حشرة السونة تأكل خبز السوريين
مرة أخرى.. تهاجم حشرة السونة حقول القمح في إدلب وحلب والحسكة وبعض المحافظات الأخرى.. ومرة أخرى تستنفر الجهات المعنية إمكاناتها البشرية والفنية للتصدي لتلك الآفة الخطيرة التي تستهدف محصول القمح (قوت الشعب الأساسي), وما تكرار غزو حشرة السونة لحقول القمح في تلك المحافظات إلا نتيجة لتكرار العوامل والظروف المناسبة لظهورها وانتشارها سواء فيما يتعلق بالظروف الجوية والبيئية, أو مدى استخدام وسائل الوقاية ووسائل المكافحة اللاحقة بالمواسم السابقة.. يضاف إلى ذلك استمرار زراعة العائل (القمح) ومدى تطبيق الدورات الزراعية المتتابعة. ولكن مهما يكن من أمر فإن ما يمكن استخدامه في هذا المجال من وسائل وقاية ومكافحة يمكن أن يحد نسبيا من حجم ومدى انتشار الإصابة بتلك الحشرات, فقد باتت نتائج إصابات حقول القمح بالسونة تفرز سنويا خسائر اقتصادية كبيرة فيما يتعلق بكمية ونوعية الأقماح المصابة, حيث تتدنى أسعارها إلى حدود رفض تسوقها من قبل مراكز تسويق الحبوب عند وصولها إلى نسب محددة.. إضافة إلى ما تتكلف به الدولة من قيم مواد المكافحة ونفقات وسائط المكافحة, يقابل ذلك تشدد المؤسسة العامة لتسويق الحبوب في تطبيق مواصفات الحبوب المسلمة إليها عبر مراكز التسويق بحجة تحسين النوعية لتلبية طلبات التصدير الخارجي.. في الوقت الذي رفعت فيه وزارة الزراعة نسبة حدود العتبة الاقتصادية لتنفيذ عمليات المكافحة الميدانية لحشرة السونة.. مع استمرار تلك العمليات بالوسائل التقليدية سواء بالوسائط الأرضية أو الجوية..
والسؤال: هل أصبحت حشرة السونة شرا لابد منه؟ وهل هناك وسائل بديلة أو إضافية لوسائل المكافحة المتبعة حاليا , وهل اكتسبت تلك الآفة مناعة ما ضد المبيدات المستخدمة؟
وبمعنى أوضح: لماذا لم تبدأ وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي ميدانيا بتطبيق برامج المكافحة الحيوية والمتكاملة على حشرة السونة بعد أن أفلحت نسبيا في هذا المجال على بعض حشرات الحمضيات والقطن والزيتون.. ؟!
تطور خطير لآفة السونة
لابد أولا من التعرف على حجم الإصابات بالسونة ودرجة خطورتها على الأقماح, ثم إلى التعرف عن كثب على الإجراءات المتخذة والتكاليف المادية المنتظرة لتلك الإجراءات وصولا إلى مدى نجاح وفعالية واقتصادية تلك الإجراءات.. ومن أجل ذلك لابد من العودة إلى واقع الإصابة بالسونة منذ بضع سنوات لنتعرف على مدى حجم الإصابة وتطورها من عام إلى آخر.. فقد بينت دراسات وإحصاءات وزارة الزراعة أن متوسط المساحات المصابة بالسونة والتي تمت مكافحتها على مستوى القطر في محافظات (حلب - الحسكة - إدلب - السويداء - حماة) بين عامي /1994- 1996 بلغت /90264/ هكتارا لكنها توسعت بين عامي /1997- 1999 إلى /142949/ هكتارا بالمحافظات نفسها بينما وصلت بين عامي /2000- 2002/ إلى /149598/ هكتارا مع ظهور إصابات السونة في محافظات جديدة وهي (ريف دمشق - دير الزور), لكن حجم الإصابات بالسونة المكافحة قفز إلى /231207/ هكتارات في عام /2003/ ولكن تبقى المحافظات الرئيسية التي تصاب بحشرة السونة (إدلب - حلب - الحسكة) وذلك بسبب قربها من الحدود التركية التي تعد منطقة إصابة وعدوى لوجود مناطق ملائمة لتكون مناطق بيات شتوي لهذه الحشرات مثل الغابات, كما لوحظ في السنوات الأخيرة ظهور إصابات في بعض المحافظات مثل ريف دمشق ودير الزور على الرغم من عدم وجودها سابقا , وهذا يعني أن الآفة بدأت تنتقل وتهدد مناطق أخرى من سورية, فلو أخذنا إدلب مثالا لذلك نجد أن المساحات المكافحة المصابة بالسونة قد بلغت /75908/ هكتارات عام /2004/ بينما وصلت في عام /2005/ إلى /81500 هكتار مع ظهور بؤر جديدة ومواقع أخرى مصابة, حيث تشير المعلومات الواردة ل- ؛الاقتصادية« الى أن المساحة المصابة لهذا العام في إدلب بحشرة السونة (الحشرة الأم) بلغت /39878/ هكتارا في مختلف مناطق المحافظة حيث تمت مكافحة /240/ هكتارا منها قبل موعد وضعها للبيوض حيث - تتوقف عمليات المكافحة حتى تفقس البيوض - وبعد ذلك اتسع نطاق المساحات المصابة بالسونة ليصل حتى تاريخ 11/5/2006 إلى /53733/ هكتارا منها /17162/ هكتارا في حدود العتبة الاقتصادية تتركز في مناطق (إدلب - معرة النعمان - سهل الروج - سراقب - خان شيخون - أريحا) وبنسب أقل في باقي المناطق, كما بينت معلومات موثوقة أن المساحة المصابة على مستوى مصلحة زراعة سراقب وصلت إلى /600/ هكتار منها /200/ هكتار في حدود العتبة الاقتصادية, حيث بدأت عمليات المكافحة من تاريخ 11/5/2006 في مناطق المحافظة, وتمت مكافحة 1000 هكتار بالوسائل الأرضية والجوية.
أضرار واضحة وإجراءات قاصرة
لقد بات من المعروف أن حشرة السونة تظهر سنويا في بداية شهر آذار بعد هبوطها من بياتها الشتوي كحشرة أم ثم تضع بيوضها وتفقس تلك البيوض وتموت الأم مخلفة نحو 150 حشرة تهاجم حقول القمح وتلتهم السنابل بشراهة, وبالتالي ازدياد الأعباء والمستلزمات والإمكانات لمكافحتها.. والضرر هنا يتمثل في نقص محصول القمح وتدني مواصفاته, وبالتالي تدني مواصفات رغيف الخبز, فتعليمات التسويق الحكومية كانت تعتبر الأقماح التي تبلغ نسبة الشوائب فيها دون 10% مقبولة للتسويق, لكنها رفعت تلك النسبة إلى 15% في السنوات الأخيرة, بينما في هذا العام وضعت نسبة خاصة للأقماح المرفوضة المصابة بالسونة وهي 6% كحد أدنى بعد أن كانت تلك النسبة ضمن النسب المبينة أعلاه لمجموع الشوائب, وبذلك ستصبح تلك النسبة العامل الأساسي المحدد لاستلام القمح من قبل فروع مؤسسة الحبوب, لأنه في حال تجاوزها سترفض الأقماح المسوقة, ولنتخيل ماذا سيحل بالفلاحين الذين سيصبحون فريسة بعض التجار الجشعين والمستغلين..
وبالمقابل نجد أن وزارة الزراعة قد قررت هذا العام رفع حدود العتبة الاقتصادية للمكافحة من 7 - 8 حشرات (حوريات في المتر المربع) ورفع نسبة الحشرة الأم من 2 إلى 3 حشرات بالمتر المربع, وذلك بهدف التخفيف من عمليات ونفقات المكافحة وخاصة في مجال استخدام الطيران الزراعي والتركيز على المكافحات الأرضية, وتوجيه الفلاحين إلى ضرورة زراعة اللوزيات المبكرة حول حواف الطرقات والأبنية لما لها من أثر إيجابي في تنشيط الأعداء الحيوية على بيوض السونة, وعقد ندوات إرشادية لتوضيح طرق جمع حشرة السونة الأم لقاء حافز مادي خلال عشرين يوما من بدء الهجرة وذلك للحد من استخدام المبيدات والحفاظ على البيئة..
وتكاليف كبيرة لعمليات المكافحة
لا شك أن العديد من دول العالم قد اتجهت إلى الحد من استخدام مواد المكافحة حفاظا على البيئة والصحة العامة, ولكن هذا الحد لاستخدام المبيدات استبدلت به وسائل مكافحة سليمة ومأمونة, ضمن إطار برامج المكافحة المتكاملة وخاصة استخدام وسائل المكافحة الحيوية باستخدام الأعداء الحيوية لمكافحة الحشرات الضارة, والسؤال: إلى أين وصلنا نحن في سورية في هذا المجال؟ ولعل تفاقم إصابات السونة وتكرارها من عام إلى آخر ودخول محافظات جديدة ميدان الإصابة أبلغ جواب على ذلك, فلو وضعنا مسألة تلوث البيئة والصحة العامة جانبا واحتسبنا تكاليف عمليات المكافحة وقيم كميات القمح المصابة كما ونوعا لوصلنا إلى أرقام قياسية من الخسائر المادية للدولة والفلاحين, فلو تم تسخير جزء منها لتطوير برامج المكافحة المتكاملة والحيوية لكنا أمام وضع أفضل وإصابات أقل لحشرة السونة, فقد أشارت دراسات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي الى أن متوسط تكاليف المكافحة الجوية بواسطة الطيران الزراعي لحشرة السونة في محافظات (إدلب - حلب - الحسكة) للهكتار الواحد بلغ /5240/ ل.س عام /2002/ بينما بلغ متوسط تلك التكاليف باستخدام الرش الأرضي بالجرار والميكرونير /4740/ ل.س, فلو احتسبنا إجمالي المساحة المكافحة على مستوى القطر لحجم الإصابات للعام المذكور والتي بلغت /149598/ هكتارا لوجدنا أن كلفة مكافحتها بالوسائط الجوية بلغت نحو /78/ مليون ل.س, بينما بلغت تكاليف المكافحة بالوسائط الأرضية للمساحة نفسها /71/ مليون ل.س, في حين وصلت تلك الأرقام مع اتساع المساحات المصابة والمكافحة عام /2003/ إلى /121/ مليون ل.س بالوسائط الجوية و/110/ ملايين ل.س بالوسائط الأرضية حيث وصلت المساحة المكافحة المصابة إلى /231207/ هكتارات على مستوى القطر, وعلى الرغم من دفع تلك التكاليف الكبيرة لعمليات المكافحة إلا أن الإصابات بحشرة السونة ازدادت عاما بعد آخر وانتشرت في محافظات ومناطق جديدة بمعنى أن الوسائل التقليدية المستخدمة لمكافحة السونة وإن حدت نسبيا من حجم الإصابة لكنها لم تحد من تطور وتفاقم حجم الإصابة وازدياد أضرار الحشرة.
برامج المكافحة المتكاملة هي الحل
مهما بذلت وزارة الزراعة ومديرياتها من جهود وإمكانات في استخدام المبيدات لمكافحة السونة فإن النتائج الميدانية تشير إلى أن استجابة السونة للمبيدات وموتها يتراوح بين 70- 75% - وبالتالي لا يمكن القضاء على تلك الآفة من خلال المكافحة الكيميائية, لهذا لابد من تضافر جهود الجميع ودخول الفلاحين وتنظيمهم الفلاحي هذا المجال من خلال حملات وقائية.. فحتى الآن لا يتم التركيز على الجانب الوقائي في التصدي لحشرة السونة والأهم من ذلك: إلى أين وصلت الجهات المعنية في التطبيق الميداني لبرامج المكافحة المتكاملة والحيوية بعد أن أشبعت هذه البرامج دراسات وأبحاثا وبرامج علمية على مدى سنوات طويلة؟ فهل يعقل أن تدعو وزارة الزراعة الفلاحين إلى زراعة اللوزيات المبكرة من أجل تنشيط الأعداء الحيوية للسونة بدلا من تربية تلك الأعداء الحيوية وإكثارها في مخابر علمية متخصصة ثم إطلاقها في الوقت المناسب وخاصة فترة وضع الحشرة للبيض؟ وحتى لو عدنا إلى الطريقة الأقدم في المكافحة وهي طريقة جمع الحشرات الأم باليد, نجد أنها قد حققت نجاحا ملحوظا في سنوات استخدامها, واليوم لدينا آلاف العمال الزراعيين نساء ورجالا يمكن لهم القيام بذلك مقابل أجور مناسبة وليس كما تقدمه مديريات الزراعة (4000) ل.س فقط أجور جمع /1كغ/ من حشرات السونة بينما تدفع /10/ ل.س أجور جمع الحشرة الواحدة من الدبور الأقل خطورة وضررا واقتصادية من السونة.. كما لجأت الوزارة إلى رفع العتبة الاقتصادية للحشرة الأم (السونة) من 2 - 3 حشرات بالمتر المربع وهو الطور الأخطر لكون الحشرة الواحدة تبيض ثم يفقس بيضها نحو 150 حشرة, فلو احتسبنا أن كل متر مربع يجب أن يصل عدد الحشرات الأم فيه إلى 3 حشرات للبدء بالمكافحة لتطلب الأمر وجود 3000 حشرة بالدونم و30000 حشرة بالهكتار وهذه الأرقام ستتضاعف 150 مرة عندما تفقس البيوض وتتحول إلى أطوار جديدة.. لهذا كان من الأفضل التركيز على طور الحشرة الأم سواء من خلال الجمع باليد أو استخدام وسائل المكافحة, حتى ولو كان عدد الحشرات بالمتر المربع لا يتجاوز الحشرة الواحدة.. ولابد هنا من التأكيد على التركيز على الطرق الزراعية في برنامج المكافحة المتكاملة من خلال زراعة أصناف القمح المبكرة, والتبكير بموعد الزراعة وموعد الحصاد, والعناية بخدمة المحصول, وتطبيق الدورة الزراعية على مستوى القطاعات الزراعية, واستبدال زراعة الشعير ومحاصيل أخرى بزراعة القمح بشكل نسبي وتدريجي من موقع إلى آخر وخاصة بالمناطق الموبوءة بالسونة, وحرق مخلفات القمح بعد الحصاد.. وعزل الحبوب المصابة بمستودعات خاصة, ولكن يبقى لطرق المكافحة الحيوية الدور الأهم وربما الحاسم في التصدي لآفة السونة حيث يتواجد العديد من الأعداء الحيويين لتلك الحشرة, فهل سعت وزارة الزراعة ومن خلال مديرياتها إلى تنفيذ برامج المكافحة الحيوية وحماية ورعاية وتربية وإطلاق الأعداء الحيويين في الوقت المناسب, مع التركيز على كمية ونوعية المبيدات المستخدمة للمكافحة من أجل الحفاظ على الأعداء الحيويين.. أم ننتظر خسائر أكبر لاقتصادنا الوطني من خلال ما تسببه السونة من أضرار كبيرة لإنتاجنا الوطني من القمح؟!
محمد الخطيب
المصدر: الاقتصادية
إضافة تعليق جديد