لا إصلاح سياسي .. قبل إنصاف "الحرائر"
الجمل ـ عبد الله علي: يهدف الحراك الشعبي والسياسي، الذي تشهده سورية منذ أشهر، إلى تحقيق الإصلاح السياسي وتوسيع مشاركة المواطن في عملية اتخاذ القرار وتداول السلطة وفق الممارسات الديمقراطية. وجوهر هذا الهدف يتمثل في حرية التعبير عن الرأي وحق الإسهام في النشاط السياسي دون معوقات. ويمكن الذهاب أبعد من ذلك والقول أن جوهر عملية الإصلاح السياسي ينصبُّ من حيث الأصل على تحقيق أمر واحد هو تحرير إرادة المواطن من كافة أشكال الإكراه أو التمييز. بحيث تكون إرادة المواطن قادرة على التجسُّد في قوالب تعبير حرةٍ، وتكون جميع الإرادات ذات سوية واحدة من حيث التأثير. وهكذا إذا استعرضنا جميع المراسيم والقوانين التي تدخل في حزمة الإصلاح المطروحة من قبل السلطات السورية، مثل قانون الأحزاب أو قانون الانتخابات أو قانون الإدارة المحلية، نرى أنها جميعاً تدور في فلك واحد هو فلك حرية الإرادة لدى المواطن، وتنظيم حق المواطن في التعبير عن هذه الإرادة وإحاطة ممارسته بالضمانات الدستورية والقانونية الكفيلة بحمايتها، وكذلك ترتيب الآثار السياسية والدستورية الناتجة عن ممارسة المواطن حقه في التعبير عن الرأي.
***
إذا اتفقنا على القول السابق، بأن حرية الإرادة هي جوهر الإصلاح السياسي، يغدو من السهل علينا، حين النظر في واقع المرأة السورية ضمن المناخ الاجتماعي والتشريعي السائد، الاستنتاج بأن حزمة القوانين والمراسيم الإصلاحية لن يكون بمقدورها تحقيق الإصلاح السياسي المنشود على صعيد المرأة لأنها سوف تصطدم بجدار صلب من الأعراف الاجتماعية والنصوص القانونية التي تقف حائلاً بين المرأة من جهة وبين حرية الإرادة من جهة ثانية... ناهيك بعد ذلك عن الحق في التعبير عن الإرادة أو ترتيب الأثر عليها.
فعلى الصعيد الاجتماعي، ما زالت المرأة السورية تعاني من تبعات الاضطهاد والتمييز سواء ضمن دائرة المجتمع الواسعة أو ضمن دائرة العائلة الضيقة. ويتجلى هذا الاضطهاد والتمييز في النظرة الدونية التي تواجه بها المرأة وتنحط بها من رقيِّ الكائن البشري إلى درك التعامل معها على أنها مجرد "عورة" لا أمان لها إلا في اختبائها واستتارها. وينقلب أمان الاستتار الذي تضطر المرأة له تحت وطأة النظرة السابقة إليها، إلى الانحسار القسري عن التفاعل مع المجتمع ومشكلاته وقضاياه وبالتالي الغياب شبه التام عن ميدان النشاط العام والحياة السياسية، والتنكّب غير الإرادي عن المشاركة فيهما. ولا يغيِّر من الصورة السابقة ما نراه من خوض المرأة في غمار العمل أو حيازتها على بعض مظاهر الحرية الاجتماعية، لأن كل ذلك إنما يجري تحت سقف الولاية والوصاية الضامنة للهيمنة الذكورية.
وعلى الصعيد القانوني، فإن المرأة أيضاً، تعاني من التمييز بسبب الجنس والتقييد على الحرية والانتقاص من الحقوق. فالمرأة لا تملك على سبيل المثال الحق في التعبير عن إرادتها أثناء إجراء عقد الزواج وإنما يتطلب قانون الأحوال الشخصية أن يحلَّ وليُّ أمرها محلها في النطق بعبارة الإيجاب أو القبول، ويشترط القانون حضور وليّ الأمر كشرط من شروط صحة الزواج. والمرأة كذلك، مهددة على الدوام بالطلاق الذي يملك الزوج إلقاء يمينه عليها بإرادته المنفردة في ثانية واحدة، بينما تضطر هي، إذا أرادت طلب التفريق، إلى الاعتياد على سلوك طريق المحاكم لمدة تزيد عن السنتين. هذا مع ما يعنيه الطلاق في مجتمعنا من معاني السقوط في هوة أخلاقية واجتماعية قد لا تتمكن المرأة من الخروج منها وبالتالي تبقى إما، أسيرة الخوف منها، أو الاكتواء بلهيب نارها. والمرأة كذلك تعاني من الانتقاص من حقها الإرثي وذلك من خلال تبني القانون للقاعدة الشرعية "للذكر مثل حظ الأنثيين" فضلاً عما تشهده الحياة العملية من أساليب احتيالية كثيرة تتم ضمن مناخ من التواطؤ العائلي تهدف إلى حرمان المرأة حتى من نصف الحصة التي تستحقها وفق القاعدة السابقة. وغير ذلك من الأمثلة التي تتعلق بقواعد المهر والولاية والوصاية والشهادة، لكننا نكتفي بما ذكرناه.
وهكذا فإن المرأة التي تمثل من الناحية الاجتماعية نصف المجتمع، تعاني من واقع اجتماعي وقانوني أدّت تداعياته إلى حرمانها من حرية الإرادة، والحيلولة مادياً أو معنوياً دون قدرتها على ممارسة حقها في التعبير عن هذه الإرادة. وإذا كانت المرأة لا تملك حرية الإرادة في التصرفات التي تتعلق بشخصيتها ككائن إنساني، كيف يمكن أن نتصور تمتعها بهذه الحرية في الشؤون التي تتعلق بالمجال العام؟. فمن لا تملك حق تزويج نفسها بعبارتها، هل يمكن أن تمارس حق الانتخاب بحرية؟ ومن يتهددها سيف الطلاق والوقوع في هوته الاجتماعية والأخلاقية، هل نصدق أنها تملك حرية الانتساب إلى الأحزاب مثلاً؟ ومن ينتقص القانون من شهادتها ويعتبر شهادة الرجل كشهادة امرأتين، هل تكون لها فرصة حقيقية للمبادرة في مخاطبة المجتمع وطرح الحلول لقضاياه؟ مع الإشارة إلى أنه حتى لو كانت ثمة أمثلة عملية على انتساب المرأة للأحزاب وممارسة حقها الانتخابي والوصول إلى مناصب إدارية وسياسية عالية، فلا شك أن ذلك لا يلغي التناقض الفاحش بين هذه الأمثلة وبين الواقع الاجتماعي والقانوني السابق. وسوف تتحول التساؤلات السابقة إلى دهشة مؤذية من قبيل: وصلتْ إلى منصب وزيرة في الحكومة ومسؤولة عن إدارة كوادر ضخمة من الموظفين والمؤسسات لكن القانون لا يسمح لها بالتوقيع على عقد زواجها دون حضور وليّ أمرها!!! لا شك أنها مفارقة غريبة جداً!!!.
هكذا نخلص إلى أن المرأة بما تمثله اجتماعياً، بقيت رهينة الواقع الاجتماعي والقانوني الذي يحرمها من حرية الإرادة. وقد اتفقنا سابقاً على أن حرية الإرادة هي الأصل الذي تنصب عليه عملية الإصلاح السياسي. وبالتالي تكون النتيجة التي نصل إليها من جراء ذلك، هي أن الإصلاح السياسي المرتجى لن يكون في الواقع أكثر من ترميم سطحي لأنه يتجاهل إرادة نصف أفراد المجتمع التي هي في الوقت ذاته إرادة نصف أعداد أصوات الناخبين.... نعم نصف أعداد أصوات الناخبين وهي الحقيقة التي لا يشير إليها أحد!. وعليه، فإن علينا أن نتذكر عند كل محطة انتخابية أن نصف الأصوات التي يحتوي عليها صندوق الاقتراع، لا تعبِّر في الواقع، عن حقيقة إرادة من صدرت عنه من النساء، وأن النتيجة الانتخابية ستكون مختلفة لو كانت أتيحت لهذه الأصوات حرية التعبير عن إرادتها الحقيقية. لذلك لا بدَّ من القول أن انهماك الجميع في ورشة الإصلاح دون أن يعير أحد أهمية لموضوع المرأة أو يسعى إلى تحرير إرادتها وتحسين مركزها القانوني، يدل على مدى الزيف والكذب في طرح شعار الإصلاح، وأن المقصود منه ليس سوى توسيع شريحة الذكور التي بإمكانها المنافسة على كعكة المناصب السلطوية وتقسيمها بين بعضهم البعض. ولا بأس بعد ذلك من التكرُّم على المرأة بمنصب هنا ومنصب هناك للتأكيد على تبعيتها وليس احتراماً لها. وأين الاحترام في إعطائها مناصب كان بإمكانها الوصول إلى أضعاف مضاعفة عنها، لو أتيح لها التعبير الحر عن إرادتها الحقيقية؟.
من خلال المنظور السابق، يمكننا الادعاء بأن قانون الأحوال الشخصية هو من أهم القوانين التي تتوقف عليها عملية الإصلاح، وإنه يجب أن يوضع على طاولة ورشة الإصلاح بهدف تغييره وإعادة صياغته وفق منطق مدني ودستوري يحظر التمييز ضد المرأة ويضمن لها ممارسة حقوقها الشخصية تمهيداً لممارسة حقوقها السياسية دون إكراه أو تمييز. وإن أي حزمة للإصلاح لا تتضمن تغيير قانون الأحوال الشخصية، سوف تبقى آثارها منقوصة وغير كافية، ولن تنجح في حمل المجتمع إلى مرحلة جديدة من الحرية والديمقراطية.
التعليقات
أؤيد وبشدة، ولكن.
السيد كاتب المقال
المرأة السورية أرقى وتحظى بكثير من الحرية والمساواة
مخطئ من يقول أن المرأة نصف
شورأيك نمشي بلا شريعة ؟؟؟
صحيح أنه يوجد مشاكل في قانون
شكراًعلى الموضوع وعلى
تخلف ما بعدو تخلف!!!
إضافة تعليق جديد