من الأخطاء الشائعة عن الحج
د.سامح عسكر:
أن الحج يغفر لفاعله الذنوب جميعا، ورووا فيه أن من حج البيت رجع كيوم ولدته أمه، أي نظيفا من الخطايا والمعاصي، كأنك جئت بكوبٍ متسخ نظّفته في المغسلة..هكذا يتصورون الحج.. وهذا غير صحيح
أولا: لا يوجد في القرآن ما يدل على غفران ذنوب الحجاج، والأحاديث الشائعة في ذلك خبر واحد لا يُعتدّ بها في العقائد..
ثانيا: جمهور الفقهاء اختلفوا ..ووصلوا أن غفران الكبائر لا يحدث بالحج، لكنهم يستحوون قول ذلك للناس..ويتحرجون لمنزلة موسم الحج التي وصلت في العقود الماضية لكونه موسما سياسيا بامتياز يجري فيه التحريض السياسي والدعوة للحجاب وكراهية الآخر والفنون..إلخ..
ثالثا: حكمة الحج الرئيسية في اجتماع المسلمين على مصالحهم العامة، والتسوق والتبادل التجاري والثقافي والمعنوي، وهذا لم يعد موجودا.بل صار الحج منفعة مادية للبلد المضيف وآداة سياسية أحيانا للابتزاز ، واختفى تماما كل نداء لتوحيد المسلمين ونشر السلام والتسامح بينهم كما هو مفترض من ذلك الاجتماع السنوي..
رابعا: غفران الذنوب الماضية يحدث بالتوبة وقبولها من الله، وللتوبة شرائط معينة منها الإقلاع تماما عن الذنب والندم عليه والعزم على عدم إحياءه..ثم البدء بحياة جديدة يتطهر فيها المرء من دنس المعصية، فلو قبل الله ذلك الندم يكون الغفران قد تم..وما دام علم الله بقبول التوبة مجهولا للناس فلا يحق لأي شخص أن يزعم بغفران ذنوبه..ولا أن يخدع شخصا آخر بأنه مغفور الذنب..
خامسا: الإنسان سوف يُحاسَب على كل صغيرة وكبيرة فعلها في الدنيا ، قال تعالى " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" [الزلزلة 7: 8] وهذا يعني أن حق الناس يجب إيفاءه بالدنيا قبل الموت..
سادسا: الاعتقاد بأن الحج يغفر الذنوب جميعا جعل منه مجرد (بيزنس) وفرصة كبيرة للنفاق والتربح والادعاء بالتقوى والتطهر كل عام، مما أوقع المسلم في فعل الشر بسهولة وهو يعتقد بإمكانية غفرانه لمجرد المال وإمكانية السفر إلى مكة..ونزع تماما فضيلة الحب والإيثار من قلب المسلم وحرصه على إرضاء المظلومين والضعفاء ممن تضرروا بأفعاله..
سابعا: باب التوبة مفتوح والله أعلن عفوا عاما عمن يريد الرجوع والخضوع، وهذا معنى قوله تعالى " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم" [الزمر : 53]..فالله يبشر التائب بغفران ذنوبه لو أراد هو أن يكف عن الخطايا..وفقا للشروط أعلاه، وفي مقدمتها إيفاء الحقوق لأصحابها والحرص على معاملة الناس بالحسنى..
ثامنا: فتح باب التوبة بهذا الشكل مقصود لإيقاظ الضمائر، وتشجيع المصلحين على العمل
تاسعا: الزعم بان الحج يغفر الذنوب جميعا لا يترك فرصة للإنسان أن يرى عيوبه، فبمجرد سفر وأموال وطقوس شكلية (ينتهي كل شئ)..هكذا يظن..فلا يقف على عيوبه ولا يترك فرصة لضميره أن ينهيه عن فعل الشر..
عاشرا: الزعم بأن الحج يغفر الذنوب جميعا يساوي الزعم بأن الصيام يغفر أيضا، ويشيع بين الناس أن صيام أيام معينة يغفرها..كيوم عرفات، ويقولون أن صيام رمضان يغفر..وهكذا، ترى من وضع أكذوبة تكفير الحاج لخطاياه هو نفسه من وضعها للصائم، وقد حدث ذلك في حقبة زمنية شاع فيها الدين الشكلي وعظّم الناس الطقوس مع إهمال العمل وفضيلة التفكير..
حادي عشر وأخير: الإيمان فقط لا يكفي لغفران الذنوب ولا الخلاص في الآخرة، دائما يكون الإيمان بالله مقرونا بالعمل الصالح، فمن آمن وعمل صالحا هو (الفائز) وهذا يؤكد أن مسألة غفران الذنوب جميعا للحجاج ما هي إلا خدعة كبيرة ووهما عاشه المسلمون لسنوات.
إضافة تعليق جديد