14 ألف متسرب من مدارس التعليم الأساسي في ادلب
لا تزال مشكلة التسرب من المدارس من أخطر القضايا التي يعاني منها قطاع التربية في مختلف المحافظات، وخاصة الشمالية والشرقية منها باعتبارها رافداً أساسياً للأمية وبأعداد متزايدة كل عام، حيث انه ومع بداية كل عام دراسي جديد، نرى تسرب أعداد إضافية من الطلاب ممن هم في سن التعليم الإلزامي لأسباب مختلفة، وذلك في ظل غياب الحلول الناجعة والملائمة للتطبيق على أرض الواقع، والتي لا بد من ان تراعي خصوصية وطبيعة كل مجتمع والبيئة المحيطة به، إذ يساعد هذا الوضع كل متسرب على إعطاء دوافع وأسباب خاصة قد تكون مبررات له طالما بقيت الحلول غائبة والمتابعة خجولة من المعنيين، إن لم نقل وجود لا مبالاة وعدم اكتراث لديهم، مع الاكتفاء ببعض الإجراءات الشكلية والورقية التي تقوم بها تلك الجهات المعنية لتكون مبرراً لها، على انها قد قامت بما حدده القانون لها، مع يقيننا بأن أياً منها لن يجدي نفعاً ولم تنجح في الحد من هذه الظاهرة الخطيرة، حيث ينبغي العمل على ايجاد حلول جذرية دون اي تباطؤ او تلكؤ نظراً لخطورة هذه الظاهرة، وما قد ينجم عنها من تداعيات ونتائج خطيرة تنعكس على المجتمع ككل وعلى جميع الأصعدة.. فما هو واقع التسرب من المدارس في ادلب، وما أسبابه.؟!.
ولعل الحصول على إحصائيات رقمية دقيقة تشكل الخطوة الأولى والأساس للانطلاق، وحتى انها قد تصبح الدافع للعمل في اتجاه الحد من أسبابها والبحث عن حلول ناجعة... وفي هذا الإطار تشير أرقام شعبة التعليم الإلزامي في مديرية التربية في ادلب إلى ان عدد المتسربين من المدارس ممن هم في سن الإلزام الذين تنطبق عليهم الشروط والتعليمات والموجودين خارج المدارس سواء بتسرب قديم او حديث يبلغ حوالي /14500/ طالب وطالبة من الصف الأول إلى التاسع بشكل متساو تقريباً بين أعداد المتسربين الذكور والإناث، وذلك من إجمالي عدد تلاميذ مرحلة التعليم الأساسي الذي يفوق /364/ ألف تلميذ وتلميذة الموزعين على /1206/ مدارس للتعليم الأساسي، اي بأن نسبة التسرب تبلغ 3.99٪، وإذا كان إدخال المرحلة الإعدادية (الحلقة الثانية) ضمن إحصائيات التعليم الإلزامي بعد تطبيق التعليم الأساسي، هو الذي زاد الأرقام إلى هذا الحجم المخيف، فإن هناك أسباباً عديدة للتسرب حسب رأي المعنيين والمتابعين في مديرية التربية، وخاصة في شعبة التعليم الإلزامي الذين يتابعون هذه الظاهرة وما يقومون به من إجراءات سنوية وفي مختلف المناطق والتجمعات السكانية عبر أمناء سر التعليم الإلزامي ومتابعتهم للطلاب المتسربين.
فأسباب التسرب كما يراها القائمون على العمل بشعبة التعليم الإلزامي تنحصر بأسباب تربوية وأخرى اقتصادية.. فالتربوية وحسب رأيهم مرتبطة بعدم اعداد المعلمين الإعداد اللازم الذي يتلاءم مع تطور المناهج وقدرتهم في ايصال المعلومات إلى الطفل وبشكل خاص في سنواته الأولى، وانعدام الجانب الإبداعي لدى المعلمين، وعدم ابتكارهم لأساليب محببة للطفل تدفعه للالتصاق بمدرسته ومحبتها ومحبة معلميه، كما ان المناهج لم يتم وضعها بما يتناسب وقدرة الطفل، وهو ما يجعل البعض من الطلاب غير قادر على الاستيعاب، خاصة مع وجود نقص في الكادر التعليمي المؤهل، إذ ما زالت أعداد المكلفين والوكلاء من خارج الملاك كبيرة وهو ما ينعكس على مستوى الطلاب ورغبتهم بمتابعة التعليم، وكثافة التلاميذ في الشعبة الواحدة والذي يزيد عن 45 طالباً في كثير من الأحيان، وهذا يؤدي إلى وجود تقصير لدى المدرسين في متابعة التلاميذ وعدم مقدرة الطلاب على الاستيعاب وسط هذه الأجواء المكتظة.
والأمر الآخر عدم وجود شعب (سابع - ثامن - تاسع) في الكثير من مدارس الأرياف، حيث ان الأهل يمتنعون عن إرسال أبنائهم إلى قرى أخرى لمتابعة دراستهم وخاصة الإناث منهم، وذلك لصعوبة التنقل بين الأرياف وعدم توفر وسائط النقل وعدم وجود مدرسين مختصين في تلك المدارس.
أما الأسباب الاقتصادية فهي مرتبطة بتدني مستوى دخل الأسرة، مما يدفع بعض الأهالي لإخراج أبنائهم من المدارس لتشغيلهم في أعمال الزراعة لتحسين مستوى المعيشة وزيادة دخل الأسرة، وتعليمهم بعض المهن نتيجة تقصيرهم الدراسي، هذا بالإضافة إلى بعض الأسباب الاجتماعية مثل عدم اهتمام الأهل بتعليم أبنائهم بسبب جهلهم ووجود حالات الطلاق التي تؤدي إلى تشتت الأسرة وضياع الأطفال، كما ان ترحال بعض الأسر بقصد العمل في بعض المواسم يتسبب بإبعاد الأطفال عن المدارس وعدم التحاقهم بالمدارس في مكان الإقامة الجديد.
تواجه عملية الحد من التسرب جملة من المعيقات التي لا بد من البحث عن حلول لها، وتتمثل تلك الصعوبات حسب رأي المعنيين بظاهرة تشغيل الأطفال ضمن سن الإلزام، وعدم وعي الأهل لأهمية العلم، وكذلك طول الفترة الزمنية التي تستغرقها الدعاوى القضائية من تاريخ إحالتها للقضاء حتى إصدار الحكم، حيث على الغالب لا يبت بها إلا بعد ان يكون الطفل او الطالب قد تجاوز السن الملزم، وحتى وإن عاد بعد انقطاع طويل يكون تركيزه واستيعابه أقل، كما ان عدم وجود عقوبات رادعة وعدم التشدد بالأحكام القضائية يساهم بشكل كبير في عدم اكتراث بعض الأهالي بتسرب أبنائهم، حيث ان العقوبة المنصوص عنها في القانون هي غرامة مقدارها /500/ ليرة، وإعادة الطفل للمدرسة في أول مرة، ومن ثم /1000/ ليرة وحبس ولي التلميذ لمدة شهر، وإن كان هذا الأمر غير مطبق ولو بنسبة 1٪.. وكذلك ضعف دور الإعلام المحلي لإظهار مخاطر الجهل والأمية وتأثيرها على مستقبل الجيل.
وبعيداً عن الندوات والدراسات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، يبقى السؤال: إذا كان هذا هو تشخيص المعنيين لهذا المرض الخطير وهو يحمل في طياته الجزء الأكبر من الحل والعلاج حسب رأينا، فماذا ننتظر ومن تراه المعني بالحل وإعطاء الدواء الشافي، ومتى يكون ذلك؟!.. ولماذا يقف المعنيون بالأمر على مستوى الوزارة متفرجين لتزايد أعداد المتسربين المستمر دون ان يكلفوا أنفسهم عناء دراسة الحالة وعلاجها، والبحث عن حلول تناسب كل بيئة واعتماد أساليب جديدة وإصدار قوانين ملزمة ورادعة، والعمل على تهيئة بيئة مساعدة تمنع التسرب وتحد منه؟!.. أسئلة ليست معقدة نضعها برسم الجهات المعنية.
مالك موقع
المصدر: البعث
التعليقات
مشكلة التسرب
مشكلة التسرب
إضافة تعليق جديد