الفرقة السيمفونية السورية تحتاج إلى التفرغ والاستقلال والاستقرار
يحسبهم الناس يعيشون في عالم آخر. سيظن ذلك كل من يصادفهم أحيانا على شاشة التلفزيون السوري في برنامج «لغة النغم» الأسبوعي، أو من يتاح له حضور إحدى حفلاتهم. دائماً يحضرون ببذاتهم الرسمية الأنيقة وبهيئاتهم الوقورة... هذه المظاهر البراقة تحمل بعض المخادعة، فالعازفون في الفرقة السمفونية السورية ينالون قسطهم مما يثقل كاهل مجتمعهم. وأكثر من غيرهم، تصح عليهم النكتة السورية الشائعة: «سُئل طفل سوري ما الذي يحلم ان يكونه في المستقبل، فقال من دون تردد «خبير روسي».
فمنذ تأسيس الفرقة على يدي المايسترو الراحل صلحي الوادي عام 1993، وهي تضم مجموعة من الخبراء الروس (عددهم الآن عشرة خبراء) استقدموا للتدريس في المعهد العالي للموسيقى منذ افتتاحه أوائل السبعينات. حتى العازفون في الفرقة يحسون بوطأة الفروقات بينهم وبين زملائهم الروس. فالخبير يتقاضى ما يقارب خمسة أضعاف ما يحصل عليه العازف السوري، إضافة إلى تمتعه بامتيازات أخرى تتعلق بتحمل الدولة نفقات مسكنه وسفره وعائلته. وعندما نقول إن الخبير يتقاضى، وزميله السوري يحصل، فهذا محاولة لنقل واقع الحال بحرفيته!
فللفرقة وضع خاص، يجعلها لا تشبه غيرها من الفرق وهو مستمر منذ تأسيسها حتى الآن. ويشرح مدير الفرقة والعازف فيها وعميد المعهد العالي للموسيقى أثيل حمدان، انها «تتبع إداريا للمعهد العالي، كما أن مستحقاتها المالية تحصل عليها من موازنة المعهد».
ويقول قائد الفرقة المايسترو ميساك باغبودريان «الفرقة ليس لها مكان مستقل، ولا تنظم شؤونها إدارة متفرغة، وعدم استقلاليتها يؤثر على مستواها وامكان تطورها في تغطية واجباتها المحلية والخارجية... كما ان العازفين غير متفرغين لها».
وتضم الفرقة حوالى سبعين عازفاً، من خريجي المعهد العالي للموسيقى والدارسين في الخارج، إضافة إلى الخبراء وفريق الكورال.
وتحدد تبعية الفرقة للمعهد العالي للموسيقى، التابع بدوره لوزارة الثقافة، ظروف تدريباتها أيضاً. فمقرها هناك، وتتمرن في القاعة الوحيدة الموجودة فيه، والمخصصة أيضا لتدريبات طلابه. وعلى رغم وجود دار الأوبرا، على بعد أمتار قليلة إلا أن المسؤولين عنها يقولون إن برنامج العروض فيها، وما يقتضيه من استضافة تمرينات المدرجين عليه، يجعل اعطاء الفرقة السمفونية، إحدى قاعات الدار لتستخدمها في تمرينات منتظمة ومستمرة، متعذراً... ولا تحصل على ذلك إلا إذا كان مقرراً أن تحيي الفرقة حفلاً في دار الأوبرا.
وحول ذلك يعلق مدير الفرقة «لم يعد مهما صفة المكان، الأهم ان تحصل الفرقة على قاعة للتدريب المنتظم، سواء كانت في مسرح أو دار أوبرا أو مركز ثقافي...»، ويضيف أن الفرقة تحتاج، في الحدود الطبيعية، إلى إجراء خمسة تمارين أسبوعياً.
وتحيي الفرقة السمفونية نحو 12 حفلة محلية سنوياً، بحسب مديرها الذي يرى أن اهمية هذه الحفلات تنبع من «ضرورة تعريف الجمهور المحلي بالأعمال الموسيقية العالمية». ويتركز معظم هذا النشاط في دمشق، فيما محافظات سورية عديدة لم تعزف فيها الفرقة إطلاقاً».
وخلال المشاركات الخارجية، قدمت الـفـــرقـــة مقطوعات مكتوبة لآلات شرقية بمصاحبـــة الأوركسترا. مثل آلات الناي والعـــود والقانون. ومما ميّز الفرقة أيضاً أنها قدمت مجموعة أعمال لفيفالدي، بعد ان استبدلت آلة القانون بالكمان، ويعقب قائد الفرقة باغبودريان بأن هذه التجربة «لقيت ترحيباً واسعاً عندما قدمناها العام الماضي في إيطاليا».
ويقول المسؤولون في الفرقة إنها صارت «تلقى دعماً كبيراً» من القيادة السياسية، فكما يروي حمدان «أهدانا السيد رئيس الجمهورية منزلاً (في منطقة يعفور التي تشكل تجمعاً لبيوت الدبلوماسيين والسفراء) كي يكون بمثابة مقر لنا، كما وجه بشراء آلات موسيقية جديدة وهي في طريقها إلينا».
ويعتبر حمدان ذلك دليلاً على «المكانة الجيدة» التي حققتها الفرقة. وفي ما يتعلق بالجمهور المحلي يورد ملاحظة مفادها أن «الجمهور كان سابقاً يصفق بين القطع الموسيقية، وكيفما اتفق، واما الآن فيصفق في المكان المناسب»، معتبراً أن ذلك يدل على «ازدياد عدد المهتمين بالموسيقى الكلاسيكية، وأن ثقافتها صارت أكثر انتشاراً في المجتمع».
وتشير إدارة الفرقة إلى المكانة «المتميزة» التي حققتها على المستوى العربي، ويدللون على ذلك بالقول إن بلاسيدو دومينغو، وهو واحد من أشهر مغني التينور في العالم، اختار مع قائد الاوركسترا الخاص به أن تصاحبه الفرقة السمفونية السورية خلال الحفلات التي أقامها في دولة الامارات العربية.
لكن هذه المكانة، وكما يمكن لأي مراقب أن يلاحظ، مهددة بسبب العوائق المادية. والمسؤولون عن الفرقة أنفسهم يقولون إن «هناك طاقة محددة لقدرة العازف على التضحية قبل أن يغادر، فالاستقرار والطموح المادي لا يمكن التغاضي عنها».
وسيم إبراهيم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد