هل يمهد التقارب الإماراتي السوري لإعادة العلاقات الخليجية مع دمشق؟
في إطار تعميق العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الدولتين، بحثت الإمارات وسوريا تطوير العلاقات الاقتصادية وتوسيع آفاق الشراكة المثمرة والواعدة بين البلدين في مرحلة ما بعد “كوفيد 19”.
والتقى عبدالله بن طوق المري وزير الاقتصاد الإماراتي، محمد سالم خليل وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري، على هامش الحدث الاستثنائي العالمي، معرض “إكسبو 2020 دبي” بهدف تعزيز سبل التعاون الاقتصادي.
وطرح البعض تساؤلات بشأن زيادة التقارب والتعاون بين الإمارات وسوريا، ومدى إمكانية أن يسهم في زيادة التعاون الخليجي مع دمشق، وعودة سوريا إلى الحضن العربي مجددًا.
الإمارات وسوريا
وخلال اللقاء، دشن الطرفان (الإماراتي والسوري) خطط عمل لخلق مسارات جديدة للتكامل الاقتصادي وتطوير التبادل في بعض القطاعات المهمة في الجانبين. واتفقا على خطة مستقبلية للعمل المشترك خلال المرحلة المقبلة لتعزيز تدفق التجارة وبحثا التحديات الاقتصادية التي تواجهها سوريا في الوقت الراهن وسبل التغلب عليها، وناقشوا إمكانية الوصول الى مستويات جديدة للتعاون من الجانب الاقتصادي والاستثماري.
وشدد عبدالله بن طوق المري، على عمق العلاقات الاقتصادية والروابط العربية والأخوية والتاريخية التي تجمع البلدين الصديقين، مشيراً إلى أن الشراكة بين البلدين في المجالات الاقتصادية تشهد نمواً مستمراً، وهو ما يعكس قوة ومتانة الشراكة الإماراتية السورية على مختلف الصعد.
وتابع: “نأمل خلال المرحلة المقبلة في تنمية العلاقات لتحقيق معدلات أعلى من الشراكة بما يلبي تطلعات البلدين وإمكاناتهما الاقتصادية، والاستفادة من الفرص الجديدة خصوصاً من خلال الاستثمار في القطاعات الحيوية والمستقبلية”.
وأوضح أن دولة الإمارات، تعد أهم الشركاء التجاريين لسوريا على المستوى العالمي وتحتل المرتبة الأولى عربياً والثالثة عالمياً، وتستحوذ على ما يتجاوز نسبته 14% من تجارة سوريا الخارجية، مشيرا إلى أن حجم التبادل التجاري غير النفطي خلال العام الماضي 2020 بلغ نحو 2.6 مليار درهم، فيما بلغ خلال النصف الأول من العام الجاري 2021 نحو مليار درهم، فيما تجاوزت قيمة الاستثمار السوري المباشر في دولة الإمارات 1.5 مليار درهم بنهاية 2019.
تعاون إماراتي سوري
قال حسن إبراهيم النعيمي، المحلل السياسي الإماراتي إن “أثناء اندلاع ثورات الربيع العربي اتخذ العديد من الدول موقفًا من النظام السوري بسبب ردة فعله تجاه شعبه وبدأت تلك الدول تساند المليشيات والتنظيمات المناوئة للنظام وتدعمها بالمال والسلاح والدعم اللوجستي ودخلت في الصراع الدائر في سوريا الدول التي لها أطماع توسعية وساندت النظام فتدخلت في الصراع كثير من الدول بدوافع مختلفة مما أدى إلى عدم الاستقرار وتكبدت جميع الأطراف الخسائر الباهظة وكان التوتر هو سيد الموقف ولم تبد في المستقبل المنظور بوادر حسم تلك الصراعات
وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”، اليوم تبدلت المعطيات واختلفت الاستراتيجيات وأصبح الجميع يسعى إلى الاستقرار والسلام في المنطقة وتوفير المال المهدر وتوجيهه للتنمية لتجاوز الأزمات التي حلت بالعالم في الفترة الأخيرة، وتراجعت سياسات الدول بما فيها الولايات المتحدة وأصبح التركيز حاليا على الداخل وتقليص النشاطات الخارجية.
ويرى النعيمي أن دولة الإمارات ودول الخليج تغيرت سياساتها أيضا فحل التعاون والتكامل الاقتصادي والأمني بين الدول محل الصراعات وأصبح إحلال الاستقرار والسلام في المنطقة هو الهدف الاستراتيجي للجميع.
مدخل العلاقات السورية الخليجية
بدوره اعتبر أسامة دنورة، المحلل السياسي والاستراتيجي السوري، أن “الإمارات لا تزال تحافظ على مقاربة متميزة تجاه القضايا الإقليمية، وهي احتفظت منذ بداية ما يسمى بموجة الربيع العربي بهامش من الاختلاف تجاه الموقف من الوضع السوري، وهذا الاختلاف يتعلق بالدرجة الأولى بإدراك الإمارات خطورة المد الإخواني على استقرار المجتمعات العربية من جهة، وركوب التركي لحصان طروادة الإخواني لبلوغ مآرب توسعية في المنطقة”.
وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”، هذا الإدراك الإماراتي كان متحررا إلى حد بعيد من إكراه الازدواجية الذي عانت منه السعودية خلال العقد الماضي، والذي يعود إلى إدراك السعوديين لخطورة الإخوان كعامل اضطراب، وكمطية تركية – قطرية، ولكن عجزهم في الوقت ذاته عن البدء مبكراً بمواجهة الإخوان نظراً لتركيبة المجتمع السعودي الداخلية وطبيعته الأيديولوجية، كما أن الموقف الإماراتي تميز بواقعيته تجاه إيران، رغم الخلاف حول ملفي اليمن والتطبيع.
وتابع: “انطلاقاً من تمايز الموقف السياسي الإماراتي شكل اقتصاد الإمارات متنفساً لرجال الأعمال السوريين على مختلف مواقفهم السياسية منذ البداية، وعلى الرغم من وجود مساحة لا يستهان بها من التباين تجاه قضايا المنطقة بين سوريا والإمارات، إلا أن التطور الذي يحدث في العلاقة ما بين البلدين يمثل انموذجاً لما يجب أن تكون عليه العلاقات العربية – العربية”.
ويرى دنورة أن تطور هذه العلاقة يكرس التمييز بين مفهومي الاختلاف والخلاف، فالاختلاف في منظومة العلاقات الإقليمية والدولية أمر طبيعي بين الدول، حسب اختلاف موقعها الجيوبوليتيكي وأولويات مصالحها ومنظورها الخاص لتقييم المخاطر الاستراتيجية، ولكن هذا الاختلاف لا يقتضي الخلاف إلا في حالة وجود مساحات للصدام المباشر بين البلدين، في حين أن البناء على المشتركات الاستراتيجية وتطويرها هو ما يجب أن يكون سائدا.
ويعتقد المحلل السوري أنه من حيث المبدأ فالتعاون الإماراتي السوري هو عامل مساعد ولكن ليس حاسماً في تطور العلاقات السورية مع باقي الدول الخليجية في نفس الاتجاه، لا سيما أن هناك ملامحا للاختلاف ضمن مجلس التعاون ما بين الإمارات والسعودية تجاه بعض القضايا بما فيها الحرب في اليمن.
ولكن بالمقابل – والكلام لا يزال على لسان دنورة- فإن وجود اتجاهات إيجابية سابقة ومستمرة في العلاقات السورية مع كل من البحرين وعمان، وبدرجة أقل مع الكويت، قد يجعل من تطور العلاقات السورية – الإماراتية بيضة القبان التي تحتاجها المنظومة الخليجية، (وتالياً العربية)، لاستعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا، وكلما تقدمت الإمارات خطوة في هذا الاتجاه، فذلك بلا شك يساهم في تسريع عودة العلاقات الطبيعية إن كان ضمن إطار الجامعة العربية، أو في إطار العلاقات الثنائية العربية – العربية، والعربية السورية بشكل خاص.
وأعادت الإمارات فتح سفارتها في العاصمة السورية، دمشق في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2018، بعد أن قطعت علاقاتها مع سوريا في شهر فبراير/شباط 2012.
إضافة تعليق جديد