الأزمة اللبنانية - الإسرائيلية : إلى أين ؟
الجمل: في عام 1982م، عندما كان ارييل شارون يتفقد قواته، التي كانت تحتل آراضي لبنان، كان يحدث جنوده وضباطه باستمرار عن الآثار القديمة الموجودة في لبنان، والمدن التاريخية القديمة مثل صور، وصيدا، والدامور، مشدداً بإصرار على عبرانية هويتها التاريخية.
عندما يتحدث روماني أو إغريقي، عن الآثار الرومانية أو الإغريقية في الأماكن التي امتدت إليها امبراطورياتهم الغابرة، فهذا أمر تاريخي.. ولكن عندما يتحدث صهيوني عن آثار عبرانية تاريخية قديمة، فالأمر في هذه الحالة مختلف، ويجب أخذه محمل الجد، وبالتالي، فإن الإشارة واضحة في حديث شارون لجنوده، أي شارون يريد أن يقول لجنود الاحتلال الإسرائيلي: إن الأرض هي جزء من وطننا، الذي خصصه ومنحه الرب (يهوه) لشعب الله المختار.. وبالتالي فأنتم في أرضكم.. بدليل الآثار والمدن التي بناها أجدادكم.. مثل (صيدون) – يقصد صيدا –
مالا يفهمه الكثيرون في العالم العربي – مثل جماعات كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة، وحراس الأرز- أن المشروع الصهيوني الإسرائيلي، هو مشروع تاريخي أسطوري لا مجال فيه لاجتهادات العلم، أو القانون ، أو علم العلاقات الدولية والدبلوماسية، وبالتالي، فإن هناك حقيقة واحدة تتمثل في أن الدبابات والطائرات التي تنطلق من داخل إسرائيل لضرب لبنان، لا تتحرك وفقاً لاعتبارات الأسس المنطقية والفعلية لعلم الحرب والقانون الدولي، مثل حق الدفاع عن النفس، حماية أمن إسرائيل، .. وغيرها. من الأسس والقواعد العلمية والقانونية التي لو كان الإسرائيليون يعترفون بها ويحترمونها، لما كانت إسرائيل بالأساس موجودة..
إذاً، الدبابات والطائرات الإسرائيلية التي تنطلق إزاء لبنان، لا يحركها العقل، بل تحركها أسطورة أرض الميعاد، التي تمتد من (النيل إلى الفرات) ولسوء حظ لبنان واللبنانيين أنهم يقعون ضمن هذه الأرض، وبالتالي فإن احتلال هذه الأرض – بما فيها لبنان – هو أمر ظلت كل الحكومات الإسرائيلية تخطط له وتعمل على تنفيذه، والشاهد على ذلك الأداء السلوكي الإسرائيلي الفعلي على أرض لبنان..
المطالب الإسرائيلية، التي تم التعبير عنها أمريكياً في الفترة الأخيرة كانت تتمثل في الآتي:
• خروج قوات الجيش العربي السوري من لبنان
• نزع سلاح حزب الله
• نزع سلاح المقاومة الفلسطينية
إن هذه المطالب، مهما حاولت نخبة (تيار المستقبل) و(ثوار الأرز) إيجاد التبريرات لها، فإنها على أساس الاعتبارات الاستراتيجية و الجيوبوليتكية تشير إلى حقيقة واحدة، لا بديل لها، إلا إذا كان العلم الاستراتيجي الذي يدرس في كل أكاديميات العالم، هو علم يقوم على أسس معرفية خاطئة.. وبالتالي إن صحت أطروحات المستقبليين والأرزيين، فإن ثورة جديدة سوف تحدث في العلم الاستراتيجي: وعلى أية حال: الحقيقة الواحدة هي: تجريد لبنان واللبنانيين من أي وسيلة للدفاع عن النفس والوطن والمال والعرض، بما يمهد المسرح.. لاحتلال إسرائيلي عسكري للأراضي اللبنانية، سوف يكون هذه المرة نهائياً و(كامل الدسم).
إن المخطط الإسرائيلي من أجل تجريد لبنان من سلاحه، أصبح أكثر وضوحاً، وتشترك فيه أطراف كثيرة، فبالإضافة للأطراف اللبنانية الداخلية، التي ظلت ناشطة خلال الفترة السابقة في التردد على محور باريس، لندن، واشنطن هناك أيضاً أطراف خارجية، دولية وإقليمية.. وربما عربية...
من أبرز العمليات التي لجأت إليها( قوى صنع الأزمة اللبنانية)، استخدام عمليات القتل المنظم، كمحفز لرفع وتائر ضغوط الأزمة اللبنانية، بما يؤدي إلى المزيد من العداء لسوريا، مع العمل في الوقت نفسه – بشتى الوسائل اللاأخلاقية - إلى تزوير الحقائق واتهامها.. وكانت محاولة المحقق ميليس القيام بعملية (تركيب) الأدلة ضد سوريا بمساعدة نخبة من (المستقبليين والأرزيين) واحدة من أفضل المحاولات الفاشلة دراماتيكياً..
الآن بعد خروج الجيش العربي السوري من لبنان، واغتيال الموساد لبعض الرموز اللبنانية، وانفضاح أمر المحقق ميليس، وسيطرة المستقبليين والأرزيين على الحكومة، يمكن القول، بأن لبنان قد أصبح مفتوحاً أمام السيناريو الآتي:
• فشل مؤتمر الحوار والتفاهم الوطني بسبب لا منطقية ولا معقولية حلفاء خط باريس – لندن – واشنطن (لن نقول تل أبيب باعتبارها حرف علة منع من ظهوره للتعذر) .
• باستثناء حزب الله الذي يحمل السلاح دفاعاً عن الوطن، فسوف تظهر المليشيات الأخرى (والتي هي بالأساس موجودة وتزودها بالسلاح والعتاد الأطراف الغربية التي ظلت تطالب بنزع سلاح حزب الله) وتحديداً سوف تعمل على إثارة النعرات الطائفية والعدوانية الأهلية – وذلك تحقيقاً للهدف الإسرائيلي – الأمريكي – الفرنسي، وهو إدخال لبنان إلى دائرة الفوضى الخلاقة..
• لن يتم تقديم مساعدات عربية إلى لبنان.. لأن الحرمان من الدعم الاقتصادي سيؤدي إلى تصعيد ضغوط الأزمة في كافة مساراتها الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية..
إن هذه ، ليست المرة الأولى ، التي يتم فيها ، اختطاف جنود إسرائيليين بواسطة حزب الله، وبالتالي على خلفية الاجتياح العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة حالياً، يمكن القول، بأن التصعيد الراهن، قد لا يتطور باتجاه الاجتياح والغزو الواسع النطاق، ولكنه بالتأكيد يمثل خطوة تكتيكية ضمن مسلسل الخطوات الإسرائيلية الرامية إلى المخطط الأكبر..
إن اللجوء لواشنطن وبريطانيا .. وفرنسا، لن يجدي نفعاً في التعامل مع إسرائيل، لأن الاتفاق الاستراتيجي الأمريكي – الإسرائيلي ينص بوضوح على أن لا تقوم الإدارة الأمريكية بأي شيء في الشرق الأوسط دون مشورة الحكومة الإسرائيلية وأخذ موافقتها المسبقة...
لذلك، مهما حاولت نخبة (المستقبل – الأرز) اللجوء إلى أمريكا وبريطانيا فلا جدوى، وحتى فرنسا.. عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فهي بدورها لن تتردد في التخلي عن أخلص حلفائها اللبنانيين.. والذين ظلوا يهيمون بمحبة باريس.. أكثر من محبتهم لـ (حليب أمهاتهم) .
الجمل: قسم الترجمة والدراسات
إضافة تعليق جديد