المرحلة الثالثة بين الرغبة والواقع على الأرض... والحرب النفسية

13-01-2009

المرحلة الثالثة بين الرغبة والواقع على الأرض... والحرب النفسية

ليس ثمة سؤال أكثر أهمية في إسرائيل هذه الأيام من السؤال عن طبيعة المرحلة الراهنة: هل بدأت إسرائيل المرحلة الثالثة من هجومها على غزة، أم أنها لا تزال في الشق الثاني من المرحلة الثانية؟ وهل هي أقرب للخروج من الحرب منها إلى الدخول في عمقها؟ وتنطوي الإجابة على هذه الأسئلة على نوع من المجازفة التي تتعدى التقدير الموضوعي نحو ما يمكن اعتباره حربا نفسية. فالمراسلون العسكريون والسياسيون في إسرائيل يخدمون في كثير من الأحيان برامج سياسية تبقى مقبولة لديهم عموما إذا كانت في نطاق خدمة »المصلحة القومية«.
وهكذا، فإن المعلق العسكري لصحيفة »يديعوت احرونوت« أليكس فيشمان، المعروف بعلاقاته مع المؤسسة العسكرية، يرى أن الجيش الإسرائيلي في اليوم السابع عشر للحرب يجد نفسه »داخل ما يسمى المرحلة الثالثة من الرصاص المسكوب. هذا لا يزال قابلا للتراجع ولكن العداد بات يعمل«. وأشار إلى أنه مثلما »كان عشية الدخول الى المرحلة البرية لم يصدق الناس بان هذا سيحصل وخاب ظنهم ـ هذا يحصل لنا ايضا الان. لا أحد من الثلاثية الرائدة للقيادة السياسية يريد ذلك حقا. ولكن الاحتمال في ان تعطى في غضون ايام الاشارة وتنطلق المرحلة الثالثة على الدرب، هو اكثر من ٥٠ في المئة. وهنا لم يعد يدور الحديث عن حملة. المرحلة الثالثة يمكن بالتأكيد أن تدخل في نطاق تعريف الحرب: الاهداف باتت اكثر اتساعا، وكذا زمن القتال بات اقل تحديدا. من شأن هذا ان يستغرق الكثير من الوقت«.
وأوضح فيشمان أن »كل ما رأيناه حتى الان في حملة الرصاص المسكوب سيكون لعب اطفال في مقابل ما ينتظرنا وينتظر الفلسطينيين في المرحلة الثالثة. اذا ما خرجت هذه الى حيز التنفيذ بالفعل، فان الجيش الاسرائيلي سيدخل، بقوة هائلة، مع عشرات الاف الجنود الى داخل لباب السكان الفلسطينيين في القطاع. ولن تكون هذه بعد ذلك هجمات في الهوامش من البر والتدمير من الجو. هنا يدور الحديث عن فرق مدرعة لن تترك حجرا على حجر في طريقها الى داخل مخيمات اللاجئين والى قلب المدن الاكثر اكتظاظا في العالم«.
وبدا أن الزج بألوف الجنود الاحتياط في الحرب ضد غزة والإعلان عن ذلك، ليس سوى حلقة من سلسلة حلقات هذه الحرب. وأشار معلقون عسكريون أشد موضوعية إلى أن إدراج القوات الاحتياطية في الفعل الحربي يرمز إلى الرغبة في الإيحاء بأن المرحلة الثالثة آتية رغم أن البعد النفسي في هذه الخطوة غير خاف. ويمكن القول أن كل وسائل الإعلام الإسرائيلية تتحدث عن أن قيادة الجبهة الجنوبية تواصل استعدادها لتنفيذ المرحلة الثالثة التي لم تتقرر بعد. وقد تكرر في الأيام الأخيرة الحديث عن قرب الحسم بشأنها، لكن يبدو أن المستوى السياسي يفضل في كل مرة تأجيل اتخاذ القرار وحصر أداء الجيش في تضييق الخناق على حماس والمقاومة في غزة.
وبحسب »هآرتس«، فإن »السجال يحتدم بين رئيس الوزراء ايهود اولمرت ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني وايهود باراك في مسألة استمرار الحملة في غزة: باراك وليفني، كلاهما عضوان في محفل »الثلاثية« الذي انعقد أمس، في بحث آخر في هذا الموضوع يعتقدان بان على اسرائيل ان تنهي الحملة في اقرب وقت ممكن. اغلب الظن، انه لهذا السبب اولمرت معني بان يطرح البحث في توسيع الحملة على جلسة المجلس الوزاري، حيث تحظى الخطوة بتأييد الغالبية«. ليس واضحا اذا اصطدم ليفني وباراك مع اولمرت في هذا الشأن في جلسة أمس. موعد جلسة المجلس الوزاري لم يتقرر بعد، ولكن يحتمل أن تنعقد اليوم.
ليفني تدعي بان استمرار الحملة من شأنه أن يمس بانجازاتها حتى الان ولا سيما في كل ما يتعلق بالردع. اما باراك، فيتحفظ من دخول بري الى عمق المنطقة المدنية ويعتقد بانه يجب الاكتفاء بالعمليات التي نفذت حتى الان. في محيط اولمرت، يشددون على أن غالبية الوزراء ورؤساء جهاز الامن يؤيدون موقفه بوجوب مواصلة الحملة، بل ان بعضهم يؤيدون توسيعها.
واشار مقربو اولمرت الى انه بالنسبة لموقف ليفني، والذي يقول انه يجب انهاء الحملة فورا من دون تسوية وعلى اساس الردع، فان ايا من وزراء المجلس الوزاري لا يؤيده. وبحسب هذه المصادر، فان عددا محدودا من وزراء العمل يؤيد موقف باراك الداعي الى التوصل الى تسوية مع حماس. محيط اولمرت يقول ان »الحملة ستستمر حتى تحقيق اهدافها... من لديه اي سبيل او حل آخر، فأهلا وسهلا«.
وفي »هآرتس«، رأى الكاتبان عاموس هارئيل وآفي يسخروف أن »الزحف المنهجي الى الداخل، وهنا أيضا لا يدور الحديث عن المرة الاولى، يتأثر بالتقديرات الاستخباراتية. احد ما، ويمكن الافتراض بان للاستخبارات يدا في ذلك، زرع لدى الوزراء فكرة ان المطلوب فقط جهد صغير آخر لتحطيم حماس واخضاعها. هذا سيناريو آخر معروف مسبقا، ونهايته ستكون السيطرة ايضا على المناطق التي وجدت الحكومة صعوبة في أن تصدق بان الجيش الاسرائيلي سيتعمق حتى يصل اليها قبل اسبوع. كما انه ينبع ايضا من تشويش معين بالنسبة لوضع حماس. ليس فقط الحقائق غير واضحة، التعريفات غير واضحة ايضا. عندما يقولون ان حماس معنية بوقف النار، فليس المقصود بالضرورة أنها توشك على الانهيار. المنظمة مستعدة لوقف النار، ولكن لا تزال مستعدة لذلك بشروطها. على الاقل أمس، كان يبدو أنها مستعدة لان تواصل القتال اذا لم يؤخذ بشروطها«.
وأوضح الكاتبان أن »اسرائيل، من جهتها، تواصل تشديد الضغط. يحتمل ان يكون التأخير في سفر الجنرال احتياط عاموس جلعاد الى القاهرة ينبع من الاحساس بان المزيد من الانجازات على الارض ستحسن قدرة المساومة السياسية. مسألة التهريب لا تزال في بؤرة المداولات. اسرائيل يمكنها أن تضغط على حماس وعلى مصر من خلال اخافة السكان. في حملة تصفية الحساب في لبنان في العام ١٩٩٣ هرّبت ٢٤ الف قذيفة اطلقها الجيش الاسرائيلي ٣٠٠ الف لبناني من الجنوب باتجاه بيروت. ورئيس الاركان في تلك الحملة كان اسمه ايهود باراك«.
أما الجنرال احتياط شلومو غازيت، فكتب في »معاريف« أن عملية »الرصاص المسكوب« ترمي بمراحلها الاربع الى احراز هدف واحد هو واقع أمني جديد في منطقة الجنوب. وبكلمات اسهل واوضح: تمكين سكان الجنوب من العيش بلا خوف من اطلاق الصواريخ التي تطلق عليهم من داخل قطاع غزة«. وأوضح أن ذلك ممكن »بطريقتين أو ـ على مرحلتين ـ اولا القضاء على الدافع الفلسطيني لمواجهة اسرائيل والجيش الاسرائيلي، وثانيا ـ اذا لم يبطل الدافع ـ سد انابيب تزويد القطاع بالوسائل القتالية، لمنع مجرد القدرة على استعمال النار علينا«.
واعتبر غازيت الذي سبق له أن ترأس شعبة الاستخبارات العسكرية، أنه »تم احراز الهدف الاول بحسب جميع الاراء. لا ينبغي أن نتوقع راية بيضاء وتصريحات دراماتيكية لقيادة حماس تعبر عن ندم لسياسة اطلاقها الصواريخ وتلتزم الهدوء«. ويرى أن اسرائيل اعادت بناء قوة ردعها، وقد فعلت ذلك الضربة الابتدائية لسلاح الجو في يوم السبت ٢٧ كانون الاول. »ان زرع الدمار في جميع انحاء القطاع شهادة لا لبس فيها على أنه لا ينبغي لهم أن يعودوا الى التحرش باسرائيل«.
ويقول غازيت أن »اسرائيل غير مستعدة للاكتفاء بذلك. فهي لا يكفيها نطاق اعادة بناء الردع بل تريد ان تضيف اليه ايضا »الابزيم«. تريد اسرائيل التحقق من الا يسقط السروال فضلا عن ان يستطيع السقوط. وطريقة احراز ذلك، السد التام لانابيب التزويد بالوسائل القتالية من سيناء«. ويؤكد أن الحصول على الإبزيم يتطلب »انشاء واقع عسكري جديد على حدود سيناء ـ هي سيطرة الجيش الاسرائيلي على كامل الشريط الحدودي للقطاع مع سيناء ومع مصر، سيطرة تضمن سدا فعالا تحت مسؤولية اسرائيلية. يجب ان تكون هذا المرحلة النهائية البرية للجيش الاسرائيلي، ويجب أن يكون الوضع الذي يفضي الى محادثة سياسية مختلفة، واشتراط خروج الجيش الاسرائيلي من هذه المنطقة بسد حقيقي لانبوب التهريب. هكذا فقط«.

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...