خسارة 100 مليون ليرة بسبب تزوير رسوم السيارات في حمص
تكشّفت حقائق أكبر في تزوير رسوم السيارات في مديرية النقل في حمص بعدما قطعت بعثة الجهاز المركزي للرقابة المالية شوطاً كبيراً في تحقيقاتها.
وتوصّلت البعثة من خلال جرد أضابير آلاف السيارات والمطابقة مع مديرية المالية إلى وجود عمليات تزوير واسعة ومنذ العام 2002 ستتجاوز مبالغها الإجمالية المئة مليون ليرة سورية، علماً أنّه تمّ استرداد خمسين مليون ل.س حتّى الآن رسوماً للخزينة العامة كانت ضائعة نتيجة عمليات التزوير، وتوجد رسوم مكتشفة جاهزة لاستردادها وتسديدها بقيمة عشرين مليون ل.س..
أمّا قضائياً فتتم محاكمة بعض موظفي مديرية النقل بعدما أفرج عنهم، وتمّ توقيف ومقاضاة مجموعة من معقبي المعاملات الذين شكلوا عصابة منظمة للتزوير، أحدهم لم يتمّ إلقاء القبض عليه، وساعدهم في ذلك تساهل وإهمال أمناء الصناديق من مديرية مالية حمص..
يوضّح ضبط الأمن الجنائي بتاريخ12/12/2005، بداية انكشاف قصّة التزوير، وعرض حالة تزوير إيصال لإحدى السيارات التي تمّ إنجاز معاملتها بتاريخ15/11/2005، ووفق إفادة صاحب السيارة، فإنّه أعطى مبلغ ثلاثين ألف ل.س لمعقّب معاملات أنجز معاملته وسدد رسوم السيارة، ولاحقاً قبض الأمن الجنائي على معقّب المعاملات الذي وجد في حوزته إيصالات فارغة محضّرة للتزوير، وتوسّعت شبكة المقبوض عليهم، ووفق الاعترافات فإنّ أحد معقبي المعاملات كان يبيع الإيصالات الفارغة خارج المديرية بألفي ليرة سورية، وكان يؤمّنها من المديرية عبر سرقتها بطريقة المغافلة..؟!
وهنا يمكن فهم إحدى آليات التزوير التي كانت تتمّ إمّا بتكليف مسبق لمعقّب المعاملات، أو بقيام معقبي المعاملات ووشيشتهم باقتناص المواطن خارج أو داخل المديرية وإقناعه بإنجازهم معاملته، فيأخذون منه كامل الرسوم وأجرتهم، وبدلاً من تسديد الرسوم كاملة للمالية، يزوّرون ويتلاعبون ويسددون اليسير ويسرقون الباقي، وأحدهم كان يقوم بالتزوير أسبوعياً أربع مرّات لمدة ستة أشهر..!..
تضمنت الاعترافات وجود ختم مزوّر لدى أحد معقبي المعاملات، وفي نموذج رسم إحدى السيارات استلم معقّب المعاملات الإيصال من الموظّف المختصّ مكتوباً به (ثلاثون ألفاً وأربعمئة وخمسة وخمسون ليرة سورية)، فقام المعقّب بتعبئة إيصال فارغ بديل عن الإيصال النظامي وكتب المبلغ (ألف وأربعمئة وخمسة وخمسون ليرة سورية( وتمّ التسديد وفقه لأمين الصندوق الذي ختمه، ثمّ تمّ التزوير به بحيث يطابق الرسم النظامي وتسليمه لموظّف النقل، فيكون ضاع على الخزينة في هذا الإيصال تسعة وعشرون ألف ليرة سورية، وكان المعقب يختم «مايسمّى»الإرسالية لضريبتي الدخل المقطوع ودخل الرواتب والأجور من أمين الصندوق بحجّة أنّه لم يختمها أثناء الدفع مع استغلال الزحمة وكثرة المراجعين..
بينما وضع الأمن الجنائي والقضاء اليد على ما تكشّف من عمليات تزوير بداية العام2006، قامت الرقابة الداخلية في المحافظة باقتراح تكليف الجهاز المركزي للرقابة في حمص بالتدقيق والتحقيق في ملابسات عمليات التزوير، وتولّت بعثة تفتيشية منه الملف وتوصّلت إلى أنّ عمليات التزوير شملت رسوم السيارات بشتّى الفئات، وتركّز التزوير على رسوم ضريبة الدخل والمازوت والرفاهية كونها تمثّل قيماً كبيرة، ووجدت البعثة أنّه بعد كشف بعض حالات التزوير وقبيل تكليف بعثة الجهاز المركزي للرقابة المالية قامت مديرية النقل بتشكيل لجان للجرد على أن تنهي مهمتها خلال عشرين يوماً..، ولكن لدى قيام البعثة بأعمالها تبيّن أنّها استغرقت عاماً، ووصلت إلى قيام عمليات التزوير منذ العام2002.
بعد مدّة من قيام مديرية النقل بتشكيل لجان لجرد أضابير السيارات، جرت محاولة لحرق مستودع الأضابير والغرفة التي فيها أضابير تمّ جردها، ولحسن الحظ تمّ كشف ذلك ولم تتأذّ سوى 47إضبارة وتمّ ترميم أوراقها، ولكن في ذلك دلالة على معرفة الذين قاموا بالحريق بعمل اللجان ومكان الأضابير التي أثبت فيها قسم من حالات التزوير، فأرادوا محو كلّ شيء بحرقه ولم يفلحوا بذلك..
وتبيّن أنّ قسماً من عمليات التزوير شمل تزوير إيصالات الرسوم وساعد في ذلك غموض وعشوائية خطوط أمين الصندوق(موظّف في مالية حمص( ضمن مديرية النقل، وبما يتيح للمزوّر التلاعب في الرقم بعد التسديد، وقسم من الإيصالات كان يتمّ ترك فراغات في تفقيط الأرقام تتيح للمزوّر تعبئة الفراغات بما يسمح بالتغطية على عملية التزوير..؟!
كذلك وجدت إيصالات فارغة لدى المزوّرين ويتمّ تداولها خارج مديرية النقل يقومون بتعبئتها والتلاعب بها بما يغطي على التزوير وسرقة الرسوم إلى جيوبهم، وبعضهم زوّر ختم المديرية فأصبح معقّب المعاملات ينوب عن مديريتي النقل والمالية في الختم وتحصيل الرسوم..؟! وأنكر بعض الموظّفين معرفته بسبب وصول الإيصالات الفارغة إلى معقبي المديرية خارج المديرية، وأحدهم برر ذلك بأنّه عندما ذهب إلى الحمام تمّ سرقة دفاتر الإيصالات من مكتبه..!!
أيضاً حدثت عمليات تزوير عبر الاستعانة بالسكانر، وعمليات تزوير للإيصالات بدل الضائع، وحتّى في بعض الحالات كان يتمّ منح رخص بدون تسديد رسوم السيارات..؟!
وحتّى بعد أن انشغلت البعثة التفتيشية كثيراً في عملها، وانشغلت معها المديرية و«تفتّحت العيون»على قضية التزوير لم تقف جرأة معقبي المعاملات عن ممارسة عملهم في التزوير، بدلالة الحادثة التالية: فقد انزعج أحد المواطنين جداً من مطالبته بتسديد رسوم سيارته التي تمّ اكتشاف التزوير في إضبارته، فأفاد بأنّه سدد الرسوم لمعقّب معاملات، وتمكّن ضمن المديرية من الاستدلال عليه، وبمساعدة الشرطة وأمام البعثة التفتيشية تمّ تفتيش حقيبة المعقّب تبيّن فيها إيصالات مزوّرة وإيصالات جاهزة للتزوير..؟!
يلحظ المراجع في مديرية النقل موسيقا المونامور وهي ترافق مقطعاً خاصّاً بإذاعة جديدة للمديرية يتكرر طوال فترة الدوام، وهو مقطع توجيهي للمراجع مضادّ لمعقبي المعاملات، ونصّه«أهلاً بكم في مديرية النقل أخي المواطن جميع العاملين مؤهلون لخدمتك، ويمكنك إنجاز معاملتك دون معقّب المعاملات، ..حفاظاً على وقتك ومالك أنجز معاملتك دون وسيط، ..لوحات الدلالة تساعدك للوصول إلى الشعبة المختصة، عند دخولك إلى الشعبة المختصة راجع رئيس الشعبة ليرشدك إلى الموظّف المختص، ..عند حدوث أيّ عرقلة أو إشكال راجع الإدارة فوراً..».
السيّد محمد سليمان المحمد، المكلّف بتسيير أمور مديرية النقل، قال اتخذت المديرية عدّة إجراءات مع تكشّف حقائق التزوير حيث تمّ إجراء تنقلات للموظّفين، وبعضهم كان في ذات العمل منذ سنوات طويلة ولم يفلح في التدقيق، كذلك كانت آلية العمل سابقاً تتيح لصاحب العلاقة المواطن أو معقّب المعاملات الاحتكاك مع الموظّف، وتسليمه الإيصالات لينقلها وصولاً إلى تسديدها لدى أمين الصندوق، وبالتالي تتيح له فرصة التلاعب والعبث، لذلك تمّ حالياً اعتماد آلية مغايرة بحيث يقطع الموظّف المختص الإيصال، وبدلاً من إعطائه لصاحب العلاقة ليتابع معاملته، يخرج عبر الطابعة في غرفة أمين الصندوق ليقوم صاحب العلاقة بتسديد الرسم المطلوب، كذلك تمّ توزيع أمناء الصناديق في كلّ شعبة بينما سابقاً كانوا في مكان واحد وبحالة من الزّحام والفوضى، فانتفت حالياً هذه الظاهرة، كما تمّ تكثيف دوريات الأمن الجنائي في المديرية..
مازال معقبو المعاملات يعملون وفق قانون كتّاب العرائض، فكيف يمكن ضبط المرخص منهم من غير المرخص، في ضوء حالات التزوير السّابقة التي كانت تتمّ من معقبي معاملات مرخصين وغير مرخصين..؟!نشير إلى جهود سابقة لمنع عمل معقبي المعاملات في المديرية لم تفلح، ففي 14/1/2004أصدر وزير النقل بلاغا بمنع كتّاب العرائض ومعقّبي المعاملات المرخصين وغير المرخصين من ممارسة نشاطهم في مديريات النقل، وصدر البلاغ بناء على موافقة رئاسة مجلس الوزراء وتوصية اللجنة الاقتصادية بجلستها التي انعقدت بتاريخ /22/12/2003، ولكن في4/9/2005 انعقد مجلس الاتحاد العام للجمعيات الحرفية وأقرّ توصية تنصّ على العمل لإلغاء بلاغ وزير النقل المذكور آنفا والسماح للحرفيين معقّبي المعاملات المرخصين أصولا والمنتسبين للجمعيات الحرفية بممارسة نشاطاتهم ضمن مديريات النقل... فاعتمدت الجهات الوصائية هذه التوصية؟!
وهكذا نجد أنّ معقبي المعاملات فرضوا كلمتهم بكلّ فضائحهم على مديرية النقل وبقوّة توصيات وصائية، فهل تمّ التنبّه إلى أبعاد ظاهرة أخرى تتمثّل بقيام أصحاب السيارات بتوكيل العديد من الأشخاص لمتابعة شؤون ومعاملات سياراتهم..؟ وما أبعاد قيام مالك لأربع سيارات ؟مثلاً ـ بتوكيل 14شخصاً لتسجيل وتنمير أيّ سيارة باسمه لدى مديرية النقل..؟! أليس الموضوع شكلاً آخر من معقبي المعاملات تحت ستار "وكلاء"؟!ومع الإشارة إلى إهمال موظفي مديرية النقل وأمناء الصناديق بعض مسلّمات العمل في تمييز ختم لا يشبه الختم، أو أرقام الإيصالات المزوّرة، وتفقيط الأرقام بالشكل النظامي، وبعض الإضافات، وكلّها أمور شديدة البساطة ويمكن اكتشافها فوراً، فإنّ بعض الموظّفين هم ضمن حلقة فساد معقبي المعاملات الذين قاموا بالتزوير، بل إنّ إحدى حالات التزوير قام بها أمين الصندوق نفسه..؟! وأخيراً رغم كلّ هذه الفضائح بالرسوم لابدّ للمتوجّه إلى مديرية النقل وقبل وصوله إلى مدخلها أن يتعرّض إلى وشيشة معقبي المعاملات يدعونه إلى تكليفهم بالترسيم عنه..، فما هي أسرار ذلك؟!
ظافر أحمد
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد