19-11-2017
كواليس الإليزيه على ضوء أزمة الحريري
الدبلوماسية الفرنسية منهمكة في هذه الأيام في كيفية استغلال "تجربة الحريري" على نطاق أوسع بما يسمح لها باسترداد بعضاً مما فقدته من حضور في منطقة الشرق الأوسط خلال العهدين السابقين (خلال ولايتي الرئيسين السابقين نيكولا ساركوزي، الذي كان مقرباً من قطر خصوصاً ودول الخليج بشكل عام، ومعاد للمحور الإيراني السوري، وفرانسوا هولاند، الحليف الأوفى للسعودية وأيضاً دول الخليج الأخرى وكسلفه معاد لسوريا وإيران وحزب الله اللبناني).
هذا الكلام نلمسه بشكل واضح في العاصمة الفرنسية، إن على مستوى التصريحات العلنية، أو على مستوى الصحافة. ولكن الأهم هو ما يُحكى خلف الكواليس وفي اللقاءات المغلقة و"الدردشات" التي تجري بين مسؤولين فرنسيين يرفضون نشر أسماءهم وبعض الصحافيين، وكانت زيارة الحريري إلى الإليزيه مناسبة لعقد واحد من هذه اللقاءات شاركت به الميادين.
الواضح أن الدبلوماسية الفرنسية "فخورة" جداً بما تحقق في تجربة الوساطة للإفراج عن سعد الحريري، وتعتبره إنجازاً دبلوماسياً هاماً، وهي لن تتوقف عند هذا الحد، والكلام واضح أن أزمة لبنان لم تنتهٍ مع خروج الحريري من الرياض وذهابه إلى بيروت، بل ستتواصل اللقاءات والاتصالات في مختلف الاتجاهات "لتجنيب لبنان" أزمة لا يمكن أن يخرج منها قريباً. ولدى فرنسا ما يشبه خطة عمل تهدف إلى تمهيد الطريق أمام عودة الحريري عن استقالته، وهذا الأمر يحتاج الى اتصالات مكثفة مع الجانب اللبناني بشخص الرئيس ميشال عون من أجل تدوير الزوايا داخلياً بما يسمح للحريري بتحقيق بعضاً من "مطالبه في كتاب الاستقالة" على مستوى نشاط حزب الله ما يسمه له بتخفيف الضغط السعودي عليه.
وترى باريس بضرورة عودة العمل الحكومي في لبنان إلى ما قبل الاستقالة "فالتعاون بين الحريري وعون في السنة الماضية كان منتجاً والأمور كانت تسير بشكل إيجابي وسلس".
وتعتقد باريس أنها قادرة على لعب هذا الدور بعد اتباعها سياسة "التوازن والانفتاح" على الجميع، وتؤكد في هذا الإطار أن العلاقة مع إيران جيدة ومستمرة، وأن ما أثير في الإعلام مؤخراً بعد تصريحات ماكرون ووزير خارجيته جان إيف لودريان حول الصواريخ البالستية، ودور إيران في المنطقة "مبالغ به كثيراً، ويجب عدم الذهاب بالاستنتاجات إلى حدود الحديث عن "توتر"، فزيارة الرئيس ماكرون إلى طهران لا تزال على جدول أعمال الرئيس، وزيارة وزير الخارجية لودريان ستتم قريباً". ما يوحي بأن باريس تحاول الابتعاد عن لعبة المحاور الإقليمية، وعدم احتسابها على محور بمواجهة محور آخر، هي ردود المسؤولين الفرنسيين على أسئلة بعض الصحافيين المحسوبين على اللوبي الإسرائيلي في باريس، هؤلاء كرروا مراراً أسئلة من نوع: "ما هو موقفكم من إطلاق إيران للصاروخ البالستي نحو الرياض؟"وكانت إجابة المسؤول الفرنسي: "ما نعلمه هو أن الحوثيين تبنّوا إطلاق هذا الصاروخ، ونحن ندين هذه الأعمال، ونحن نقوم باتصالاتنا وبمبادرات على المستويين السياسي والانساني بعد إغلاق الحدود اليمنية لمنع الوصول إلى هذا الحد".
سئل المسؤولون الفرنسيون ومن الصحافيين ذاتهم عن "دور حزب الله التخريبي في المنطقة"، فقال "إننا ندين أي تدخل بالشأن السوري ليس من قبل حزب الله إنما من قبل كافة الأطراف والدور الوحيد الذي نتبناه، هو دور التحالف الدولي لمحاربة الارهاب"، وهو التحالف الذي تعد فرنسا جزءاً منه وتقوده الولايات المتحدة، أما بالنسبة لدور حزب الله في اليمن وفي العراق وفي لبنان، فردّ المسؤول الفرنسي إنه "لن يعلق على هذا الموضوع".
هذه الأجوبة تؤكد بأن فرنسا لا تريد الاشتباك مع إيران وحزب الله، وهي تكرر دائماً أنه يجب الفصل بين الاتفاق النووي مع إيران "الذي لن نتنازل عنه ولن نعيد النظر به، و"لكن بالنسبة للبرنامج الصاروخي الإيراني ودور إيران في المنطقة نحن هنا جديون وحازمون بضرورة مناقشة الأمر مع الإيرانيين ومع المجتمع الدولي ولابدّ من إيجاد اتفاق دولي كالاتفاق النووي بشأن البرنامج الصاروخي الإيراني".
وبالمقابل، يبدو أن الأمور قد تحسنت كثيراً خلال الأيام الأخيرة بين باريس والرياض. الفرنسيون يعتبرون أن الحركة الفرنسية في أزمة الحريري ساعدت السعودية على إيجاد مخرج لهذه الأزمة بعد تهديد لبنان حمل الملف إلى مجلس الأمن الدولي، وما تلا هذه الحملة من ردود فعل على المستوى الدولي منددة بالموقف السعودي، والرياض لمست أن المخرج الفرنسي ساعدهم على إيجاد المخرج الملائم منعاً للإحراج، وعلى هذا الأساس فإن الزيارة التي تأجلت ثلاث مرات لولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى باريس حدد موعدها مطلع العام المقبل.
فرنسا ترى أن الأزمة السورية هي محرك الأزمات في المنطقة، وما لم تجد هذه الأزمة حلاً لها فإن "المنطقة كلها ولبنان تحديداً ستبقى في دائرة التوتر".
الميادين نت
إضافة تعليق جديد