(النص الكامل) لحوار صحيفة ليتيرارني نوفيني التشيكية مع الرئيس بشار الأسد

15-01-2015

(النص الكامل) لحوار صحيفة ليتيرارني نوفيني التشيكية مع الرئيس بشار الأسد

أكد السيد الرئيس بشار الأسد في مقابلة مع صحيفة ليتيرارني نوفيني التشيكية نشرتها اليوم أن سورية تقف ضد قتل الأبرياء في أي مكان في العالم مشيرا إلى أن السياسيين الغربيين قصيرو النظر وضيقو الأفق وما حدث في فرنسا مؤخرا أثبت أن ما قلناه للغرب بأنه لا يجوز أن يدعموا الإرهاب ويوفروا مظلة سياسية له لأن ذلك سينعكس على بلدانهم وشعوبهم كان صحيحا.

وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:

السؤال الأول: سيادة الرئيس، أود أن أبدأ من البداية، قبل أقل من عقد من الزمن، كانت سورية تبني علاقاتها مع الغرب وتطبق الإصلاحات التي اقترحها البنك الدولي، وكان السيد جون كيري حتى عام 2010 يدعوكم “صديقي العزيز”. ثم، فجأة، بين ليلة وضحاها، تغيّر كل شيء فأصبحت ديكتاتوراً وباتوا يشبهونك بهتلر. ما رأيكم بذلك، وكيف نستطيع أن نفسّر هذا التغيّر الجذري؟

الرئيس الأسد:

في الواقع، أنا لم أتغير على الإطلاق، لا أنا ولا سياساتنا ولا قيمنا أو مبادئنا. المشكلة مع الغرب، وهي ليست مشكلة جديدة، وتتعلق باستقلال بلادنا. وهذه في الواقع مشكلة الغرب مع العديد من البلدان الأخرى، ومنها سورية. خلال الفترة التي ذكرتها حول العلاقات مع الغرب بين عامي 2008 و2010، كانت العلاقة جيدة لكنها في الحقيقة لم تكن مبنية على الاحترام المتبادل. على سبيل المثال، كانت فرنسا تريد من سورية أن تلعب دوراً مع إيران فيما يتعلق بالملف النووي. لم يكن المطلوب المشاركة في ذلك الملف بل إقناع إيران باتخاذ خطوات تتنافى مع مصالحها، فرفضنا ذلك. كما أرادوا منّا أن نتخذ موقفاً ضد المقاومة في منطقتنا قبل إنهاء الاحتلال والعدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين والبلدان المجاورة، فرفضنا ذلك أيضاً. أرادوا منّا أن نوقّع اتفاقية الشراكة الأوروبية التي تتعارض مع مصالحنا وتحوّل بلادنا إلى سوق مفتوح لمنتجاتهم، بينما يمنحوننا جزءاً صغيراً جداً من أسواقهم. رفضنا القيام بذلك لأنه يتعارض مع مصالح الشعب السوري. هذه أمثلة قليلة على تلك العلاقة، ولذلك اتخذوا ذلك القرار. الأمر ذاته يحدث الآن مع روسيا؛ فقبل عقدين كانت روسيا صديقاً مقرباً للغرب. فجأة، أصبحت روسيا بلداً عدوانياً، وشرع الغرب في شيطنة الرئيس بوتين واستعمل حملة شبيهة للحملة الدعائية في الحالتين السورية والروسية. إذاً، المشكلة تكمن في استقلال هذه البلدان. ما يريده الغرب هو دول تابعة تحكمها دمى، هذا جوهر المشكلة مع الغرب. الأمر لا يتعلق بالديمقراطية ولا بالحرية ولا بدعم شعوب هذه المنطقة. والمثال الصارخ على ذلك هو ما حدث في ليبيا وأعمال القتل المستمرة في سورية بدعم من الغرب.

السؤال الثاني: لكن، في ذلك الوقت، عندما بدأت الولايات المتحدة ما سمّته الحرب على الإرهاب، كانت سورية تساعد وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فيما يتعلق ببرامج التحقيق والتعذيب. لماذا انضممتم إلى ذلك البرنامج؟

الرئيس الأسد:

تقصدين قبل الأزمة؟

الصحفية: نعم.

الرئيس الأسد:

نحن نعاني التطرّف منذ أكثر من خمسة عقود من الزمن. والإرهاب، بشكله الصارخ، ظهر في سورية في سبعينيات القرن العشرين. منذ ذلك الحين طالبنا بالتعاون الدولي لمكافحة الإرهاب. في حينها لم يكترث أحد لذلك. في الغرب، لم يكونوا على علم بهذه المشكلة. ولذلك كنّا مستعدين دائماً للمساعدة والتعاون مع أي بلد يرغب بمكافحة الإرهاب. لذلك السبب ساعدنا الأمريكيين، وكنا مستعدّين دائماً لمشاركة أي بلدٍ يسعى بإخلاص لمكافحة الإرهاب. ولم ولن نغيّر موقفنا حيال ذلك أبداً، سواء قبل الأزمة أو خلالها أو بعدها. مشكلة الغرب أنه لم يفهم كيفية التعامل مع هذه القضية. اعتقدوا أن مكافحة الإرهاب شبيهة بلعبة من ألعاب الكمبيوتر، وهذا غير صحيح. تنبغي مكافحة الإرهاب عن طريق الثقافة، والاقتصاد، وفي مختلف المجالات.

السؤال الثالث:عطفاً على موضوع الإرهاب، لا شك في أنكم سمعتم بأحداث فرنسا مؤخراً. ما تعليقكم على ذلك؟

الرئيس الأسد:

عندما يتعلق الأمر بقتل المدنيين، وبصرف النظر عن الموقف السياسي، والاتفاق أو الاختلاف مع الأشخاص الذين قُتلوا، فإن هذا إرهاب. ونحن ضد قتل الأبرياء في أي مكان في العالم. هذا مبدؤنا. نحن أكثر بلدان العالم فهماً لهذه المسألة لأننا نعاني هذا النوع من الإرهاب منذ أربع سنوات، وقد خسرنا آلاف الأشخاص الأبرياء في سورية. ولذلك فإننا نشعر بالتعاطف مع أُسر أولئك الضحايا. لكننا، وفي الوقت نفسه، نريد تذكير كثيرين في الغرب بأننا نتحدث عن هذه التداعيات منذ بداية الأزمة في سورية. كنّا نقول: لا يجوز أن تدعموا الإرهاب وأن توفّروا مظلة سياسية له لأن ذلك سينعكس على بلدانكم وعلى شعوبكم. لم يصغوا لنا، بل كان السياسيون الغربيون قصيّري النظر وضيّقي الأفق. وما حدث في فرنسا منذ أيام أثبت أن ما قلناه كان صحيحاً، وفي الوقت نفسه، فإن هذا الحدث كان بمثابة المساءلة للسياسات الأوروبية لأنها المسؤولة عما حدث في منطقتنا وفي فرنسا مؤخراً، وربما ما حدث سابقاً في بلدان أوروبية أخرى.

السؤال الرابع:في رأيكم، ما أفضل طريقة لمكافحة الإرهاب؟

الرئيس الأسد:

يجب أن نفرّق بين محاربة الإرهابيين ومكافحة الإرهاب. إذا أردنا أن نتحدث عن الواقع الراهن، فعلينا أن نحارب الإرهابيين لأنهم يقتلون الناس الأبرياء وعلينا الدفاع عن هؤلاء الناس. هذه هي الطريقة الأكثر إلحاحاً وأهميةً الآن لمعالجة هذه القضية. لكن إذا أردنا أن نتحدث عن مكافحة الإرهاب فهذه لا تحتاج إلى جيش، بل هي بحاجة إلى سياسات جيدة. تنبغي محاربة الجهل من خلال الثقافة. كما ينبغي بناء اقتصاد جيد لمكافحة الفقر، وأن يكون هناك تبادل للمعلومات بين البلدان المعنية بمكافحة الإرهاب.
المشكلة لا تتم معالجتها كما جرى في أفغانستان، أقصد ما فعلوه في أفغانستان في العام 2001. كنت قد قلت لمجموعة من أعضاء الكونغرس الأمريكي زاروا دمشق في تلك الفترة، وكانوا يتحدثون عن غزو أفغانستان انتقاماً لما حدث في نيويورك حينها. قلت: ما هكذا يعالج الأمر، لأن مكافحة الإرهاب أشبه بمعالجة السرطان. السرطان لا يعالج بشَقِّه أو إزالة جزء منه، بل باستئصاله كلياً. ما حدث في أفغانستان هو أنهم شقّوا جرحاً في ذلك السرطان، وكانت النتيجة أنه انتشر بسرعة أكبر. لذلك، وكما قلت، ينبغي التركيز على السياسات الجيدة وعلى الاقتصاد والثقافة.

الصحفية: إذاً، كنت تكرر قول ذلك للسياسيين الأوروبيين، لكنهم لم يصغوا لك.

الرئيس الأسد:

تماماً.

السؤال الخامس:هل تعتقد أن سياسات الاتحاد الأوروبي، أو الدول الأعضاء فيه، تغيّرت بشكل ما حيال سورية خلال العام الماضي؟

الرئيس الأسد:

ثمة تغيّر بطيء وخجول، لكنهم لا يعترفون علناً بأنهم كانوا مخطئين. لا يجرؤون على فعل ذلك لأنهم مضوا في هذا الطريق أبعد مما ينبغي، فقد شيطنوا سورية، الدولة والرئيس والجيش وكل شيء. ما الذي يستطيعون قوله للرأي العام عندهم الآن بعد أربع سنوات؟ هل يقولون إنهم كانوا مخطئين؟ لا يستطيعون فعل ذلك. لذلك فإنهم يقولون إنهم يعترفون بوجود الإرهاب في منطقتنا، لكنهم يضيفون أن سبب ما حدث هو الرئيس. لا يعترفون بأي شيء آخر. إذاً، هناك بعض التغيير ولدينا اتصالات مع بعض المسؤولين على مستويات مختلفة، وهي اتصالات غير معلنة بالطبع، فنحن لا نذكر أسماء الأشخاص أو الدول. وقد قال هؤلاء المسؤولون إن السياسات الأوروبية كانت خاطئة، وإنهم يريدون تصحيح هذه السياسات. نحن لا مشكلة لدينا، فالمسألة ليست مسألة حب وكراهية، بل تتعلق بمصالح الدول. لكني لا أعتقد أنهم سيحدثون تغييرات سريعة لأننا لم نرَ أي جهود جدية يبذلها أي بلد أوروبي حتى الآن.

السؤال السادس: هل لديكم أي آراء خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لجمهورية التشيك حيال سورية؟

الرئيس الأسد:

إذا نظرنا إلى الاتحاد الأوروبي بشكل عام نرى أن دوله لم تتخذ مواقف متماثلة خلال الأزمة. كانت جمهورية التشيك ورومانيا من البلدان التي احتفظت بعلاقاتها مع سورية خلال الأزمة، وهذا أمر مهم، رغم أنه لا يعني أنهما تدعمان حكومتنا أو تتفقان معها حول كل شيء، أو حول بعض الأشياء، أو أي شيء من هذا القبيل، بل يعني أنه طالما ظلت هذه العلاقات قائمة فإنهما يستطيعان فهم ما يحدث بطريقة أفضل. وهكذا، أستطيع القول فيما يتعلق بجمهورية التشيك إن علاقاتنا لم تكن جيدة جداً قبل الأزمة، لكن خلال الأزمة تبيّن أن لديها رؤية أوضح من غيرها. فقد كان ذلك لعدة أسباب، لكن السبب الأكثر أهمية هو أنه من خلال المحافظة على هذه العلاقات، بوسعها رؤية الأمور وتحليلها وفهم ما يحدث فعلاً، وبذلك تكون أكثر موضوعية من البلدان الأوروبية الأخرى.

السؤال السابع:تحدثتم عن شيطنة سورية ورئيسها؛ وأود أن أسمع تعليقكم حول بعض هذه الاتهامات. على سبيل المثال، لا يزال هناك رأي شائع مفاده أن رفضك التنحي هو السبب الوحيد للحرب الجارية في سورية. ما رأيك بذلك؟

الرئيس الأسد:

لا يمكن لرئيس البقاء أربع سنوات في ظل مثل هذه الأزمة في موقعه من دون دعم الرأي العام السوري والشعب السوري، وخاصة أننا نتعرض لعدوان من الولايات المتحدة، ومعظم البلدان الأوروبية، والعديد من البلدان الإقليمية، ومنها بعض البلدان المجاورة لسورية، مثل تركيا، والأردن، وبعض الأطراف في لبنان، وبلدان الخليج بمليارات الدولارات التي تمتلكها. إذاً، كيف نستطيع الصمود من دون دعم الشعب السوري؟ هذا أمر بدهي ولا يستطيع أحد إنكاره إلا إذا كانوا يتحدثون عن /سوبرمان/. وليس لدينا /سوبرمان/ في سورية بل هناك إنسان. إذاً: ذلك يؤكد أن الشعب السوري يدعم رئيسه، وعليه، هل يمكن الحديث عن شعب يدعم رئيسه لإحداث المزيد من القتل والإرهاب؟ نحن نتحدث هنا عن أغلبية الشعب السوري، وهي بالملايين، هل يمكن لكل هؤلاء أن يدعموا الرئيس فقط كي يتعرضوا للمزيد من الإرهاب؟ أليس في ذلك اتهام للشعب نفسه بأنه لا رؤية واقعية له. إن هذا غير منطقي.
في الحقيقة إنهم يدعمون الرئيس لأنهم يعرفون أن ما حدث في سورية منذ البداية كان بسبب الأموال التي أنفقتها قطر في البداية على دعم المظاهرات ولتكوين حالة دعائية بأن ثمة ثورة في سورية، ومن ثم الأموال التي أنفقتها قطر والسعودية دعماً للإرهابيين بالمال والسلاح والدعم اللوجستي، ولاحقاً تركيا التي قدمت وتقدم كل الدعم اللوجستي وقنوات الإمداد للإرهابيين في سورية، وهناك بالطبع الأردن والبعض في لبنان. هذا هو الواقع. هذا ما حدث في سورية، الأمر لا يتعلق بالرئيس ولا بوجود الرئيس في هذا المنصب. السؤال الآخر هو: ما العلاقة بين وجود /داعش/ والقاعدة في سورية ووجود الرئيس؟ ما العلاقة بين الأمرين؟ هل نستطيع القول إن سبب أحداث 11 أيلول في نيويورك كان وجود الرئيس بوش، ولو تغيّر بوش لما وقعت أحداث 11 أيلول؟ هذا غير واقعي وغير منطقي للبعض. وهم يعرفون ذلك، لكنهم يصرون على الاستمرار بسرد الأكاذيب للأسباب نفسها التي ذكرتها آنفاً وهي أنهم لا يجرؤون على الاعتراف بأنهم كانوا مخطئين وأنهم أخطؤوا قراءة الوضع في سورية، وأنهم أصغوا إلى بلدان جاهلة ومسؤولين جهلة في قطر والسعودية، وأنهم باعوا قيمهم مقابل البترودولارات، انقادوا وراء هاتين الدولتين، وهذا هو السبب الحقيقي لما حدث في سورية، وليس عدم تنحي الرئيس أو بقاءه في هذا المنصب.

السؤال الثامن: ثمة ادعاء آخر واسع الانتشار في جمهورية التشيك حتى الآن مفاده أنك تشن عملية قتل جماعي ضد شعبك. ما رأيك بذلك؟

الرئيس الأسد:

الجواب نفسه. كيف يمكن لرئيس أن يقتل شعبه، وبالتالي أن يكون شعبه ضده، والعالم كله ضده، ورغم ذلك يستمر في المنصب نفسه. ما القوة التي تبقي الرئيس في هذا المنصب؟ الجواب هو نفسه. هذا غير واقعي، كما قلت. المسألة لا تتعلق بالتنحي. إننا ندافع عن شعبنا. أنا أتمتع بدعم الشعب السوري لأنني أدافع عن هذا البلد. لا يستطيع رئيس قتل شعبه، ومحاربة الإرهابيين، ومحاربة العالم، والبقاء رغم كل ذلك في منصبه. هذا غير واقعي.

السؤال التاسع: والاتهام الأحدث هو أنك شريك ل/داعش/ لأن الجيش السوري لا يحارب /داعش/، كما أن /داعش/ لا يحارب الجيش السوري.

الرئيس الأسد:

إذاً هذا يعني أني أدعم /داعش/ كي يقتل جنودنا ويستولي على قواعدنا العسكرية وبالوقت نفسه نستفيد من /داعش/. كيف ذلك؟. مرة أخرى ثمة تناقض في هذا. هناك ادعاء آخر شائع في الغرب هو أننا نستفيد من الضربات الأمريكية ضد /داعش/. بعضهم قال ذلك. كيف؟ إذا كنا ندعم /داعش/ فإننا لا نستفيد من الضربات الأمريكية. وإذا كانوا يقولون إننا نستفيد من الضربات الأمريكية فنحن ضد /داعش/. بعيداً عن كل ذلك، أؤكد مجدداً أننا نحارب جميع أشكال الإرهابيين، سواء كان /داعش/ أو /جبهة النصرة/ أو غيرهما. ليس هناك سبب واحد يدعو للقول إننا ندعم /داعش/. ليس لدينا أي مبرر لذلك.

السؤال العاشر: فيما يتعلق ب/داعش/، وعلى الأقل من المنظور الأوروبي، فإن الإسلام الراديكالي يكتسب المزيد من القوة في المنطقة وإنه سينتشر أكثر فأكثر. هل تعتقد ذلك، أم إنها ظاهرة ستختفي خلال عشرة أعوام أو شيء من هذا القبيل؟

الرئيس الأسد:

02نحن كمسلمين معتدلين لا نعتبر هذا الإسلام المتطرف إسلاماً. ليس هناك تطرف في أي دين، سواء كان الإسلام أو المسيحية أو اليهودية. كل الأديان معتدلة، وعندما يكون هناك تطرف فهو انحراف عن الدين لكن إذا أردنا استعمال مصطلح الإسلام الراديكالي، كما قلتِ، أعتقد أن هذا صحيح، لأن الإسلام الراديكالي تم غرسه في أذهان شعوب المنطقة لما لا يقل عن أربعة عقود بتأثير من الأموال السعودية ونشر التفسير الوهابي للإسلام، وهو تفسير متطرف للغاية ومنحرف جداً عن الإسلام الحقيقي، ويشكل أساس الإرهاب في هذه المنطقة. وهكذا، وطالما استمر تدفق هذه الأموال بالاتجاه نفسه وللأسباب نفسها، من خلال المدارس الدينية والقنوات التلفزيونية الدينية، وما إلى ذلك، فإنه سيصبح أكثر انتشاراً، ليس فقط في منطقتنا بل في أوروبا أيضاً. وما حدث مؤخرا في فرنسا مؤشر قوي على ذلك. أعني أن هذا الحدث الإرهابي الذي وقع في باريس لم يأتِ من فراغ. لم يحدث لأن بعض الأشخاص أرادوا الانتقام لنشر بعض الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد. في الواقع، فإن هذه هي النتيجة الطبيعية للإيديولوجيا المتطرفة والمنغلقة والقروسطية التي يعد منشؤها الأصلي السعودية. وهكذا، ليس ثمة ما يدعو للقول إن هذه الإيديولوجيا ستتراجع في المستقبل القريب ما لم يوقف العالم تدفق الأموال في الاتجاه الخطأ في دعم هذه الإيديولوجيا المتطرفة التي تفضي إلى هذا النوع من الإرهاب.

السؤال الحادي عشر:أعتقد أنك قلت في صيف العام الماضي بأن العمليات الرئيسية للحرب ستنتهي وأنه سيحين وقت الشروع في عملية إعادة بناء البلاد. هل تعتقد أن هذه المقولة لا تزال صحيحة؟

الرئيس الأسد:

في الواقع.. عندما تحدث حرب في أي بلد، فإن المجال الأكثر أهمية في الاقتصاد هو عملية إعادة إعمار البلاد. سيكون هذا هو الجزء الأكبر من اقتصادنا، وقد بدأنا بوضع الخطط للشروع في عملية إعادة الإعمار. ولا يتعلق الأمر بالبنية التحتية وحسب، بل يتعلق أيضاً بإعادة بناء الإنسان. لكني أتحدث الآن عن الاقتصاد.

الصحفية: أتحدث عن إعادة الإعمار لأن العديد من البلدان تدعم الحرب الدائرة حالياً في سورية، لكن ما إن تبدأ عملية إعادة الإعمار، حتى تصبح متلهفة للمشاركة في العملية من أجل الحصول على بعض الأرباح من عملية إعادة إعمار سورية نفسها التي تشارك هذه البلدان حالياً في تدميرها. ما هي البلدان التي تعتقدون أنها ستنضم إلى هذا الجهد؟

الرئيس الأسد:

لدينا خططنا بالطبع، وقد بدأنا ببعض المناطق التي تحققت فيها المصالحة وعادت الحياة فيها إلى طبيعتها. إنها خطة بعيدة المدى وستشمل مناطق مختلفة من سورية ألحق الإرهاب بها الدمار. فيما يتعلق بالبلدان التي يمكن أن تشارك في إعادة الإعمار فإن العملية ستكون انتقائية ولن تكون مفتوحة للجميع. لا أعتقد أن الشعب السوري سيقبل بمشاركة أي شركة من بلدٍ معادٍ كان مسؤولاً بشكل مباشر أو غير مباشر عن سفك الدم السوري خلال الأزمة. لكن بوصفكِ صحفية تشيكية، يمكنني القول إن جمهورية التشيك قد تكون أحد البلدان التي ستشارك في عملية إعادة الإعمار لأنها كانت أكثر موضوعية من معظم الدول الأوروبية الأخرى رغم الضغوط التي مورست على حكومتها ومسؤوليها كي تقطع علاقاتها مع سورية. ولذلك علينا أن نظهر تقديرنا لهذا الموقف، وبوسعيَ القول إن الأبواب ستكون مفتوحة لمثل هذا التعاون في هذا المجال من الاقتصاد.

الصحفية: يسعدني سماع ذلك. لكني لا أستطيع أن اتخيل إمكانية حدوث مصالحة في سورية بعد أربع سنوات من الحرب. أعتقد أنها عملية صعبة للغاية للتغلب على العداوات التي نمت خلال هذه الفترة. هل لكم أن تصفوا لنا الجهود التي تبذلونها في هذا الاتجاه؟

الرئيس الأسد:

لحسن الحظ، إنك تطرحين هذا السؤال في وقت نجحت فيه جهود المصالحة في العديد من المناطق، ونحن لا نتحدث عن شيء خيالي أو مجرد أمنيات. لقد حدث هذا في الواقع. في البداية كان السؤال الذي طرحناه على أنفسنا هو السؤال نفسه الذي تطرحينه الآن. هل سننجح؟ هل يمكن للناس أن تنسى العداوات والدماء؟ هذا أمر ليس بالسهل، ولم يكن سهلاً في البداية، خصوصاً عندما يكون مع جماعات مختلفة، بعضها متطرف يرفض هذه المصالحة، ك/جبهة النصرة/ و/داعش/ في بعض المناطق. وقد نجحت هذه المجموعات فعلياً في إفشال هذه المحاولات. أما في مناطق أخرى حيث أصرّت أغلبية المجموعات على تحقيق المصالحة، فإن المصالحة نجحت وتمكّنت المجموعات المنخرطة فيها من إخراج المجموعات المعارضة لها من مناطقها. وإذا أردنا التحدث عن الواقع، فإن الأشخاص الذين كانوا يقاتلون بعضهم بعضاً، إلى جانب الحكومة أو ضدها عادوا إلى ممارسة حياتهم الطبيعية وأعادوا بناء علاقات الصداقة فيما بينهم، ويتعاملون مع بعضهم البعض بشكل يومي لأنهم كانوا أصدقاء وجيرانا قبل الأزمة وقبل الأحداث. في الواقع، لقد نجحت جهود المصالحة في معظم المناطق لأن الأشخاص الذين شاركوا فيها أدركوا أنهم كانوا قبل المصالحة يمضون في الاتجاه الخطأ، وأدركوا أنهم كانوا يُستعملون كأدوات مقابل الأموال التي كانت تتدفق من قطر والسعودية وفي خدمة ايديولوجيا أردوغان الإخوانية المنغلقة في تركيا. وأدركوا أنهم ألحقوا الضرر ببلادهم، فتحولوا إلى الاتجاه الصحيح، وهنا كان النجاح. إذاً، جوابي هو أن العملية نجحت، وأن الأبواب مفتوحة أكثر من أي وقت مضى للمزيد من المصالحات، وبمرور الوقت ستنضم أعداد أكبر من السوريين إلى المصالحة وستدرك أعداد أكبر من السوريين أنه لا يمكن الاستمرار في ذلك الاتجاه، إلا إذا كنّا نريد تدمير مجتمعنا وأنفسنا وبلدنا بشكل كامل.

السؤال الثاني عشر: قد تكون إحدى عمليات المصالحة هي تلك التي ستجري في موسكو نهاية كانون الثاني، حيث ستتناقش حكومتكم على الأقل مع بعض أعضاء المعارضة. هل تتوقعون بعض النتائج الملموسة لهذا الحوار؟ وما رأيكم في هذه المبادرة الروسية؟

الرئيس الأسد: برأيي الموقف الروسي هو دعم سورية في حربها ضد الإرهاب، وهذا أمر مهم، وفي الوقت نفسه فتح الباب أمام مسار سياسي، وموقفنا يتطابق مع هذا الموقف وهو أننا لا نرغب بإضاعة أي فرصة سياسية، وهذا ما نحاول فعله، وإذا نجحنا فهذا أمر جيد. وإذا لم ننجح فإننا لن نخسر شيئاً. وهكذا، فإننا ذاهبون إلى روسيا ليس للشروع في الحوار وإنما للاجتماع مع هذه الشخصيات المختلفة لمناقشة الأسس التي سيقوم عليها الحوار عندما يبدأ، مثل: وحدة سورية، ومكافحة المنظمات الإرهابية، ودعم الجيش ومحاربة الإرهاب، وأشياء من هذا القبيل. لكن فيما يتعلق بما أتوقعه من هذا الاجتماع، أعتقد أن علينا أن نكون واقعيين، إذ اننا نتعامل مع شخصيات، وعندما نتحدث عن المعارضة فإننا لا نتحدث عن شخص يعارض شيئاً ما. يمكن لأي شخص أن يعارض أي شيء. المعارضة، بالمعنى السياسي هي حزب، أو كيان لديه ممثلون في الإدارة المحلية، أو البرلمان، ويمكن أن يؤثر في الناس في بلده ويعمل من أجل بلده ولا يعمل لمصلحة جهات أجنبية. أعتقد أن هذا مفهوم عالمي. الآن، نحن نتحدث عن شخصيات مختلفة، بعضها شخصيات وطنية وبعضها ليس لها أي نفوذ ولا تمثل جزءاً مهماً من الشعب السوري، وبعضها دمى في يد السعودية أو قطر أو فرنسا أو الولايات المتحدة، وبالتالي لا تعمل لمصلحة بلدها. وهناك شخصيات أخرى تمثل فكراً متطرفاً. وبناءً على كل ذلك فمن السابق لأوانه الحكم على إمكانية نجاح هذه الخطوة أو فشلها.. رغم ذلك، فإننا ندعم هذه المبادرة الروسية، ونعتقد أنه ينبغي لنا الذهاب كحكومة لنستمع إلى ما سيقولونه. إذا كان لديهم ما هو مفيد لمصلحة الشعب السوري ولمصلحة البلاد فإننا سنمضي قدماً في ذلك، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإننا لن نتعامل معهم بجدية.

السؤال الثالث عشر: طبقاً لتقارير إعلامية، فإن الروس ينسقون هذه العملية مع الولايات المتحدة ويبدو أن هاتين القوتين العظميين تستطيعان إيجاد أرضية مشتركة، ربما للمرة الأولى، فيما يتعلق بسورية. هل تبدو هذه بداية نهاية الحرب في سورية؟

الرئيس الأسد:

تقصدين عندما تتوصلان إلى هذه الأرضية المشتركة؟

الصحفية: نعم. إذا تمكنتا من الاتفاق على شيء ما، فإن ذلك سيكون أمراً إيجابياً.

الرئيس الأسد:

إن أي علاقة جيدة بين روسيا والغرب، وبشكل أساسي الولايات المتحدة، ستنعكس إيجاباً على هذه المنطقة، خصوصاً في هذه المرحلة، وبالأخص فيما يتعلق بسورية. لكني أود القول إن الحل ينبغي أن يأتي أولاً وقبل كل شيء من داخل سورية. ثانياً: إذا أردنا التحدث عن العلاقات الدولية وآثارها، فإنها بحاجة للجدية. فعندما نتحدث عن الأرضية المشتركة، ما طبيعة هذه الأرضية المشتركة، ما مدى جدية الولايات المتحدة في محاربة /داعش/؟ حتى الآن ما تقوم به هو عمليات تجميلية، في حين ان الروس مصممون جداً على محاربة الإرهاب. وفي السياق نفسه ، ما مدى جدية الولايات المتحدة في التأثير في تركيا وقطر والسعودية – وهذه الدول ليست حليفة للولايات المتحدة بل هي دمى في يدها – ما مدى النفوذ الذي ستمارسه الولايات المتحدة عليها لوقف تدفق المال والسلاح والإرهابيين الى سورية. ما لم تتم الإجابة عن هذه الأسئلة لا يمكن التوصل إلى هذه الأرضية المشتركة. حتى الآن، فإن الولايات المتحدة تمارس ألعاباً وتمارس لعبة الانتظار. ما تريده الولايات المتحدة في المحصلة هو استعمال روسيا ضد سورية، تريد من روسيا أن تمارس الضغوط على سورية. هذه هي الأرضية المشتركة التي يبحث عنها الأمريكيون، وليست الأرضية المشتركة اللازمة لمحاربة الإرهاب والسماح للشعب السوري بتقرير مستقبله واحترام سيادة كل البلدان، بما فيها سورية. حتى الآن لا نرى وجود هذه الأرضية المشتركة. الروس يحاولون ما بوسعهم لإيجاد هذه الأرضية المشتركة لكني لا أعتقد أن الأمريكيين سيستجيبون لهذا الجهد بطريقة إيجابية.

الصحفية: شكراً جزيلاً، وإن شاء الله أن يكون هذا العام عام خير على سورية.

الرئيس الأسد:
شكراً لكِ.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...