عكاوي يشيد بسماوي ويشبه سائر غاليريات سوريا بالدكاكين

02-07-2010

عكاوي يشيد بسماوي ويشبه سائر غاليريات سوريا بالدكاكين

لا أحد يعرف كيف قرر خالد السماوي أن يغير حياته فجأة، ويستدير راجعا إلى سوريا بعد أن أمضى وقتا طويلا في سويسرا، في عمله الأساسي مصرفيا في بلد المال والمصارف.
عند سؤاله عن سبب هذا التغيير الكبير في حياته، يحاول الشرح ويشير الى مجموعة من الأسباب تكتشف أنها تتمحور كلها حول حبه للفن وشغفه بعالمه، الذي خبره السماوي لكن على الطريقة الأوروبية التي تكرس تقاليد عريقة في النظرة إلى الفن باعتباره فرصة للاستثمار وتنمية الثروة وفضاء خاصا للإبداع.
عندما عاد السماوي إلى دمشق كان يحمل مشروعه الخاص بأدق تفاصيله، فقد درسه مرارا وتكرارا، وقد كان على ثقة كما قال لي وصرح أكثر من مرة للصحافة بأننا نملك إرثا فنيا هائلا، من خلال مجموعة شديدة التنوع من الفنانين ينتشرون على مراحل عمرية متباينة وشديدة الغنى، ذكر بعضهم صديقنا الفنان يوسف عبد لكي في معرض رده على بعض التصريحات الصحافية للسيد خالد السماوي، وإن كنت آخذ عليه أنه اغفل ذكر أسماء مهمة جدا وذات تأثير ومكانة، مثل مصطفى علي، وآمل أنه سقط سهوا مع أنه من ألمع الأسماء الفنية اليوم.
على أي حال في هذا المقال سأحاول أن ارد بعض الإجحاف الذي لحق بخالد السماوي في مقالة الفنان عبد لكي الذي نشرها في صحيفة «السفير» يوم الجمعة بتاريخ 25 من الشهر الماضي، وبدا أن هناك تحاملا واضحا على السماوي، وقبل أن أرد على بعض ما جاء في مقالة عبد لكي دعوني أكمل بعض الإضاءات عن واقع ما أحدثه السماوي من تغيير في الساحة الفنية السورية.
لقد كان السماوي محقا عندما قال ان سوريا تختزن إرثا كبيرا من الفنون عبر مئات الأسماء من الفنانين الذين تركوا تاريخا فنيا عريقا على امتداد سوريا والعالم. ويوسف عبد لكي واحد من هؤلاء الذين نعتز بهم، وقد كان من أوائل من شجع تجربة السماوي باسمه وفنه. وقد استغربت هجومه العنيف والظالم. وقد كان من أول من استفاد من هذه التجربة، ومن أوائل المحتفى بهم بغاليري ايام، لقد سعدت شخصيا باقتناء أحد أهم الكتب التي تضم أعمال عبد لكي وغيره من انتاج غاليري أيام، ربما كانت المرة الأولى التي يقوم فيها غاليري بمثل هذا الاحتفاء بفنانين شركاء له.
طيف واسع التنوع من الفنانين والحالات الفنية الغنية ومنذ عصر الحداثة الأولى لدينا سمات ومدارس فنية أضفت لمستها الخاصة وحاكت تجارب غربية وشرقية واحتفظت بلمستها الخاصة وهي وليدة بيئة شرقية تختزن عالما سحريا متخيلا يصعب الوصول إليه، وهذا هو السبب الذي دفع خالد السماوي إلى ترك أعمال ناجحة في اوروبا وجاء ليستثمر فرصة لا تقدر بالنسبة له، فهي إلى جانب أنها تماشي حبه للفنون تحمل موقفا نبيلا هدفه الارتقاء باللوحة الفنية السورية وتقديمها للعالم بالطريقة التي لم تستطع بعض الغاليريات السورية من قبل تقديمها لاسباب متعددة أهمها قلة الخبرة ومحدودية الأفق.
تعرفت إلى خالد السماوي بعد تأسيسه غاليري أيام وباعتراف أعداء السماوي والمشككين بتجربته باعتباره رأسماليا جاء ليدخل الفن عصر التجارة ويخرب طوباوية كاذبة نبذها هؤلاء بعد أن أثبت السماوي من خلال تجربته أنه مجدد على صعيد تسويق اللوحة التشكيلية السورية التي تستحق تقديمها باحترام أكثر بكثير من مجرد عرضها في صالات هي أقرب إلى الدكاكين بطريقة تعاملها مع أهم التجارب الفنية في المنطقة، وأعيد إلى الذاكرة هنا منظراً شاهدته بنفسي في أحد غاليريات دمشق لطريقة تخزين لوحات بعض من أهم الفنانين في سوريا وقد غطاها الغبار والعفن، لا تعرف طريقا تخرج به إلى النور، فهل كان أفضل للوحات لؤي كيالي وفاتح المدرس وللعديد من الفنانين السوريين المخضرمين وللفن السوري عموما أن تبقى تلك الأعمال أسيرة لطريقة متخلفة وأنانية ، ألم نكن بحاجة إلى من يثير زوبعة إلى من يضيء شمعة أو يفتح طريقا جديدا.
له أم عليه
من يأخذ على السماوي أنه رفع سعر اللوحة السورية بطريقة أضرت بها، نقول «هل كثيرا على لؤي كيالي أن تكون لوحته بخمسة ملايين ليرة، أليس هذا السعر أقل بكثير من قيمتها الفنية، اليس حراما أن تباع أصلا بهذا السعر، لقد عرضها السماوي في غاليري أيام بدبي بهذا السعر، ورفض بيعها احتراما لمقام هذا الفنان العظيم، فهل يحسب ذلك للسماوي أم عليه، ألم يكن ضروريا الاحتفال بالفنانين السوريين واعطاؤهم مكانتهم اللائقة، ألم يكن يوسف عبد لكي شاهدا على حوارات ولغط كبير في الساحة الفنية السورية حول تجربة السماوي، ألم يكن من المحتفين بهذه التجربة بدليل انخراطه فيها متجاهلا اعتراضات ومواقف متشددة من قبل الكثيرين في الساحة السورية، فلماذا يصبح السماوي هدفا لسهامه على صفحات الجرائد، واتهامهة بالمتمول والتاجر والمتحدث باسم المال.
ربما تحدث السماوي بلغة فيها نظرة إلى الفن على أنه فرصة وأنه مجال للاستثمار، لكن أليس هذا صحيحا، الم تكن الحركة الفنية الاوروبية بنضجها وتنوعها ثمرة هذه الفكرة عندما اصبحت كل بنوك اوروبا والعالم تحسب حسابا للاستثمار في اللوحة الفنية وتعتبرها جزءا من أصولها الثمينة. أليس هذا خدمة للفن بغض النظر عن تسليع المنتج الفني مثل غيره من السلع التي طالت كل شيء حتى الإنسان، الم تكن المزادات العالمية سببا في ارتفاع مستوى اللوحة الفنية والعمل الفني وتقديره على مستوى العالم على الرغم من نكهتها التجارية واسلوبها في التسويق والعرض.
كلنا يعرف الاثر الكبير للمزادات التي يباع فيها العمل الفني مثله مثل أي سلعة أخرى، وبنفس الطريقة، لكن مع ذلك فإن كل فناني العالم يحرصون على المشاركة فيها، وقد كانت سببا في إرتفاع قيمة اللوحة في الشرق من اليابان إلى الشرق الأوسط، وكلنا يعرف كيف ارتفع مستوى العمل الفني في الصين والهند وإيران من خلال المزادات التي تعمل أصلا على مبدأ المزايدة والتجارة، ربما كانت تلك مفارقة لكنها خدمت الفن بكل اشكاله على مستوى العالم.
ألا يشهد للسماوي أنه احتضن عشرات التجارب الشابة وغير الشابة في سوريا، وأمن لها دخلا ثابتا ودخلا متكررا من خلال إشراك احجامها في العديد من المعارض وإشراكهم في الكثير من المناسبات الفنية.
واذا كان السماوي قد استحدث بدعة المكان الأفضل للوحة السورية وعرض هذه اللوحة في أهم مراكز العرض في دبي وأوروبا وأميركا وبيروت وغيرها من العواصم الفنية المهمة ورفع سعرها إلى مستويات غير مسبوقة، فقط لأنه عرضها بما يليق بها، وليس لأنه يريد تحقيق أرباح خاصة به، وإن كان هذا أمرا مشروعا، خاصة إذا كان ذلك ضمن التقاليد المعمول بها في العالم، فلم لا يكون هذا الرجل رائدا في مجاله وهو المغامر والمخاطر بالاستثمار في بيئة صعبة ولم تعتد تقاليد الخروج إلى العلن والمنافسة. لقد خرج السماوي باللوحة الفنية السورية إلى أهم الساحات الفنية لأول مرة، أليست مخاطرته تلك ريادة يستحق الشكر عليها على الأقل.
لقد خرج السماوي بلوحات العشرات من الفنانين الســوريين الى اهم المزادات والمعارض العالمية مراهنا على قيمتها الفنية بالدرجة الاولى، فلمــاذا لا يعطيه حقه اولئك الذين سُرقت حقوقهــم واستعذبوا واقعا دفعهم الى اليأس والهجرة الى المنــافي ليطرقوا ابوابا جديدة حاملين حميما مضنيا لرائحة الياسمين في دمشق وفتنة حاراتها القديمة.

 وليد عكاوي
 المصدر: السفير

أيهم ديب:بين منطق "عبدلكي" وواقعية "سماوي" في الإنتاج التشكيلي السوري

يوسف عبدلكي يطلق النار على خالد سماوي

عصام درويش يتحدث عن لعبة تسويق اللوحة في سورية

التعليقات

لغة تبريرية فيها خلط بين الحدود بطريقة غريبة. فأحد الخلافات الأساسية هو حول إن كان تسليع الفن و آليات تسويقه قد انقلبت على الفن و غيرت ليس محتواه و مرجعياته, التي هي أصلاً مادة للثقافة الانسانية بتنوعها. و في الوقت الذي كان الفن لفترة طويلة سلعة و كان الفنان ينظر اليه كمعلم صنعة. إلا أن أهم انجازات الفن - الحديث- هو إعادته تشكيل قواعد اللعبة من حيث مرجعياته و مادته و شكل عرضه و تداوله. و إن كان يصعب الفصل بين الفن كحالة متغيرة و بينه كشكل سلعة إلا أنه يخضع لفلترة مختلفة عن الممارسات الاستهلاكية المترتبة عليه كمنتج يتم تداوله. فما قدمته الفنانة مادونا يتم العودة اليه كموسيقا بطريقة مختلفة عن العودة اليه كسلعة . فقد يكون سروالها الداخلي سلعة في المزاد تكرس المغنية كنجمة بوب. و لكن قراءة الظاهرة تختلف عن قراءة المادة الموسيقية التي تقدمها. ثم ما هذا الكلام الشديد السطحية عن اسلوب شرقي سحري ؟؟؟ كل هذه العبارة انشائية لا معنى لها. و مشكلة الفن في سوريا ليست في ولاء السيد سماوي له او كرهه له. مشكلة الفن في سوريا مشكلة من جنس الفن بغض النظر عن ما تريد بيعه و بأي ثمن. المسألة مركبة و لها جذور سياسية و اجتماعية و معرفية مركبة. و دور خالد سماوي في ارتقاء الفن يمكن مثلاً أن تشبه دور الاسلام الذي حجب مواد فنية كثيرة متحياً لنمو مادة معينة من الفنون البصرية- تقريباً- مثل الزخرف و الخط. و هنا أحد مواضع الحوار اليوم, الفن يولد داخل و خارج المؤسسات و معها و ضدها.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...