17 نيسان :عيد الربيع (نيروز)
إليان مسعد: يحتفل أبناء الساحل السوري عموما والمسلممون العلويون خصوصا يوم 17 نيسان غربي، بيوم شهير هو الاحتفال بعيد الرابع من نيزان شرقي(نيسان)هو قطعا أخر يوم من أيام "عيد رأس السنة الاكيتو" (نيروز)، وكان كما هو معروف يستمر حتى 17 نيسان غربي ومنع أيام الوحدة أولا ثم انتهى نهائيا 1980 ، وهو عيد جميل كان يحتفل به بإجلال وحبور بالساحل السوري واستغرب أن لا يعاد الاحتفال به وليذهب المنافقون إلى الجحيم، وهذه لمحة تاريخية عن مراسم الاحتفال في مدينة بابل وتعني (باب الله- باب ايل-مدينة الله العظمى)
مراسم أيام عيدالحجة ـ حجتوـ أو عيد الربيع (نيروز)
- في يوم الربيع تتمكن عشتار (إلهة الانوثة) من تخليص تموز (إله الذكوره) من العالم السفلي، ليعود إلى الحياة ويخصب عشتار ويجلب إلى الأرض الربيع والخضرة
- كان الإعتقاد السائد أن سبب إنبعاث الطبيعة في نيسان(الذي يصادف حاليا يوم 21 آذار، وهو يوم المنقلب الربيعي، وتبناه الإيرانيون باسم عيد نيروز). هو يوم خروج (تموز،إله الخصب والذكورة) إلى الأرض بعد صراعه مع الآلهة الشرّيرة ثم انتصاره عليها، وزواجه من الإلهة (عشتار،آلهة الانوثة والخصب).
إن انبعاث الحياة المتمثلة ببداية الربيع، وقد سُمّيَ هذا العيد بالسومرية " خجيتي زيغورو" (الحجة الصغرى) أي (العيد الصغير) .. أماّ بالأكدية(البابلية والآشورية) فكان يسمّى "ريش- شاتين" أي رأس السنة. وعلمياً يعتبر اليوم شهر نيسان البداية الحقيقيّة لدورة الحياة الطبيعية على الأرض كونه في نيسان تبدأ الطبيعة بالتجدد والإنبعاث، وليس في كانون الثاني.
وفي المدن العراقية (بابل ، نينوى وباقي المدن)، اعتبرت ملحمة "إينوما إيليش"ومعنى الاسم حرفيا(عندما في العُلى)، تتم التلاوة الطقسية المُجَسِّدة لخلود الله(ايل)، وخلق الحياة. وكانت تُتلى في معبد الإله (إيساغيلا = البيت الشامخ) في اليوم الرابع من "آكيتو" التي كانت تدوم طوال إثني عشر يوما بعد ليلة إستواء الليل بالنهار.
البرنامج الاحتفالي
احتفالات رأس السنة العراقية (البابلية - الآشورية) (آكيتو ـ حجتو) تقام بدءاً من أوّل ليلة الإعتدال الربيعي (تساوي الليل مع النهار)، وتتخللها الصلوات والتمثيليات الدينية الضخمة على شكل مهرجانات سنوية يشارك فيها الشعب من كافة الطبقات، فيما يستعمل الكهنة نماذج تمثل الآله، كمجرّد وسيلة تعبير ليس إلاّ، وكانت احتفالات آكيتو تجري وفقاً للبرنامج التالي:
- من اليوم الأوّل إلى الثالث : تطهير النفوس؛ في هذه الفترة يقوم كاهن الإيساغ ايلا(بيت الله) بتلاوة طقوسٍ حزينة، بمشاركة كهنة المعبد، ويرد عليهم المشاركون من الشعب بترانيم باكية تعبّر عن خوف الإنسان من المجهول، لذلك يتّجه الكاهن الاعلى كلّ صباح إلى (الإيساغ ايلا )لطلب الغفران من الله، راجياً إياه حماية بابل، مدينته المقدّسة وسُمّيت هذه الصلاة : سرّ إيساغ ايلا.
2- اليوم الرابع : صباحا، يسير كلّ شيء كما في الأيام الثلاثة الأولى، اما في المساء فكانت تُتلى ملحمة الخلق "إينوما إيليش" (عندما في العُلى) ، لتحكي عن بدء الكون وتكوّن الفصول وإتحاد قوّة كافة الآلهة في الإله بعد انتصاره على التنين تيامات و تلاوة هذه الملحمة، تحضيراً لطقوس خضوع ملك بابل لله، في اليوم الخامس من آكيتو.
3- اليوم الخامس : يوم خضوع ملك بابل أمام الإله حيث سيدخل الملك الإيساغ ايلا برفقة الكهنة، ويتجه نحو المذبح، فيدنو الكاهن الأعلى للإيساغ ايلا من الملك آخذاً دور الإله ، ويبدأ بتجريده من حليّه وصولجانه وحتّى تاجه، ثمّ يصفع الملك بقوّة حيث يركع الأخير ويبدأ بتلاوة الغفران وإعلان خضوعه لله قائلاً: " أنا لم أخطيء يا سيّد الكون، ولم أهمل أبداً جبروتك السماوي..." ويردّ عليه الكاهن بدَوره : " لا تخف ممّا يقوله ، فسوف يسمع صلواتك ويوسّع سلطانك، ويزيد عظمة مُلكك..." وبعدها يقف الملك فيعيد اليه الكاهن حليّه وتاجه ثم يصفعه مرّة أخرى بقوّة على أمل أن يذرف الملك دموعه، لأنّ ذلك سيعبّر عن المزيد من الخشوع لمردوخ والإجلال لسلطانه.
وعندما يقوم الكاهن بإعادة التاج إلى الملك، إنّما يعني ذلك تجديد السلطة من الإله ، وبذلك سيعتبر نيسان تجديداً ليس للطبيعة وللحياة فحسب، بل لنظام الدولة كذلك. وهكذا ستجعل هذه المراسم أعظم وأرهب الشخصيات في ذلك الزمان (ملوك بابل ونينوى)، ترضخ للإله الأعظم، وتعيش لحظة تواضع مع عامّة الشعب من كافّة الطبقات، مع تضرّعاتٍ يشارك بها الشعب بأكمله، ليثبت إيمانه أمام جبروت الله.
وبعد نزوله إلى بيته الأرضي (بابل)، وتجديده لسلطان ملكها، يبيت الإله (بالزاقورة) في "جبل العالم السفلي"، وهو برجٌ مؤلّف من 7 طوابق، عُرف في التوراة ببرج بابل، وفيه بيت الله، أو"إيساغ ايلا" (كما سيسكن الله في "جبل" حسب التوراة، مزامير:74 :
ففي هذا اليوم من عيد آكيتو يكون الإله قد دخل بيته ويفاجأ بآلهة الشر التي سيتعارك معها ويؤسَر في الجبل، بانتظار وصول إبنه الإله نابو الذي سينقذه من "العدم" ويُعيد له مجده.
4- اليوم السّادس : وصول الإله نابو، برفقة أعوانه من الشجعان القادمون من نيبور وأوروك وكيش وأريدو (مدن في جنوب العراق الحالي)، بواسطة المراكب، (كانوا مرافقين لنابو متمثلين بتماثيل رمزية توضع في مراكب صُنعت خصّيصاً لهذه الذكرى)... وهنا يبدأ الشعب بالسير بأعداد هائلة وراء الملك باتجاه الإيساغ ايلا حيث الاله الأسير، مرنمين أغنية مطلعها: "هوذا القادم من بعيد ليعيد المجدَ إلى أبينا الأسير".
5- اليوم السّابع : نابو يحرّر الإله في اليوم الثالث من الأسر، حيث كانت الآلهة الشريرة قد أغلقت باباً كبيراً وراءه بعيدَ دخوله بيته، ويتعارك معها، لحين مجيء نابو الذي سيكسُرالباب الصلب، وتبدأ معركة بين الفريقين ينتهي بها الأمر إلى انتصار الإله .
6- اليوم الثامن : بعد تحرير الإله ، تجمَّع التماثيل ، في غرفة الأقدار(أوبشو أوكينا)، حيث من المتوقّع أن تجتمع القوى الروحية لتقرّر مصير المملكة والبشر، وينتهي الأمر بتجميع قوى الجميع لتوهَب مجدداً إلى الإله وهنا يأتي الملك راجياً الكل السير مع الله إكراماً له، وهذا التقليد يدلّ على خضوع كافّة القوى لسيدها الالهي
7 - اليوم التاسع : يسير موكب النصر إلى "بيت آكيتي"، وهو المكان الذي يُحتفَل به بانتصار الله - في بدء الخليقة - على التنين تيامات (آلهة المياه السفلى) ويقع "بيت آكيتي" (يسميه آشوريّو نينوى "بيت إكريبي" إي " بيت الصلاة" بالآشورية القديمة) على بعد حوالي 200 متر خارج سور المدينة، حيث الأشجار الغريبة المزينة، والمسقيّة بعناية فائقة لتليق بمستوى الإله الذي يُعتبر واهب الحياة في الطبيعة ويعبّر هذا التقليد (موكب النصر) عن مشاركة عامّة الشعب بالفرحة بتجدد سلطان الاله، وتدمير قوى الشر التي كادت أن تتحكّم بالحياة منذ البدء.
8- اليوم العاشر : بعد الوصول إلى "بيت آكيتي"، يبدأ الإله بالإحتفال مع آلهة العالمين العلوي والسّفلي (توضع تماثيل الآلهة حول طاولة كبيرة ، بشبه وليمة) ويعود إلى قلب المدينة للإحتفال بزواجه من الآلهة "عشتار" في المساء، حيث تتحد الأرض مع السماء. وتطابقاً مع زواج الآله، يطبَّق هذا الزواج على الأرض كذلك، فيقوم الملك بتمثيل هذا الزواج مع كبرى كاهنات الإيساغ ايلا حيث يجلسان سويّة على العرش أمام الشعب ويبدآن بتبادل الأشعار الخاصّة بهذه المناسبة، على أنّ هذا الحب هو الذي سيولّد الحياة في الربيع .
9- اليوم الحادي عَشَر : في هذا اليوم تعود الآلهة برفقة سيدها لتجتمع في بيت الأقدار (أوبشو أوكينا) الذي اجتمعت فيه في اليوم الثامن للمرّة الأولى، إنّما هذه المرّة تجتمع لتقرير مصير الشعب . وفي الفلسفة القديمة في بلاد النهرين يعتبر الخَلق بشكلٍ عام، تعهداً بين الأرض والسماء على أن يخدم الإنسان الآله حتى مماته، وبالتالي لا تكمل سعادة الآله إلاّ بسعادة الإنسان الذي يخدمه لذا سيكون مصير الإنسان السعادة ولكن شرط أن يخدم الآله إذاً سيقرّر الآله عهداً جديداً لبابل ويصعد عائداً إلى بيته العلوي (السماء)
10- اليوم الثاني عشر : وهو اليوم الأخير من آكيتو، حيث يعود الآله إلى معبده، (تعاد تماثيل الآلهة إلى المعبد) وتعود الحياة اليومية إلى بابل ونينوى... وباقي المدن . مواطنينا بالساحل عودوا للاحتفال بهذا العيد الجميل والسوري الأصيل
إضافة تعليق جديد