هلال الصوم: مشكلة يجب أن تصبح من الماضي

07-03-2010

هلال الصوم: مشكلة يجب أن تصبح من الماضي

تكررت هذه السنة مشكلة ينبغي ان تصبح من الماضي وتنقسم الى قسمين:
القسم الأول: تأخير اعلان اتمام عدة شعبان ثلاثين يوماً حتى حوالى التاسعة ليلاً، لدى الدول والجهات التي اعتمدت الاثنين بداية لشهر رمضان المبارك، وهي الأكثرية: السعودية ودول الخليج ولبنان وسوريا والجزائر.
القسم الثاني: مضمون البيان الذي اعتمد يوم الأحد بداية لشهر رمضان لدى الأقلية، اي مصر وفلسطين والاردن والعراق.
والمشكلة ليست في انقسام الرأي، فاختلاف الراي ملازم لطباع البشر وطبيعي، ولكنها تكمن في عدم وضوح المنهجية المعتمدة لاثبات الشهر القمري... وهذه المنهجية واضحة في بيان سماحة السيد محمد حسين فضل الله وتدعو الى اعتمادها والانطلاق منها الى منهجية أخرى.
والمقصود هو الآتي:
أولاً: اعلان كل الجهات ذات الصلة لاعلان الصوم والفطر في كل البلاد الاسلامية ان الحساب الفلكي هو أمر يقيني، نتائجه ملزمة شرعاً وأرقامه تفيد اليقين وتغني عن الرؤية بالعين المجردة، وهي حسابات وأرقام لا تخضع الى مزاجية استنسابية او احتمالات، والخطأ فيها ليس وارداً.
فالمختصون قادرون بآليات بسيطة وحسابات سهلة ان يحددوا ولادة القمر وإمكان رؤية الهلال ومن اي بقعة في العالم... والتحديد يكون بالدقائق والثواني، ولا يحتاج القيام بهذه العملية الحسابية اي شهادات جامعية عالية او مرصداً علمياً ذائع الشهرة، بل هو بسيط يمكن أن يتلقاه كل من رغب وكان في بداية التعليم الجامعي في مجال الجيولوجيا او الفلك او الجغرافيا الطبيعية.
وهذه الحسابات ليست نتيجة التطور العلمي في القرن العشرين فحسب، بل هي ملازمة لتطور العلم منذ عصر النهضة تقريباً. وقد أكد العالم الفلكي اللبناني الأصل (يوسف مروة) انه قارن حسابات القمر، المسماة "زياج"، والتي حصل عليها من كتب تاريخية للعلماء المسلمين منذ مئات الأعوام، بحسابات وكالة الناسا الفضائية الاميركية فوجد تطابقاً مذهلاً. ولا شك في إن اكتشافات النصف الثاني من القرن العشرين وتطور الآلات الرقمية والتقنية... الخ، تجعل اليوم هذه الحسابات أكثر دقة، كما تجعل الوصول اليها اسهل بكثير من قبل.
وهذا أمر لا يجوز أن يكون موضع تشكيك وتساؤل، ومن يرضى بنتائج العلم الحديث فيستعملها ويعتمد عليها في تفاصيل حياته وفي المساجد والمدارس وغيرها لا ينبغي له ان يقول إن نتائج العلم والتقنية دقيقة ومعتمدة في كل شيء إلا في حسابات القمر... فهذه مغالطة مرفوضة جملة وتفصيلاً. وعلى المشككين ان ينظروا الى خارطة الكسوف او الخسوف ودقة رصدها والتفاصيل الدقيقة في ذلك.
وينبغي الخروج من اشكالية التشكيك بالحساب الفلكي والتأكيد انها جزء من العلم الشرعي المطلوب، وقد اشارت آيات كثيرة الى دقة النظام الكوني، نكتفي منها بثلاثة امثلة: قوله تعالى: (هُوَ الذي جَعَلَ الشّمسَ ضياء والقمرَ نوراً وقدّرهُ منازِلَ لِتعْلمُوا عَدَدَ السّنينَ والحسابَ مَا خلقَ اللهُ ذلِكَ إلاَّ بالحقِّ يُفصّلُ الآياتِ لقومٍ يعلمُون) يونس 5.
ثانياً: أن عدم اعتماد موقف واضح يتسبب في مشكلة الشهر الذي نحن فيه. فالحساب الفلكي يؤكد في شكل قاطع عدم الرؤية، لأن الهلال ولد قبل المغيب بساعتين ودقائق، مما يجعل الرؤية متعذرة اذ أجمع علماء الفلك على انه ينبغي أن تمرّ على ولادة الهلال ست ساعات كاملة على الأقل كي يتمكن الراصدون من رؤيته عند المغيب بوضوح.
أي انه تستحيل رؤية الهلال مساء السبت عند المغيب، وهذا أمر يقيني، وبالتالي اذا كنا مصرين على اعتماد الرؤية، فالموقف السليم هو الموقف الذي اعلنه السيد فضل الله قبل ايام: الاثنين أول ايام شهر رمضان، وما كان ينبغي لنا ان ننتظر ساعتين او ثلاثاً حتى بعد مغيب يوم السبت لنعلم ان الاثنين هو بداية الصوم وليس الأحد.
بمعنى آخر إن دعوة الناس الى التماس هلال الصوم او الفطر وانتظار وقت قد يكون طويلاً بعد المغيب لاعلان الصوم او عدمه أمر ليس له أية قيمة إذا اعتمدنا الحساب الفلكي، بل تصبح المحافظة على فكرة الالتماس والبحث عن هلال الصوم مثل المحافظة على فولكلور رمضان، كالمسحراتي وفانوس رمضان ومدفع رمضان والنقوع والسوس وغير ذلك...
فالمطلوب إذاً اعلان بداية الشهر قبل أيام، او حتى في شكل يقيني غير خاضع لاتصال في آخر لحظة او التوافق أو التشاور.
ثالثاً: مشكلة اعلان مصر عدم الوضوح، ويقيني ان احداً لم ير الهلال في مصر ولا في الاردن وفلسطين، هذه حقيقة وليست خاضعة للجدل، ولو قصد دار الفتوى او القضاء في احد هذه البلدان او غيرها من زعم انه رأى الهلال لوجب على القاضي ان يعنفه ويتهمه بالكذب. فالأمر ليس خاضعاً لمزاجية او احتمالاًت وأوهام.
إما أن يصدر بيان عن الأزهر يقول "ثبت لدينا بالوجه الشرعي"... فانه يعتبر بهذه العبارة التقليدية بأسلوب مرفوض اذ ينبغي ان يقول البيان بجرأة كافية "ثبت لدينا بالحساب الفلكي أن شهر الصيام يبدأ الأحد" ليكون الموقف واضحاً.
الحساب يغني عن الرؤية، فان تم اعتماد ذلك تكون ولادة الهلال قبل مغيب اي يوم ولد بدقائق كافية لاثبات الدخول في الشهر القمري، من دون الحاجة الى الالتماس والرؤية وهذا يستتبع الاعلان من مصر، قبل ايام وبوضوح وعلانية ومن دون تردد في ذلك، وإلا لأمكن الافتراض في البيان نوعاً من التدليس، أي عدم اعلان الحقيقة بجلاء.
من الواضح أن السبب هو الحديث النبوي: "صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإذا عم عليكم فأتموا عدة شعبان ثلاثين يوماً". ولا يخفى ان ظاهر الحديث يدل الى وجوب الرؤية، إلا إذا علمنا أوله "أنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته..."، مما يعني ان السبب هو عدم استطاعة العلم في ذلك الوقت الوصول الى اليقين، أما وقد اصبحنا نستطيع الحساب للحصول على العلم اليقين فلا تعود الرؤية هي سبيل العلم.
أدعو هنا الى الاستغناء كلياً عن الرؤية الحسابية، وبالتالي الى اعتبار الشهر القمري قد بدأ، حتى لو ولد قبل المغيب بأقل من ست ساعات، مما يجعل الرؤية مستحيلة، اذ يكون العلم بولادة الهلال يقينا.
وعلى هذا يفترض ان يصوم الجميع مع مصر كما حصل هذا الشهر، لكن بعد ان يكون قد تم الاتفاق ما بين الجهات المختصة على الاستغناء عن الرؤية، وحتى ذلك الوقت لا بأس بأن يتبع الجميع منهجية السيد فضل الله: الحساب الذي يؤكد إمكان الرؤية او يرفضها، أما البقاء الى ساعة متأخرة من الليل لمعرفة بداية الشهر القمري فأمر لم يعد مقبولاً ولا مستساغاً ويتنافى مع مبادئ الاسلام روحاً ونصاً.

الشيخ ماهر حمود

المصدر: النهار

التعليقات

الرؤية هي الاساس في تحديد مطالع الاشهر القمرية وليس الحساب ولا علاقة بين ماذكره الكاتب من مطلع الحديث وربطه بالرؤية. والا فاين ما استنتجه واثباته العلمي ويمكن ان يقال له ان هذا رأيه ليس اقل ولا اكثر من ذلك. الرؤية مستمرة في اي عهد وزمن ولا تتعلق بالحساب الذي يرقى اليه الخطأ فمن قال للكاتب ان الحساب امر يقيني؟؟؟!!! اي نعم هناك ملاحظة وهناك قانون وهناك سنة كونية لكن ان يقال انها يقينية فهذا ليس بمنهج علمي ومن قال للكاتب او كيف استنتج ان الخطأ في الحسابات الفلكية امر ليس وارد؟؟؟!! اي في كل الحسابات يوجد هناك هامش للخطأ كبر او صغر هذا في اول درجات تعلم الحساب فكيف بامر ديني يتعلق بشعيرة اسلامية... اي نعم يمكن الاستعانة بالحساب لكن ان تعارض الحساب مع الرؤية فتقدم الرؤية حتما لان اتباع السنة الثابتة اولى من اي حساب كان عصري او قديم. وسؤال للكاتب فيما اذا حدث للبشرية امر وعادت امورها الى سابق عهدها القديم فكيف سيكون الامر ؟ للحساب ام للرؤية لذا اشرت الى ان الرؤية اضبط واشمل واعم ولا يرقى اليها الشك باي صورة من الصور لان من لديه علم بكيفية استنظاق الشاهد لدى القاضي يتيقن بأن الرؤية حاصلة. ولنفرض جدلا بأن الامر تداخل فاحتمال الخطأ مع المجموع الثابت المستند الى اصل الحديث افضل ماقرب للمولى من اللجوء للحساب مع الاختلاف الذي لن تجتمع عليه الامة مادام فيها اناس يتبعون الهدي النبوي والسنة الثابتة وهدي الصحابة وافعالهم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهدينن الراشدين من بعدي. والله ولي التوفيق

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...