لاجؤون أم مقاتلون مسلحون؟
الجمل- جون روزنتول- ترجمة: د. مالك سلمان:
بالإضافة إلى القتلى الذين تجاوز عددُهم 100,000 في سوريا, إن الإحصاء الأكثر درامية الذي يوضح الأزمة الإنسانية الناتجة عن الحرب المستمرة هو بالتأكيد عدد المهجرين السوريين في البلدان المجاورة والذي يبلغ 2 مليون إنسان. يسكن العديد منهم في مخيمات أقيمت بإشراف "مفوضية اللاجئين العليا"/الأمم المتحدة ["المفوضية"]. وتبين تفاصيلُ نشرت في الصحيفة الفرنسية اليومية "لو فيغارو" مؤخراً أن أحد أضخم هذه المخيمات, "مخيم الزعتري" في الأردن, يشكل ملاذاً آمناً للمتمردين الذين يقاتلون لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد.
يقع مخيم الزعتري بالقرب من الحدود السورية على مسافة 50 كم من درعا, أحد المعاقل الرئيسة للانتفاضة المناهضة للأسد. وتبعاً لآخر إحصاءات "المفوضية", يحوي هذا المخيم حوالي 123,000 لاجئاً.
إن التفاصيل التي يقدمها تقرير "لوفيغارو" [22 تشرين أول/أكتوبر 2013] حول المخيم هامة بشكل خاص بسبب وجود مشفى عسكري فرنسي في الزعتري. تم فتح المشفى في آب/أغسطس 2012 باحتفاء كبير من الإعلام الفرنسي كمبادرة إنسانية تهدف إلى التخفيف من معاناة ضحايا الحرب المدنيين. ويوضح تقرير "لوفيغارو" أن بعض المرضى الذين يتلقون العلاج هناك ليسوا مدنيين متمردين مقاتلين.
يلقي التقريرُ الضوءَ على أنشطة قاسم, أحد أعضاء ما يسمى "كتيبة شهداء اليرموك", الذي رافق مقاتلاً إصابته خطيرة إلى مخيم الزعتري لتلقي العناية الطبية. أودى لغم أرضي بساقي عمران, رفيق قاسم. ويشير التقرير إلى أن قاسم "غالباً ما يسارع إلى مساعدة جرحى الثورة," أي من خلال جلبهم إلى الزعتري لتلقي العلاج. وتبعاً لاعترافاته الشخصية, سوف يتسلل قاسم قريباً عبر الحدود عائداً إلى سوريا, وسوف يحمل معه في رحلة العودة الأدوية لمعالجة رفاقه المصابين الموجودين في سوريا الذين لم تستدعِ إصاباتهم نقلهم إلى مخيم الزعتري.
إن تلقي أعضاء "كتيبة شهداء اليرموك" العناية الطبية في مخيم لاجئين تشرف عليه الأمم المتحدة ينطوي على مفارقة في أحسن الأحوال. حيث إن "كتيبة شهداء اليرموك" هي المجموعة نفسها التي تسببت بلغط دولي في شهر آذار/مارس الماضي عندما أخذت 20 رهينة من عناصر حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة بالقرب من مرتفعات الجولان. وقبل تلك الحادثة بوقت قصير, تم نشر أشرطة فيديو على صفحات "يوتيوب" مؤيدة للتمرد المسلح توثق إعدامَ جنود سوريين أسرى على يد أعضاء من هذه الكتيبة. إن "مؤتمر وضع اللاجئين" المنعقد في سنة 1951, الذي ينظم عمل "المفوضية", يستبعد بشكل خاص الأشخاصَ المشكوك في ارتكابهم جرائمَ حرب من التمتع بالحماية بصفتهم لاجئين في ظل القانون الدولي.
لكن يبدو أن معالجة المقاتلين المصابين ليست الميزة الوحيدة التي يتمتع بها المتمردون في مخيم الزعتري. فتبعاً لصحيفة "لوفيغارو", هناك "مافيات" تسيطر على سوق سوداء نامية في المخيم. فقد نُقلَ أن إحدى هذه "المافيات", على سبيل المثال, تقوم بقرصنة الكهرباء التي تقوم "المفوضية" بتزويد المخيم بها وبيع الكهرباء لزبائنَ خاصين في الخيم والوحدات السكنية مسبقة الصنع التي يتكون منها المخيم. فكما تقول "لوفيغارو", تقوم هذه المافيات أيضاً "بتزويد المتمردين بالأموال".
لكن الأكثر إدهاشاً ملاحضات كيليان توبياس كلاينشميت, عضو "المفوضية" الألماني المسؤول عن مخيم الزعتري. فقد قال كلاينشميت لصحيفة "لوفيعارو": "حتى رمضان في شهر تموز/يوليو, كان بعض الشبان يعلنون على الميكروفونات مساءً أن الأسلحة قد وصلت وعلى من يرغب في التطوع للقتال أن يتقدم ويسجل اسمه". وقد أكد كلاينشميت أن هذه الدعوات لحمل السلاح قد توقفت الآن. لكن تلقي شحنات الأسلحة في مخيم تابع للأمم المتحدة والتنظيم الواضح للوحدات المقاتلة من داخل المخيم يلقيان بظلال الشك على الحيادية الضرورية التي يجب أن تتمتع بها البعثات الإنسانية التابعة لمفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة.
بالعودة إلى موضوع المشفى العسكري الفرنسي, تبعاً لصحيفة "لوفيغارو", هناك حوالي 80 عسكرياً فرنسياً يعملون في هذا المشفى. وتشير الصحيفة بشيء من الغموض: "لكن عدداً قليلاً منهم يقوم بالأعمال الطبية". وقد نقلت "لوفيغارو" ووسائل إعلام فرنسية أخرى أن وزير الدفاع الفرنسي يرغب في إغلاق مشفى الزعتري كإجراء يهدف إلى توفير المال. لكن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس متمسك, كما يقال, باستمرار المشفى في عمله.
جون روزنتول: صحفي يعيش في أوروبا ومحلل سياسي مختص في القضايا الأمنية, آخر كتاب له يحمل عنوان "المؤامرة الجهادية: قصة القاعدة والتمرد الليبي".
http://www.atimes.com/atimes/Middle_East/MID-01-081113.html
تُرجم عن ("إيشا تايمز", 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2013)
الجمل
إضافة تعليق جديد