أمريكا تضغط على باكستان لتجنيدها ضد إيران
الجمل : في الوقت الذي أخذت فيه الأزمة حول طموحاتها النووية وجهاً قبيحاً، فقد وجدت باكستان نفسها مرة أخرى تحت ضغوط سياسية أمريكية مستمرة، وذلك بسب توجهات السياسة الأمريكية إزاء إيران، التي تعتبر بلداً إسلامياً يقع مباشرة في الجوار الإقليمي الباكستاني.
كانت الحكومة الباكستانية، وما تزال، عرضة لنيران الجماعات والأحزاب الإسلامية، بسبب دعمها "للحرب ضد الإرهاب" التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان، وعلى وجه الخصوص في المناطق الحدودية الباكستانية في المقاطعة الشمالية الغربية من البلاد.
تضغط الولايات المتحدة الآن على كل من باكستان والهند، للامتناع عن استخدام المزايا التي يوفرها مشروع خط أنابيب الغاز الذي يربط: إيران – باكستان – الهند، وأن تفكر الدولتان في سبل أخرى لتغطية احتياجاتهما من الطاقة.
سبق وأن أخطرت الولايات المتحدة الحكومة الباكستانية، بأن عليها أن تتوقع تمويلاً ومساعدات أخرى، إذا تم إكمال مشروع خط أنابيب نقل النفط الذي يربط: تركمانستان – أفغانستان وباكستان من جهة، وإذا تخلت عن مشروع خط إيران، من جهة أخرى.
شجعت واشنطن الهند على التخلي عن صفقة الغاز الإيرانية، مقابل أن تتعاون الولايات المتحدة معها في مجال التكنولوجيا النووية المدنية السلمية. والجدير بالذكر أن مشاركة الهند في مشروع الغاز الإيراني، سوف يجعل من المشروع أكثر إغراء لباكستان، وذلك على أساس اعتبارات أنه ينتج عائداً سنوياً لباكستان قدره 700 مليون دولار.
أعلن وزير النفط الإيراني السيد كازيم فاذيري، في ملتقى الطاقة العالمي في مدينة الدوحة القطرية، قائلاً بأن إيران، والهند، وباكستان، على وشك التوصل إلى صفقة خط أنابيب النفط الذي تبلغ تكلفته سبعة مليارات دولار.
وعقب ذلك، أكد على الخطة كل من وزير النفط الباكستاني أمان الله خان جادون، ونظيره الهندي مورلي ديورا، رغم أن بعض المعلقين قالوا الكثير حول ما يمكن أن يحدث في إيران حتى لحظة التوقيع الفعلي في حزيران القادم على الاتفاقية الثلاثية.
قال السيد جعفر أحمد، البروفيسور في جامعة خاراجي والخبير في الشؤون الدولية: «ظاهرياً، يبدو الآن، كما لو أن الولايات المتحدة غير قادرة على الدخول في حرب مع إيران، وذلك نظراً لعملها الذي لم يكتمل بعد في العراق وأفغانستان. ومن ثم، فإن فكرة إضافة بلد كبير مثل إيران إلى قائمة الإرهاب الأمريكية، هي فكرة بلا معنى».
وأضاف خاراجي قائلاً: «ولكن من الناحية الأخرى، فإن الإدارة الأمريكية، قد حشدت وصعدت أسلوباً ولغة خطابية، بحيث تبدو كما لو أنها تحضر لعمل عسكري. وقد قال البعض بأن قياس ذلك مع المنطق الأمريكي في التعامل مع الحالة العراقية خلال فترة مطالبة الإدارة الأمريكية بالحرب، يقود بشكل مباشر إلى استنتاج مفاده أن أمريكا سوف تنفذ عملاً عسكرياً أيضاً ضد إيران».
وأضاف البروفيسور أحمد قائلاً: «لا يبدو أن إيران سوف تكون هدفاً سهلاً مثل أفغانستان والعراق، وبالتالي فإن القصاص والانتقام الإيراني من أمريكا في حال اعتدائها على إيران، سوف يكون مؤكداً.. وباكستان باعتبارها بلداً مجاوراً، سوف تكون معنية بالأمر، وهذا هو السبب الذي يفسر تزايد الضغوط الأمريكية الآن على باكستان، وذلك لأنه لا يمكن أن يتم عمل عسكري ضد إيران دون أن تقوم باكستان بالموافقة عليه وتأييده. وهناك الكثير الذي يمكن أن تفعله إيران، فهي من الممكن أن تغلق مضيق هرمز (وهو ممر يربط بين الخليج العربي والمحيط الهندي)، الذي يمثل البوابة التي تمر عبرها كل شحنات النفط من الخليج إلى بقية دول العالم، ويمكن لإيران إغراق عدد من حاملات النفط متوسطة الحجم. واللجوء إلى هذه الطريقة أو غيرها من قبل إيران يجعل من أسطول سفن البحرية الأمريكية أكثر انكشافاً وعرضة للهجوم».
وأشار البروفيسور أحمد، إلى مسألة النفط، قائلاً: «إذا توقفت إيران عن تصدير النفط لبضعة أشهر، فإن ذلك سوف يؤدي إلى ارتفاع هائل للأسعار في أسواق النفط. وسوف تتجاوز السقف المحدد لها، وسوف تتأثر أنشطة الاقتصاد العالمي سلباً.. وما هو مزعج لأمريكا، حقيقة، أن إيران في موقع القادر على توجيه الضربة المباشرة ضد إسرائيل، والتي يقال إنها بدورها تفكر في القيام بهجوم منفرد ضد إيران».
في باكستان تصاعد رفض تأييد باكستان لأي عمل عسكري تقوم به الولايات المتحدة ضد إيران، ولم يكن الرفض في أواسط الجماعات الإسلامية فقط، بل امتد إلى الأوساط الأكاديمية، والفكرية، والسياسيين العلمانيين الأكثر شهرة في باكستان.
قال السياسي البارز، وزعيم حزب العمال الوطني، بي. إم. كوتي: «باكستان وإيران جارتان، ومن الأفضل ألا نتآمر أو نتواطأ مع الأمريكيين ضد هذا البلد. وبلا شك فإن هناك ضغوطاً كبيرة على باكستان لكي تقف إلى جانب الأمريكان، وهذا الأمر لا يمكن الموافقة عليه».
وقال كوتي، في الوقت الذي يتعرض فيه الرئيس الجنرال برويز مشرف لضغوط من جانب واشنطن، فإنه ما يزال بإمكانه الاستمرار في مقاومة هذه الضغوط والاحتفاظ بموقفه الرافض، وأضاف: «لقد سعت باكستان للوقوف في صف الذين يعارضون هذه الحرب، كالصين وروسيا، وكذلك فإن المصالح الوطنية الباكستانية لا تستدعي حدوث أي شرخ في العلاقة مع إيران».
وكما أوضحت التجربة الأفغانية، فإن باكستان بدعمها لمغامرات واشنطن العسكرية، سوف تزيد من نقاط ضعفها، التي تتمثل في صراعاتها الاثنية الداخلية، إضافة إلى رفع حدة غضب المؤسسات الدينية في البلاد.
أضاف كوتي: «ستواجه باكستان مخاطر رفع مستوى التوتر بين طوائفها المنقسمة بالأساس، كما أن الوقوف مع الولايات المتحدة سوف يعرض السلام الاجتماعي في باكستان للخطر. وما تزال هناك حاجة كبيرة لتضميد الجراح التي سببها الأمريكيون في بلوشستان والسند وغيرها، وهي مناطق لا يقبل الرأي العام فيها باتخاذ أي خطوة ضد إيران.. لذلك يتوجب على باكستان أن تتوخى الحذر مع حليفتها المفترضة: أمريكا، لأن أي عمل ضد إيران، سواء كان من قبل أمريكا أو إسرائيل، فسوف يكون له تأثير هائل ومفزع في آسيا الجنوبية والوسطى، ولا يمكن لأي شخص أن يتصور القوة التي سوف تنطلق من عقالها بسبب ذلك».
قال السيد أنيس هارون، السكرتير العام لملتقى الشعوب الهندية – الباكستانية من أجل السلام والديمقراطية: «ليس لباكستان أي مصلحة في دعم العمل الأمريكي المتوقع ضد إيران. لذا فالتوجه الرسمي الذي اتخذته الحكومة الباكستانية يعتبر صحيحاً، رغم ضعفه. لذلك لا بد من تقويته لدعم السلام والوقوف إلى جانب إيران».
وأضاف هارون قائلاً: «لقد آن الأوان أمام باكستان لتؤكد بأننا لسنا مهيئين لكي يدفعنا الآخرون، وأنه لا يوجد سبب مبرر لعمل عسكري أمريكي ضد إيران».
إن كل الضجيج والصخب بخصوص الحرب، يقوم على أساس ما يعتقده الأمريكان بخصوص رغبات إيران. وسواء صنعت إيران القنبلة أو لم تصنعها، فإن ذلك يجب أن يعتمد على الموقف الدولي، ويجب أن ينظر إلى حقيقة أن إسرائيل تمتلك عدداً كبيراً من الأسلحة النووية. وكل القوى غير الحليفة وغير المنحازة لأمريكا لا يمكن أ تكون راضية عن تلك الحقيقة.. وعلى المدى الطويل، فإن إسرائيل ترغب في البقاء والاستمرار كقوة نووية وحيدة في المنطقة، بما يخدم قصدها وسوء نواياها، وهو أمر لا يمكن أن يحتمله الآخرون. وكذلك فعلى الأمريكان أن يحسبوا بشكل صحيح التكاليف والمنافع التي تعود عليهم في حال السلام مع إيران من جهة، وفي حال الدخول في الحرب ضدها من جهة أخرى. ومن ثم بإمكانهم أن يتخذوا قرارهم عندما يتبين لهم ما هو أكثر رجحاناً.. وما نتمناه ونطلبه أن يعمل الأمريكيون من أجل مناصرة السلام».
قال وزير العدل الباكستاني السابق سيد إقبال حيدر: «لقد اغتال الأمريكيون معاهدة عدم نشر الأسلحة النووية، وذلك بعدم تقيدهم بتنفيذ الجزء المتعلق بنزع السلاح النووي، استناداً إلى النوايا الخيرة، وليس عن سوء القصد». فباكستان لا يمكن ألا تتأثر إذا تم ارتكاب العدوان ضد إيران، لأن هذا العدوان سوف تكون له تأثيرات سياسية، اجتماعية، وسيكولوجية مباشرة على باكستان.. والباكستانيون دائماً يعتبرون الإيرانيين أصدقاءهم، وعلى الأرجح سوف يستمرون في ذلك مستقبلاً. لذا فعندما يتعلق الأمر بإيران، فإن على باكستان أن تبتعد عن الأمريكيين.
الجمل : قسم الترجمة
المصدر: أنتي وار. كوم.
إضافة تعليق جديد