جريدة سورية تدعو لإغلاق صالات الرقص وتحريم المشروب في المرابع السياحية
تخرج فتاة في الخامسة عشرة من عمرها وعلائم الطفولة مازالت تغطي وجهها من أحد محلات السهر في دمشق القديمة (الديسكو) ولا يرافقها ذلك الإحساس بمخالفة القانون أو العادات أو المنطق؛ فهي تحب السهر، حيث الأغاني الصاخبة والطابع الغربي اللافت، بعيداً عن العقد والكبت في منزلها -على حد قولها- بينما يتبعها مجموعة من الأصدقاء (الشلة)، حيث يقضون كل أسبوع أوقاتهم في صالات لم يعد انتشارها خافياً على أحد، هذا ما يؤكده الجميـع دون استثناء، الناس والجهات المعنية التي تعترف بضرورة إغلاقها، لكن بقرارات قصيرة المدى.
كانت صالات الديسكو في الماضي تقتصر على أماكن غير معروفة، والأبطـال كانوا غالباً من السياح الأجانب. أما اليوم فإن البطولة لم تعـد حكراً على الأجانب، بل صار الزبـون المحلي حاضراً وبقوة، لاسيما شريحة الشباب في سن المراهقة، وأماكن الانتشار، لم تعد مقصورة على مناطق محددة، خاصة مع ازدياد تنظيم الحفلات بطريقة»احترافية»، فقد أصبحت صالات الديسكو أشبه بالملاهي الليلية، حيث الشرب والرقص على أنغام موسيقا صاخبة تتمايل الأجساد على ألحانها غائبة عن الواقع. تقول (ن.س-17عاماً) إنها تحب السهر في الديسكو لدرجة الإدمان، حالها حال جميع من يرتاد الديسكو، مبينة أنها لتبقى مرغوبة من قبل أصدقائها، عليها أن ترافقهم إلى الديسكو لتكون محط الأنظار والإعجاب، لأنها بذلك تتماشى مع موضة العصر وأنها «open minded»
عجز أم تطنيش؟!
يضج المجتمع العربي بالثقافة المتوارثة والتقاليد القديمة، إلا ان آثار الاختراق الثقافي الغربي واضح عبر أسلوب الحياة الجديد وحفلات الديسكو والموسيقا الصاخبة «الميتال» المنتشرة والتي تنعكس على اتجاهات الشباب وميولهم، وتنتهي إلى تهميشهم وتفريغهم من ثقافتهم الأصلية. فما بالك إذا كان الشباب المقصودون دون الثامنة عشرة (م.ن) فتاة في الخامسة عشرة من عمرها، تقول: إن ارتيادها (الديسكو) جاء بعد إصطحابها من قبل مجموعة من الأصدقاء في عمرها، حيث ذهلت بأجواء الرقص والشرب والمتعة» المصطنعة « التي تملأ المكان وأنها وبعد انفصال والديها وتخبطها بينهما، وجدت في الذهاب إلى الديسكو ملاذاً لتفريغ الغضب والحزن اللذين يتآكلانها. وعلى الرغم من صغر سنها الذي لايخِوّلها الدخول إلى هذه الأماكن، لم تجد أي عائق في ذلك لغياب الرقابة للكشف عن عمرها الحقيقي للدخول وبرأيها أن هذه الأجواء تجلب السعادة لها ولأصدقائها، مايشجع على السهر الأسبوعي في الديسكو ضمن مواعيد تحددها «الشلِة».
(م.ع) شاب في السابعة عشرة من عمره، يجد هو الآخرأن الديسكو مكان جميل للرقص والتفريغ عن الطاقة ووجود الفتيات الجميلات وأجواء الإثارة العارمة، تشجعه على ارتياد الديسكو، مضيفاً أن مساءلة عائلته عن مكان وجوده في هذا الوقت مبرر بوجوده في منزل أحد الأصدقاء، مشيراً إلى أنه يملك الحرية في الحضور في أي وقت بالاتفاق مع العاملين في الديسكو الذين يتكفلون بتوفير أفضل أجواء المتعة لإسعاده وأصدقائه، دون أن تتم مساءلته عن عمره .
لكن أين الرقابة على تلك الأماكن وعلى مرتاديها من قبل الجهات المعنية؟
مهنا جبارة عضو مجلس في محافظة دمشق، قال: إن المحافظة تلعب دوراً حيادياً في التعاطي مع هذه الظاهرة ورقابتها شبه معدومة، على الرغم من كم القرارات الهائلة التي بقيت حتى الآن حبراً على ورق والتي من ضمنها منع دخول من هم دون سن الثامنة عشرة إلى أماكن الديسكو أو حتى الأماكن التي تتيح المجال للمشروبات الروحية والدليل على ذلك، أن رواد هذه الصالات من الشباب ذوي الأعمار الصغيرة والممنوع دخولهم إليها قانوناً، إضافة إلى انتشار المشروبات وتعاطي حبوب الهلوسة في هذه الأماكن فأين رقابة المحافظة هنا؟! ويشير جبارة إلى الأماكن التي توجد فيها صالات الديسكو التي باتت معروفة ومن بينها ماهو ملك للمحافظة «وموجود في باب شرقي « والذي يشوه الشباب السوري من الداخل، إضافة إلى التشويه البصري لدمشق القديمة من خلال توضع البناء على سور دمشق القديمة؛ مشوهاً النسيج المعماري لها من خلال طلائه باللون الأحمر والأصفر، وعند سؤاله مدير دمشق القديمة أمجد الرز كان رده أن المكان المقصود مخالف، كما أن «الديسكو» المذكورهو ملك لمديرية الأملاك في المحافظة وهي تتقاضى أجراً متفقاً عليه من المستثمر، مضيفاً أنه قام بمساءلة مدير الأملاك في جلسة مجلس المحافظة الذي بدوره أبعد عن نفسه المسؤولية، ملقياً بها على المحافظة التي تأخذ حصة من الأرباح، وبالتالي ليس بيده حيلة ولايستطيع فعل شيء، ويجب أن تتضافر جهود المحافظة بمن فيهم مديرية دمشق القديمة ومديرية الأملاك ومديرية التخطيط العمراني والآثار والسياحة من أجل إزالته وكشف السور.
تحت اسم مطعم..
يقول مهنا جبارة، إن صالات الديسكو في دمشق القديمة منتشرة تحت مسميات المطاعم، وربما يغض النظر عنها بحجة أنها تجذب السياح الأجانب وهذه الفكرة خاطئة لأنها منطقة سكنية أيضاً، ومن الأفضل حصر الديسكو في الفنادق المصنفة، مع العلم بأنها موجودة حالياً، ولكن الديسكو غير محصور فيها فقط .
إلا ان أمجد الرز مدير دمشق القديمة، نفى وجود تراخيص لصالات الديسكو في دمشق القديمة، حتى الآن، خاصة بعد حالات الإغلاق التي نفذت على بعض المحال التي علموا بها من خلال الشكاوى المقدمة من سكان المنطقة، مضيفاً أنه في حال وجودها، فمن مهام شرطة المحافظة متابعة الموضوع، معتبرا أن مهمته هي الإشراف على الحالة الفنية للعقارات الموجودة في دمشق القديمة، وحول ديسكو السراي في باب شرقي، أكد الرز أن موقعه مخالف ووجوده سلبي، لكنه غير تابع إلى دمشق القديمة، بل إلى تنظيم باب شرقي وهوملك للمحافظة. ومن هنا لاتتم إزالته إلا من خلال التخطيط العمراني ومديرية الأملاك في المحافظة .
ويقول جبارة، إن قسم شرطة المحافظة في حال أراد عمل شيء، فهو قادر ولكن نحتاج إلى بذل الجهد بعيداً عن أية «اعتبارات أخرى»
وحول القرار الصادر أخيرًا بحصر الموسيقا المقدمة في مطاعم ومقاهي دمشق القديمة بالتخت الشرقي للحد من ظاهرة الديسكو والموسيقا الغربية في دمشق القديمة بشكل عام، يقول جبارة: خطوة تقليدية، ومعالجة هذا الأمر لاتتم بهذه الطريقة، بل بإغلاق صالات الديسكو والحد من برامجها الموسيقية الصاخبة التي لاتتلاءم مع ثقافتنا ولا مع وجود هذه المحلات ضمن مناطق سكنية .
ويقول بعضهم، إن هناك تلاعباً في الحصول على رخص من دائرة المهن والرخص في المحافظة، لكن المشكلة حسب عضو مجلس محافظة دمشق، أنه عندما يتم الحصول على ترخيص لمطعم، وفي الليل يقلب إلى ديسكو، فهذا ليس مبرراً للمحافظة، وليس عليها منح الترخيص فقط، بل مراقبة تنفيذ شروط إعطاء الترخيص، ومراقبته ليلاً ونهاراً، ومعاقبته في حال المخالفة ليكون عبرة لغيره، مضيفاً أن عملية إغلاق بعض المطاعم المخالفة، لم تشمل جميع المخالفين؛ والدليل انتشارها، إضافة إلى أن الإغلاق يأتي نتيجة شكوى المواطنين لاأكثرولاأقل.
مرحلة حرجة..
الدكتور طلال مصطفى (خبير اجتماعي)، يقول إننا في مجتمع يستند إلى منظومة من القيم الدينية والاجتماعية، مايجعل من فكرة وجود صالات الديسكو مرفوضة، لأنها منافية لعاداتنا وتقاليدنا وأخلاقنا، خاصة أجواء الرقص والشرب التي تعم أجواءه، وحول تردد الشباب اليافعين، وخاصة من ذوي الأعمار المتوسطة، فيعود إلى أكثر من سبب وأهمها الانجراف خلف إشباع الغرائز المكبوتة بعيداً عن الرقابة الخلقية الخاصة بمجتمعنا والتي تفتح مثل هذه الأماكن المجال لإظهارها إلى جانب غياب رقابة الأهالي وانشغالهم باهتماماتهم الخاصة بعيداً عن مشاكل وهموم أولادهم، وخاصة في سن المراهقة؛ هذه المرحلة الحساسة من العمر التي تحمل تغيرات فيزيولوجية، إضافة إلى التخبط في الأفكار وعدم التمييز بين الخطأ والصواب، مشيراً إلى أن الدراسات التي أقيمت في معهد الأحداث تشير إلى أن نسبة 80% من المراهقين يتبعون سلوكات انحرافية سببها الإهمال والتسيب الزائد، إضافة إلى الكبت الزائد، ومن هنا يجب على الأهالي في حالة كهذه، فتح قنوات الحوار مع أبنائهم وتوجيه طاقاتهم في هذه السن الحرجة بكافة الوسائل لتفادي الانخراط بمجموعة من الشباب الذين نجهل البيئة الاجتماعية التي نشؤوا فيها، ويؤكد مصطفى على دور الرقابة المؤسساتية في ردع من هم دون الثامنة عشرة، ومنعهم من الدخول إلى صالات الديسكو، لأنها غائبة في الوقت الراهن، والدليل على ذلك مايتم الحديث عنه حول ارتياد من هم دون الثامنة عشرة لهذه الأماكن، وأضاف الدكتور مصطفى أن «رقابة الضمير « لدى أصحاب صالات الديسكو يجب أن تكون صاحية لقدر الأذى الذي يتسببون فيه لهذه الشريحة من الشباب، حيث من المفترض منعهم من الدخول إلى هذه الأجواء حفاظاً على جيل شاب لديه الإمكانات للنهوض بالمجتمع نحو الأفضل .
فيتامين السياحة!
مدير المنشآت السياحية في وزارة السياحة هيثم الزرقاوي، أشارإلى أن منح الترخيص لفتح صالات الديسكو ممنوعة ولكن مايحدث أن أصحاب المطاعم عند حصولهم على ترخيص منشأة (صفة مطعم)، يعمدون إلى تغيير الصفة الوظيفية لهذا المطعم وتحويله إلى صالة ديسكو ليلاً وعلى هذا تقوم الوزارة من خلال الشكاوى والرقابة على هذه المطاعم بتوجيه إنذار مبدئي لإعادة المطعم إلى الصيغة المتفق عليها في الترخيص وفي حال عدم الإلتزام يتم إغلاقه فوراً. وانتشار صالات الديسكو في المنشآت المرخصة بصفة مطعم موجودة بالفعل وأن الوزارة تتابع الموضوع، مبيناً أنه بعد ورود شكاوى حول بعض المنشآت التي تحوّلت إلى ديسكو «معظمها في دمشق القديمة « قامت بتوجيه إنذار نهائي تضمن « تعميم وزارتنا رقم 29تاريخ 15/3/2010 المتضمن الطلب من أصحاب المنشآت السياحية الواقعة ضمن المدينة القديمة والتي قامت يتغيير واقعها التشغيلي المؤهلة أو المصنفة أو المرخصة به إلى ديسكو وبار، بالعودة إلى الواقع التشغيلي الأصلي المرخصة وفقه وإعطاؤها مهلة شهر لتنفيذ ذلك تحت طائلة الإغلاق في حال عدم الإستجابة.»، ويبين الزرقاوي أن الاستجابة جاءت من ثلاثة مطاعم ماعدا «س، ن، م » وسيتم إغلاقها عندما تبلَغ المحافظة بعدم التزامها بالقرار، مؤكداً أن قرار منع دخول الشباب دون الثامنة عشرة إلى هذه الأماكن هو من مهمة شرطة المحافظة.
وجهة نظر..
من غير المعقول أن تكون الجهات المعنية عاجزة عن الحد من هذه الظاهرة، وهي التي تتبنى العديد من القرارات الهادفة إلى «الإصلاح» في ما يتعلق بالمخالفات التي يفتعلها أصحاب المطاعم لنشر صالات الديسكو التي بدأ الحديث عنها علانية في الآونة الأخيرة. ويبقى أن نقول أن هناك عدم انسجام بين ماتقوله إدارة دمشق القديمة وماتطلبه السياحة وماتنفذه المحافظة، فبينما تعقد الاجتماعات في مجلس المحافظة، ويتم التطرق إلى هذه المشكلة،، تبقى صالات الديسكو تمارس نشاطها الطبيعي وبشكل علني، والسؤال: إذا كان المواطن العادي قادراً على تمييز المطعم عن الديسكو، فهل من المعقول أن تكون الجهات المختصة عاجزة عن هذا؟!
ريم فرج
المصدر: بلدنا
التعليقات
عادي كون البلد يتحول بسرعة الصاروخ نحو الطالبانية
سؤال
بلدنا ..صورة بلدنا
لا تقربوا الصلاة
إضافة تعليق جديد