واشنطن تخلط الأوراق السورية: تسليح المعارضة وإعادة النظر بالتفاهم مع روسيا
تحت عنوان تصحيح ميزان القوى الميداني، تندرج كل المناورات من تسليح المعارضة السورية أميركياً، فهيكلة «الائتلاف الوطني السوري» المعارض، إلى إعادة النظر بشروط التفاهم الروسي ــ الأميركي، قبل الجلوس حول طاولة المفاوضات.
ما كان منتظراً، بأي حال، أن تذهب الإدارة الأميركية قبل اجتماع جنيف التحضيري في ٢٥ حزيران الحالي، ولا حتى إلى لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي باراك أوباما في قمة مجموعة الثماني في ايرلندا الشمالية الاثنين المقبل، من دون تعديل ميزان القوى الميداني ما بعد معركة القصير، التي أصبحت هاجساً أميركياً.
والمراجعة كانت تفرض نفسها أصلاً قبل معركة القصير، التي لم تفعل سوى إظهار الضعف الهيكلي للمعارضة السورية، بالنسبة لديبلوماسيين أميركيين يعملون على الملف السوري في أوروبا، ورفعوا تقريراً إلى البيت الأبيض الأسبوع الماضي، عن الخلل الكبير الذي أصاب ميزان القوى في سوريا. وهو خلل لم تقتصر تداعياته على القصير، وإنما يجد جذره الآخر، بحسب تقديرات الديبلوماسيين الأميركيين، في تنازلات جوهرية أيضاً قدمها أقرانهم للروس خلال الاجتماع التحضيري لمفاوضات جنيف في الخامس من حزيران الحالي.
ويشمل التقرير الأميركي مجموعة من الاقتراحات والتقديرات، قام بتلخيصها ديبلوماسيون مستعربون أميركيون، بناء على اجتماعات مع معارضين سوريين، عسكريين ومدنيين، ووزراء خارجية المجموعة المصغرة لـ«أصدقاء سوريا» في الأسابيع الأخيرة، من الأردن وتركيا والسعودية، فضلاً عن لقاءات ديبلوماسية فرنسية، أميركية وبريطانية، بعضها سري، وبعضها الآخر علني.
ويقول قطب سوري معارض إن الفرنسيين استطاعوا إقناع الأميركيين أنهم قدموا تنازلات مجانية للروس في جنيف ينبغي التراجع عنها في الاجتماعات المقبلة، لأن ذلك سيشجع النظام السوري في ظل ميزان القوى الحالي على كسب الوقت للتقدم نحو حلب واستعادتها، وفرض الأمر الواقع على المعارضة وحلفائها.
ونقل ديبلوماسي غربي أن الصقور من فرنسيين وبريطانيين وأتراك وسعوديين استطاعوا الحصول على تعهد أميركي بالرد على التدخل الإيراني و«حزب الله» في القصير وبسرعة، وهو ما حصل مع قرار التسليح. كما حصلوا على تعهد ألا يعقد مؤتمر جنيف في حال هدد الجيش السوري حلب بالسقوط أو قام بعمليات عسكرية كبيرة حولها.
ويورد التقرير تلخيصاً للاستخبارات الغربية حول حلب، ويقول إنه لا توجد استعدادات عسكرية سورية مشابهة لتلك التي شهدتها القصير، وإن الجيش السوري لن يكون قادراً على استعادة المدينة إلا عبر اختراقات أمنية للمعارضة المسلحة فيها.
ويركز التقرير، الذي اطلع عليه ديبلوماسي غربي، على ضرورة العودة عن احدى ابرز نقاط التفاهم الروسي ـ الأميركي، التي وضعت مسألة نقل الصلاحيات الرئاسية إلى الحكومة الانتقالية بين يدي المفاوضين السوريين، بخلاف ما كان ينص عليه إعلان جنيف الأساسي، بحسب ما يرى التقرير الديبلوماسي. وهو يعتبر عملية نقل الصلاحيات ناجزة، وغير خاضعة لأي مساومة.
ويرى التقرير أنه مع ذلك لا خيارات أخرى سوى الحل التفاوضي، ولكنه من الممكن الحفاظ على التفاهم الروسي ـ الأميركي والرهان التفاوضي، مع تطوير عناصر تفاوضية أكثر توازناً تعتبر أن خروج الرئيس بشار الأسد من السلطة هدف نهائي للعملية الانتقالية، الأمر الذي لم يعد واضحاً في المفاوضات التحضيرية مع الروس.
وقال نائب مستشار الأمن القومي بن رودس إن الرئيس باراك أوباما سيبحث كيفية مساعدة سوريا على إيجاد سبيل لإنهاء الحرب خلال مؤتمر قمة مجموعة الثماني في ايرلندا الشمالية الاثنين المقبل. وأعلن أن «البيت الأبيض لا يتوقع أي سيناريو يتضمن احتمال بقاء الأسد في السلطة بسوريا»، مضيفا «نريد أن تكون المعارضة السورية أقوى ما يمكن».
ووفقاً للتقرير، نجح الروس بنقل نقطة الصلاحيات الرئاسية إلى طاولة المفاوضين السوريين، ليقوموا هم بترجمته، كما أن نقاطا أخرى في الإعلان الأساسي لجنيف تتعلق بقضايا الدفاع والأمن، تحولت إلى قضايا ضبابية تسمح بتفسيرات كثيرة، لا بد أيضاً من إعادة توضيحها مع الروس في اجتماع ٢٥ حزيران.
وحذر الكرملين من أن القرار الأميركي بتسليح المعارضين سيضر بفرص عقد مؤتمر «جنيف 2». وقال مستشار السياسة الخارجية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوري اوشاكوف، ردا على سؤال عما اذا كان القرار الأميركي بدء تسليح مقاتلي المعارضة السورية سيدفع روسيا إلى بدء تسليم دمشق صواريخ «اس 300»، أن «الكرملين لا ينظر في إمكانية تجميد عقد توريد صواريخ «إس 300» إلى سوريا». وأضاف «نسعى للتوصل إلى تسوية للأزمة السورية بشكل بناء».
وذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، أن وزير الخارجية سيرغي لافروف أكد لنظيره الأميركي جون كيري أن «هذه الخطة (الدعم العسكري) تهدد بتصعيد (العنف) في المنطقة بينما الاتهامات الأميركية ضد دمشق باستخدام أسلحة كيميائية ضد المعارضة لا تدعمها أي وقائع تم التحقق من صحتها».
ويصف التقرير نقاط الخلل في ما يتجاوز ميزان القوى الموضوعي بين الروس والأميركيين، إلى حد اعتبار «الائتلاف» عنصراً بنيوياً في أزمة المعارضة السورية. ويوصي التقرير بأنه ينبغي العمل ما أمكن على تأخير الاجتماع في جنيف إذ لا يجوز دفنه. ولكن ينبغي تغيير موازين القوى، بيد انه لا يجوز عقد المؤتمر في ظل عدم جاهزية «الائتلاف» وعدم قدرته على التفاوض من موقع متكافئ أيا كانت نقاط التفاهم بين الروس والأميركيين، وكائنا ما كانت موازين القوى، «أمالت لصالحنا أم لا»، يقول التقرير.
إلى ذلك، وفقاً للتقرير فإن المعارضين السوريين في «الائتلاف» تنقصهم الحنكة والقوة الضرورية للحفاظ على المكتسبات، التي ساعدهم الحلفاء على انتزاعها. واستعرض التقرير سلسلة إخفاقات متتالية للائتلاف، تبدأ بوضع الائتلافيين العصي في دواليب مبادرة رئيسه السابق احمد معاذ الخطيب التفاوضية، وتصويته على «حكومة مؤقتة» لم يستطع تأليفها، فضلاً عن عجزه عن إعادة الهيكلة المستمر، وغياب الشفافية في الإنفاق المالي، وعدم الاستفادة من الدعم والاعتراف الدولي، وفشله في السيطرة على الميدان والعمليات العسكرية. ويضاف إلى ذلك وجود حالة من الكراهية ضده في المناطق التي خرج منها النظام.
ويقترح الأميركيون التدخل مباشرة لفرض قيادة على «الائتلاف»، والاتفاق على الوفد التفاوضي، وعلى حسن إدارة التحرك الديبلوماسي المقبل.
وكان الفرنسيون قد اقترحوا لتحسين أداء المعارضة وضع «رئيس أركان الجيش السوري الحر» اللواء سليم إدريس على رأس «الائتلاف» وعسكرته، بعد عسكرة «الثورة» على اعتباره الشخصية الكاريزمية، التي تحتاجها «الثورة»، و«ديغول سوريا» كما يصفه ديبلوماسي فرنسي بارز يشرف على «الائتلاف» السوري في كل الاجتماعات والمؤتمرات.
كذلك، يطرح الأميركيون فكرة الانتقال إلى الهيكل الثالث، في حال اخفق «الائتلاف»، بعد «المجلس الوطني السوري»، في تحقيق المطلوب منه.
وفي سياق شرح القرار الرئاسي الأميركي بتسليح المعارضة، يقول التقرير إن الأمور لم تحسم عسكرياً بعد القصير. ويشير إلى مقابلات أجريت مع زعماء المعارضة السورية، واقتراحاتهم لمواجهة تقدم الجيش السوري، والتي يبدو أن احدها، بحسب ديبلوماسي غربي، يميل إلى الواقعية أكثر من غيره. إذ ينسب التقرير إلى إدريس اقتراحه على الأميركيين التركيز على جبهة درعا، وفتح جبهات صغيرة أخرى في وجه الجيش السوري المنتشر، وذلك بهدف إلهائه عن جبهة حلب.
ويقول قطب سوري معارض إن التركيز على جبهة درعا ليس مجرد صدفة، وإن الإعلان عن إدخال أسلحة ثقيلة وصواريخ إلى هذه المنطقة بالذات يأتي في الوقت الذي تتقدم فيه مفاوضات مع كتائب مقاتلة، تضم أكثر من أربعة آلاف عنصر من المعارضة، خرجت عن سلطة «رئيس المجلس العسكري» في المنطقة العميد احمد النعمة، ومقره الحالي عمان.
وبحسب المعارض السوري فإن الإسراع في تسليح هذه المنطقة هو لنقض هدنة قريبة شارفت على الانعقاد. وتنص الهدنة على وقف القتال وتحييد المنطقة، وإطلاق سراح المعتقلين، والاحتفاظ بالمدافع، ووقف القصف المدفعي، ومنح حرية الحركة للمدنيين ومنظمات الإغاثة.
وأعلن رودس أن واشنطن لا تفكر بإقامة منطقة حظر طيران فوق سوريا، وذلك بعد ساعات من نقل صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين قولهم إن واشنطن تفكر في إقامة منطقة حظر جوي بعمق 40 كيلومترا، لتدريب المسلحين، تحميها الطائرات الأميركية من فوق الأردن، وهو أمر لا يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن الدولي.
ويورد التقرير اقتراحاً استقاه الديبلوماسيون الأميركيون من لقاء مع رئيس «الائتلاف» بالإنابة جورج صبرا، يرى فيه أن «التدخل الشيعي» في معركة القصير أدى وسيؤدي إلى تدفق الآلاف من المجاهدين إلى سوريا، ويجب الاستفادة من هذه الفرصة ليقود «الجيش الحر» هجوماً مضاداً ضد الجيش السوري على كل الجبهات.
كذلك، يورد التقرير حديثاً لقطب علماني ديموقراطي من «الائتلاف»، يقول فيه لديبلوماسيين أميركيين إن معركة حلب هي فرصة لضرب الجيش وتفكيكه، وإدخال «حزب الله» والجيش السوري إليها وسحقهم. وبرأيه، أن ذلك ممكن في ظل إمكانات «الجيش الحر»، بالتعاون مع «جبهة النصرة»، التي ستخوض معركتها الأخيرة قبل أن يقوم «الجيش الحر» بتحييدها.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد