وصف الحرب الإسرائيلية - اللبنانية والسيناريوهات المحتملة

26-07-2006

وصف الحرب الإسرائيلية - اللبنانية والسيناريوهات المحتملة

حددت وزيرة الخارجية كونداليزا رايس موقف الإدارة الأمريكية من الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان في عبارة مؤداها : "إن أمريكا ترفض الاعتراف بدبلوماسية تسمح للوضع في جنوب لبنان أن يعود إلى ما كان عليه قبل الأزمة" ، ما يعني رفضها الصريح للدعوة بوقف فوري لوقف إطلاق النار دون أن تتحقق الشروط التي تطالب بها إسرائيل ، وأولها تطبيق القرار رقم 1559 الصادر عن مجلس الأمن الذي ينص – ضمن أمور أخرى – على نزع سلاح حزب الله والميليشيات الأخرى المتواجدة على أرض لبنان .
هنا نسأل : هل هذا الموقف يعني السماح لإسرائيل بأن تتخذ من الإجراءات العسكرية ما تراه ضرورياً لتدمير قوة حزب الله الصاروخية ، أو على الأقل إبعاد عناصر الحزب وقواعده عن الجنوب اللبناني وإقامة شريط عازل يقلل من فرص إطلاق صواريخه على الشمال الإسرائيلي ؟ .. وهل تشمل تلك الإجراءات المحتملة تكثيف القصف الجوي والبري والبحري المدمر للبنة التحتية للبنان والمدنيين بهدف تأليب الشعب اللبناني بمختلف أحزابه وطوائفه ضد حزب الله ؟. وإذا لم يكن الأمر كذلك ، فما السيناريوهات التي يتوقع تطبيقها في المرحلة التالية من هذه الحرب ؟.

ماذا ستفعل إسرائيل أكثر من هذا؟:
   للإجابة على تلك التساؤلات ، نعرض لبعض المعطيات التي أفرزتها تلك الحرب بغية قراءتها بتأنٍ ، علّنا نقترب من معرفة الخطوات التالية التي يمكن أن يقدم عليها الطرفان المتصارعان حزب الله وإسرائيل .
  على الصعيد الإسرائيلي :

- سيطر الجيش العبري على بلدة "مارون الراس" اللبنانية التي تبعد مسافة 2 كيلومتراً عن الحدود مع إسرائيل بعد معارك طاحنة خاضها حزب الله لعدة أيام أسفرت عن خسائر في معدات العدو وأفراده تعتبر "بكل المقاييس" كبيرة ، لينطلق منها إلى مهاجمة بلدة "بنت جبيل" في الجنوب اللبناني والتي تبعد هي الأخرى على بعد 2 كيلومتراً عن الحدود مع إسرائيل . وقد أفادت الأنباء بأن المعركة التي دارت في محيط البلدة لم تمكن القوات الإسرائيلية المهاجمة حتى اللحظة من السيطرة عليها برغم وصولها لمشارف المدينة والسيطرة على محيطها ، حيث ما زال القتال جارياً بضراوة بين الطرفين – حتى كتابة هذه السطور – ما أسفر عن تكبد القوات الإسرائيلية المهاجمة أربعة قتلى وتدمير خمس من دباباته وآلياته ، إضافة لجرح تسعة آخرين من جنوده في كمين أعدته عناصر من الحزب ضد القوات الإسرائيلية المتواجدة في محيط بلدة "مارون الراس" .

- التعتيم الإعلامي الشديد الذي تفرضه إسرائيل حول حجم الخسائر البشرية والمادية والنفسية الحقيقية التي تحدثها صواريخ حزب الله في شمال إسرائيل والمدن والبلدات التي طالتها في العمق الإسرائيلي ، وحول الآثار الناجمة عن إجبار حوالي مليوني إسرائيلي (ثلث سكان إسرائيل) على العيش في المخابئ ليل نهار ، أو النزوح نحو الداخل طلباً للنجاة .

- تصريحات ألقى بها مسئولون في حكومة إسرائيل تثير تساؤلات حول مدى استمرار إسرائيل في هذه الحرب ، منها قول وزير الدفاع "عامير بيرتس" بأن "جيش إسرائيل على استعداد لاجتياح لبنان إذا تطلب الأمر ذلك" ، وقول بعض المسئولين الإسرائيليين بأن هذه الحرب سوف تستمر حتى يتضح أن المردود منها لا يتناسب مع ما ينفق عليها . وهذا يعني أن مسألة إقدام إسرائيل على اجتياح شامل لجنوب لبنان واحتلاله ، تخضع لحسابات إسرائيلية معينة تكفل نجاح هذه العملية بنسبة عالية ومؤكدة .

- ما يلاحظه المراقبون عن أن ثمة انخفاضاً نسبياً قد طرأ على عدد الطلعات التي يشنها الطيران الحربي الإسرائيلي على أهداف في لبنان ، تحسباً – على ما يبدو - من وقوع أعداد كبيرة من الضحايا بين الجاليات الأجنبية والسائحين والمدنيين اللبنانيين ، يقابله تسريع مكثف في عمليات إجلاء تلك الجاليات خوفاً من وقوع تطورات مأساوية في الأسبوع الثاني من هذه الحرب ، والذي يبدو أن أمريكا سمحت لإسرائيل خلاله بتصعيد الحرب على النحو الذي يحقق هدفهما (الغائي) المشترك في تدمير البنية التحتية لحزب الله وتدميره ، وقلب الرأي العام اللبناني ضده .

   وهذا ما يفسر وقوف المندوب الأمريكي في مجلس الأمن "جون بولتون" ضد إصدار مجلس الأمن لقرار يدعو لوقف فوري لإطلاق النار ، كما يفسر قرار واشنطن تزويد إسرائيل على وجه السرعة بقنابل ذكية بهدف دك معاقل حزب الله الحصينة تحت الأرض .

- تصريح بعض المسئولين الإسرائيليين بأن إسرائيل قد تضطر - في مرحلة ما من هذه الحرب - للتفاوض بشأن إطلاق سراح الجنديين الأسيرين لدى حزب الله ، برغم تأكيد أولمرت المستمر على أن حكومته تصر - ضمن مطالب أخرى - على الإفراج عنهما دون قيد أو شرط قبل النظر في أمر وقفٍ لإطلاق النار ، ما يعني أن اهتمام الحكومة الإسرائيلية بفك أسر الجنديين لم يكن يحظى منذ البداية بالأولية في سلم اهتماماتها وأهدافها من هذه الحرب ، وإنما نوع المعركة التي فرضتها وحجمها وأبعادها وتداعياتها على الأرض ، هو الذي يحكم مواقفها وقراراتها العسكرية والسياسية التالية حيال الأزمة .

   فما قامت به إسرائيل عشية العملية التي نفذها حزب الله ضد موقع إسرائيلي لم يكن مجرد رد فعل آني تم الإعداد له على عجل ، وإنما هو تنفيذ محكم لمخطط تم تجهيزه جيداً في وقت سابق يرجع - في تقدير بعض المراقبين - إلى عام 2000 حين انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان .

- قيام مظاهرة في وسط مدينة حيفا التي أصبحت هدفاً شبه يومي لصواريخ حزب الله ، وكذلك في تل أبيب – وإن كانت محدودة - احتجاجاً على الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان ، ما يعني عدم قدرة الشعب الإسرائيلي على استيعاب الخسائر التي نجمت حتى الآن وما قد تنجم مستقبلاً إذا ما استمرت الحرب لفترة طويلة ، كما يعني أن الرأي العام في إسرائيل بدأ يتحرك باتجاه رفض تلك الحرب التي أوقعت خسائر فادحة طالت الكيان العبري لأول مرة منذ إنشائه عام 48 ، الأمر الذي يضع حكومة أولمرت في موقف حرج قد يدفعها لارتكاب المزيد من حماقات في لبنان وفلسطين أشد وأفظع مما ارتكبته حتى الآن .

- استدعاء إسرائيل لأعداد كبيرة من جنود الاحتياط للاشتراك في حسم المعركة الدائرة مع حزب الله ومطالبتها للمدنيين اللبنانيين بالرحيل فورا من قراهم ، في إشارة لتصميم الجيش الإسرائيلي عل القيام بعملية اجتياح للجنوب اللبناني ، وهو ما أشار إليه وزير الدفاع الإسرائيلي "عامير بيرتس" بقوله : " ليس لدينا النية في غزو لبنان .. لكننا سنقوم بذلك دون أن نفكر مرتين إذا ما لزم الأمر" . وهذا ما فعله ويفعله الجيش الإسرائيلي حين هاجم بلدة "مارون الرأس" وسيطر عليها ، وحين انطلق للسيطرة على بلدة "بنت جبيل" التي تشهد الآن معارك طاحنة مع عناصر حزب الله للاستيلاء عيها .

   والواقع أن هذه الحرب تسببت في ظهور حالة انقسام في المجتمع الإسرائيلي بعد أربع وعشرين ساعة من بدئها ، على ما تقول صحيفة الجيروزاليم بوست الإسرائيلية . وقد عبرت الانتقادات التي وجهها حزب ميريتز اليساري إلى الحكومة الإسرائيلية عن تلك الانقسامات ، حين أشار إلى إقدام حكومة أولمرت على توسيع نطاق العمليات العسكرية بصورة يمكن أن تشكل مشكلة لإسرائيل . وفي هذا السياق يقول أحد المحللين العسكريين أن وزير الدفاع عامير بيرتس الذي كان يأمل في عقد مفاوضات للسلام ، وجد نفسه مجبراً على تغيير قواعد اللعبة لينتقل بها إلى منطق الحرب ، رغم أن القضاء على القدرات الصاروخية الهجومية لحزب الله ليس أمراً سهلاً .

   ولعل تعليق "ران كوهين" أحد السياسيين الحزبيين في إسرائيل ، يعبر بوضوح عن حقيقة الانقسام في الرأي العام الإسرائيلي من هذه الحرب ، حيث قال : إنه برغم فهمه أن الهدف (المعلن) من هذه الحرب هو إعادة الجنديين الأسيرين أولاً ، ثم إيجاد ديناميكية فاعلة تستطيع منع تكرار حدوث عمليات اختطاف للجنود الإسرائيليين كهذه في المستقبل ثانياً ، غير أنه لا يستطيع أن "يفهم"- على حد قوله - كيف يمكن لضرب مطار بيروت أن يحقــق هذين الهدفين ؟.

   أما صحيفة "هآرتس" فقد أثارت تخوفاً من نوع آخر ، حين تحدثت عن إمكانية فتح الجبهة السورية إذا ما قامت دمشق بتقديم المساعدة لمقاتلي حزب الله ، ما يحتم على المؤسسة العسكرية في إسرائيل – حينها - الاستعداد للعمل على ثلاث جبهات . لكن المحرر العسكري للصحيفة "زئيف شيف" يؤكد على أنه لا يجب العودة للحالة التي كانت عليها الأوضاع قبل اشتعال المواجهات الحالية بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله .

   لكن تحليل "سيفير بلوكر في صحيفة يديعوت أحرونوت حول هذه الحرب ، جاء أكثر وضوحاً وحسماً في تحديد الهدف الذي يجب أن تلتزم إسرائيل بتحقيقه ، حيث قال : "إذا خرج هؤلاء القادة (يعني قادة حماس وحزب الله) من هذه الحرب سالمين ، فستكون – عندئدٍ - نهاية إسرائيل" (موقع بي بي سي) . وهذا يعني دعوة صريحة لإسرائيل بمواصلة ما بدأته في لبنان والمناطق الفلسطينية المحتلة ، حتى تحقق انتصاراً حاسماً على حزب الله وحركة حماس .

أما الموقف الأمريكي والأوروبي فيؤكده :

- توارد أنباء صحفيه بأن أمريكا ستقوم بتزويد إسرائيل بوقود للطائرات تصل قيمته لأكثر من 200 مليونا من الدولارات ، بما ينطوي عليه ذلك من مدلولات عن مدى قدرة إسرائيل الفعلية على الاستمرار في حرب طويلة تعتمد فيها على قواتها الجوية بالدرجة الأولى ، وعن مدى قدرة الطيران الحربي الإسرائيلي على دعم القوات البرية التي تحاول التوغل في جنوب لبنان ، والدخول في مواجهة مباشرة مع حزب الله . هذا في الوقت الذي تتردد الأنباء عن وقوع خسائر كبيره (نسبياً) في صفوف القوات الإسرائيلية ومعداتها ، والتي حاولت تنفيذ مهمات محدودة ضد قواعد حزب الله في بعض مناطق الجنوب اللبناني كما حدث ويحدث الآن في بلدتي "مارون الراس وبنت جبيل .

- دعم أمريكي (معلن) وأوروبي (مستتر) لا حدود له للحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان ، والتي يبدو أنها باتت قاب قوسين أو أدني من حرب الإبادة التي تأتي في سياق مخططات إسرائيل وأمريكا - إذا ما اضطرتا - للقضاء على كل مظاهر المقاومة ومنظماتها في المنطقة العربية ، وبخاصة الإسلامية منها مثل حزب الله وحركة حماس .. ما يعني أن قرار الغرب وإسرائيل بعامة بعدم السماح للإسلاميين في المنطقة من الوصول إلى الحكم ، ما زال السبب الرئيس في دعم الدول الغربية لإسرائيل .

- مغزى إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس عن قيامها بزيارة للمنطقة يوم 23 أو 25 من يوليو الجاري (وصلت للمنطقة بالفعل يوم الاثنين 24 يوليو الجاري)، أي بعد انقضاء الأسبوع الثاني من هذه الحرب تقريباً ، في الوقت الذي أعلنت خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته بحضور وزير الخارجية المصري ، بأنها لا توافق على وقف فوري لإطلاق النار في لبنان ، وأنهـــا ستزور المنطقة للعمل على تهدئة الموقف في الوقت المناسب ، وفي غمرة الأنباء عن إعطاء إسرائيل أسبوعاً آخر على أمل أن تتم ما بدأته في هذه الحرب .

- مغزى قول رايس عن إن الهدف من هذه الزيارة هو العمل على إيجاد ظروف مواتية للبحث في إيجاد سلام دائم ، مؤكدة على أن وقف إطلاق النار لن يكون له ما يبرره إذا ما عادت الأمور لسابق عهدها ، وبقي حزب الله مسيطراً على جنوب لبنان . وكانت رايس قد أعلنت أنها قامت بتحديد موعد زيارتها بعد إجراء سلسلة من الاتصالات والمناقشات التي : "بدأنا نشاهد إطاراً يسمح بإيقاف العنف بصورة أفضل" على حد قولها ، كما أكدت أن الولايات المتحدة سوف تتعاون مع المجتمع الدولي لتطبيق القرار الأممي 1559 الذي ينص – ضمن أمور أخرى – على تفكيك حزب الله وتجريده من سلاحه .

   ولعل في قول بوش في خطابه الأسبوعي الأخير بأن زيارة رايس للمنطقة إنما تستهدف - ضمن أمور أخرى - عزل سوريا وإيران اللتين اتهمهما بدعم حزب الله وحركة حماس ، ما يفسر طبيعة الدور الذي تلعبه أمريكا في هذه الأزمة ، والذي تنحاز فيه بشكل سافر مع إسرائيل .. حيث اعتبر بوش الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان وفلسطين إنما تجري في نطاق ما أسماه بـ"حق الدفاع عن النفس" .

- توافق غربي وعربي حول تعمد إعطاء الدور الذي يقوم به حزب الله في جنوب لبنان وحركة حماس في فلسطين بعداً إقليمياً ، ينطوي على اتهام صريح بأن ما تقومان به في التصدي لأطماع إسرائيل وأمريكا في المنطقة إنما يتم لصالح إيران التي تعاني مجابهة غربية بسبب برنامجها النووي من ناحية ، ولصالح سوريا التي تعاني ضغوطاً أمريكية وأوروبية عنيفةً بسبب الموقف الذي اتخذته ضد الغزو الأمريكي للعراق ، ودعمها لحزب الله ، واستضافتها لفصائل المقاومة الفلسطينية التي ترفض القبول بالحلول الظالمة التي تحاول أمريكا وإسرائيل فرضها على الفلسطينيين من ناحية أخرى .

- الزيارات التي قام بها مبعوثون من الهيئة الأممية والاتحاد الأوروبي للمنطقة ، كانت – على ما يبدو – مجرد زيارات استطلاعية تستهدف التعرف على رأي المسئولين في لبنان والبلدان العربية التي زاروها في الحرب التي تشنها إسرائيل حالياً على لبنان وفلسطين ، والوقوف على مدى موافقتهم على تحميل حزب الله وحركة حماس مسئولية إشعالها ، فضلاً عن محاولتهم معرفة أفضل الوسائل التي تكفل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين دون التطرق لآلاف الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين .

- إعلان مصدر في الحكومة الإيطالية بأن إيطاليا ستستضيف مؤتمراً دوليا - يجري الإعداد لعقده في روما في 26 من يوليو الجاري – لمناقشة مسألة الحرب الدائرة في لبنان ، والمفترض أن يحضره – إلى جانب كونداليزا رايس

- ممثلون عن إسرائيل وبعض الدول العربية . وقد جرى هذا الإعلان في وقت تزامن مع إعلان زيارة رايس للمنطقة ، ما يعني وجود تنسيق مسبق بين أمريكا وأوروبا بشأن ما يجري في هذه المنطقة ، وما ينويان اتخاذه من إجراءات وقرارات يتوقع أن تصب في مصلحة إسرائيل .

- الإعلان عن قيام رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بزيارة لواشنطن يوم الجمعة القادم في 28 من هذا الشهر ، بهدف البحث في ملفي الوضع في لبنان وفلسطين وبرنامج إيران النووي ، وما تنطوي عليه هذه الزيارة من مدلولات غالباً ما تشير – كالعادة - إلى تغليب المصلحة الإسرائيلية على حساب الشعوب العربية .

أما الموقف على الساحة اللبنانية ، فيحكمه :

- إصرار أمين عام حزب الله حسن نصر الله على عدم الإفراج عن الجنديين الأسيرين إلا عبر مفاوضات غير مباشرة وتبادل للأسرى ، معبراً عن ذلك بقوله : "لو أتى الكون كله ، فلن يتم الإفراج عنهما إلاّ في تفاوض مباشر وتبادل للأسرى". كما أكد في تصريحاته لقناة الجزيرة ، بأن حزب الله استوعب الضربة الأولى واستعاد زمام المبادرة في حربه مع إسرائيل ، وأنه يعد بتقديم مفاجآت عسكرية أخرى .

- الأنباء التي تحدثت عن إيعاز السفارات الغربية في لبنان لخبراء في قياس اتجاهات الرأي العام ، للقيام باستطلاع رأي النازحين اللبنانيين حول ما إذا كانوا يلقون باللوم على حزب الله فيما أصابهم وأصاب لبنان من تدمير وأهوال .. وقد فوجئ هؤلاء بإجماع النازحين "المذهل" الذين شملتهم تلك الاستطلاعات ، على تأييد (لا حدود له) لحزب الله ورئيسه حسن نصر الله في تصديه للعدوان الإسرائيلي .

   أما على الصعيد الرسمي اللبناني ، فقد أدان رئيس الجمهورية إميل لحود الاعتداءات الإسرائيلية التي تعرض لها شعب لبنان ، كما أدان التدمير الهائل الذي لحق بالبنية التحتية للبنان وقرى ومدن الجنوب اللبناني ، مضيفاً أن اللبنانيين "لن يخافوا من تهديدات المسؤولين الإسرائيليين" . كما أكد على ضرورة سيطرة الدولة على جميع أراضيها سيطرة كاملة ، ما يعني دعوته لتخلي حزب الله عن دور المقاومة الذي يقوم به ، والدعوة لاستيعاب عناصره ضمن منظومة الجيش اللبناني .

  أما النائب ميشال عون زعيم أكبر تكتل مسيحي في البرلمان اللبناني ، فقد استنكر العدوان الإسرائيلي وضرب البنى التحتية للبنان واستهداف المدنيين ، مضيفاً أنه "لا يمكن لإسرائيل الاستمرار في اعتماد القوة لحل مشاكلها .. وأن الحل يبدأ أولا بوقف العمليات العسكرية ثم بالتفاوض".

   الزعيم الدرزي وليد جنبلاط اعتبر "ردة الفعل الإسرائيلية بالعدوان المبرمج وقتل الأبرياء والتدمير وعزل المناطق ، غير مبررة تحت ذريعة استعادة الأسرى الذين خطفهم حزب الله" ، كما أيد الحكومة اللبنانية التي أعلنت بوضوح عدم مسئوليتها عن عملية الاختطاف مؤكداً على ضرورة أن يكون سلاح حزب الله وقرار استخدامه تحت إمرة الدولة اللبنانية .

   أما التيار الذي يتزعمه سعد الحريري والذي يتمثل في توجهات الحكومة اللبنانية الحالية برئاسة السنيوره نحو سيطرة الدولة على كل أراضيها ، فقد أدان الهجوم الإسرائيلي ، كما اعتبر الحكومة اللبنانية غير مسئولة عن العملية التي قام بها حزب الله لأنها وقعت خارج نطاقها ولم تكن على علم مسبق بها ، كما دعا إلى ضرورة سيطرة الدولة على جميع الأراضي اللبنانية . (موقع بي بي سي)

   أما الموقف على الساحة العربية : فيسوده صمت عربي مطبق حيال هذه الحرب ، اللهم إذا استثنينا الأصوات التي تُحمّْل حزب الله المسئولية الكاملة عن اشتعالها ، وحرص الأمين العام للجامعة العربية على إدانة هذا العدوان وشجبه (المستتر) لأمريكا التي حالت - حتى الآن - دون اتخاذ الهيئة الأممية لقرار بوقف فوري لإطلاق النار .
    ومهما يكن من أمر هذه المعطيات ، فإن قراءتها تظهر – في رأينا - ملامح سيناريوهات أربعة محتمله لسير هذه الحرب ، وما يمكن أن تنتهي إليه .. نجملها فيما يلي :

السيناريو الأول:قيام الجيش الإسرائيلي باجتياح نوعي (محدود) للجنوب اللبناني ، مركزاً بصورة رئيسة على تدمير المواقع التي تطلق منها الصواريخ على شمال إسرائيل ، وكذلك تدمير البنية التحتية لحزب الله من قواعد ومخازن أسلحة وصواريخ ومخابئ وأنفاق يتحصن فيها مقاتلو الحزب وقياداته الميدانية . وفي خط موازٍ ، يبدأ تدخل الدبلوماسية الأمريكية بهدف التغطية على استمرار الحرب ، طالما ظل حزب الله مسيطراً على جنوب لبنان وخارج نطاق سيطرة الحكومة اللبنانية وجيش لبنان ، وطالما لم تحقق الحرب أهدافها المرسومة وبخاصة القضاء على هذا الحزب . وهذا ما تسعى إسرائيل الآن لتحقيقه من محاولة توغلها للجنوب اللبناني .

   فإذا ما نجحت في تدمير مؤثر للبنية التحتية لحزب الله وتشتيت قدراته العسكرية ومنع إطلاق صواريخه على الشمال الإسرائيلي ، أو (على الأقل) إبعاد عناصره وكوادره الميدانية عن الحدود لمسافة تُحدً من إمكانية استمرار قدراته على إطلاق الصواريخ مستقبلاً ، مع قيام الحكومة اللبنانية - في الوقت ذاته - بنشر قوات الجيش اللبناني في كل مناطق الجنوب .. نقول : إذا ما نجحت إسرائيل في تحقيق ذلك ، فهذا يعني أنها حققت هدفاً استراتيجياً طالما سعت إليه ، وهو القضاء على حزب الله الذي يمثل خطراً مؤكداً على أمنها واستقرارها .

   كذلك فإن القضاء على قدرات هذا الحزب القتالية يعني زوال معوق رئيس أمام تنفيذ استراتيجيتها في المنطقة ، والقائمة على استخدام العصا الغليظة ضد كل أشكال المقاومة في المنطقة التي تستهدف أمن إسرائيل ومصالح حليفتها أمريكا فيها ، وبخاصة أن حزب الله وحركة حماس هما التنظيمان الوحيدان اللذان ظلا يهددان أمن إسرائيل بعد أن تحقق لها زوال الخطر الذي كانت تمثله دول الطوق ، قبل تفعيل عمليات التطبيع التي جرت - بشكل أو بآخر - مع غالبية الدول العربية بعامة ودول هذا الطوق بشكل خاص .

السيناريو الثاني :يعتبر نجاح حزب الله بشكل كلي أو جزئي في صد محاولات الجيش الإسرائيلي اجتياح جنوب لبنان ومنعه من تحقيق أهدافه في القضاء على قدرات الحزب القتالية ، وكذلك نجاحه في إلحاق خسائر كبيرة في معدات العدو وأفراده كما وعد زعيمه حسن نصر الله ، فضلاً عن نجاحه في إلحاق قدر بالغ من الأذى والخسائر بالمدن والبلدات في العمق الإسرائيلي .. نقول أنه إذا ما نجح في تحقيق ذلك ، فلسوف يُلحق أضراراً جسيمة في الحالة النفسية للكيان العبري .. حكومة وجيشاً وشعباً (إذا جازت هذه التسمية) ، كما سيُفشل خطط إسرائيل في فرض حلول جائرة على الفلسطينيين .. الأمر الذي سيترك آثاراً سلبية على المشروع الإسرائيلي القاضي بقيام إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل أو من البحر إلى النهر ، (سيان).

   ولعل افتراض تحقيق هذا السيناريو الذي يحظى حتى الآن على نصيب معقول من مظاهر النجاح تعدل - إن لم تزد - مظاهر تحقق السيناريو الأول ، يبدو أنه دفع بالأمريكيين لتزويد الجيش الإسرائيلي بالقنابل الذكية القادرة على تدمير المعاقل التي يقال بأن مقاتلي حزب الله وقياداته يتحصنون فيها تحت الأرض ، كما دفع بهم لاتخاذ قرار بتزويد إسرائيل بوقود للطائرات بقيمة تزيد عن مائتي مليون دولاراً كما ذكرنا .

   فمن أجل تحقيق النصر على حزب الله ، لم تتورع أمريكا من منع صدور قرار أممي بوقف فوري لإطلاق النار كما حدث مؤخراً ، حتى يستطيع الإسرائيليون تحقيق الهدف (الغائي) المشترك ، وهو القضاء على كوادر هذا الحزب وتفكيكه وتدمير بنيته التحتية بأي ثمن .

 السيناريو الثالث :يتلخص في عدم قدرة أي من طرفي الصراع (حزب الله وإسرائيل) تحقيق مكاسب حاسمة على حساب الطرف الآخر ، ما يعني الإبقاء – نسبياً – على ما كان عليه الوضع في الجنوب اللبناني قبل الحرب .. بما يشكله ذلك من خطر احتمال اشتعال الموقف ثانية إذا ما توافرت الظروف المواتية لذلك .

   ولعل هذا السيناريو يبقى الأوفر حظاً ، ولكن مع تغيير نسبي في تموضع قوات حزب الله في الجنوب اللبناني لصالح إسرائيل وتغير قدراته في إطلاق الصواريخ عليها من ناحية ، وفي ظل الاحتقان السائد في المنطقة نتيجة العربدة الإسرائيلية والدعم الأمريكي السافر للكيان العبري في هذه الحرب الذي استبق زيارة كوندا رايس للمنطقة بقرار تزويدها بقنابل ذات قدرة تدميرية عالية يصل وزن الواحدة منها 2.5 طن من ناحية ثانية ، وبرغم التصريحات الدبلوماسية التي ألقى بها وزير الحرب الإسرائيلي "عامير بيريتس" وقال فيها "إن بلاده قد تقبل قوات حفظ سلام تابعة لحلف الناتو في جنوب لبنان لضمان إبعاد حزب الله عن الحدود الإسرائيلية اللبنانية" من ناحية ثالثة .. هذا إضافة للتحرك السياسي المكثف الذي تشهده المنطقة الآن والذي يستهدف تكريس فكرة نشر قوات دولية عازلة في جنوب .

   ومع ذلك فإن المراوغة التي تمارسها إسرائيل وأمريكا حتى بالنسبة لنشر هذه القوات ، فضلاً عن إطالتها للحرب التدميرية التي تشنها على لبنان ، بلغت حداً من الاستهانة بالأنظمة العربية وشعوبها لا يمكن تصوره . فقد صرح رئيس وزراء إسرائيل بأن نشر مثل هذه القوات قد يتم على المدى المتوسط ، وأن الحديث عنه الآن سابق لأوانه ، كما ردد بوش - في معرض رفضه للاقتراحات السعودية بشأن وقف القتال - مقولته عن أن : ما تفعله إسرائيل في لبنان إنما يعبر عن حقها المشروع في الدفاع عن النفس . وهذا يعني - في النهاية - أن آلة الحرب الإسرائيلية سوف تستمر في عملية تدميرها للبنان لفترة أطول ، وهو ما أكدته أنباء عن أن أمريكا أعطت إسرائيل أسبوعاً آخر - ثالثاً على ما يبــدو - للإجهاز على معاقل حزب الله أو على الأقل إبعاده لمسافة 20 عن الحدود داخل العمق اللبناني .

   ولنا في هذا السياق أن نتصور .. كم هو مبلغ الاضطراب والقلق وحالة الغليان التي تعم الشارع العربي الآن ، ليس بسبب العدوان الإسرائيلي على لبنان وفلسطين فقط ، وإنما للتدخل الأمريكي السافر في شئون المنطقة بأكملها من ناحية ، وبسبب الصمت العربي الرسمي المطبق حيال ما يجري في المنطقة العربية من عربدة أمريكية إسرائيلية ، والتي - بلا شك - سوف تنبت العديد من أشكال المقاومة لمخططات أمريكا وإسرائيل الاستعمارية الاستيطانية في المنطقـة .

السيناريو الرابع :يتلخص في احتمال إقدام النظام السوري على الدخول في مرحلة معينة من الحرب ، جرى الاتفاق عليها بين ما يسمى بمحور "سوريا – إيران – حزب الله – حركة حماس" ، وهو ما أشار إليه وزير الإعلام السوري في حديث له مع صحيفة إسبانية حين قال : "إن سوريا ستدخل الصراع بين إسرائيل وحزب الله إذا ما دخلت القوات البرية الإسرائيلية لبنان واقتربت من سوريا".(موقع الجزيرة) .

   والواقع أن رد فعل إسرائيل العنيف على عمليتي أسر الجنود الإسرائيليين الثلاثة اللتين قامت بهما حركة حماس وحزب الله ، يبدو أنه جاء استباقاً لتنفيذ مخطط تعتقد إسرائيل بأن هذا المحور قد أعده لضربها بهدف إحباط مخطط أمريكي إسرائيلي مقابل ، يعتقد هذا المحور أنه يسعى لتصفية حزب الله وحركة حماس من ناحية ، وتطبيق نظرية "الفوضى البناءة" التي ينادي بها المحافظون الجدد على سوريا بهدف تفتيتها وتدمير قواها ، مثلما جرى في أفغانستان والعراق من ناحية أخرى .

   وعلى الرغم من أن هذا السيناريو يبدو في نظر الكثيرين مستبعداً غير أن احتمال وقوعه أمر وارد ، وبخاصة أن الأطراف الأربعة التي يتشكل منها هذا المحور أصبحت الآن متيقنة أكثر من أي وقت مضى بأنها مستهدفة ، وأن تعرضها لضربة عسكرية إسرائيلية وأمريكية بات مسألة وقت لا أكثر .

   ومهما يكن من أمر هذه السيناريوهات وحظها من حيث الصحة أو الخطأ في التقدير ، فإن ثمة أمراً واحداً يجب أن لا يختلف عليه العرب والمسلمون وهو : إن كل ما جرى ويجرى ضد البلدان العربية والإسلامية - بدئاً بأفغانستان وانتهاء بالحرب الدائرة في لبنان - إنما يتم بوحي من نظرية صدام الحضارات التي يعتقد بها المحافظون الجدد ويعملون بهديها بدعم من الصهيونية العالمية والمسيحية المتصهينة ، والتي يرون بموجبها أن القضاء على الثقافة الإسلامية أمر واجب وحتمي ، باعتبار أنها تمثل الخطر الآني والداهم على الحضارة الغربية المعاصرة .

المصدر: محيط

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...