من بيروت ديفيد ولش يتآمر على سورية
ما إن أعلن عن وصول مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش الى بيروت، حتى كرّت سبحة التساؤلات عن «سر» هذه الزيارة المفاجئة بتوقيتها ومضمونها، خاصة في ظل حالة المراوحة القائمة وعدم قدرة هذه الزيارة، أو غيرها، في تعديل صورة «الفراغ» السياسي القائم.
وبمعزل عن الوقاحة والصلافة التي «ميّزت» تصريحات ولش، أو مناسبة الزيارة المعلنة، لجهة المشاركة، اليوم، في احتفال الذكرى الخامسة والعشرين لحادثة تفجير السفارة الأميركية في بيروت، فإن بعض المراقبين وضعوا الزيارة «العاجلة» في سياق هجوم دبلوماسي أميركي في المنطقة عشية زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش في منتصف أيار المقبل، من أجل مشاركة الإسرائيليين احتفالاتهم بالذكرى الستين لاغتصابهم فلسطين وتهجير شعبها... وقبلها زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس الى الكويت في الأسبوع المقبل، فيما يرابط ستيفن هادلي مستشار بوش لشؤون الأمن القومي في الأراضي الفلسطينية المحتلة!
وفيما كان قادة الأكثرية يتلقفون نوعا كهذا من الزيارات الأميركية، سابقا، بطريقة احتفالية، فإن زيارة أمس، بدت شبيهة بتلك التي تقررت على وجه السرعة، بعد اجتماع باريس مطلع العام الحالي، لمنع رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط من «التغريد خارج السرب»، علما أنه لم يكن قد مضى على مغادرة ولش لبيروت، سوى ساعات قليلة... أما هذه المرة، فكان الهدف منها رفع معنويات كل فريق الأكثرية وهو ما عبّر عنه ولش أكثر من مرة في المأدبة المسائية في منزل جنبلاط بمخاطبته الحاضرين «نعم صحيح أن المعارضة قوية ولكن أنتم أقوى بدعمنا وعليكم الصمود والمجتمع الدولي سيكون دائما معكم».
وعندما سئل ولش عن ترجمة هذا الدعم الدولي وخاصة في اتجاه سوريا وإمكان فرض عقوبات عليها، بادر الى تغيير الموضوع، وقدم شرحا مسهبا حول ما أسماه «أسباب فشل القمة العربية في دمشق»!
وشرح ولش موقع لبنان الأساسي في السياسة الأميركية في المنطقة، مدللا أكثر من مرة على اهتمام بلاده، وكيف أنه في كل زياراته الدولية، كما باقي المسؤولين في الإدارة الأميركية، يكون لبنان نقطة دائمة على جدول الأعمال!
ولكن المفاجأة الأكبر للحاضرين تمثلت في مناشدة ولش المشاركين في عشاء كليمنصو، متابعة مبادرة «البيال»، الى درجة أن البعض غاب عن ذهنه أن الموضوع يتصل بالمؤتمر الذي عقدته قوى 14 آذار الشهر الماضي هناك، ورد عليه بعض الحاضرين وخاصة النائب جنبلاط «ماذا عن وعودكم بدعم الجيش وقوى الأمن الداخلي»؟
وهكذا بدت الزيارة الأميركية من نوع «لزوم ما لا يلزم» كما وصفها أحد من التقوا ولش، فيما وصف مصدر وزاري بارز الزيارة بأنها «زيارة مساندة كلامية»، وقال إن كلام المسؤول الأميركي «التطميني»، خاصة في موضوع المحكمة الدولية، «جاء من خارج الموضوع الأصلي»!
وإذ أدرج البعض الزيارة في خانة إعادة تلميع صورة الموقف الأميركي، خاصة بعد الكلام الذي نسب مؤخرا لوزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس في موضوع تثبيت الفراغ والتلويح بالتمديد للمجلس النيابي الحالي اذا لم يتم اعتماد قانون الألفين، فإن تصريح ولش من السرايا الكبيرة أزال كل التباس حول الموقف الأميركي، وخاصة من مبادرة الرئيس نبيه بري الحوارية، (عشية الموعــد الذي كان مقترحا لبدء الحوار) حــيث بدا متقدما عن الموقفـين السعــودي والمصري وعن موقــف معــظم أركان الأكثرية ليس حول أولويــة انتخاب رئيس الجـمهورية، بل في ما يتعلق بما بعد انتـخاب الرئيس، عبر دعوته الى احترام المؤسسات الدستورية «وعندما يعيد البرلمان فتح أبوابه ويتم انتخاب رئيس يستطيع هذا الأخير القيام باستشارات لتشكيل حكومة جديدة ويمكن عندها أن يكون هناك حوار ضمن المؤسسات الدستورية»، أي بعد تشكيل الحكومة.
وأعطى ولش بذلك تفسيرا جديدا للمبادرة العربية بمغادرته منطق السلة المتكاملة التي تنادي بها المعارضة، حيث قال اذا كان هدف المبادرة انتخاب الرئيس بأسرع وقت ومن دون شروط فنحن نؤيدها (...).
وحسنا فعل الدبلوماسي الأميركي بأن اختار موعد زيارته عشية الموعد الذي كان قد اقترحه الرئيس بري للحوار من اليوم وحتى الحادي والعشرين من الجاري، حيث قدم جوابا واضحا كان الرئيس بري طلبه من القائمة بالأعمال الأميركية ميشال سيسون حول موقف بلادها من دعوته للحوار. وقال بري ليل أمس معلقا على نتائج محادثاته مع المســؤول الأميركي إن الحل في يد اللبنانيين «وأنا صرت على يقين أن لا احد يحك جلدك سوى ظفرك.. لا شرقا ولا غربا».
وكان ولش قد التقى فور وصوله الى بيروت بفريق الأمانة العامة لقوى الأكثرية في منزل منسقها النائب السابق فارس سعيد، حيث تسلم منهم مذكرة سياسية، واستمع على مدى ساعتين الى لائحة مطالبهم. وأكدت مصادر المجتمعين ان ولش «كان مستمعا أكثر منه متكلما»، ما خلا سؤاله عن «التطور الحاصل داخل قوى 14 آذار وعن إنشاء الأمانة العامة ومضمون المؤتمــر الأخير في البيال»، قبل ان يســتمع للحاضرين الذين طالبوه «بضرورة أن تمارس واشنطن ضغوطا حقيقية على سوريا لحل الأزمة اللبنانية».
ولفت احد المشاركين الانتباه في الاجتماع «أن الغائب الاكبر كان «حزب الله» فلم يتطرق احد الى موضوعه ولا الى سلاحه او دوره وتركز كل الحديث عن سوريا ودورها الأساسي في الأزمة اللبنانية».
وتوجه ولش بعد ذلك الى السرايا الكبيرة واجتمع برئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي شدد على التمسك بالمبادرة العربية باعتبارها «الورقة الجدية المطروحة على طاولة البحث»، وأكد على أهمية أن تنصب الجهود لانتخاب رئيس للجمهورية، مشددا على ضرورة التمسك باتفاق الطائف.
وكان لافتا للانتباه أن ولش شنّ في معظم اللــقاءات وخاصة مع قوى الأكثرية انتقادات حادة ضد رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون وعبر في تصريحه العلني في السرايا عن قلق بلاده من «كون بعض الذين خضعوا لتأثير من الخارج (ميشال عون) قاموا بخطوات لتوقيف المسار السيادي لتسهيل أهدافهم الخاصة مهما كانت هذه الأهداف وأهداف حلفائهم»!
وأعلن دعم بلاده للحكومة الشرعية ورئيسها، ودعا الى إعادة فتح أبواب البرلمــان وانتخاب رئيس «يستطيع القيام باستشارات لتشــكيل حكومة جديدة ويمكن عندها أن يكون هناك حوار ضمن المؤسسات الدستورية».
وزار ولش بعـد ذلك مقــر الرئاسة الثانية في عيــن التينـة واجتمع بالرئيس بــري على مدى أكثر من ساعة، وشدد على أولوية انتخاب رئـيس الجــمهورية إلا أن ما لفــت الانتـباه هو أن ولش وخلافا لزياراته السابقة، بادر الى الإشادة ببري و«بموقعه القيادي والوطني».
ورد بري على مقولة إقفال المجلس وقال مخاطبا ولش «ثمة طريــقة واحــدة يمكن أن يذهب من خلالها النــواب الى مجلس النواب وهي تطبــيق المبادرة العربية وبالسلة الواحــدة التي نصت علـيها». وأشــار بري إلى أن «من يظن انه قد يستـطيع أن يحصّل شيئا خــارج إطــار الحوار، هو واهم. هذا كمن يلحس المبرد».
وخلال الحديث، توجه بري الى ولش قائــلا «لقد اصحب عندي إيمان قاطع ان ليس ما يفيد اللبنانيين، إلا أنفسهم وحدهم. وهنا أيد ولش كلام رئيس المجلس، فعقب بري قائلا «إذا كنت تعــتبر ما أقوله جيدا.. ساعد في هذا الاتجاه»... غير أن تصريح ولش خارج قاعة الاجتماع قدم كل المبررات الموجبة لعدم الحوار بيــن اللبنانيين، وقال «لقد جربنا الحــوار لسنوات عديدة وإن الوقت الآن لأخذ القرارات»!
وختم ولش زيارته بلقاء النائب جنبلاط وتلبــيته مأدبة عشاء أقامها على شــرفه في كليمنصو بحضور عدد من قيــادات الرابع عشــر من آذار، ومن المــقرر أن يزور اليوم بكركي، فضـلا عن مشاركته في احتفال السفارة الأميركية.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد