عصابات مسلحة تسطو على أنابيب النفط ما بين حمص وعدرا
بالقرب من منطقة الضمير وعلى بعد 400 متر عن خط أنابيب نقل المازوت والبنزين المتجه من حمص إلى عدرا كانت تقوم غرفة صغيرة ليس فيه أي شيء باستثناء رائحة المازوت التي أغرت عناصر دورية خاصة من بينهم مهندسون من شركة محروقات.
والذين لم يجدوا وبعدما فتشوا الغرفة شبرا شبرا سوى حفر أرضيتها ليجدوا خرطوم بلاستيك مطمور بالتربة وموصول بأحد أنابيب النفط عبر مقمط (عبارة عن رباط معدني مزود بحنفية)، حيث كان الأشخاص المتهمين يقومون ليلا بسرقة المازوت عبر طرف الخرطوم الموجود داخل الغرفة ليعودوا وبعد الانتهاء من تعبئة سياراتهم بطمره من جديد...
في موازاة تطور فنون و أساليب عمليات تهريب مادة المازوت من سورية باتجاه دول الجوار والاهتمام الرسمي والإعلامي بالظاهرة التي أعلنت الحكومة أنها غير قادرة على ضبطها، كانت جريمة أخرى أشد قذارة وبشاعة تجري بعيدا عن الاهتمام...
والمشكلة في ظاهرة سرقة خطوط أنابيب النفط والتعدي عليها والتي وصفها مدير شركة محروقات عبد الله خطاب بـ «المقلقة جدا» أنها تنتشر وتتطور كما ونوعا ففي آخر معلومة حصلت عليها «تشرين» فقد تم على سبيل المثال تسجيل ثلاث حالات سرقة في يوم واحد هو 24/2/2008، كما أن علاجها لا يكون هذه المرة برفع سعر المحروقات...
و السرقة التي تجري لا تتم من أجل 500 ليتر أو 1000 ليتر بل من أجل كميات كبيرة يجري بيعها للمهربين أو تهريبها مباشرة للدول المجاورة...
تمتلك الشركة العامة لتوزيع المشتقات النفطية «محروقات» شبكة من خطوط الأنابيب المخصصة لنقل مادتي البنزين والمازوت يبلغ طولها نحو 1000 كم و بأقطار مختلفة من 6 إنش حتى 20 إنش، و يعود تاريخ إحداثها لسنوات مختلفة، فبعضها يعود للستينيات و آخر للسبعينيات وبعضها حديث لما بعد العام 2000 وعلى ذلك ونتيجة إهمال الوحدات الإدارية طيلة العقود السابقة و ضعف إمكانات شركة محروقات تعرضت هذه الخطوط لأشكال مختلفة من التعديات بدأت بالمخالفات على حرم الخطوط بالبناء والزراعة وسرقة بعض الأجزاء المهمة منها وصولا إلى تعديات الوقت الراهن المتمثلة بثقبها وسرقة المشتقات النفطية الموجودة فيها...
يحدد مدير عام شركة المحروقات السيد عبد الله خطاب بؤرة المشكلة ومصدر القلق والسرقة بالمقطع الممتد من مصفاة حمص إلى عدرا و الذي يبلغ طوله نحو 175 كم يتضمن أنبوبي نقل المازوت والبنزين والمارين بنحو 17 منطقة وقرية حيث يعتبر أكثر من ثلثي المسار منطقة صحراوية مقفرة وكثيرة المسالك و لا يمكن السير على الطريق الترابي الذي يخدم المسار بسرعة تزيد على 20 كم/سا، ولهذا تنشط عمليات ثقب الأنابيب وسرقتها، إذ يؤكد مدير فرع محروقات حمص المهندس محمد تمام السباعي في كتاب لمحافظ حمص إن التعدي على خطي المازوت والبنزين العادي يتم من قبل عصابات من اللصوص الذين يقومون بثقب الخطوط وسحب المادة بحيث تبقى وصلات موصولة مع الخط ومغطاة ومموهة بشكل يصعب اكتشافها، ويبدو أن هناك العديد من العصابات نظرا لاستخدام طرق مختلفة للوصول مع الخط بين منطقة و أخرى وهي عصابات مسلحة وتعمل ليلا...
و يضيف « وقد قامت شركة محروقات بتركيب عدادات بترولية عند بداية الخطوط من حمص وعند نهايتها في عدرا، وتتم مراقبة هذه العدادات بشكل دائم لمعرفة أي تغير في التدفق، كما تستخدم أجهزة قياس الضغط عند بداية ونهاية الخط لتحديد وجود أي تسرب أو محاولة سرقة، وبذلك يتم تحديد وقت بدء عملية السرقة من الخط دون إمكانية تحديد مكان الاعتداء على المسار الذي يبلغ حوالي 175 كم والخط مطمور على عمق حوالي 1 متر..».
وهذا الكلام يؤكده خطاب بقوله «عندما تجري عملية تعد على أي من الخطين يعرف به عناصرنا فورا من خلال مقاييس التدفق والضغط في محطة النهاية بعدرا دون أن نتمكن من تحديد في أي منطقة حدث ذلك التعدي لأن ذلك أمر في غاية الصعوبة فنحو 100 كم من المسافة التي تتعرض دوما للسرقة والبالغة 175 كم تقع في مناطق صحراوية وغير مأهولة ووعرة وخطرة ...».
بعكس ما قد يتوقعه البعض، فإن عملية سرقة أنابيب المشتقات النفطية تجري وفق طرق منظمة تحاول فتح المجال لتكرار السرقة من نفس المكان لمرات عديدة طالما أنه لم يكتشف، و تقوم العملية برمتها على تركيب ما يسمى بالمقمط (مصنع محليا من قطعتين ومركب عليه ثلاث صمامات و أنبوب 3/4بطول تقديري 75 سم للوصول إلى منسوب الأرض) الذي يطوق الأنبوب بإحكام ومن ثم يتم إدخال ريشة المثقب في أنبوب المفتاح، وبالتالي عند ثقب الأنبوب وخروج النفط يتم سحب الريشة ويتم إغلاق المفتاح وهكذا يصبح الخط جاهزا للسرقة...
و شيوع التعديات على خطوط النفط لا يقف عند دقة وتنظيم طريقة السرقة ، بل تمتد إلى الأشخاص الذين يقومون بالتعديات، فهم وفق ما تؤكده شركة محروقات عبارة عن عصابات مسلحة تمتلك آليات وسيارات حديثة (سياحية ـ بيك آب ـ صهاريج) ودون لوحات غالبا، وهذا ما تشير إليه الحوادث المكتشفة فمثلا فقد تضمن ضبط شركة مهين حول السرقة من أحد أنبوبي النفط في منطقة الحدث بتاريخ 6/6/2007 أن العصابات التي سرقت الأنبوب كانت تحت حماية عدد من الأفراد المدججين بالسلاح مع مجمعة سيارات، كما أنه وبتاريخ17/3/2007و أثناء قيام أحدى الدوريات المشتركة بجولة على مسار خطوط الأنابيب في المنطقة من مهين حتى روابي الطحين و أثناء مغيب الشمس تمت مشاهدة ثلاثة صهاريج دون لوحات وخزان معدني بسعة 3 آلاف ليتر موضوع على الأرض....الخ.
نصل إلى الأضرار الناجمة عن عمليات التعدي على خطوط نقل المشتقات النفطية، فإلى جانب الأضرار المادية المتمثلة بسرقة المشتقات النفطية تبرز مشكلة الهدر و التسرب الكبيرين التي تحصل عند ثقب الأنبوب و الخطورة الكبيرة الناجمة عن احتمال اشتعال الخطوط وحدوث انفجارات وهذا حصل كما يؤكد مدير محروقات حمص جزئيا عند اشتعال خط البنزين بمنطقة العاليات... فكيف سيكون الوضع عندما تنتشر السرقة والتعديات وتتحول إلى ظاهرة كبيرة في ظل تواضع إمكانات شركة محروقات وعدم تخصيص الحكومة لتجهيزات لوجستية بشرية وتقنية لحماية خطوط الأنابيب، و إكمالها بإصدار تشريع خاص يخصص لجرائم تهريب المشتقات النفطية لخارج البلاد و سرقة المشتقات النفطية من داخل البلاد، فإذا استمر الوضع على ما هو عليه فالخوف أن تتشجع تلك العصابات و تحاول سرقة «بيت المونة» أي المستودعات المعروفة للمشتقات النفطية....
تتراجع مختلف الاقتراحات التي تقدم لمكافحة هذه الظاهرة المقلقة والخطيرة لصالح العمل الرقابي المباشر، فالحديث عن الاستعانة بتجهيزات إلكترونية متطورة سيظل رهناً بمدى سلامتها من التخريب المقصود وغير المقصود، فالعصابة عندما تقرر ثقب أنبوب لن يمنعها وجود كاميرا يمكن أن تعطل بقص السلك الخاص بها.... وعندما تستخدم السلاح لتحقيق مآربها فلن تعوزها الحيلة ولا التخريب لتحطيم ما تراه عائقا. وفي كتاب خاص موجه لرئيس الوزراء يؤكد وزير النفط إن الوزارة حاولت وعلى مدار عامين مع أكثر من شركة تعمل في مجال الحماية باستخدام المعلوماتية أن تقدم للوزارة نظاماً لحماية خطوط الأنابيب وبحيث يتم معرفة زمن ومكان التعدي قبل تركيب أجهزة ومعدات السرقة ولكن لم يقدم لها أي نظام حماية بخصوص ذلك وعلمت الوزارة من إحدى الشركات العاملة في مجال الحماية الالكترونية أن هذه الأنظمة يمكن اختراقها بسهولة بحيث تعطي معلومات غير صحيحة أو أن هناك أنظمة توقف عمل هذه المنظومة، وبالتالي فالحل الذي أجمع عليه جميع المعنيين بالموضوع يتكون من عدة نقاط هي:
ـ تكليف وحدات من الشرطة والجهات الأمنية تكون مهمتها متابعة وضع الخطوط ونصب الكمائن في مواقع مختارة ومختلفة...
ـ استخدام المروحيات لحظة تأكيد شركة المحروقات حدوث اعتداء على احد خطوط نقل المازوت أو البنزين الأمر الذي من شأنه ضبط اللصوص بالجرم المشهود.
ـ توفير الإمكانات التقنية واللوجستية للجهات المعنية بدءا من شركة محروقات وانتهاء بالجهات التي ستكلف لحماية الخطوط من حيث التعويضات المناسبة و تأمين السيارات الحديثة ذات القدرة على العمل في المناطق الصحراوية.
ـ العمل على إصدار تشريع خاص بعقوبة سرقة خطوط أنابيب نقل المشتقات النفطية بحيث تكون العقوبة مشددة و يعمل على نشرها في الإعلام لتأكيد جدية الحكومة في قمع هذه الحالة الخطيرة، لاسيما أن وزارة النفط لا تعلم إلى الآن مصير اللصوص الذين تم ضبطهم وهم يسرقون الخطوط.
خلال محاولة محرر هذه المادة الوقوف على حجم سرقة خطوط الأنابيب وطبيعة ما يحدث حصل على حوادث تعود لما قبل عامين، وهذا ما يعني أن الظاهرة ليست حديثة....بمعنى أنها لم تعالج بل تركت لتتفاقم والدليل الحوادث التي تقع حاليا، لذلك ما نتمناه أن تسرع الحكومة باتخاذ إجراءات حاسمة بهذا الموضوع لكي لا تتحول إلى ما آل عليه وضع تهريب المشتقات النفطية لخارج القطر...
زياد غصن
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد