"المهد" فيلم عن غزو أبرهة الحبشي للجزيرة العربية
في خطوة سينمائية لافتة، بدا المخرج السوري محمد ملص كأنه مخرج غيره، فهو إذ يخوض مغامرة فيلم <المهد> يبدو كأنما يغادر جلده ويضرب في اتجاهات عديدة كلها غريبة عليه. فمحمد ملص الذي لم يبتعد في التاريخ لأكثر من خمسين سنة، هي مسافة أقل من عمره بقليل، ليتوقف عند نكبة العام ,1948 كما لو كان التاريخ قد بدأ من هناك، يعود اليوم إلى ما قبل تاريخ الإسلام، حين كان عرب الجزيرة العربية غارقين في صراعاتهم الضيقة، ليتطرق من ثم إلى غزو أبرهة الحبشي للجزيرة وكيف قاومته كندة وغيرها من قبائل العرب. يصعب إذاً أن نتخيل المخرج السوري عالقاً بين صليل السيوف، وهو صاحب <أحلام المدينة> و<الليل> وسواهما من أفلام تغرف من حرارة الراهن، لغةً، شخصيات، صوراً، وذكريات. وهذه كلها حتى لو كُتبت عليها الحرب، فإنها ترسخ في الذاكرة عبر تفاصيل أبسط، أفلام تعيش على مهلها، وبالضبط لأنها مشغولة بالتفاصيل.
لم يكتف ملص بمغامرة التاريخ وحسب، فإلى جانب ذلك ينصاع المخرج الذي افتتح موجة سينما المؤلف في سوريا، لنص وفكرة تجيئان كلياً من مكان آخر. من دون شك سيكون قد تدخّل مراراً لتعديل النص، ولكنه ينسحب من الكتابة هذه المرة إلى مكانه كمخرج. ففكرة الفيلم جاءت من الشيخ الإماراتي طحنون بن زايد، ليكتبها قاص سوري هو حمدي البصيري، ويتعهدها من ثم رياض نعسان آغا (وزير الثقافة السوري)، الذي يقول إنه أضاف شخصية أبرهة الأشرم إلى السيناريو، في تجربة كتابة سينمائية هي الأولى بالنسبة إليه. ملص يقول لنا، إثر زيارة إلى موقع التصوير في مدينة تدمر الأثرية الصحراوية، ومن دون أن يطيل في الإجابة عن هذه الأسئلة: <لم أشعر، في كل ما حققته من مشاهد الفيلم إلى الآن، بغربة عنه، لا في الأجواء، ولا في الحوار، رغم أنني لم أكتبه>. ويضيف: <يتناول الفيلم أحداثاً تنتمي إلى مرحلة من تاريخنا، ولكننا نريد أن نقدم قراءة للمرحلة التاريخية، من دون أن نتماهى معها. هذا التوجه سيعطينا مصداقية التعبير. نريد أن نقدم الحقيقة كما نقرأها، وكما نفهمها، ونريد للمتفرج أن يعرف لماذا نتحدث عن ذلك، من غير ادعاء بالدلالات والمجازات والإسقاطات>. أما الكاتب رياض نعسان آغا فيقدم رؤيته للعلاقة مع المادة التاريخية بالقول: <في الفيلم، لا أقدم نصاً تاريخياً، بل أستلهم التاريخ. فالفيلم ليس أطروحة أكاديمية في التاريخ، ولكنه ليس قرصاناً أيضاً، رغم أنني درست التاريخ بشكل جيد. ففي اختياري لحكاية جيش أجنبي يغزو بلداً لن يكون الأمر سراً، وسيعرف الناس من هو أبرهة. ولكن ما الرسالة من رؤية جيش جرار لديه من الأسلحة ما يتفوق به على العرب؟ لقد رصدنا كيف كان ردّ فعل الأمة؛ من غير شك كان هناك من أراد أن يستسلم، ومن أراد أن يفاوض، ومن أراد أن يقاوم. والفيلم يحكي قصة الذين قاوموا>.
الهوية
وعن الخشية من اقتحام المقدسات الدينية في الفيلم، أو الخوف من حمل شخصية أبرهة على محمل ديني، يقول الكاتب: <إن الفيلم يفصل بين ديانة أبرهة المسيحية، وبين كونه يقود غزواً. ثم لا يوجد في تاريخنا القديم أي حكاية حول مقاومة المسيحية، وكان هنالك تعددية دينية في مكة. أما بالنسبة للكعبة فقد تعاملت معها بوصفها رمزاً للهوية العربية، لا على أنها مقدسة دينياً، حيث ديانة كندة الإله هُبَل. الدين ليس خاضعاً للنقاش في الفيلم، وموضوعنا هو الغزو، في فيلم يستلهم التاريخ ويرى فيه فسحة واسعة للتأمل>.
وحين نسأل المخرج كيف سيجاري فيلمُه <التاريخي> سويّةَ الأفلام التاريخية العالمية من دون معارك ضخمة متقنة، وكمية من الأكشن يحتاج اليها هذا النوع من الأفلام، وكم أن هذه العناصر غريبة عليه، يقول: <صحيح أنني لا أعرف كيف يُسحب السيف، ولكن عليك كسينمائي أن تعرف وتتحرى كيف تجري الأمور>. في <المهد> يقدم محمد ملص شيئاً مغايراً بالتأكيد، وليس من حقنا الآن أن نقول إن ذلك يمضي على نحو أسوأ أو أحسن، فالشريط الأخير هو ما يقرر ذلك.
بقي أن <المهد> يقدَّم على أنه الفيلم الإماراتي الروائي الأول، حيث تموّله شركة إنتاج إماراتية بكلفة تقدّر بثلاثة ملايين دولار، وجاءت الفكرة من هناك، كما يشارك ثمانية من الممثلين الإماراتيين في العمل، الذي صُوّر جزء منه في إمارة الفجيرة، ومن بينهم: محمد الجناحي، بلال العبد الله، وأحمد العامري. كما يشارك ممثلون من عدة بلدان عربية؛ من سوريا: خالد تاجا، عبد الرحمن آل رشي، عمر حجو، باسل خياط، واحة الراهب. ومن مصر: هشام عبد الحميد، عمرو عبد الجليل. ومن تونس: درة رزوق. ومن فلسطين: عرين العمري. ولدور أبرهة جرى اختيار ممثل من بوركينا فاسو هو توتشي، الذي سيؤدي بلغة إفريقية على أن تترجم إلى العربية على الشاشة. أما مدير التصوير فهو البرتغالي إلزو روك، ومهندس الصوت الفرنسي رونو أوزيل، والماكياج للإيراني مصطفى سيامك، والأزياء للبناني غازي قهوجي، والديكور لزياد قات، والاكسسوارات لعاصم الباشا.
راشد عيسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد