يوسف الخطيب: رحل الجسد وبقي الاسم في الذاكرة
شيعت الأوساط الثقافية والأدبية أمس جثمان الشاعر العربي الكبير الراحل يوسف الخطيب الملقب بسيف فلسطين الذي توفي أمس الأول عن عمر ناهز الثمانين عاماً حيث ووري الثرى في مقبرة الدحداح بدمشق.
ويعتبر الشاعر الخطيب من كبار شعراء القضية الفلسطينية الذين عاصروا النكبة وهجروا عن وطنهم الأم ورسموا في الملاجئ والمنافي صورة الوطن الحلم شعراً حفظته وخلدته الأجيال.
وفي رؤية لمنتج الشاعر الراحل الأدبي نجد أنه لا يمكن الفصل بين نصوصه الشعرية وحياته التي بدأت بعد عام فقط من ثورة عام 1930 على المستعمر البريطاني فذاكرة الشاعر تعتبر بمثابة ذاكرة أمة ووطن لطالما أصر الخطيب على تناول مفرداتها في أشعاره ممثلاً لمشهد ولادته بقرية الدورا قضاء الخليل عام 1931 بمشهد سيظل يلاحقه ما عاش من السنين عبر خروج جنازات شهداء ثورة البراق الفلسطينية عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي من سجن عكا المركزي بعد إعدامهم من قبل قوات الجيش البريطاني.
يقول الخطيب .. ولدت ، وحبوت ، ونموت .. فما إن بلغت سن الخامسة حتى اقترن وعي الطفولة الأول عندي مع إضرابنا الفلسطيني الكبير عام 1936 كمقدمة للثورة الفلسطينية الكبرى في العام اللاحق 1937 وطبيعي جداً أن ذاكرة الطفولة في مثل هذه السن المبكرة لن تكون قادرة على اختزان الأحداث الكبيرة بمختلف مدلولاتها وأبعادها السياسية ولكنها ستكون أكثر مقدرة مما هي عند الكبار على التقاط بعض المواقف والتفاصيل الصغيرة جداً واختزانها بالتالي مدى الحياة.
بدأ الشاعر حياته الدراسية في مدرسة بلدته الدورا قبل أن ينتقل إلى مدينة الخليل ليتم تعليمه الثانوي في مدرستها ثم يعمل لفترة قصيرة في إحدى الصحف المحلية بالأردن قبل أن يغادرها عام 1951 إلى دمشق ليدرس الحقوق في جامعة دمشق ويتخرج فيها عام 1955 حائزاً دبلوم الحقوق العامة حيث عرفته أروقة الجامعة بنجومية الشاب الفلسطيني المقبل على الشعر والحياة بين ربوعها ومن هناك بدأ الشاعر بكتابة مجموعته الشعرية الأولى "العيون الظماء للنور" بعد أن فاز بالجائزة الأولى لمجلة الآداب اللبنانية عن قصيدة نشرتها المجلة له تحت العنوان ذاته.
عكف بعدها الخطيب على مزاولة عمله في الإذاعة الأردنية حتى عام 1957 حيث كان لعلاقته مع ميكرفون الإذاعة علاقة جوهرية بالصوت الذي سيميزه فيما بعد كشاعر للنبرة العربية الثورية وكصوت لا يمكن رده عن القلب والأذن ما جعله منذ سنوات شبابه الأولى قامة استثنائية في صياغة النص الشعري و تجويد معاني الكلمة واللفظة لاسيما بعد انتقاله للعمل في إذاعة دمشق وإصداره عام 1959 لديوانه الشعري الثاني "عائدون".
إبان الوحدة بين سورية ومصر ذهب الخطيب إلى بيروت ومنها إلى هولندا حيث عمل في القسم العربي لإذاعة هولندا العالمية ومنها إلى بغداد لينتقل بعدها للعيش في دمشق حيث قضى فيها جل سنواته الثمانين كاتباً وناقداً وشاعراً رفيعاً تجلت في نصوصه بلاغة القول الشعري ورصانته وجديته الفنية مصقولاً بثقافة دأب الخطيب على صيانتها ومدها بعقيدته القومية التي مارسها قولاً وفعلاً في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي.
وفي عام 1964 أصدر الخطيب ديوانه الثالث "واحة الجحيم" ثم تولى عام 1965 منصب المدير العام للإذاعة والتلفزيون العربي السوري دون أن يشغله ذلك عن البحث في مقترحه الإبداعي.
لم يقتصر نتاج الخطيب على النص الشعري بل أغنى المكتبة العربية بمؤلفات غاية في الأهمية فبعد تفرغه للكتابة عام 1966 أسس دار فلسطين للثقافة والإعلام والفنون التي صدر عنها عدد من المطبوعات كان أبرزها كتاب "المذكرة الفلسطينية" مابين عامي 1967 و1976 حيث تعتبر هذه المذكرة من أبرز إصدارات دار فلسطين وأكثرها تأثيراً ورسوخاً في الذاكرة قام الخطيب فيها بتسجيل يوميات القضية الفلسطينية بالاستناد إلى عدد من المراجع الهامة في هذه القضية دائباً على إصدارها لمدة تسع سنوات بخمس لغات عالمية هي العربية الإنكليزية والفرنسية الإسبانية والألمانية.
شارك الشاعر الفلسطيني الكبير في أعمال الهيئة التأسيسية لاتحاد الكتاب العرب مشاركاً بوضع نظامه الأساسي والداخلي لينجح بعدها وبإجماع القوى الوطنية الفلسطينية كعضو في المجلس الوطني الفلسطيني عن كتلة المستقلين وليسهم الخطيب بعدها في المؤتمر العام لاتحاد الكتاب الفلسطينيين ببيروت وينتخب أميناً عاماً للاتحاد.
كما وضع الخطيب مؤلفاً أدبياً غاية في الأهمية عام 1968 تحت عنوان "ديوان الوطن المحتل" ضم قصائد ودواوين شعراء الأرض المحتلة عام 1948 أمثال محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زيادة إضافة إلى دراسة بقلم الخطيب عن الحركة الشعرية في فلسطين المحتلة فضلاً عن إصداره لمجموعته القصصية المميزة "عناصر هدامة".
وفي عام 1988 نشر الخطيب ديوانين اثنين هما "رأيت الله في غزة" و "بالشام أهلي والهوى بغداد" عكس من خلالهما نفساً عروبياً خاصاً وقدرة شعرية استثنائية في صياغة مناخات شعرية استثنائية زاوج من خلالهما بين جزالة اللغة ورشاقتها معتمداً على الغنائية كأسلوب اشتهرت به أشعاره على امتداد تجربته الإبداعية.
وفي وداعه يقول الشاعر الفلسطيني خالد أبو خالد.. غياب يوسف الخطيب يحفزنا على استلام العلم من يده كي نسلم علمنا أيضاً إلى يد قادمة فهو شاعر آمن دائماً بتواصل الأجيال وهو شاعر لا يمكن أن يقبل بالمساومة على تراب وطنه فلسطين من البحر إلى النهر ومن راس الناقورة إلى رفح.
وأضاف أبو خالد أن قامة الخطيب تشهد بأنه كان صاحب مواقف في اللحظات الحاسمة التي مرت بها الأمة العربية وهو القومي العربي في الأساس والذي يحمل خصائصه الفلسطينية كون فلسطين هي في مقدمة الصراع وفي جوهر القضية العربية.
ويختم ابو خالد بالقول .. الخطيب الذي ولد في الدورا وتشرد عنها ولم يعد إليها له الفضل في أنه عرفنا بديوان الوطن المحتل الذي طبعه على حسابه الخاص حيث قدم كافة قصائد شعراء المقاومة في فلسطين المحتلة في أوائل السبعينيات وكان لهذا الديوان الأثر الكبير في النهضة الشعرية.
من جانبه لفت الدكتور صابر فلحوط الرئيس السابق لاتحاد الصحفيين إلى أن الأمة العربية تودع اليوم قامة شعرية كبيرة فيوسف الخطيب عاش لفلسطين شعراً وأخلاقاً وسياسةً وحياةً وإيماناً وكان شاعر جيل النكبة بجدارة حيث كرس حياته كلها للموقف المبدئي الثابت والإيمان الراسخ بأن فلسطين عربية وستعود عربية عاجلاً أم آجلاً فقدر هذه الأمة هو الانتصار في آخر المطاف.
المصدر: سانا
إضافة تعليق جديد