري في مجال العمران، لايشاهده الناظر في البلدان الاخرى وخاصة المتطورة منها.
ونضرب مثلا: حين يعود السائح من باريس الى البلد ، يطالعه الناس بالاسئلة والاستفسارعما شاهده، فيستطرد بالحديث واصفا بحماسة ما شاهده من نظافة وتنظيم شوارع وما شاهده من نظافة ابنية وجمال معماري متناسق في اشكال البناء في الشارع او الحي الواحد.
ويبدأ الحديث قائلا: "يا سلام شو باريس"؟. الابنية والشوارع وكانها لوحات فنية مرسومة، والسير في طريق ما يبعث الدفء في قلب الناظر، أما تناسق الابنية ونظافتها فانما ترسم الابتسامة على وجوه المارين في الشوارع .
ويكون الجواب :" مثل هنا تمام". ويجيب : "نعم مثل ماعندنا حتما". ثم تنطلق الضحكات.
قد يناقش احدهم بالقول: ان تلك البلدان متقدمة ونحن لسنا بمستواها. نعم هذا صحيح انيا ، ولكننا نسينابان تلك البلدان لم تنشأ متطورة ،وانما تقدمت وتطورت عن طريق التزام الافراد والمواطنين بالانظمة وعن طريق احترامهم للقانون . فلماذا لانخطو الخطوة الاولى نحو التقدم ، ولماذا لانلزم انفسنا بتطبيق القانون ونساهم في اعمار وبناء بلدنا.
ونعود للتاكيد على اهمية وجود نسخة شاملة لنظام ضابطة بناء ، متاحة للمواطن (بسعرها طبعا وليس مجانا) من المكتبات العامة او المحافظات او البلديات .
نحن اذا استطردنا بالحديث بلوم العاملين في الادارات المحلية والمحافظات ، فلن نجد بدا من انهاء الحديث بالتطرق الى لوم المواطنين. فالمواطن ، اصبح على ما اصبح عليه من انانية ، ولايهمه ابدا ما قد تسبببه من تشويه لبناء ما ، او اعاقة لتنفيذ تخطيط مصدق. المهم ان يحصل على مايمكنه الحصول عليه ضاربا بالقوانين عرض الحائط ، وذلك عن طريق اضافة بناء مخالف على ارضه اوحتى على الملكيات العامة ، كما لايهمه تاثير الاكساء الذي ينفذه على الشكل العام للبناء او الشارع الذي يقطن فيه . المهم ان يكون منزله او بناءه فقط بنظره هو، جميل ، حتى لوخالف بالشكل او الاستخدام كل الابنية المجاورة . واذا بادرته بالنصح يجيب: "الان توقفت الأمور كلهاعلى ما افعله؟ كل شيء فوضى".
لقد اصبح لدى المواطن هاجس بالطمع ومخالفة الانظمة واستغلال ما يمكنه استغلاله لمصلحته الشخصية والتوسع بمنزله متجاهلا المصلحة العامة ومصلحة الوطن .
ان اكثر ما يحز بالنفس هو ان معظم المخالفين ليسوا بحاجة مادية للمخالفة ، بل ينفقون اكثر مما يحصلون من تنفيذ المخالفة.
قد نجد بعض العذر (وليس مبررا) للمواطن الفقير الذي قد يجد في فقره دافعا ليتجاوز القانون. احيانا بضم شرفة او اضافة غرفة في حديقة منزله، او بناء غرفتين في مناطق المخالفات العشوائية لتيسير أمره ، معرضا نفسه لخسارة ما يسمى بثروته في حال قامت البلدية بهدم ما بناه، ومعرضا نفسه للغرامات المالية والسجن لكن اين العذر لاصحاب الاموال بمخالفتهم البناء.ان احدا لايجد مبررا لمن يملك الفائض من المال بالتجاوز والمخالفة في البناء ، وبعض هؤلاء لم يقتصرجشعهم على المخالفة بالبناء ضمن املاكهم الخاصة فقط بل تعداه ليبنوا على الاملاك العامة وضمها الى ملكياتهم ، واصبح التعدي على الاملاك العامة مقياسا لوجاهتهم وجمال الابنية خاصتهم .هل نفعت القوانين التي ذكرناها في بداية المقال مع هؤلاء؟؟ .
لنتخذ مثلا اخر و منطقة اخرى من مناطق دمشق وقد اخترنا منطقة مشروع دمر وبالاخص حي التراسات .
المخالفات المرتكبة في حي التراسات واضحة للعيان ،وساطعة سطوع الشمس في كبد النهار ،ولاتنطبق عليها قوانين قدم المخالفة او المصالحة ، وحسب القانون يجب ان تزال فورا دون تردد كونها تقع ضمن الاملاك العامة.
حين قمنا بزيارة الى حي التراسات في مشروع دمر استغربنا ان يتجرأ احد السكان صراحة القيام باحدى تلك المخالفات ، وليس من رادع .
ان مشاهدة المخالفات المتعدية على الاملاك العامة أنستنا تلك التي تقع ضمن حدود الملكيات. كنا نظن ان مثل تلك المخالفات يمكن ان تحدث فقط في المناطق النائية البعيدة عن المدن !.
معظم الشوارع التي مررنا بها في حي التراسات ضيقة والارصفة ايضا ضيقة جدا. ومع ذلك فان كثير من الابنية استغلت الرصيف لبناء مداخل خاصة بمنازلها او مظلات او احواض تزينية الغت عمل الرصيف ولم تبقى للمار مجال سوى النزول الى الشارع الضيق الذي لايزيد عرضه عن 5 امتار متلفتا في كل لحظة خوفا من ان يدهس باحدى السيارات المارة.
كما ان هناك بعض المالكين استغلوا الطرقات المخصصة للمارة صعودا ونزولا وهي عبارة عن ممرات بين التراسات على شكل ادراج ، فبنوا عليها وقطعوا الطريق على الناس. وعلى الاولاد ان يبحثوا عن احدى الادارج التي مازالت نافذة حتى لو تكلفوا السير لاكثر من 500 م . نستغرب كيف ان الطمع بلغ بالمالكين حد البناء على الطرقات و الارصفة !. حتى ان بعض الارصفة لايتعدى عرضها 50سم ومع ذلك لم يرق لاحد مالكي التراسات المجاورة بترك تلك المسافة ، بل بني مدخل بنائه فوق الرصيف مستغلا كامل العرض .
بعض هذه المخالفات قديم وبعضها نفذ حديثا والبعض الاخر ما يزال قيد التنفيذ فأين تطبيق القانون هناك واين البلديات ؟!.
لايمكن للبلدية الادعاء بعدم العلم بما يحدث فالمخالفات ليست ضمن اسوار مخفية بعيدا عن الانظار، بل ان كل ما حصل ويحصل انما يحدث تحت سمع ونظر البلدية بجميع عامليها، فما هي حجتهم بعدم تنفيذ القانون. واين العاملون في دائرة الشام الجديدة ؟.
ان التعدي على الاملاك العامة لايشمله قدم المخالفة ويستثنى من احكام المرسوم رقم (1) لعام 2003 ولايمكن بشكل او باخر تنظيم مصالحة بتلك المخالفات المرتكبة بل يجب على العاملين في الجهات الرسمية المسؤولة تنظيم ضبط فوري بالهدم واعادة الطريق ليكون طريق واعادة الرصيف ليكون رصيف وتحويل مرتكبي تلك المخالفات الى المحاكم فلماذا التلكؤ من قبل العاملين في دائرة الشام الجديدة ولماذا السماح بارتكاب مخالفات مماثلة واين تنفيذ احكام المادة (40)من قانون الادارة المحلية رقم (15) لعام 1971 والمادة (118)من قانون البلديات رقم (172) لعام 1956 وتعديلاته والتي نصت:
عندما يكون البناء مخالفا :
1-متجاوزا على التخطيط المصدق .
2-واقعا ضمن الاملاك العامة او املاك الدولة الخاصة ضمن الحدود الادارية او متجاوزا عليها.
3-واقعا ضمن المناطق الصادرة بها صك الاستملاك او ضمن مناطق التنظيم او الممنوع عليها البناء .
تزال المخالفة بالهدم ويعاقب بالحبس من 3-6 اشهر وبالغرامة المالية من 50000 -200000 ل.س كل من تثبت مسؤوليته عن مخالفة احكام الفقرات السابقة سواء اكان شاغلا او مالكلا او متعهدا او مشرفا او دارسا للبناء ويعاقب بذات العقوبة العاملون في الجهة الادارية المقصرون في اداء واجبهم في قمع المخالفة.
ان صور المخالفات المنشورة واضح والمخالفات صريحة والادلة ثابتة فالارصفة مشغولة وبني عليها والادراج المخصصة للمارة مغلقة اما ببناء او بابواب والفوضى عارمة .
ونحن لا نطالب هنا ببطولات وانما نطالب بتنفيذ بسيط لنصوص القوانين التي ذكرناها ونترك الامر لاولي الامر ،عسى ان يجدوا وسيلة للحد من طمع المواطنين .
محمد عيد
بورصات وأسواق
إضافة تعليق جديد