"الجاز" في سورية.. نموذج حداثي يفتح أبواب التأليف والمزج والتصرف
يقول الموسيقار اللبناني زياد الرحباني وهو أهم الأسماء العربية التي عملت في موسيقا الجاز انه ليس هناك جاز شرقي وجاز غربي وانما هناك جاز فالجاز برأيه هو كل شيء يخرج من الشعوب ويستطيع أن يشكل شيئاً مشتركاً بينها.. ومن هذا المنطلق الأقرب إلى المنطق في نقاش موضوع موسيقا الجاز نجد أن الجاز نموذج موسيقا عام يمكن تطبيق مجمل لغات العالم عليه وفي سورية تعتبر موسيقا الجاز نموذجاً فنياً ليس جديد النشوء وإنما جديد الحضور على الساحة الموسيقية من خلال الفرق والتي اختصت بهذا النوع الموسيقي حيث وصل الامر إلى حد تأسيس مهرجان خاص بموسيقا الجاز.
كانت بدايات الجاز في سورية عبارة عن حوار حضاري غربي شرقي من خلال حفلات لموسيقيين غربيين مع موسيقيين سوريين قدموا الجاز فظهر بصورة جدليات وحواريات آلات موسيقية متعددة تقدم الجاز وكانت تجربة ناجحة في الكثير من الأحيان.
ونتيجة لتطور هذا النوع الموسيقي في سورية بدا مهرجان الجاز يأخذ مكانه بين المهرجانات الفنية ليصبح في عداد الفعاليات الأولى التي تقدم تجارب محلية مميزة وتستقدم فرقاً من خيرة الفرق العالمية التي تقدم هذا النوع الموسيقي وبدأ المهرجان عام 2005 واستمر مواكباً تطور الجاز ونشوء فرق جديدة خاصة له في سورية وكان أهمها أوركسترا الجاز السورية.
يقول محمد زغلول المدير الإداري لفرقة اوركسترا الجاز السورية.. للجاز عشاقه وجمهوره الذي يزداد سنويا خاصة مع تطور مهرجان الجاز الذي ساهم بشكل هام ومباشر في نشر موسيقا الجاز ودعمها عبر استقطاب أفضل العازفين والفرق على المستوى المحلي والعالمي وإتاحة الفرصة للعمل الجماعي وتبادل الخبرات ضمن ورش العمل.
ويرى زغلول أن مزج الجاز مع الموسيقا الشرقية في سورية تجربة ناجحة قامت بها عدة فرق وتشكيلات شبابية أثبتت حضورها على مستوى العالم إضافة إلى تجربة هامة لأوركسترا الجاز السورية التي أصبح لديها بعض القطع العربية والموشحات الموزعة برفقة آلات شرقية مثل القانون والعود والناي لافتا إلى أن نجاح التجارب يرجع إلى اهتمامها بانتقاء المقطوعات الشرقية المناسبة وطريقة أدائها وإعادة توزيعها مع المحافظة على اللحن الأساسي تجنباً لتشويه التراث.
وعن دور المعهد العالي بإحياء موسيقا الجاز أشار زغلول إلى دعم المعهد لورشات العمل التي تعقد مرتين سنوياً ضمن مهرجان الجاز مشيراً إلى قلة عازفي الجاز في سورية بشكل عام نظراً لغياب الاهتمام بتعليم هذا النمط الموسيقي في الموءسسات الموسيقية المعنية وبالتالي من الواجب وفق قوله وضع وتنسيق مناهج واضحة لإعداد كوادر موسيقية تغطي جميع متطلبات الفرق والأنشطة الموسيقية.
ونوه زغلول بأهمية مشروع أوركسترا الجاز السورية التي قامت بجمع الموسيقيين المهتمين تحت إشراف هانيبال سعد صاحب الفكرة لافتاً إلى أن الأوركسترا تقدم الجاز للجمهور وخاصة جيل الشباب بطريقة أكاديمية تربوية تسعى إلى إيصال هذه الموسيقا بالصورة الصحيحة وتغيير مفاهيم الناس عنها التي ترى أنها فوضى وألحان متنافرة أو أنها توحي بجو لا أخلاقي أو سلوك غير متزن.
ولا يتوقف الجاز في سورية عن فتح أبواب الإبداع لمحترفيه أو هواته حيث ان أريحية هذا النوع الموسيقي في التعامل مع الكلمة يجعل أدوات الموسيقي متعددة في التأليف أو المزج أو التركيب أو حتى الترجمة.
من جهته قال ميساك باغبودريان قائد الفرقة السيمفونية الوطنية.. إن موسيقا الجاز تحظى بشكل خجول بالاهتمام في سورية ولكن هذا الاهتمام بدأ يتحسن عن طريق المهرجانات ووسائل الإعلام لافتاً الى ارتباط هذا النوع من الموسيقا بالحركة السياحية كونها كانت تعزف على خشبات المهرجانات الفنية وكان لها مقاه خاصة بها.
ووجد باغبودريان أن مزج الجاز بالموسيقا الشرقية تجربة جديدة وتتجه نحو النجاح لافتاً إلى ضرورة أن تكون مصحوبة بدعم من الإعلام والجهات المسؤولة عن الثقافة فالجاز وفق قوله من الممكن أن يناسب الذائقة الشرقية العربية ومن الممكن مع قليل من التجريب أن يتماشى بشكل اكبر مع الجمهور.
وأشار قائد الأوركسترا الوطنية الى ان موسيقا الجاز من الممكن أن تستند في حركة تطويرها إلى إبداع جديد دون الاكتفاء بالتراث بل يمكن العمل على التراث نفسه لأن الجاز في كل العالم من الممكن ان يوظف التراث.
ويشرح باغبودريان.. موسيقا الجاز السورية تستقي مصادرها من خليط من المدارس الأوروبية والأمريكية والشرقية والإفريقية ولكنها تخرج بطريقة تعبير خاصة بسورية لان كل بلد يستخدم الجاز للخروج بصوته ونموذجه الخاص.
ولفت باغبودريان إلى عدم وجود صعوبات تعترض موسيقا الجاز في سورية فعلى الرغم من جدتها إلا أنها لقيت دعماً كبيرا وانتشارها يتوقف على توقيت طرحها مشيراً إلى أن المعهد العالي للموسيقا ساهم في دعم هذه الموسيقا لكن المطلوب هو تدريسها بشكل أكاديمي.
واعتبر باغبودريان أن إقامة المهرجانات ساهمت في دعم هذا النوع من الموسيقا من خلال تعريف الناس بالجاز إضافة إلى استخدام الانترنت لنشر الموسيقا موضحا ان زيادة عدد المعجبين بموسيقا الجاز يتوقف على زيادة عدد المهرجانات وأماكن انتشارها وسبل دعمها.
وقد حقق مهرجان الجاز في دوراته الست المتتالية ما لم تحققه الكثير من الفعاليات الثقافية والفنية خاصة على مستوى التواصل الغربي الشرقي والتعريف بالموسيقا والفرق السورية ففي دورة عام 2011 استقدمت إدارة المهرجان مجموعة من أهم فرق الجاز في العالم مثل بارانا الهولندية و أم أس أف بريخت الألمانية و إيفيد أريست النروجية و لارا بيلوالإسبانية ومارك بيرينو السويسرية كما حاول المهرجان إيجاد علاقات مع مهرجانات عالمية حيث حقق برنامج تبادل وتشبيك مع مهرجان مورجنلاند في ألمانيا.
وحاول المهرجان الذي تنظمه عادة روافد المشروع الثقافي لدى الأمانة السورية للتنمية الخروج عن مجرد تقديم الجاز وخاصة بحضور شخصيات موسيقية عالمية حيث بدأ التراث السوري يتبدى من خلال بعض الحفلات كتلك التي قدمت موسيقا الجزيرة السورية بصوت السوري ابراهيم كيفو مع فرقة فتت لعبت خلال فعاليات مهرجان الجاز.
أما عمرو حمور صاحب فرقة عمرو حمور لموسيقا الجاز فيرى أن موسيقا الجاز تناسب المزاج والذائقة الشرقية نظرا لأن الموسيقا الشرقية مشابهة تماما لأسلوب الجاز من حيث بنيتها المؤلفة من لحن ثم ارتجالات تقاسيم مشيرا إلى أن عدد المعجبين بموسيقا الجاز في سورية بازدياد بسبب الاهتمام بهذا النوع الموسيقي سواء من قبل الجهات العامة أو الموسيقيين.
وقال ناريك عبجيان صاحب فرقة فتت لعبت للجاز ان موسيقا الجاز في سورية حظيت في الفترة الاخيرة باهتمام اكبر بفضل مهرجان الجاز الذي ساهم في نشر هذا النوع من الموسيقا بين الجمهور وقدم دراسات وابحاثا تناولت تجارب فرق عالمية مع مقارنتها بتجارب الفرق السورية واهتمام الاعلام ايضاً بالحديث عن هذا النوع الموسيقي.
وأضاف عبجيان ان تجربة مزج الجاز مع الموسيقا الشرقية هي تجربة جديدة وناجحة نسبيا إلا أن محاولات الفرق السورية بقيت فردية ولم تحظ بظروف تدفعها للاستمرار والتراكم مشيراً إلى أن ترك بصمة خاصة لفرق الجاز السورية يمكن ان يتم من خلال الاهتمام بتأليف مقطوعات موسيقية جدية دون الاقتراب من التراث أو تشويهه.
وأشار عبجيان إلى أن الجاز ليس مرتبطاً ببلد معين ما يجعل موسيقا الجاز في سورية قابلة للتأثر بكافة أساليب وأنواع موسيقا الجاز المختلفة من أمريكية وأوروبية لافتاً الى ضرورة تدريس موسيقا الجاز في المعهد العالي للموسيقا بطريقة أكاديمية والتعريف بها بشكل اكبر للنهوض بمستوى الموسيقيين وفهمهم لأصول هذا النوع الجديد نسبياً على الجمهور السوري.
وفي لقاء الموسيقا المحلية مع الجاز لم يحصل تنافر ما دامت الأنامل التي توازن بين النموذجين قادرة على تكوين جملة موسيقية مستساغة لدى الجمهور وهذا ما وجدته فرقة كريس بايرز الأمريكية عندما زارت سورية حيث قدمت عدة أغان تراثية سورية وفق نموذج موسيقا الجاز وبأداء عازفين أمريكيين.
المصدر: سانا
إضافة تعليق جديد