عمر الخيام: ترجمة جديدة

12-11-2008

عمر الخيام: ترجمة جديدة

عمر الخيام شخصية محيرة ومتعددة الوجوه، فهو فيلسوف وطبيب وأديب وشاعر وموسيقي وفقيه ورياضي وفلكي. لكننا، على شهرته الكبيرة جــداً، لم يصلنا منه غير وجه الشاعر فحسب. ولا أبالغ إذا قلت انه لولا الرباعيات التي غنتها أم كلـثوم (ترجــمة أحمد رامي وألحان رياض السنباطي) لما عرف العرب الكثير من عمر الخيام، مع ان العرب أنفسهم ترجموا الرباعيات نحواً من أربعين ترجمة.
كان الشاعر اللبناني وديع البستاني أول من ترجم الرباعيات من الانكليزية الى العربية في سنة ،١٩١٢ فجاءت معانيها ومبانيها بعيدة الى حد كبير عن الأصل. لكن أحمد رامي كان أول شاعر عربي ترجم الرباعيات من الفارسية مباشرة في سنة .١٩٢٤ وفي هذه الترجمة تغلبت جماليات اللغة وألاعيب الشاعر على دقة المترجم، فتصرف بها كما شاء من التبديل والتغيير.
لم يتفق الدارسون، حتى الآن، على العدد الأصلي للرباعيات، فيذكر »ويل ديورانت« في كتابه الموسوعي »قصة الحضارة« ان هناك ١٢٠٠ رباعية منسوبة الى الخيام. بينما رأى الايراني صادق هدايت ان عددها لا يربو على ١٣٤ رباعية ترجمها بنفسه الى الفرنسية.
ويرى بعض الباحثين مثل الروسي »شيكوفسكي« ان الكثير من الرباعيات المنسوبة الى الخيام وجدت في دواوين شعراء آخرين أمثال فريد الدين العطار وحافظ الشيرازي وجلال الدين الرومي والفردوسي وأنوري وغيرهم، الأمر الذي يدل على عدم انتسابها تماماً الى الخيام.
مهما يكن الأمر، فإن هذا الاختلاف في عدد الرباعيات يذكرنا بالاختلاف على عدد الأحاديث النبوية، وهو يدل على مدى الشغف الذي تمكن من الشعراء والباحثين حيال الرباعيات. ولان هذه الرباعيات لم تسلس قيادها لمترجم واحد محدد، فقد تبارى الكثيرون في هذا الميدان حتى بلغ عدد الترجمات أكثر من اربعين ترجمة (البعض يرفعها الى ٦٠)، وبينها واحدة ترجمت الى اللغة المحكية المصرية (حسين رياض ـ ١٩٤٤)، وأخرى الى المحكية اللبنانية (آرثر ضو). على ان واحدة من أدق الترجمات التي بين أيدينا هي التي توفر عليها الشاعر الاماراتي محمد صــالح القرق فنقلها منظومة من الفارسية الى العربية، وصدرت مؤخراً في بيروت.
الترجمة الجديدة
بدأ محمد صالح القرق ترجمة الرباعيات في سنة ،١٩٩٦ وقد تمكن من نقل ٢٠٠ رباعية بعد جهد ومعاناة صرفهما في التمحيص والتقليب والجرح والتعديل والانتقاء، ونشرها في كتاب فاخر وأنيق (دار المناهل، بيروت: ٢٠٠٨). وهذا الكتاب ليس تكراراً لما سبقه من الكتب التي تضمنت الرباعيات، بل يتميز بأن الشاعر المترجم قد اثبت في الصفحة نفسها الرباعية الفارسية الى جانب ترجمتها الى العربية والانكليزية والفرنسية، مع ذكر اسماء المترجمين الى الفرنسية والانكليزية. أي ان هذا الكتاب (٢٨٨ صفحة من القطع الفني الكبير) متعدد اللغات: فارسي وعربي وانكليزي وفرنسي. وقد تم تزيين الكتاب برسوم منتقاة من الفنون العربية القديمة، علاوة على صور أربعين شخصاً ممن ترجموا الرباعيات من العرب والأجانب.
للكتاب ثلاث مقدمات: المقدمة العربية كتبها يوسف بكار، والمقدمة الانكليزية كتبها حسين صادقي، والمقدمة الفرنسية كتبها أبو القاسم اعتصام زادة، مع تصدير بقلم الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان. وهذه الترجمة هي آخر الترجمات العربية التي يزيد عددها على الستين بحسب يوسف بكار، وثالث أطول ترجمة بعد ترجمة العراقي عبد الحق فاضل (٣٨١ رباعية)، وترجمة أحمد الصافي النجفي (٣٥١ رباعية)، وهي ثالث ترجمة خليجية بعد ترجمة ابراهيم العريض (١٥٢ رباعية) وترجمة السعودي محمد حسن عواد. وللعلم فإن أحمد الصافي النجفي امضى ثلاث سنوات حتى تمكن من ترجمة ٣٥١ رباعية شعراً من الفــارسية مباشرة. أما عبد الحق فاضــل فـقد صرف الكثير من الوقت في انقرة سنة ١٩٥٢ حتى يترجم ٣٨١ رباعية (وفي مصادر اخرى ٣٧٤). وجاءت هذه الترجمة أمينة تماماً، لكن ما كان ينقصـها هو جزالة اللفظ العربي والغــنائية الفــواحة في شعر عمر الخــيام. أما الشاعر البحريني ابراهيم العريض فترجم، اول مرة، في سنة ١٩٦٦ نحو ١٥٢ رباعية، ثم أعاد النظر فيها ونشرها في سنة ١٩٩٧ على البحر المتقارب، وجاءت قريبة من روح الخيام ومعانيه، وإن لم تكن مطابقة تماما للأصـل الفارسي. ونتوقع لهذه الترجمة الجديدة للشاعر محمد صالح القرق ان تكون لها فائدة مزدوجة: متعة مقارنة النصوص باللغات الاربع، ودقة الترجمة مع جمالية اللغة، فإن آخر ترجمة يجب ان تستفيد من جميع الترجمات السابقة، وهذا أمر بدهي.

صقر أبو فخر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...