هكذا يخسـر الفـلاح مرتين! خفايا تراجع أرقام تسويق القمح

01-08-2017

هكذا يخسـر الفـلاح مرتين! خفايا تراجع أرقام تسويق القمح

صَدمة كبيرة أطاحت بأحد الفلاحين في ريف حماة لحظة إبلاغه أن ثمن محصوله من القمح الذي سارع بتسليمه إلى المؤسسة العامة لتصنيع وتسويق الحبوب قدر بـ 3 ليرات للكيلو الواحد، وعليه من الفواتير ما يصل إلى 100 ألف هكذا يخسـر الفـلاح مرتين!.. خفايا تراجع أرقام تسويق القمح.. «إكثار البذار» توزع بذار قمح فاسدة فحصدها شعيراً وشوفاناً والحبوب اشترتها بـ 3 ليراتكان عازماً على تسديدها بعد تسليم محصوله، فرفض المغلوب على أمره استلام المبلغ الزهيد قائلاً إن ربح التبن أكبـر، في حين وشى فلاح آخر من قرية المنقولة في حمص أنه زرع أرضه قمحاً استلم بذاره من المؤسسة العامة لإكثار البذار، فحصده شعيراً وشوفاناً، متسائلاً: أين لجان مراقبة التوزيع لتسجل ملاحظاتها على البذار الموزع حتى لا يغبن الفلاح وتحمله الجهات المعنية مسؤولية رداءة الإنتاج وتلفق التهمة عليه بعدم متابعته أرضه؟، وفي المقابل اكتفى أحد الفلاحين بفرد أسئلته على طاولة المسؤولين الافتراضية مفادها: أين الأسمدة التي وصلت ولم تصل؟ أين مازوت المضخات الذي يتم تقطير الفلاح به؟ فمن أصل 80 ليتراً تستهلكها المضخة يصلها6 ليترات.

تراجع تسويقي

يعلو سقف التساؤلات عند بعض الفلاحين لتنال من المكاتب والسيارات الفخمة وأرصدة الاعتماد الضخمة المطلية باسم الفلاحين، أين الدعم المجهر به للفلاح، ولماذا يبتعد الأخير عن أرضه؟ ونصل إلى نتيجة توثقها الأرقام الصادرة عن مديرية الإنتاج الزراعي في وزارة الزراعة التي حصلت «تشرين» على نسخة منها تكشف أن كمية الأقماح المسوقة حتى تاريخه قاربت 275 ألف طن من أصل 1.850مليون مخطط له، فما مبرر ضعف التسويق؟ من وراءه؟ ما حقيقة الأقماح المسعرة بـ 3 ليرات للكيلو الواحد؟ مع الإشارة إلى أن المخطط له للتسويق كان مقدراً بـ 2 مليون طن، لكن يبدو أن حال التسويق جعل وزارة الزراعة تتراجع عن أرقامها شيئا فشيئاً لتصل إلى القيمة المذكورة.
مؤشرات رقمية

بدأنا تقصي الحقائق من وزارة الزراعة على اعتبارها مقصد الفلاحين وراعية أوضاعهم، إلا أنه تبين لنا أن دورها يقتصر على الإشراف والتنسيق وإصدار الأرقام والإحصاءات، وعليه بين مدير الإنتاج الزراعي في الوزارة- المهندس عبد المعين القضماني أن المساحة المزروعة من القمح على مستوى القطر قاربت 1.2 مليون هكتار من أصل ما يقارب 1.8مليون هكتار مخطط له، في حين وصلت المساحات المحصودة إلى ما يقارب 745 ألف هكتار، تم تسويق 264206 أطنان لمصلحة المؤسسة العامة للحبوب و9871 طناً لمصلحة المؤسسة العامة لإكثار البذار، وبجمع الأرقام يتبين أن القيمة الإجمالية للتسويق وصلت إلى 274077 طناً أي ما يقارب 275 ألف طن وهي قيمة منخفضة مقارنة مع أرقام التسويق في العام الماضي التي تجاوزت 412 ألف طن.

لماذا تراجعت؟

على خلفية الأرقام السابقة يتبادر إلى الذهن سؤال مفاده، لماذا تراجعت أرقام التسويق على الرغم من تحسن الظروف مقارنة مع العام الماضي؟ وعليه يجيب رئيس مركز التسويق والتصنيع في الاتحاد العام للفلاحين خطار عماد أن الخطة المطروحة من قبل وزارة الزراعة تشمل القطر على امتداد جغرافيته، والمشكلة حسب رأيه تكمن في منع المجموعات الإرهابية المسلحة الفلاحين في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور من تسويق أقماحهم للدولة واستأثروا به، مع العلم أن تلك المحافظات كانت تتبوأ المراكز الأولى في إنتاج القمح وتسويقه قبل الأزمة، ورغم ذلك تجاوز الإنتاج المسوق من الحسكة حتى تاريخه 154 ألف طن، مع الإشارة إلى أن تسويق القمح كان يصل قبل الحرب على مستوى القطر إلى 3.5 ملايين طن وكان للحسكة الحيز الأكبر منه، مضيفاً إن عدم القدرة على إيصال المستلزمات اللازمة من الأسمدة و المحروقات للفلاحين عموماً وفلاحي الحسكة خصوصاً أدى إلى خروج العديد من المساحات من الإنتاج، إضافة إلى خروج المشاريع المروية المقامة على نهر الفرات عن السيطرة، ما تسبب في خروجها هي الأخرى من الإنتاج.
والمناطق الآمنة

ربما الحديث عن المناطق خارج السيطرة لا يقدم شيئاً ولا يؤخر وقد يكون المبرر منطقياً ومقنعاً، لكن ماذا عن التسويق في المناطق الآمنة؟ وكان رد عماد أن الإنتاج الراهن تركز في حماة التي تجاوزت الخطة التسويقية المخطط لها، حيث وصلت كميات القمح المسوق منها إلى70 ألف طن في حين كان المخطط لها يعادل الـ 165 ألف طن، الحال ذاتها تنطبق على طرطوس التي تجاوزت خطتها التسويقية ووصلت الكميات المسوقة منها إلى 3897 طناً، في حين قاربت اللاذقية وريف دمشق من أرقام خطتهما التسويقية المخطط لهما، أما درعا والسويداء فكان تأخر الحصاد سيد المشهد التسويقي، وعزا عماد ذلك إلى انخفاض عدد الحصادات في المحافظتين يرافقه تأخر وصول الأسمدة والمحروقات إلى الفلاحين، يضاف لها أجور النقل واليد العاملة والجرارات والحصادات وغيرها.
إبراق!

اللافت أن شكاوى الفلاحين السالفة الذكر لم تكن جديدة على مسامع الجهة الناطقة باسمهم، و-حسب عماد – فإن الاتحاد العام للفلاحين وبعد علمه بقصة العينتين اللتين تم شراؤهما من الفلاحين بقيمة 3 ليرات للكيلو الواحد، قام بتوجيه مجموعة من الكتب إلى وزارة التجارة الداخلية ممثلة بالوزير للفت الانتباه إلى ما حصل بتلك المادة المسوقة وعليه تشكلت لجنة لمتابعة هذا الأمر ولا يزال الاتحاد منتظراً الرد، وأكد عماد أن الاتحاد لاحظ تدني بعض أسعار القمح المسوقة بسبب ارتفاع نسبة الشعير والشوائب في الكميات المسوقة لبعض الفواتير التي لا يتجاوز عددهم 27 فلاحاً، وعلى إثرها قام الاتحاد بمراسلة وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك للمتابعة وإعادة النظر وتبرير الحالة لمساعدة الفلاح، مضيفاً إن نسبة ارتفاع الشعير بتسويق القمح أدى إلى انحدار حاد ببعض الفواتير وكان الفرق بين القمح المسوق نخب أول والآخر ذي النخب الرابع بمسافات كبيرة لجهة السعر، مبيناً أنها كانت أقل من التكلفة وهذا أثر سلباً في التسويق وفي الفلاح أيضاً.

العلة بالمواصفات!

لم تنتظر «تشرين» وصول رد وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على مراسلات الاتحاد العام للفلاحين، وتابعت مصير الشكاوى في المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب التي بين مديرها العام يوسف قاسم أن العينات المذكورة مؤلفة من عينتين، الأولى تبلغ 3 أطنان والثانية 4 أطنان وهي لا تتجاوز 1% (بالمليون) من حجم الإنتاج المسوق في حماة، عازياً انخفاض سعر شرائهما من الفلاحين إلى انخفاض نسبة المواصفات القياسية التي تعتمدها المؤسسة في التسعير والشراء من الفلاح، ووفق قاسم فإن نسبة الإصابة بحشرة السونة تراوحت بين (50– 60%) في كلتا العينتين، إضافة إلى وصول نسبة الشعير فيهما بحدود (15- 20%) في كلتا العينتين، إضافة إلى أن الثقل النوعي فيهما أقل بـ 10 درجات عن الحد الأدنى للثقل النوعي المعتمد، ولذلك تم شراؤها وفق مواصفاتها الفعلية الواقعية، بعد تشكيل لجنة مشتركة من وزارة الزراعة والمؤسسة العامة لإكثار البذار ومحافظة حماة لتحليل العينات وفق واقعها الفعلي، ومع ذلك لم ترفض المؤسسة الشراء حتى لا تترك الباب مفتوحاً أمام تجار الأزمة لاستغلال الفلاح بحجة رفض أقماحه الموردة واستثمار ذلك بطرق عدة، ورجّح قاسم أن تكون العينات المذكورة قد جاءت من أرض زراعية مهملة وغير متابعة، وحسب قوله لو تابع أصحابها أراضيهم لما وصلوا إلى تلك النتيجة، علماً أن الفواتير المتعلقة بتلك العينات موثقة، والمؤسسة تشتري القمح النخب الأول بـ140 ليرة للكيلو ويتم وضع الحسميات حسب المواصفات المسلّمة.بذارة ولكن!

من غير المنطقي ألا يتابع فلاح أرضه، هكذا رد الفلاحون على كلام قاسم، مؤكدين أن البذار الذي استلموه من المؤسسة العامة لإكثار البذار- كان شائباً ولم «يخترعوا» بذاراً جديداً لمحصولهم. وهنا يرد مدير المؤسسة العامة لإكثار البذار الدكتور بسام السليمان أن لا صحة لذلك، مبيناً أن الفلاح يستلم حصته من البذار، ويضعه في البذارة التي تكشف ما إذا كان شائباً أم لا، وبناء على النتيجة يحق للفلاح أن يتقدم بشكوى إلى المؤسسة عبر فروعها وبعد شهر من تاريخ التسليم تتم متابعة الموضوع، مضيفاً أن أكياس البذار تصل إلى المزارع بشكل إفرادي أو جمعي وهناك معملان أحدهما في حماة والآخر في إزرع بدرعا مسؤولان عن تقديم المواصفات حسب المرحلة.لماذا العينتان؟!

وفي السياق ذاته بيّن السليمان أن فترة الحصاد تأتي بعد سبعة أشهر من تاريخ الاستلام وهي كفيلة للتساؤل في حال عدم مراجعة الفلاحين الذين لديهم شكوك حول أكياس البذار عن الأخير المستخدم في الزراعة وما إذا كان البعض زرع من مخزونه الذاتي، مع الإشارة إلى أن وزارة الزراعة وجهت بتسليم 25 كيلو من البذار للدونم الواحد، لكن هناك من يزرع (35 – 40) كيلو غراماً للدونم الواحد، متسائلاً: من أين تأتي بقية المنتج؟ وأكد أن المؤسسة تغطي 25 % من حاجة القطر والبقية فهي تمويل ذاتي، ووزعت حوالي 22 ألف طن من البذار على مستوى المحافظات بلغ نصيب كل من حمص وحماة حوالي 3000 طن، فلماذا لم يخرج من كل تلك الكمية إلا تلك العينتين المذكورتين؟!


مجلس رحمة


بعد كل تلك الآراء والردود لا تزال هناك أسئلة مشروعة وأجوبة غامضة عمن يقف وراء عدم متابعة الفلاح لأرضه إن وافقنا قاسم الرأي؟، والسؤال الأهم هل الخبز في مأمن إذا بقى التسويق على تلك الوتيرة؟ وما الجدوى من كتب مراسلات الاتحاد العام للفلاحين إذا كانت لم تقدم ولم تؤخر شيئاً في النتيجة؟ وهل الإبراق كاف لإيصال صوت الفلاح واعتلاء اسمه؟ وإذا لم تكن المؤسسة العامة لإكثار البذار سلمت الفلاحين بذاراً فاسداً، فكيف وصل البذار الشائب إلى يد الفلاح؟ وأما المؤسسة العامة لتصنيع وتسويق الحبوب التي كلفت نفسها عبء عقد لجان من جهات عديدة لتحليل العينات المذكورة التي تم الاعتراف أن الأخيرة لا تشكل واحد بالمليون من كمية الأقماح المسوقة، نسأل ألا يشفع للفلاحين الذين سلموا المؤسسة كل تلك الكميات أن يتم استحداث مجلس رحمة بمحاصيلهم بدلاً من غفر الجهود لإثبات أنها رديئة من دون الأخذ بالحسبان رداءة الأحوال التي يعمل بها الفلاح؟، ومهما كانت الأقماح رديئة هل من المعقول أن يسعر الكيلو بـ 3 ليرات؟، ونحن في زمن وصلت فيه العلكة الرديئة الطعم إلى المئة ليرة، يبدو أن المشكلة ليست بدعم الفلاح بقدر ما هي كامنة في آلية الدعم.

أروى شاهين - تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...