شاشات ترشّد إنفاقها وأخرى تعدّل في برامجها والآتي لا يزال غامضاً

02-03-2009

شاشات ترشّد إنفاقها وأخرى تعدّل في برامجها والآتي لا يزال غامضاً

لا شك في أن الأزمة المالية التي يعاني منها الاقتصاد العالمي وجدت طريقها إلى قطاع الانتاج التلفزيوني في العالم العربي، وان بتفاوت بين محطة تلفزيونية وأخرى. حالياً، تتجه الأنظار نحو قطاع الإعلانات الذي تعتمد من «تاراتاتا» أبرز «الصامدين» على «دبي».عليه ميزانيات القنوات التلفزيونية بشكل رئيسي، ونحو مدينة دبي بشكل خاص، حيث تتبلور مفاعيل الأزمة بشكل واضح.
تختار محطات ان تبقى في حالة من «الإنكار» لوجود مأزق حقيقي يهددها، فيما تبدو أخرى أكثر شفافية، وربما أكثر ثقة بمصيرها، مصرّحة عن تنفيذها خطوات عملية. لكن كل المعطيات على الأرض تدل على أن إدارات المؤسسات الاعلامية، من دون استثناء، بدأت باجراءات تقلّص انفاقها، وهو تقليص يتعلق بشكل أساسي برحلات السفر والاحتفالات بانطلاقة البرامج إضافة إلى تخفيض في العلاوات والمكافآت غيرها. لكن كيف ستؤثر هذه الاجراءات على ما سنراه على شاشاتنا خلال العام 2009؟ وهل سيصل تخفيض الانفاق إلى حد التأثير على مستوى البرامج ومحتواها؟ هل سنشهد على صرف موظفين أم ان الأزمة سيكون لها مفعول عكسي، يدفع الشاشات لإخراج أفضل ما عندها ولو بميزانيات مُحكمة؟
يبدأ مدير العلاقات العامة في مجموعة «أم بي سي» مازن حايك، حديثه بالاشارة إلى ان إجمالي الاستثمار الإعلاني في القطاع الإعلامي في العالم العربي يقارب واحدا في المئة فقط من نسبة الاستثمار الإعلاني في العالم، بمعنى «ان منطقتنا محصنة لأن مستوى الاستثمار ما زال في بداياته ويتجه نحو التطوّر، وهذا ما يشجعنا على القول إن القدرة الكامنة كبيرة ومرشحة للتقدم».
مع هذا، لا ينفي حايك وجود تحديات على الأرض بالنسبة إلى «أم بي سي»، أحد أبرز الحاضرين في السوق الاعلانية على مستوى العالم العربي: «يكمن التحدي في وضع سلم أولويات واضح متوازٍ مع خفض بالانفاق الذي لا يؤثر على نوعية تجربة المشاهدة التلفزيونية التي نلتزم في المجموعة بأن تبقى فريدة كماً ونوعاً». كما يلفت إلى «ضرورة المحافظة على نفس مستوى الاستثمار الاعلاني وتطويره عن العام 2008، وهذا أمر ممكن، خصوصاً ان الماركات الأساسية تحرص على تركيز إعلاناتها خلال فترات الانكماش على الشاشات التي لا يمكن الاستغناء عنها».
في هذا الاطار، يبدو وضع «أم بي سي» أفضل بكثير من المؤسسات التي لها حصة متواضعة في السوق، والتي سيكون إحجام الإعلان عنها بمثابة ضربة قاسية ان لم تكن قاضية. لكن هل سيصل ترشيد الانفاق إلى حد إقالة موظفين من مراكزهم في المجموعة؟ يجيب: «هذا أقسى إجراء وأقصاه. وهو الأصعب على رب العمل والموظف في آن. نعمل كي لا نصل إليه لأننا ملتزمون تجاه موظفينا، أثمن ما نملك» ويستدرك حايك: «ان ما يضمن للموظف بقاءه، حقيقةً، هو قيمته المضافة وقدرته على ملء مكانه من ناحية الأداء والاستحقاق. والمجموعة تسعى الى ألا يتأثر من يستحق أن يبقى، ونعمل كي لا نصل إلى مرحلة الاجراءات القصوى».
ينفي حايك ان تتضمن خطط الترشيد تغييراً في خارطة برامج تتطلب ميزانيات ضخمة كبرامج المنوعات: «لدينا التزامات حريصون عليها تجاه مشاهدينا ومعلنينا في آن».
لا يغوص حايك كثيراً في النقاط التي يطالها «ترشيد الانفاق» مكتفياً بالقول ان «إطلاق أقنية جديدة مثلاً تطلب سوقا متصاعدة الوتيرة، بينما نشهد جدولة سلم أولويات يختلف عن السنة السابقة للانكماش»، مشدداً على ضرورة التضامن والتعاضد بين الموظفين في هذه المرحلة.
- بدورها، تبدو مقاربة مدير محطة «دبي» عبد اللطيف القرقاوي للأزمة مختلفة. فقد تردد في الآونة الأخيرة ان تلفزيون «دبي» قرر عدم تصوير أي برامج جديدة والاكتفاء بمتابعة البرامج المقررة مثل «تاراتاتا» و»سوالفنا حلوة» وغيرهما من البرامج التي تملك راعياً إعلانياً، بينما تجاهد البرامج الجديدة للحصول على راع جديد، لكن القرقاوي ينفي الأمر: «كل البرامج مستمرة بالطريقة التي خططنا لها، لا بل تعاقدنا على انتاج عدد من المسلسلات التلفزيونية العربية كي تعرض خلال شهر رمضان المقبل». وعن الأخبار المتداولة حول اقفال عدد من المكاتب الانتاجية لـ»دبي تي في» في بعض الدول العربية، اعتبر القرقاوي ان «كل هذه الاخبار لا صحة لها» مشدداً على أن المحطة لم تستغن عن أي موظف لديها وان كل القنوات التابعة لـ»مجموعة دبي للإعلام» تعود الى الدولة الاماراتية و»هذا يعني أنها لن تعاني من أي مشكلة مالية ستبقى محصورة، دائماً بحسب قول القرقاوي، في قطاعات بعيدة عن الانتاج التلفزيوني».
يتفق القرقاوي مع حايك في ان الأزمة المالية ستؤثر بشكل أوضح على القنوات التلفزيونية الصغيرة التي لا تعتبر أساسية بالنسبة إلى المعلنين الأساسيين، إضافة إلى تلك التي تتكل على بث الاغاني وبرامج الألعاب والرسائل النصية: «وبالرغم من ذلك، لم نسمع حتى الآن في دبي عن اقفال مثل تلك القنوات» يعلق القرقاوي.
- من بين الخطوات الأخرى التي كثر اللغط حولها مؤخراً، وشكلت أحد أبرز عناوين الأزمة، ما شهدته مجموعة «روتانا غروب» التي تضم نحو سبع محطات تلفزيونية ومن ضمنها قناة «أل بي سي الفضائية» التي يرأسها الشيخ بيار الضاهر.
إذ بدأت المجموعة إعادة هيكلة إدارتها من جديد، خصوصا بعد الدمج مع «أل بي سي الفضائية» وبعد انتشار أخبار عن خسارة شركة «المملكة القابضة» التي يملكها صاحب هذه المجموعة، اي الأمير الوليد بن طلال، أكثر من ثمانية مليارات دولار أميركي خلال ثلاثة أشهر. من هنا كانت ضرورة إعادة الحسابات تجاه «مجموعة روتانا غروب» والتي تضم أيضا أكبر شركة انتاج فنية في العالم العربي، ما استدعى تدخلاً فورياً لتطويق الأزمة والحد من أضرارها.
وفي اتصال مع «السفير» أكد مصدر مسؤول في إدارة «روتانا غروب»، أن الأزمة المالية العالمية كان لها بالفعل تأثير مباشر على الإنتاج التلفزيوني لهذه المجموعة، إذ ان «العائدات الإعلانية انخفضت في شكل ملحوظ، خصوصا ان قسماً كبيراً من الشركات المعلنة تلقت ضربات في ميزانيتها جراء انهيار الوضع الاقتصادي العالمي لذلك قررنا خفض الانتاج». وتابع المصدر «لغاية اللحظة، اتخذنا قراراً بتوقيف معظم برامج تلفزيون «روتانا موسيقى»، والاتجاه المبدئي الى تحويل البعض الناجح منها الى محطة «ال بي سي الفضائية» مثل برنامج «ضد التيار»، علماً بأن قناة «أل بي سي» بدأت بعرض برنامجي «ستار اكاديمي» و»شرفتوني» وسيبدأ تصوير «ضد التيار» في حلقاته الجديدة مع الاعلامية وفاء كيلاني برغم ظهور حملها.
وشرح المصدر انه كان من المقرر عرض سبعة برامج جديدة على شاشة «ال بي سي الفضائية»، «لكن بسبب قلة اندفاع الشركات المعلنة التي ترعى انتاج هذه البرامج، اكتفت الادارة بتنفيذ اربعة فقط في الموسم الحالي».
يحضر التضارب في المعلومات مرة جديدة عند سؤال مدير الشؤون الفنية في «روتانا» محمود موسى عن الازمة، خصوصاً ان أخباراً نقلت تأثر شركة «روتانا» للانتاج الفني بترددات خسارة الوليد بن طلال، وأن عدداً من الفنانين المنضوين تحت لواء الشركة قاموا بأنفسهم بدفع نفقات تصوير أغانيهم بعد أن تعذر على الشركة تسديد المبالغ الى المخرجين، نتيجة عدم توفر السيولة. إلا ان موسى يعلّق: «الأمور تسير في وتيرة عادية والشركة تقوم بتصوير الاغاني على نفقتها الخاصة»، مطمئناً الى ان الشركة «لن تستغني عن أي مطرب من اولئك الذين وقعوا عقوداً معها» معللاً التوقف بالقول: «عجلة انتاج الالبومات توقفت في شهر كانون الثاني بسبب احداث غزة، لكن الأمور بدأت تعود الى مجراها الطبيعي».
بين تطمينات تأتي من إدارات القنوات، وأخبار معاكسة تشكك في الروايات الرسمية، يبقى خوف الموظفين على مصيرهم أمراً واقعاً، والأيام المقبلة ستكشف ان كانت هواجسهم مبررة، أم أن بدء بعضهم بالتفتيش عن فرص عمل أخرى ليس سوى مبالغة في التشاؤم.

هنادي عيسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...